ما هي أدلة الأشاعرة على قدم كلام الله؟ وتستند المقالة إلى أدلة عقلية وقرآنية لدعم فكرة أن كلام الله قديم، وتعرض ردودا على هذه الأدلة تبين أن الكلام الإلهي هو من صفات الله الفعلية، وبالتالي فإنه حادث، وسيتم استعراض الأدلة المختلفة ووجهات النظر حول هذه القضية المثيرة للجدل، مع التركيز على الفروق بين الصفات الذاتية والفعلية لله تعالى.

عقيدة الأشاعرة حول قدم كلام الله

يعتقد الأشاعرة بوجود:

1ـ كلام لفظي.

2ـ كلام نفسي.

والكلام النفسي، هو الكلام الحقيقي.

وأمّا الكلام اللفظي فلا يعدّ كلاماً حقيقة، وإنّما هو وسيلة للإشارة إلى الكلام النفسي.

وكلام الله النفسي كلام قديم وقائم بذات الله عز وجل[1].

أدلة الأشاعرة على إثبات قدم كلام الله بالأدلة العقلية

الدليل الأوّل: كلامه تعالى صفة لله

وكلّ ما هو صفة لله فهو قديم.

فنستنتج بأنّ كلامه تعالى قديم[2].

يرد عليه: ليس كلّ ما هو صفة لله تعالى فهو قديم.

بل صفات الله عز وجل تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية.

والصفات الفعلية ليست قديمة، والكلام من صفات الله الفعلية.

فلهذا نستنتج بأنّ كلام الله تعالى غير قديم، بل حادث.

الدليل الثاني: يجب اتّصاف الحي بصفة الكلام

وإلاّ اتّصف بضدّها.

وضدّ الكلام هو الخرس والسكوت، وهما نقص.

والنقص على الله تعالى محال، فيلزم ثبوت أنّه تعالى لم يزل متكلّماً[3].

يرد عليه: الهدف من الكلام إفادة الآخرين، ولا معنى للكلام من دون وجود مخاطب، والنقص على الله عز وجل أن نقول بأنّه يتكلّم ولا يوجد مخاطب!

والاتّصاف بالسكوت والخرس من مختصّات من يحتاج في كلامه إلى آلة، ولكنّ الله عز وجل منزّه في كلامه عن هذه الأدوات، بل كلامه نوع من أنواع أفعاله[4].

أدلة الأشاعرة على إثبات قدم كلام الله بالأدلة القرآنية

الدليل الأوّل للأشاعرة على قدم كلام الله

قال الله تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ[5].

فلو كان القرآن ـ وهو كلام الله ـ مُحدثاً، لوجب أن يكون هذا القرآن مخاطباً بلفظة كن، ولو كان الله تعالى قائلاً لكلامه كن؛ لكان قبل كلّ كلامه كلام.

وهذا يوجب أحد أمرين:

أوّلاً: أن يقع كلّ كلام بكلام آخر إلى ما لا نهاية.

فيستلزم هذا الأمر التسلسل، وهو باطل.

ثانياً: أن يقع كلّ كلام بكلام آخر إلى أن نصل إلى كلمة قديمة.

فيثبت أن كلام الله تعالى قديم[6].

يرد عليه: ليس المقصود من القول ـ في هذا المقام ـ المخاطبة اللفظية بكلمة كن، ليصح التقسيم المذكور في الدليل أعلاه؛ لأنّه لا معنى لتوجيه القول والخطاب للمعدوم.

وإنّما المقصود من القول هنا هو: الأمر التكويني المعبّر عن تعلّق الإرادة القطعية بإيجاد الشيء[7].

وتستهدف هذه الآية بيان:

أوّلاً: إذا أراد الله عز وجل شيئاً، فسيتحقّق هذا الشيء مباشرة من دون امتناع.

ثانياً: لا يحتاج الله تعالى في إيجاده لشيء إلى سبب يوجد له ما أراده أو يساعده في إيجاده أو يدفع عنه مانعاً[8].

ولهذا قال الإمام علي بن أبي طالب (ع): يقول تعالى لما أراد كونه كن فيكون، لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، وإنّما كلامه سبحانه فعل منه، أنشأه ومثّله، لم يكن من قبل ذلك كائناً[9].

