مناظرة بين الزمزمي والألباني في قوله تعالى (استوى على العرش)
(السؤال) :
هل يصح أن نقول في قوله تعالى ( استوى على العرش ) إن معناه : ( استعلى على العرش استعلاء يليق بكماله ) ، أم نقول : إن معناه غير معروف كما قلت في ” الطوائف ” ؟ (۱)
( الجواب ) :
وقد أجبت عن هذا السؤال بأن تفسير ” الاستواء ” ب ” الاستعلاء ” المذكور – متفق في المعنى مع ما ذكرته في ” الطوائف ” من أن معنى ” الاستواء ” غير معروف ، وإنما الخلاف في ” التعبير ” . لان قولكم ” استعلاء ” يليق بكماله ، معناه أنه استعلاء غير معروف لنا . فليس هو بحلول في المكان . ولا بمماسة للعرش . ولا بثبوت مسافة بين ( الله ) وبين ( العرش ) . ولا بثبوت مطابقة بين ( الله ) وبين ( العرش ) . ولا بثبوت زيادة عليها . ولا بثبوت نقص منها . فهذه المعاني كلها تدخل في قولكم ” استعلاء يليق بكماله ” .
ويزاد عليها في اعتقاد الجمهور ” . . . وليس هو بتحيز في الجهة ” . لأنه لو كان ” متحيزا في الجهة ” لكان ك ” استعلاء الأجسام ” . وكان زائدا على الجهة ، أو مثلها ، أو أصغر منها . وذلك ينافي قولكم ” استعلاء يليق بكماله ” . لكن الألباني يقول : ” إنه استعلاء مع التحيز في الجهة ” ! فقلت له : إذا كان استعلاء مع التحيز في الجهة ، فما تقول في قول النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – : ” إذا قام أحدكم في الصلاة ، فلا يبزق قبل القبلة ، فإن الله قبل وجهه إذا صلى ” (۲) متفق عليه ؟ ! فإن هذا الحديث يدل على أن الله غير متحيز في جهة العرش ، كما هو ظاهر . فأجاب : بأن الله محيط بالدنيا ( وأشار بيديه إشارة معناها : أن الله محيط بنا كإحاطة الخيمة بمن فيها ) ! ! ! وهذا الجواب الذي أجاب به الألباني يدل على أمرين :
( الأول ) :
أن الشيخ تناقض ! ! ورجع عن قوله الذي قاله ! ! وهو : أن الله متحيز فوق العرش ، محصور في جهة العرش . لأنه إذا كان محيطا بنا – كما قال – فهو غير متحيز فوق العرش ، بل هو على العرش وهو معنا محيط بنا كإحاطة الخيمة بمن تحتها .
( الثاني ) :
التجسيم وتشبيه إحاطة ( الله ) بالعالم بإحاطة ( الخيمة ) بمن تحتها . فإن قال : لم أقصد هذا المعنى . . قلنا : فما معنى الحديث الذي سألناك عنه ؟ ! إن قلت : إن معناه أن الله قبل وجه المصلي بالعلم ، كنت قد أولته ، والتأويل ممنوع في نصوص الصفات ! ! ! وهو مع ذلك تأويل باطل باتفاق العقلاء ، بله العلماء . وكان لخصمك الحق في أن يقابلك بالمثل ، فيؤول ” الاستواء على العرش ” بالعلم – أيضا لان قوله تعالى : ( استوى على العرش ، . يعلم ما يلج في الأرض ) الحديد : ۴ ، يقتضي ذلك ، لان جملة ” يعلم . . . ” جملة حالية من فاعل ” استوى ” . والمقرر في علم النحو أن ” الحال قيد في عاملها ” . وعلى ذلك يكون معنى ” الاستواء ” : الاستواء بالعلم . فلم يبق إلا أنك أردت أن ( الله ) محيط بالعالم كإحاطة ( الخيمة ) بمن تحتها ، كما دلت عليه إشارتك بيديك – معا – وأنت تجيب عن الحديث .
ومن الغريب أنني لما قلت له : إن ” استوى ” يصح أن يؤول بالاستواء بالعلم ، وذكرت له ما تقدم تقريره قريبا . . قال لي : إن هذا يؤيد قولي في ” الاستواء ” ! ! ولم يتنبه أن تفسير ” الاستواء ” بالعلم تأويل ، ومخالف لقوله الذي يقول به في ” الاستواء ” – فتأمل (۳) !
——————————————