تُعدّ مفهوم أحدية الله ووحدانيته من الأسس الجوهرية في العقيدة الإسلامية، حيث تعبر عن تفرد الله تعالى في ذاته وصفاته، ويوضح هذا المقال معنى كل من أحدية الله ووحدانيته، مستنداً إلى نصوص قرآنية وأحاديث نبوية تؤكد على هذه المفاهيم، كما يتناول المقال الرد على الأفكار المخالفة مثل الثنوية والتثليث، ويستعرض أدلة توحيد الله، ويبيّن أقسام وحدانيته، من خلال هذا العرض نسعى لفهم أعمق لمكانة الله تعالى في الإسلام وكيفية تجلّي هذه المفاهيم في حياة المؤمنين.

المبحث الأوّل: معنى أحدية الله ووحدانيته

1ـ أحدية الله

المقصود من التوحيد الأحدي: نفي التركيب عنه تعالى، والله تعالى أحد، أي: لا يتجزّأ ولا ينقسم في ذاته.

2ـ وحدانية الله

المقصود من التوحيد الواحدي: نفي الكثرة العددية، والله تعالى واحد، أي: ليس له نظير ولا مثيل ولا شريك.

المبحث الثاني: أحدية الله ووحدانيته في النصوص

أوّلاً: أحدية الله في القرآن الكريم

1ـ قال الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[1].

2ـ قال الله تعالى: وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ[2].

3ـ قال الله تعالى: وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ[3].

4- قال الله تعالى: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ[4].

5- قال الله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ[5].

ثانياً: أحدية الله في الأحاديث الشريفة

1ـ قال الإمام أمير المؤمنين (ع): إنّ القول في أنّ الله واحد على أربعة أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على الله عزّ وجلّ، ووجهان يثبتان فيه، فأمّا اللذان لا يجوزان عليه:

1ـ فقول القائل: واحد، يقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز، لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنّه كفّر من قال: ثالث ثلاثة.

2- وقول القائل: هو واحد من الناس، يريد به النوع من الجنس، فهذا ما لا يجوز عليه؛ لأنّه تشبيه، وجلّ ربّنا عن ذلك وتعالى.

وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه:

1- فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبه، كذلك ربّنا. [أي: توحيد الواحدية]

2- وقول القائل: إنّه عزّ وجلّ أحديّ المعنى، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم، كذلك ربّنا عزّ وجلّ. [أي: توحيد أحدية الله][6].

2ـ سُئل الإمام علي الرضا (ع): الله واحد والإنسان واحد، فليس قد تشابهت الوحدانية؟ فقال الرضا (ع): … إنّما التشبيه في المعاني، فأمّا في الأسماء فهي واحدة، وهي دلالة على المسمّى… والإنسان نفسه ليس بواحد؛ لأنّ أعضاءه مختلفة، وألوانه مختلفة غير واحدة، وهو أجزاء مجزّأة… فالإنسان واحد في الاسم، لا واحد في المعنى، والله جلّ جلاله واحد لا واحد غيره…[7].

المبحث الثالث: أدلة أحدية الله ووحدانيته

دليل أحدية الله تعالى

لو لم يكن الله أحدياً، فسيلزم ذلك كونه تعالى مركّباً من أجزاء، والمركب من أجزاء محتاج إلى أجزائه، والاحتياج نقص، والله منزّه عن النقص، فيثبت كونه تعالى أحدياً وبسيطاً لا جزء له.

سئل الإمام جعفر الصادق (ع): فكيف هو الله واحد؟ فقال الصادق (ع): واحد في ذاته، فلا واحد كواحد؛ لأنّ ما سواه من الواحد متجزّئ، وهو تبارك وتعالى واحد لا يتجزّئ، ولا يقع عليه العد[8].

أدلة وحدانية الله تعالى

الدليل الأوّل: لو كان لله شريك في الوجود، لزم أن يكون كلّ واحد من الله وشريكه مركّباً من:

1ـ ما به الاشتراك مع الآخر.

2ـ ما به الامتياز عن الآخر.

