- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 11 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المولد والنشأة
ولد عام ۱۹۷۳م بمدينة ” كيسيني ” في رواندا، درس في مدارس أهل العامة في بلده حتى حصل على الثانوية، وانتقل بعد ذلك إلى المدرسة الوهابية في ” كينيا “.
تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عام ۱۹۸۹م بمدينة ” مومباسا ” الكينية، بعد تردده على مؤسسة ” بلال مسلم “.
إيقاظ النفس:
يقول الأخ رمضاني: ” لم تكن حصيلة إطلاعي عن الشيعة إلاّ كأحد أبناء العامة، لأننا لا نقرأ تراث غيرنا من المذاهب وليس لنا احتكاك بهم لتتبلور في أذهاننا فكرة واضحة وصحيحة عنهم، فكل ما كنت أعرف عن الشيعة: أنّ لهم قرآناً غير قرآننا، وأنّهم يقولون بخيانة جبريل (عليه السلام) ، ويقرّون زواج المتعة و…
مناظرات مع الشيعة:
شاءت الأقدار الإلهية أن أسافر إلى ” كينيا ” فألتقي ببعض أعضاء المراكز والمؤسسات الإسلامية الخيرية والثقافية، ومن بين هذه المؤسسات التي زرتها مؤسسة شيعية اسمها ” بلال مسلم “، فأغتنمت هذه الفرصة لأتعرّف على التشيّع.
ولقد جرت بيني وبين بعض الشيعة مناظرات عديدة، وقرأت مجموعة كتب لهم، فظهر لي أنّ أغلب أتباع هذه الطائفة لهم عمق علمي وثقافي مستمد من عقيدتهم، ووجدّتم ليسوا كما كان يصوّره لنا علماؤنا، فرأيتهم أصحاب استدلال ومنطق متين، مما دفعني ذلك لأن أتردد على هذه المؤسسة للإحاطة بمعارفهم التي نالت إعجابي ومطالعة كتبهم، فعكفت على قراءة ما وقع بيدي من مؤلفاتهم بإمعان، وكنت مع ذلك أراجع علماءنا ومشايخنا لأحصل على ردّ لمقولات الشيعية، ولكن مع الأسف لم أحصل منهم على أي إجابة سوى أنّهم كانوا يحذّرونني من الاحتكاك بالشيعة، فأدركت حينئذ عجزهم عن الإجابة.
الاختلاف الفقهي بين المذاهب الإسلامية:
ومن الأمور التي استوقفتني وجعلتني أتأمل وأراجع حساباتي، مسألة الاختلاف الفقهي الكبير والواضح بين المذاهب الأربعة، فوجدت آراءهم متضاربة وكلاً منهم يدّعي أن ما ذهب إليه هو مطابق لسنة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل وجدت أنّ مصادر استنباطهم تعدّت القرآن الكريم والسنة المطهرة، فخضعت للآراء والاستحسانات! كما خضعت لدعم الحكام وتبنّيهم لها! فمن هنا جنّدت نفسي للبحث حول هؤلاء الأئمة الذين هم مرجع أبناء العامة “.
والمتتبع للمسار التاريخي يجد بعد إتساع رقعة الفتوحات الإسلامية وبالتحديد في منتصف فترة الحكم الأموي أصبح النشاط العلمي واسع النطاق، فكثرت المذاهب ونمى عدد أتباعها، إلاّ أنّه لم يكتب البقاء لأكثرها! حيث اعتراها الانقراض بالرغم من كثرة أتباعها، ومكانة مؤسسيها الذين فاقوا في نظر معاصريهم وذوي العلم منهم رؤساء المذاهب الأربعة.
المذاهب الإسلامية المندثرة:
فمن المذاهب التي لم يكتب لها البقاء في الساحة الإسلامية:
۱ ـ مذهب الشعبي.
۲ ـ مذهب الحسن البصري.
۳ ـ مذهب الأعمش.
۴ ـ مذهب الأوزاعي.
۵ ـ مذهب سفيان الثوري.
۶ ـ مذهب الليث بن سعد.
۷ ـ مذهب سفيان بن عيينة.
۸ ـ مذهب داود الظاهري.
وغيرها من المذاهب التي قد تتفق أحياناً وقد تفترق أحياناً أخرى فيما بينها ; فهذه لم يبقى منها شيء.
المذاهب الإسلامية التي كتب لها البقاء:
قد أجمعت رجالات أبناء العامة على بقاء مذاهب أربعة، وأنّ أصحابها لايقاس بهم أحد من حيث العلم والفضل، وهي:
۱ ـ مذهب أبي حنيفة النعمان.
۲ ـ مذهب مالك بن أنس.
۳ ـ مذهب الشافعي.
۴ ـ مذهب أحمد بن حنبل.