الدليل الثاني للأشاعرة على قدم كلام الله

قال الله تعالى: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[10].

كلمة الخلق في هذه الآية تشمل جميع ما خلق الله عز وجل، وكلمة الأمر في هذه الآية تدل على وجود شيء غير ما خلق الله عز وجل، فيثبت بذلك وجود شيء ـ وهو أمر الله ـ غير مخلوق وغير حادث، وأمر الله عز وجل هو كلامه.

فيثبت بأنّ كلام الله تعالى غير حادث، أي: قديم[11].

يرد عليه

أوّلاً: ليس الأمر في هذه الآية بمعنى كلام الله تعالى.

بل الأمر في هذه الآية بمعنى التصرّف والتدبير للنظام المهيمن على العالم.

ففي قول الله تعالى: لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ[12]: الخلق بمعنى إيجاد ذوات أشياء العالم.

والأمر بمعنى التصرّف في هذا الخلق، وتدبير النظام الحاكم على أشياء العالم[13].

قرائن تفسير الأمر بمعنى تدبير النظام

قال الله تعالى في نفس هذه الآية: وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ[14].

أي: والنجوم مسخّرات بتصرّفه تعالى وتدبيره.

ومن القرائن الأخرى الدالة على أنّ كلمة الأمر الواردة بعد كلمة الخلق تعني تدبير الأمر هو أنّ عبارة تدبير الأمر وردت بعد كلمةالخلق أو معنى الخلق في الآيتين التاليتين:

1ـ قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ[15].

2ـ قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ[16].

الهدف من ذكر الأمر بعد الخلق

يستهدف قوله تعالى: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ[17]، بيان أنّه تعالى بعد خلقه للعالم لم يترك تفويض تدبير نظامه لغيره، بل كما يقوم الله عز وجل بخلق هذا العالم، فإنّه أيضاً يتولّى أمر تدبير نظامه والتصرّف في شؤونه.

وليس في هذه الآية أدنى إشارة أو قرينة على أنّ المقصود من الأمر هو الكلام الإلهي.

ثانياً: لو سلّمنا بأنّ الأمر يعني كلام الله عز وجل، فإنّ إفراده عن الخلق لا يعني أنّه غير مخلوق، بل يفيد هذا الإفراد تعظيم شأنه فحسب.

مثال ذلك: قوله تعالى: قُلْ… مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ[18].

فإفراد ذكر جبريل وميكال من الملائكة لا يدل أنّهما خارجان عن دائرة الملائكة، بل يفيد إفرادها تعظيم شأنهما فحسب[19].

أضف إلى ذلك: لو سلّمنا بأنّ الأمر يعني كلام الله عز وجل، فقوله تعالى: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا[20]، دالّ على حدوث كلام الله تعالى؛ لأنّ المفعول من صفات المُحدث[21].

الدليل الثالث للأشاعرة على قدم كلام الله

قال الله تعالى: قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا[22].

فلمّا لم يجز أن تنفد كلمات الله عز وجل صح أنّه لم يزل متكلّماً[23].

يرد عليه: بيان نفاد البحر قبل نفاد كلمات الله عز وجل لا يعني أزلية هذه الكلمات، بل غاية ما تدلّ هذه الآية: أنّ سعة كلمات الله تعالى أعظم من سعة البحر لو كان مداداً لكتابة هذه الكلمات.

والآية في الواقع بصدد بيان عظمة مقدورات وحكمة وعجائب الله تعالى[24].

الدليل الرابع للأشاعرة على قدم كلام الله

قال الله تعالى: إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ[25].

قال أبو الحسن الأشعري: فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فقد جعله قولاً للبشر، وهذا ما أنكره الله عز وجل على المشركين[26].

يرد عليه

1ـ ما أنكره الله تعالى على المشركين أنّهم قالوا بأنّ هذا القرآن ليس من عند الله عز وجل، بل هو مما جاء به النبي محمّد (ص) من نفسه، فجاءت هذه الآية على مقولتهم هذه.