والمركب في الواقع محتاج إلى أجزائه، وبما أنّه تعالى منزّه عن الاحتياج، فلهذا يثبت أنّه تعالى منزّه عن وجود الشريك له.

الدليل الثاني: لو كان لله شريك في الوجود، وكان بين الله وشريكه ما به الاشتراك وما به الامتياز، فسيلزم أن يكون كلّ واحد من الله وشريكه محدوداً بحدود تميّزه عن الآخر، والمحدود مقهور للحدود والقيود الحاكمة عليه، فيثبت أنّ الحدّ نقص، وبما أنّه تعالى منزّه عن النقص، فيثبت أنّه تعالى منزّه عن وجود الشريك له[9].

الدليل الثالث: لو كان في الوجود إلهان، لم يخلُ الأمر فيهما من أن يكون كلّ واحد منهما:

1ـ قادراً على منع الآخر، فيكون الآخر عاجزاً، وليس من صفات الله العجز، فيثبت أنّ الله واحد، وهو المتّصف بالقدرة المطلقة.

2ـ عاجزاً عن منع الآخر، فيكون هذا الإله عاجزاً، وليس من صفات الله العجز، فيثبت أنّ الله تعالى واحد، وهو المتصّف بالقدرة المطلقة.

بعبارة أخرى: لو كان في الوجود إلهان، وأراد أحدهما تحريك جسم، وأراد الآخر تسكينه في حالة واحدة، فلا يخلو الأمر عندئذ من ثلاث نتائج:

1ـ يقع مرادهما، فيلزم الاجتماع بين الضدّين، وهو باطل.

2ـ لا يقع مرادهما، فيلزم كونهما عاجزين، والعجز يتنافى مع الألوهية.

3ـ يقع مراد أحدهما، فيلزم عجز من لم يقع مراده، فتنتفي ألوهيته.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) في مقام الردّ على مقولة أحد الزنادقة: لا يخلو قولك: إنّهما اثنان من:

أن يكونا قديمين قويين، أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قويّاً والآخر ضعيفاً.

فإن كانا قويين فلمَ لا يدفع كلّ واحد منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير؟! وإن زعمت أنّ أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنّه واحد كما نقول للعجز الظاهر في الثاني[10].

وقال الإمام جعفر الصادق (ع) أيضاً: لو كان إلهين كما زعمتم، لكانا يخلقان، فيخلق هذا ولا يخلق هذا، ويريد هذا ولا يريد هذا، ولطلب كلّ واحد منهما الغلبة، وإذا أراد أحدهما خلق الإنسان، وأراد الآخر خلق بهيمة، فيكون إنساناً وبهيمة في حالة واحدة، وهذا غير موجود، فلمّا بطل هذا، ثبت التدبير والصنع لواحد، ودلّ أيضاً التدبير وثباته وقوام بعضه ببعض على أنّ الصانع واحد جلّ جلاله[11].

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع): … ثمّ يلزمك إن ادّعيت اثنين [فلابدّ من] فرجة بينهما حتّى يكونا اثنين، فصارت الفرجة ثالثاً بينهما قديماً معهما فيلزمك ثلاثة، فإن ادّعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين حتّى تكون بينهم فُرجة فيكونوا خمسة، ثمّ يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة[12].

سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع): ما الدليل على أنّ الله واحد؟ فقال الصادق (ع): اتّصال التدبير[13]، وتمام الصنع[14]، كما قال عزّ وجلّ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا[15].[16]

وقال الإمام الصادق (ع) أيضاً: فلمّا رأينا الخلق منتظماً، والفلك جارياً، والتدبير واحداً، والليل والنهار والشمس والقمر دلّ صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنّ المدّبر واحد[17].

الدليل الرابع: جاء في وصية الإمام أمير المؤمنين (ع) لولده الإمام الحسن المجتبى (ع): … واعلم يا بني! أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار مُلكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته[18].

النتيجة: لا يصح نسبة الشريك إلى الله؛ لأنّ هذه النسبة دليل الحاجة والعجز والافتقار، والله منزّه عن جميع هذه النواقص.