وقد طرحت هذه المذاهب في الساحة الإسلامية وأصبح لها ثقلاً في الأوساط، لأنّها كانت موضع عناية السلطات الحاكمة ـ آنذاك ـ ممّا أعطاها لوناً من الاعتبار والقيمة، فكان الترغيب والترهيب دعامتان أساسيتان في انتشارها، ولولا ذلك لما استطاعت البقاء ولكان مصيرها كمصير من استعرضنا من المذاهب العامة السالفة!.
أسباب بقاء المذاهب الأربعة:
لو ألقينا نظرة سريعة على تاريخ نشوء وانتشار كل مذهب من هذه المذاهب الأربعة لاتضحت لنا الحقيقة بشكل واضح.
المذهب الحنفي:
وهو مذهب معروف باستعمال الرأي والقياس في استنباط الأحكام الشرعية، حيث يقول مؤسسه أبو حنيفة:
” ما جاء عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة إخترنا، وما كان من غير ذلك فهم رجال ونحن رجال “.
وفي قول آخر: ” إذا كان من أصحاب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) إخترنا ولم نخرج من قولهم، وإذا كان من التابعين زاحمناهم “.
وقال أيضاً: ” ليس لأحد أن يقول برأيه مع نصّ من كتاب الله تعالى أو سنّة أو إجماع عن أمّة. فإذا اختلفت الصحابة على أقوال، نختار منها ما هو أقرب للكتاب أو السنة، ونجتهد ما جاوز ذلك، فالاجتهاد موسّع على الفقهاء لمن عرف الاختلاف وقاس فأحسن القياس “(۱).
والجدير بالذكر أنّ أبا حنيفة قد تتلمذ على يد الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) مدّة عامين، ذكرها كل من ترجم له حتى اشتهرت مقولته: ” لولا السنتان لهلك النعمان “(۲)كشهرة الكعبة بأنّها بيت الله الحرام.
وعندما أحكم العباسيون السيطرة على مقاليد الأمور متخذين العراق مركزاً لهم، جعلوا الفتيا والقضاء بيد أهل الرأي، ولمّا ولّي أبو يوسف ـ وهو من أشهر تلامذة أبي حنيفة ـ منصب قاضي القضاة، عمل على نشر مذهب أستاذه، لما له من مكانة في الدولة ومنزلة عند هارون الرشيد، بحيث كان هارون لا يعيّن قاضياً أو مفتياً إلاّ بالرجوع إلى أبي يوسف(۳)، وكان هذا يعيّن أهل نحلته في هذه المواقع الحساسة والخطيرة.
وإذا نظرنا إلى المقوّمات الذاتيّة للمذهب الحنفي، نجد أنّ ذلك يرجع إلى جهود أربعة من أصحاب أبي حنيفة، إذ هم الذين ألّفوا وهذّبوا مسائله، كما أنّهم خالفوه في كثير من المسائل ووسعوا دائرة المذهب في الحيل الشرعية! وهم:
۱ ـ أبو يوسف القاضي، الذي خدم مذهب أبي حنيفة بقوّة نفوذه عند السلطان، وبتصنيفه للكتب وتبويب المسائل، وإدخال الحديث في فقه أبي حنيفة، حتى قال أحمد بن عمار بن أبي مالك: ” سمعت أبي يقول:… ولولاه لم يذكر أبو حنيفة ولا ابن أبي ليلى لكنه نشر علمهما “(۴).
۲ ـ محمّد بن الحسن الشيباني، الذي كان فطناً، فأصبح مرجعاً لأهل الرأي لما أحرزه من تقدّم عندهم، وألّف في المذهب الحنفي كتباً أصبحت المرجع الأوّل لأتباع هذا المذهب.
۳ ـ زفر بن الهذيل، الذي كان أقيس أصحاب أبي حنيفة وأشهرهم عند أهل الرأي!.
۴ ـ الحسن بن زياد اللؤلؤي، الذي كان قاضياً مصنّفاً للكتب على مذهب أبي حنيفة، إلاّ أن كتبه لم تكن بذلك الاعتبار عند الأحناف ككتب الشيباني.
المذهب المالكي:
ينسب إلى مالك بن أنس، الذي أخذ قسماً من علمه عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، وأضطهد مالك أيام العباسيين كأبي حنيفة في أوّل الأمر، إلاّ أنّ المنصور الدوانيقي أعاره الاهتمام وأعطاه الاعتبار، فطرحه مرجعاً دينياً للدولة، وحمل الناس على اتخاذه إماماً لهم في الفقه(۵)، فانتشر مذهبه لا بحسب مؤهلاته الروحية والعلمية، بل بحساب القوّة! وقد قال ابن حزم الأندلسي في ذلك: “مذهبان إنتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان: مذهب أبي حنيفة… ومذهب مالك عندنا… “(۶).
وقد اعتمد مالك بعد كتاب الله تعالى وسنّة رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) على الإجماع والقياس والاستحسان وسدّ الذرائع وإجماع أهل المدينة، لأنّهم عنده أدرى بالسنّة وبالناسخ والمنسوخ، والعمل بقول الصحابي(۷).
