علي ابو بكر الحبشي – اندونيسيا – شافعي
ولد عام ۱۹۷۸م بمدينة ” مالانك ” في أندونيسيا(۱)، نشأ في أوساط عائلة مسلمة تعتنق المذهب الشافعي.
تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في التسعينات بمدينة ” بانجيل ” الأندونيسية، بعد مباحثات ومناقشات عديدة أجراها مع العلماء وأصحاب الاختصاص في المجال الفكري والعقائدي، ومطالعات كثيرة لكتب الحديث.
السعي لمعرفة الحقّ:
يقول الأخ علي الحبشي: ” بعد بلوغي مرحلة النمو والنضوج الفكري وتفتح الذهنية لاكتساب المعارف، زاد عندي حبّ الاستطلاع حول مباني العقيدة الإسلامية وآراء المذاهب فيها، لاسيما في ما يتعلق بالأُصول وخصوصاً التوحيد والعدل الإلهي، فعكفت على المطالعة في هذا المجال حتى تبيّن لي أنّ آراء الأشاعرة والمعتزلة غير متّسقة ومتناقضة ومتأرجحة بين الجبر وسلب الاختيار، وبين التفويض وحرية الاختيار، فزادت حيرتي لا سيما بعد أن وجدت استفساراتي وأسئلتي لم تجد الإجابات المقنعة، بل لم تلق تجاوباً ملحوظاً من قبل علماء مذهبي.
فانعطفت في مسيرة بحثي بإتجاه كتب الحديث لعلّي أجد ضالتي فيها، وأوّل ما بدأت بكتاب صحيح البخاري ـ لأعتقادي بصحّة كل ما فيه، وأنّه كتاب لا يفوقه سوى القرآن ـ باعتباره جامع لمعظم أحاديث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في مختلف المجالات، بصورة لا شائبة فيها.
لكنّني بمجرد أن تأملت وأمعنت النظر في أبوابه وفصوله، تغيّرت رؤيتي له “.
صحيح البخاري عند أبناء العامة:
إنّ أبناء العامّة يعتبرون صحيحي البخاري ومسلم من أصحّ الكتب وأكثرها اعتباراً وضبطاً بعد القرآن الكريم! ولذلك اعتمدوا عليهما تمام الاعتماد، واهتموا بهما غاية الاهتمام، حتى غالوا فيهما وبالغوا في اطرائهما، فصححوا كل ما ورد فيهما، وأنزلوهما بمنزلة عجيبة، بحيث لم يجوّزوا نقدهما من حيث المتن أو السند!.
وذلك لأنّهم يعتقدون أنّ ما فيهما هو من نطق رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّ الذين رووا هذه الأحاديث جازوا القنطرة(۲)!، حتى قال القاضي الفضل بن روزبهان في هذا الصدد ـ وهو يرد على العلامة الحلّي ـ: ” لو أنّ أحداً حلف يميناً بأنّ كل ماورد في الصحاح الستة من الأحاديث فهو صحيح وهو قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، لكان يمينه صحيحاً ولا عليه حنث “(۳)!.
ولقد كان لصحيح البخاري النصيب الأوفر من المدح والإطراء حتى بالغ كثير منهم في هذا المجال:
فقال الچلبي: ” إنّ السلف والخلف قد أطبقوا على أنّ أصح الكتب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى صحيح البخاري، ثم صحيح مسلم “(۴).
وقال الذّهبي: ” وأمّا جامع البخاري الصحيح فأجّل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله عزّوجلّ “(۵).
وقال النووي: ” إنّ أصح الكتب بعد القرآ ن الصحيحان: البخاري ومسلم، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد “(۶).
وقال ابن حجر المكي: ” الصحيحان هما أصح الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتدّ به “(۷).
وقال القاسمي: ” صحيح البخاري عدل القرآن “(۸).
نظرة في صحيح البخاري:
يقول الأخ علي الحبشي: ” كشفت لي دراستي المعمقة لصحيح البخاري وشروحه أموراً لم أكن أتوقّعها من قبل، فإنّها أدّت إلى فقدان اعتبار هذا الكتاب عندي “.
والباحث المدقق، يجد في أحاديث البخاري وأسانيده من الخلل والضعف ما يوجب سقوط الكثير من رواياته، وبالخصوص بعد النظر لأقوال علماء الجرح والتعديل من أهل العامة في هذا المجال:
فقد قال ابن الصلاح: ” لقد احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الطعن بهم، كعكرمة مولى ابن عباس، وإسماعيل بن أويس، وعاصم بن عليّ، وعمرو ابن مرزوق وغيرهم “(۹).
ونقل العراقي في شرح ألفيته: ” أنّ النسائي ضعّف جماعة أخرج لهما الشيخان “(۱۰).
وقال أحمد شاكر في شرحه لألفية السيوطي: ” قد وقع في الصحيحين كثير من رواية بعض المدلّسين “(۱۱).
وقال شعبة بن الحجاج: ” ممن اشتهر بالتدليس أبو هريرة “(۱۲)، وقد اعتمد عليه البخاري أكثر من جميع الصحابة!.