المبحث الرابع: الثنوية

ادّعاء الثنوية: يوجد في الكون خير وشر، وهما ضدّان، والفاعل الواحد لا يترك أثرين ضدّين، بل لكلّ فاعل أثره الخاص المنسجم سنخياً معه، فنستنتج وجود مؤثّرين في الكون، هما النور والظلمة، والنور يفعل الخير بطبعه، والظلمة تفعل الشرّ بطبعها، والنور إله الخير، وهو يُدعى يزدان، والظلمة إله الشرّ، وهي تُدعى أهريمن، وهما في صراع دائم حتّى يغلب النور الظلمة.

أدلة بطلان ادّعاء الثنوية

1- لو كان التضاد بين الخير والشر سبباً في ادّعاء وجود إلهين في الكون، فيلزم ادّعاء أكثر من إلهين؛ لأنّ الأضداد لا تنحصر في ضدّين، بل هي أضداد كثيرة.

قال رسول الله (ص) في مناظرته مع الثنوية: أفلستم قد وجدتم سواداً وبياضاً وحمرة وصفرة وخضرة وزرقة، وكلّ واحدة ضدّ لسائرها لاستحالة اجتماع اثنين منها في محل واحد، كما كان الحرّ والبرد ضدّين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد؟ قالوا: نعم.

قال (ص): فهلاّ أثبتم بعدد كلّ لون صانعاً قديماً، ليكون فاعل كلّ ضدّ من هذه الألوان غير فاعل الضدّ الآخر؟ فسكتوا[19].

2ـ يترك كلّ من النور والظلمة أثره على الآخر، ويوجب فيه التغيير، والتغيير من علامات المحدثات، والإله يلزم أن يكون منزّهاً من الحدوث، فنستنتج استحالة ألوهية النور والظلمة.

3ـ ما هو خير لإنسان قد يكون شراً لإنسان آخر، وما هو شرّ لإنسان قد يكون خيراً لإنسان آخر.

فلو كان خالق الخير غير خالق الشر، فمَن سيكون خالق هذا الشيء الذي يكون في حالة واحدة خيراً وشراً لجهات متعدّدة؟!

النتيجة: وجود الخير والشر في الكون ينبىء عن وجود الحكمة في خلقهما فحسب، ولابد للإنسان من البحث لمعرفة هذه الحكمة بمقدار وسعه في العلم والمعرفة.

والجهل بهذه الحكمة لا يعني القول بوجود الحاجة إلى أكثر من إله لتفسير الظواهر الكونية المتضادّة، وإسناد كلّ واحدة منها إلى إله.

المبحث الخامس: التثليث

خصائص مسألة التثليث

ورد في بعض التحقيقات بأنّ عقيدة التثليث تسرّبت إلى الديانة المسيحية من الديانة البراهمانية الهندوسية، وهي ديانة كانت تعتقد قبل المسيحية بأنّ الربّ الأزلي، والأبدي متجسّد في ثلاثة مظاهر، وهي:

أوّلاً: برهما (الخالق): وهو الموجد في بدء الخلق.

ثانياً: فيشو (الواقي): وهو الواقي والابن الذي جاء من قبل أبيه.

ثالثاً: سيفا (الهادم): وهو المفتي الهادم المُعيد للكون إلى سيرته الأولى.

يعتبر المسيحيون الاعتقاد بالتثليث من المسائل التعبّدية التي لا تدخل في نطاق التحليل العقلي، وهي منطقة محرّمة على العقل، لأنّ حقيقتها فوق القياسات المادية.

يرد عليه: لا يخفى خطأ مقايسة عالم ما وراء الطبيعة مع عالم الطبيعة، ولكن لا يعني هذا الأمر هيمنة الفوضى على عالم ما وراء الطبيعة وخلوّه من المعايير المنطقية، كما لا يخفى وجود سلسلة من القضايا العقلية البديهية التي لا يوجد أدنى شك في أنّ هيمنتها على عالم ما وراء المادة و عالم المادة سواء.

مثال ذلك: مسألة احتياج المعلول إلى علّة، مسألة امتناع اجتماع النقيضين.