2ـ ورد في الإشكال بأنّ من يعتقد بأنّ القرآن مخلوق ـ أي: مُحدث ـ فقد جعله قولاً للبشر، ولكن الذي يعتقد بأنّ القرآن مخلوق، فإنّه لا يجعله قولاً مخلوقاً للبشر، بل يجعله قولاً مخلوقاً لله تعالى.

تنبيه

يصح اعتبار صفة التكلّم لله صفة قديمة بمعنيين:

1ـ قدرته تعالى على إيجاد الأصوات والحروف لمخاطبة الآخرين.

2ـ علمه تعالى بما سيوجد من الأصوات والحروف لمخاطبة الآخرين.

وأمّا إذا اعتبرنا التكلّم بمعنى خلقه تعالى للأصوات والحروف، فستكون هذه الصفة لله تعالى حادثة، وتكون من صفات الله الفعلية كالخالقية والرازقية.

الاستنتاج

أن الأشاعرة يميزون بين نوعين من الكلام: الكلام النفسي، الذي يعدّ قديما وقائما بذات الله، والكلام اللفظي، الذي يُعتبر وسيلة للتعبير عن الكلام النفسي، وتُقدّم المقالة أدلة عقلية وقرآنية لدعم فكرة قدم كلام الله عز وجلعند الأشاعرة، ولكنها تتعرض أيضا لردود تناقش هذه الأدلة، وتُظهر أن الكلام يمكن أن يكون من الصفات الفعلية لله، مما يعني أنه حادث، كما تشير المقالة إلى أن مفهوم الكلام الإلهي يتطلب وجود مخاطب، مما يعكس عمق الفلسفة الأشعرية في فهم صفات الله وعلاقته بالخلق.

الهوامش

[1] انظر: القاضي الايجي، المواقف، بشرح الشريف الجرجاني، ج3، ص135.

[2] انظر: القاضي الايجي، المواقف، بشرح الشريف الجرجاني: ج3، ص133.

[3] انظر: الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، ص32.

[4] انظر: الحلبي، غنية النزوع، ج2، ص61.

[5] النحل، 40.

[6] انظر: الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، ص31، وص37.

[7] للمزيد راجع: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، ج1، تفسير آية 118 من سورة البقرة، ص432.

[8] انظر: الحلبي، غنية النزوع، ج2، ص63.

[9] الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطبة 186، ص368.

[10] الأعراف، 54.

[11] انظر: الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، ص31.

[12] الأعراف، 54.

[13] انظر: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، ج4، تفسير آية 54 من سورة الأعراف، ص423.

[14] الأعراف، 54.

[15] يونس، 3.

[16] الرعد، 2.

[17] الأعراف، 54.

[18] البقرة، 97ـ 98.

[19] انظر: الحلبي، غنية النزوع، ج2، ص63.

[20] الأحزاب، 37.

[21] الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، ج8 ، تفسير آية 37 من سورة الأحزاب، ص345.

[22] الكهف، 109.

[23] انظر: الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، ص32 .

[24] انظر: الطبرسي، مجمع البيان، ج6، تفسير آية 104 من سورة الكهف، ص770.

[25] المدثر، 25.

[26] الاشعري، الإبانة عن أصول الديانة، ص32.

مصادر البحث

1ـ القرآن الكريم

2ـ الأشعري، علي، الإبانة عن أُصول الديانة، تحقيق بشير محمّد عيون، دمشق، مكتبة المؤيّد، الطبعة الثالثة، 1411 ه‍.

3ـ الحلبي، ابن زهرة، غنية النزوع إلى علمي الأُصول والفروع، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، قم، مؤسّسة الإمام الصادق (ع)، الطبعة الأُولى، 1417 ه‍.

4ـ الشريف الرضي، محمّد، نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح، بيروت، الطبعة الأُولى، 1387 ه‍.

5ـ الطبرسي، الفضل، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، 1415 ه‍.

6ـ الطوسي، محمّد، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأُولى، 1409 ه‍.

7ـ القاضي الايجي، عبد الرحمن، المواقف، بشرح الشريف الجرجاني، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأُولى، بلا تاريخ.

مصدر المقالة (مع تصرف)

الحسون، علاء، التوحيد عند مذهب أهل البيت (ع)، قم، مركز بحوث الحج، الطبعة الأُولى، 1432ه‍.