فهذه المؤاخذات على صحيح البخاري لايمكن غضّ الطرف عنها، لأنّ ضعف قسم من رجاله وعدم توثيقهم ـ فضلاً عن روايته واعتماده على ضعاف الإيمان(۱۳) والخوارج(۱۴)والنواصب(۱۵) ـ تجعل المرء غير مطمئن بالركون إليه.
كما يدرك أنّ محمّد بن إسماعيل البخاري قد تحكّمت الطائفية والعصبية المقيتة في عقيدته(۱۶)! حيث لم يرو حديثاً واحداً عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) !، الذي أقرّ المخالف والمؤالف بفضله وسعة علمه ونقاء منهجه.
وتوجد أسباب أخرى تقلّل من قيمة صحيح البخاري العلمية، منها:
الفترة الزمنية الطويلة الممتدة بين صدور الأحاديث النبوية الشريفة وتاريخ تدوينها، وما تخلّل تلك الفترة من الدسّ والوضع والتحريف والحذف وما شابه ذلك!، فلهذا تجد هذا الكتاب يعج بروايات شاذّة ليس لها إلاّ إسناداً واحداً(۱۷)، كما يعج بالإسرائيليات الكثيرة(۱۸)، فضلا عن الروايات القادحة بصميم النبوّة، وتمس نفس شخص الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، كشكه(۱۹)، وسهوه ونسيانه(۲۰)، وسحره لبعض الوقت(۲۱)، وشغفه ـ والعياذ بالله ـ بالغناء والغواني(۲۲)، وتعرّيه أمام الناس(۲۳)، وتفرجه ومشاهدته للرقص(۲۴)!!
ومنها تقطيعه للأحاديث وانتخاب ما يتمشى منها مع ذوقه ورأيه، وحذف عبارات من مقدمة الحديث أو نهايته(۲۵).
ومنها نقله جملة من الأحاديث بالمعنى وعدم روايتها باللفظ، وكذا تغطيته وتعتيمه على بعض الأسماء وإتيانه لها بشكل مجهول بكلمة ” فلان “(۲۶)!.
ومنها تكميل كتاب صحيح البخاري وتتميمه من قبل الآخرين!، خصوصاً وأنّ بعض الكتاب كان مبيضّاً والقسم الآخر منه كان غير تام(۲۷); ونسبة الكتاب كله إلى محمّد بن إسماعيل البخاري فرضية لا أكثر!.
هذا فضلا عن كثير من الأحاديث المخالفة صراحة للأدلّة العقلية والنقلية.
نقد بعض أبناء العامة لصحيح البخاري:
إنّ كتاب البخاري ـ جملة وتفصلا ـ عرضة للنقد، والجدير بالذكر أنّ أوّل من فتح هذا الباب على هذا الكتاب هم أبناء العامة أنفسهم، لا سيما العلماء والمحدثين والحفاظ والشراح الذين يعتمد على أقوالهم، والذي كان منهم:
۱ ـ أبو زرعة ـ المعدود من حفاظ الحديث وأعلام الرجال ـ فقد نقل الخطيب البغدادي عن سعيد بن عمرو، قال: ” شهدت أبا زرعة الرازي، ذكر كتاب الصحيح الذي ألّفه مسلم بن الحجاج، ثم الصائغ على مثاله ـ صحيح البخاري ـ فقال لي أبو زرعة: هؤلاء قوم أرادوا التقدّم قبل أوانه فعملوا شيئاً يتشوفون به “(۲۸).
۲ ـ ابن همام، حيث قال: ” وقول من قال: أصح الأحاديث ما في الصحيحين، ثم ما أنفرد به البخاري، ثم ما أنفرد به مسلم، ثم ما أشتمل على شرطهما، ثم ما أشترط على أحدهما، تحكم وباطل لايجوز التقليد فيه “(۲۹).
۳ ـ أحمد أمين ـ الكاتب المصري ـ حيث قال: ” وقد ضعّف الحفاظ من رجال البخاري نحو ثمانين، وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل… ومن هؤلاء الذين روى عنهم البخاري وهم غير معلومي الحال: عكرمة مولى ابن عباس… ومسلم ترجح عنده كذبه “(۳۰).
فهذا ـ بشكل موجز ـ ما أبداه بعض علماء العامة حول الصحاح عموماً، وصحيح البخاري خصوصاً.
البصيرة وإزالة الحجب عن النفس:
يختم السيد علي الحبشي حديثه قائلاً: ” دفعتني هذه الحقائق لأنّ أعيد النظر تماماً حول كتاب البخاري ومؤلفه، فقد كان هذا الجامع مرجعاً روائياً مهماً بالنسبة لي، وإذا بي أجده مليئاً بالثغرات!.
فتابعت بحثي وكثّفت مطالعاتي، فكانت النتائج باهرة بالنسبة لي، وأخيراً كان لأحاديث الثقلين، والأئمة اثنا عشر، وكلّهم من قريش، والغدير، وآية التطهير، دوراً كبيراً في إزالة الحجب التي كانت تمنع بصيرتي من رؤية الحقّ، فاهتديت بعد ذلك إلى طريق أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، ثم أعلنت استبصاري في مدينة ” بانجيل “.