حقيقة التثليث

الطبيعة الإلهية تتألّف من ثلاثة أقانيم[20] متساوية الجوهر، هي الأب والابن وروح القدس، وهذه الأقانيم الثلاثة مع ذلك ذات رتبة واحدة وعمل واحد.

يرد عليه: القول بأنّ الإله ثلاثة أقانيم وجوهر واحد لا يخلو من أمرين:

1ـ الإله حال كونه ثلاثة واحد، وحال كونه واحداً ثلاثة! وهذا كلام متناقض وباطل.

2 ـ الإله جملة واحدة ذات أجزاء ثلاثة، كما نقول في الإنسان: إنّه واحد ذات أجزاء كثيرة.

ويلزم من هذا المعنى أنّه تعالى مركّب، وبما أنّ المركّب محتاج إلى أجزائه فسيكون الإله أيضاً محتاجاً في تحقّق وجوده إلى الأقانيم، ولكنّه تعالى منزّه عن الاحتياج، فلهذا نستنتج بطلان القول بإله ذي ثلاثة أقانيم وجوهر واحد.

الأدلة القرآنية على إبطال ألوهية المسيح

1- كان المسيح يعبد الله ويدعو الناس إلى عبادة الله أيضاً: فلو كان المسيح إلهاً لما صحّ منه هذا الفعل.

قال تعالى: لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن المريم وقال المسيح يا بني اسرائيل اعبدوا الله ربّي وربّكم[21].

2- كان المسيح كبقيّة البشر يأكل الطعام، وليس من صفات الإله هذا الأمر.

قال الله تعالى: مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ[22].

3- الله سبحانه وتعالى قادر على إهلاك المسيح فتثبت ألوهية الله تعالى فحسب دون غيره.

قال الله تعالى: فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا[23].

المبحث السادس: الله واتّخاذ الولد

ذهب النصارى إلى أنّ الله اتّخذ المسيح ولداً له.

يرد عليه: قول النصارى بأنّ الله اتّخذ المسيح ابناً له لا يخلو من أمرين:

1- المعنى الحقيقي: والولد ـ حقيقة ـ جزء من والده انفصل عنه ونما خارجه.

وبعبارة أخرى: الولد هو انفصال جزء من الوالد واستقراره في رحم الأم، وهذا المعنى يستلزم كون الله مركّباً ومتّصفاً بالآثار الجسمانية، ولكنّه تعالى منزّه عن ذلك، فنستنتج بطلان اتخاذ الله ابناً له حقيقة.

2- المعنى المجازي: يستعمل هذا المعنى بين الناس بأن يتّخذ أحد الأشخاص شخصاً آخر ابناً له، وذلك في الموارد التي يكون هذا التبني متناسباً، ولهذا لا يصح للإنسان أن يتّخذ الجمادات والبهائم ولداً له أو يتّخذ من هو أكبر سنّاً ولداً له، ومن هذا المنطلق لا يصح نسبة هذا المعنى إلى الله؛ لأنّه تعالى منزّه عن الجسمانية، فلهذا لا يصح أن يتّخذ ما هو جمساني ابناً له.

أضف إلى ذلك:

1ـ يستلزم اتّخاذ الله ابناً له أن تكون له صاحبة.

قال الله تعالى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ[24].

2- يستلزم اتّخاذ الله ابناً له أن يكون الابن مثيلاً ونظيراً له في الاتّصاف بالصفات الإلهية، من قبيل: الاستقلال والغنى عن الغير، فيلزم وجود الشريك لله، وهو محال.

قال الله تعالى: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ[25].

وقال الله تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ[26].

تنبيه: قال بعض النصارى: بأنّ المسيح وُلد من غير أب، فلهذا يصح القول بأنّه ابن لله تعالى. فجاء في القرآن الكريم ردّاً على هذه المقولة: إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ[27].

