مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع الزبير(۱) في حديث العشرة المبشرة بالجنة
عن سليم بن قيس الهلالي قال : لما التقى أمير المؤمنين عليه السلام أهل البصرة يوم الجمل نادى الزبير : يا أبا عبدالله أخرج إلي ؟ فخرج الزبير ومعه طلحة ، فقال لهما : والله إنكما لتعلمان ، وأولوا العلم من آل محمد ، وعائشة بنت أبي بكر ، أنّ كلّ أصحاب الجمل ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله ، وقد خاب من افترى !!
قالا له : كيف نكون معلونين ، ونحن أصحاب بدر وأهل الجنّة ؟ !
فقال لهما علي عليه السلام : لو علمت أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم ؟ !
فقال له الزبير : أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل وهو يروي : أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : « عشرة من قريش في الجنة » (۲) فقال له علي عليه السلام : سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته ؟
فقال له الزبير : أفتراه كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
فقال له علي عليه السلام : لست أخبرك بشيء حتى تسميهم ؟!
قال الزبير : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسعيد بن عمرو بن نفيل.
فقال له علي عليه السلام : عددت تسعةً فمن العاشر ؟
قال له : أنت.
فقال له علي عليه السلام : قد أقررت أني من أهل الجنة ، وأما ما ادعيت لنفسك وأصحابك فأنا به من الجاحدين الكافرين.
قال له الزبير : أفتراه كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال عليه السلام : ما أراه كذب، ولكنه والله ، اليقين…الخ (۳).
وممّا روي في محاورتهما أيضاً يوم الجمل ما ذكره أبو الفرج بن الجوزي بسنده عن عبد السلام ـ رجل من حية ـ قال : خلا علي عليه السلام بالزبير يوم الجمل فقال : أنشدك الله ؟ هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنت لاوي يدي سقيفة بني فلان: لتقاتلنه وأنت ظالم له ؟ ثمّ لينصرنّ عليك ؟!
ثمّ قال : قد سمعته لا جرم ، لا أقاتلك !
ومن طريق آخر بسنده عن أبي جرو المازني قال : سمعت علياً عليه السلام وهو ناشد الزبير ، فقال : أنشدك الله يا زبير ، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنك تقاتلني وأنت ظالم ؟ !
قال : بلى ، ولكني نسيت (۴)
وفي رواية اُخرى قال له : نشدتك الله ! أتذكر يوم مررت بي ورسول الله صلى الله عليه وآله متكىء على يدك ، وهو جاءٍ من بني عوف ، فسلّم عليَّ وضحك في وجهي، فضحكت إليه ، لم أزده على ذلك ، فقلت : لا يترك ابن أبي طالب يا رسول الله زهوه ! فقال لك : مه إنه ليس بذي زهو ، أما إنك ستقاتله وأنت له ظالم!!
فاسترجع الزبير وقال : لقد كان ذلك ، ولكن الدهر أنسانيه ، ولاَنصرفن عنك، فرجع. (۵)
وفي رواية ثالثة عن أبي مخنف في كتاب الجمل ، قال : برز عليّ عليه السلام يوم الجمل ، ونادى بالزبير : يا أبا عبدالله، مراراً ، فخرج الزبير فتقاربا حتى اختلفت أعناق خيلهما ، فقال له علي عليه السلام : إنما دعوتك لاَذكِّرك حديثاً قاله لي ولك رسول الله صلى الله عليه وآله : أتذكر يوم رآك وأنت معتنقي ، فقال لك : أتحبه ؟ قلت : وما لي لا أحبّه وهو أخي وابن خالي ! فقال : أما إنّك ستحاربه وأنت ظالم له !
فاسترجع الزبير ، وقال : أذكرتني ما أنسانيه الدّهر ، ورجع إلى صفوفه.
فقال له عبدالله ابنه : لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا به !
فقال : أذكرني عليّ عليه السلام حديثاً أنسانيه الدهر ، فلا أحاربه أبداً ، وإني لراجع وتارككم منذ اليوم.
فقال له عبدالله : ما أراك إلاّ جبنت عن سيوف بني عبد المطلب ، إنّها لسيوف حداد ، تحملها فتية أنجاد.
فقال الزبير : ويلك ! أتهيجني على حربه ، أما إني قد حلفت ألاّ أحاربه !
قال : كفّر عن يمينك ، لا تتحدث نساء قريش أنك جبنت ، وما كنت جباناً؟!
فقال الزبير : غلامي مكحول حرّ ، كفّارة عن يميني (۶) ثمّ انصل سنان رمحه، وحمل على عسكر علي عليه السلام برمح لا سنان له.
فقال علي عليه السلام : أفرجوا له ، فأنه مخرج ، ثمّ عاد إلى أصحابه ، ثمّ حمل ثانية، ثمّ ثالثة ، ثمّ قال لابنه : أجبنا ويلك ترى !
فقال : لقد أعذرت.
قال أبو مخنف : لما أذكر عليّ عليه السلام الزبير بما أذكره به ورجع الزبير ، قال :
نادى عليُّ بـأمـر لستُ أنكره ***** وكان عمرُ أبيك الخير مـُذْ حينِ
فقلت حسبك من عذلٍ أبا حسنٍ ***** بعض الذي قلت مُنذ اليوم يكفيني
ترك الاَمور التي تخشى مغبتها ***** والله أمـثـلُ في الدنيا وفي الدين
فاخترت عاراً على نار مؤجّجة ***** أنى يقومُ لـهـا خلقٌ من الطين
قال : لما خرج علي عليه السلام لطلب الزبير ، خرج حاسراً ، وخرج إليه الزبير دارعاً مدججاً ، فقال للزبير : يا أبا عبدالله ، قد لعمري أعددت سلاحاً ، وحبذا! فهل أعددت عند الله عذراً ؟ !
فقال الزبير : إنّ مردَّنا إلى الله ؟
قال علي عليه السلام : ( يومئذٍ يُوفيهُمُ الله دينهم الحقّ ويعلمون انّ الله هو الحق المبين ) (۷) ثمّ أذكره الخبر ، فلما كرّ الزبير راجعاً إلى أصحابه نادماً واجماً، رجع عليّ عليه السلام إلى أصحابه جدلاً مسروراً ، فقال له أصحابه : يا أمير المؤمنين ، تبرز إلى الزبير حاسراً ، وهو شاكٍ في السلاح ، وأنت تعرف شجاعته !
قال : إنّه ليس بقاتلي ، إنّما يقتلني رجل خامل الذكر ، ضئيل النسب غيلةً في غير مأقِطِ (۸) حرب ، ولا معركة رجال ، ويلُ امّهِ أشقى البشر ، ليودَّنّ أنّ أمّه هبلت به ! أما إنّه وأحمر ثمود لمقرونان في قرن (۹) .
———————————-