المبحث السابع: عبادة الاصنام

ورد في مناظرة رسول الله (ص) مع عبدة الأصنام: أنّه (ص) قال لهم: لمَ عبدتم الأصنام من دون الله؟

فقالوا: نتقرّب بذلك إلى الله تعالى…، إنّ هذه الأصنام صور أقوام سلفوا، كانوا مطيعين لله قبلنا، فمثّلنا صورهم وعبدناها تعظيماً لله…. كما تقرّبت الملائكة بالسجود لآدم إلى الله تعالى، وكما أمرتم بالسجود ـ بزعمكم ـ إلى جهة مكة ففعلتم، ثمّ نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب سجدتم إليها وقصدتم الكعبة لا محاريبكم، وقصدتم بالكعبة إلى الله عزّ وجلّ لا إليها.

فقال رسول الله (ص): أخطأتم الطريق وضللتم… لقد ضربتم لنا مثلاً، وشبّهتمونا بأنفسكم ولسنا سواء، وذلك أنّا عباد الله مخلوقون مربوبون، نأتمر له فيما أمرنا، وننزجر عمّا زجرنا، ونعبده من حيث يريده منّا، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعدّ إلى غيره مما لم يأمرنا به ولم يأذن لنا، لأنّا لا ندري لعلّه إن أراد منّا الأوّل فهو يكره الثاني، وقد نهانا أن نتقدّم بين يديه.

فلمّا أمرنا أن نعبده بالتوجّه إلى الكعبة أطعناه، ثمّ أمرنا بعبادته بالتوجّه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فاطعناه، ولم نخرج في شيء من ذلك من اتّباع أمره، والله عزّ وجلّ حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه؛ لأنّكم لا تدرون لعلّه يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به.

ثمّ قال لهم رسول الله (ص): أرأيتم لو أذن لكم رجل دخول داره يوماً بعينه، ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره؟ أولكم أن تدخلوا داراً له أخرى مثلها بغير أمره؟ أو وهب لكم رجل ثوباً من ثيابه، أو عبداً من عبيده أو دابة من دوابه، ألكم أن تأخذوا ذلك؟ قالوا: نعم.

قال: فإن لم تأخذوه ألكم أخذ آخر مثله؟ قالوا: لا؛ لأنّه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن في الأوّل…

قال (ص): فلم فعلتم ومتى أمركم أن تسجدوا لهذه الصور؟ فقال القوم: سننظر في أمورنا، وسكتوا[28]… ثمّ عادوا بعد ثلاثة أيام وأسلموا.

المبحث الثامن: أقسام وحدانية الله

1ـ توحيد الذات، أي: إنّ الله تعالى أحد لا جزء له، وواحد لا ثاني له.

2ـ توحيد الصفات، أي: صفات الله عين ذاته تعالى.

3ـ توحيد العبودية، أي: تخصيص العبادة لله، ونفي الشريك عنه في استحقاق العبودية[29].

تنبيه: أشار بعض العلماء إلى أقسام أخرى من التوحيد ـ تدخل في إطار التوحيد الأفعالي ـ ولكن الصحيح عدم إلحاق هذه الأقسام بالتوحيد؛ لأنّها غير مختصة بالله، بل يصح للعباد القيام بها بإذن الله تعالى.

ومن هذه الأقسام: التوحيد في الأفعال.

فالله تعالى يفعل، والإنسان أيضاً يفعل، ولكن الفرق أنّه تعالى يفعل بصورة مستقلة، ولكن الإنسان يفعل بإذن الله تعالى وبحوله وقوّته.

فلهذا لا يصح القول: لا فاعل إلاّ الله تعالى، وإنّما الصحيح القول: لا فاعل ـ على نحو الاستقلال ـ إلاّ الله تعالى.

تتمة: ويتفرّع عن التوحيد في الأفعال أقسام أخرى للتوحيد، منها:

التوحيد في الخالقية والمؤثّرية والتدبير والتقنين والمالكية والرازقية والطاعة والحاكمية والاستعانة و…، فالله تعالى خالق ومؤثّر ومدبّر ومقنّن ومالك ورازق ومطاع وحاكم و…، والإنسان أيضاً خالق ومؤثّر ومدبّر ومقنّن ومالك ورازق ومطاع وحاكم و…، ولكن الفرق أنّه تعالى يخلق ويؤثّر ويدبّر و… على نحو الاستقلال.

ولكن الإنسان يخلق ويؤثّر ويدبّر و… بإذن الله تعالى، ولهذا لا يصح القول: لا خالق ولا مؤثّر ولا مدبّر و… إلاّ الله تعالى، وإنّما الصحيح القول: لا خالق ولا مؤثّر ولا مدبّر و… ـ على نحو الاستقلال ـ إلاّ الله تعالى.

الاستنتاج

أن مفهوم أحدية الله ووحدانيته يشكلان أساس العقيدة الإسلامية، حيث يؤكدان على تفرد الله في ذاته وصفاته، ويعكسان نفي أي شكل من أشكال التركيب أو الكثرة، يستند هذا المقال إلى نصوص قرآنية وأحاديث نبوية لتوضيح هذه المفاهيم، كما يناقش الأفكار المخالفة مثل الثنوية والتثليث، ويقدم أدلة منطقية تثبت أحدية الله، بالإضافة إلى ذلك، يتناول المقال أقسام توحيد الله، مما يعزز فهم المؤمنين لمكانة الله وكيفية تجلّي هذه المفاهيم في حياتهم اليومية.

الهوامش

[1] الإخلاص، 2.

[2] البقرة، 163.

[3] النحل، 51.

[4] المائدة، 73.

[5] المؤمنون، 91.

[6] الصدوق، التوحيد، باب 3، ح3، ص81.

[7] الصدوق، التوحيد، باب 2، ح18، ص61.

[8] الطبرسي، الاحتجاج، ج2، رقم 223، ص217.

[9] لهذا نجد الله تعالى يصف نفسه بالوحدانية ثمّ يتبعها بصفة القاهرية، لتكون صفة القاهرية دليلاً على صفته بالوحدانية.

قال الله تعالى: اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، يوسف، 39.

وقال الله تعالى: سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، الزمر، 4.

وقال الله تعالى: وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، ص، 65.

[10] الكليني، الكافي، ج1، كتاب التوحيد، باب حدوث العالم وإثبات المُحدِث، ح5، ص80.

[11] المجلسي، بحار الأنوار، ج3، كتاب التوحيد، باب 6، ح6، ص219.

[12] الكليني، الكافي، ج1، كتاب التوحيد، باب حدوث العالم وإثبات المُحدِث، ح5، ص81.

[13] اتّصال التدبير: استمراره على التوالي وعدم انقطاعه؛ لأنّ انقطاعه يؤدّي إلى الفساد.

[14] تمام الصنع: إتقانه وكماله.

[15] الأنبياء، 22.

[16] الصدوق، التوحيد، باب 36، ح2، ص244.

[17] الكليني، الكافي، ج1، كتاب التوحيد، باب حدوث العالم وإثبات المُحدِث، ح5، ص81.

[18] الشريف الرضي، نهج البلاغة، رسالة 31، ص542.

[19] الطبرسي، الاحتجاج، ج1، رقم 20، ص38.

[20] الأقانيم: الأصول، وأحدها أقنوم.

[21] المائدة، 72.

[22] المائدة، 75.

[23] المائدة، 17.

[24] الأنعام، 101.

[25] الفرقان، 2.

[26] البقرة، 116.

[27] آل عمران، 59.

[28] الطبرسي، الاحتجاج، ج1، رقم 20، ص39.

[29] تنبيه: إنّ توحيد الذات والصفات متقدّم في الرتبة عن توحيد العبودية؛ لأنّ الله تعالى منزّه عن الشريك والتركيب سواء كان هناك معبوداً أو لا.

مصادر البحث

1ـ القرآن الكريم.

2ـ الشريف الرضي، محمّد، نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح، بيروت، الطبعة الأُولى، 1387 ه‍.

3ـ الصدوق، محمّد، التوحيد، تصحيح وتعليق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، بلا تاريخ.

4ـ الطبرسي، أحمد، الاحتجاج، النجف، دار النعمان، طبعة 1386 ه‍.

5ـ الكليني، محمّد، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.

6ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه‍.

مصدر المقالة (مع تصرف)

الحسون، علاء، التوحيد عند مذهب أهل البيت (ع)، قم، مركز بحوث الحج، الطبعة الأُولى، 1432ه‍