وله كتاب ” الموطأ ” الذي ألّفه أيّام المنصور، كما له مجموعة رسائل فقهية أيضاً جمعها تلميذه أسد بن فرات النيسابوري.
المذهب الشافعي:
منسوب لمحمد بن إدريس الشافعي، الذي ذاع صيته وكثر أتباعه في “مصر” أيّام صلاح الدين الأيوبي، الذي تبنّى هذا المذهب ليقضي بذلك على الفاطميين ومن والاهم! ولذلك كان محلاً لعناية السلطة التي رعته بشكل ملفت للنظر.
وقد أخذ الشافعي علمه عن جماعة أشهرهم مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وكان للشافعي منهج وسط بين منهج أصحاب الرأي ـ أتباع أبي حنيفة ـ ومنهج أصحاب الحديث، حيث أشار إلى منهجه بقوله: ” الأصل قرآن وسنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وصحّ الإسناد منه فهو سنة، والإجماع أكبر من الخبر المفرد، والحديث على ظاهره… “(۸).
المذهب الحنبلي:
ينسب إلى أحمد بن حنبل الذي بزغ نجمه أيّام المتوكّل العباسي الذي ذهب إلى القول بخلق القرآن، فقدّمه وأكرمه بعد أن كان مغضوباً عليه أيام المعتصم! وقد صحب أحمد فترة من الزمن الشافعي وأخذ عنه كما أخذ عن غيره.
وأدى تبنّي السلطات الحاكمة ـ أنذاك ـ إلى هذا المذهب في تعاظم نفوذ الحنبلية ” ببغداد ” وضواحيها، فأوقعوا بسائر أبناء المذاهب التي تخالفهم التنكيل والأذى!.
ولم يحظ هذا المذهب باهتمام الناس، لتأخره عن المذاهب الثلاثة السابقة، فضاقت دائرة اتساعه حتى كاد أن يندرس، إلى أن بعث فيه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية الروح من جديد فأحييا مامات منه، وسار على منهجهما في ذلك النجدي محمّد بن عبد الوهاب!.
ولقد اعتمد أحمد في فتاواه على النصوص وما أفتى به الصحابة والأحاديث المرسلة والضعيفة والقياس والاستصحاب والمصالح المرسلة.
من هنا يتبيّن أن دعم السلطات في هذا المجال كان الركيزة الأساسية في انتشار المذاهب الأربعة التي يعتنقها أهل العامة، وإلاّ فهي فاقدة لقابلية الديمومة والاستمرار في ذاتها، ولولا هذا الدعم لكان مصيرها كمصير سائر المذاهب التي انقرضت، لأنّها لم تستمد استنباطاتها من القرآن والسنة فقط، بل اختلطت بها آراء الرجال ووجهات نظرهم!.
فيقرّ مالك في هذا الخصوص قائلا: ” إنّما أنا بشر أخطيء وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما خالف فأتركوه “(۹).
ويعترف أبو حنيفة بقوله: ” هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت، فمن جاء برأي خلافه قبلناه “(۱۰).
ويذعن الشافعي بهذا أيضاً فيقول: ” إذا صح الحديث بخلاف قولي، فاضربوا بقولي الحائط “(۱۱).
ويصرّح بذلك أيضاً أحمد بقوله لرجل: ” لا تقلدني ولا تقلدن…، وخذ الأحكام من حيث أخذوا من الكتاب والسنة “(۱۲).
فآراء الأئمة الأربعة ومقولاتهم هذه تؤكّد أنّ مذاهبهم لا قابلية لها في ذاتها على البقاء، بل كان بواسطة وصول أصحابها إلى سدّة السلطة كما قال الدهلوي: “فأيّ مذهب كان أصحابه مشهورين وأسند إليهم القضاء والإفتاء واشتهرت تصانيفهم في الناس، ودرسوا درساً ظاهراً انتشر في أقطار الأرض… وأيّ مذهب كان أصحابه خاملين ولم يولوا القضاء والإفتاء ولم يرغب فيهم الناس إندرس مذهبهم بعد حين “(۱۳).
مذهب أهل البيت (عليهم السلام) :
في خضم هذه الأجواء كان مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ينشر ما عنده من علوم ومعارف حتى تمكّن أن يبقى قائماً بذاته، على الرغم من توجيه الحملات الظالمة له ولأتباعه الذين أصبحوا غرضاً للتهم، وكانوا في نظر السلطات خارجين عن الإسلام.
والواقع أنّ السبب الوحيد في بقائه وديمومته أستقائه التعاليم من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن طريق العترة الطاهرة (عليهم السلام) ، الذين تحمّلوا ما تحمّلوا في سبيل إبقاء مدرسة آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) شاخصة ومستقلة عن تأثير السلطات.
خصومة المذاهب الأربعة في ما بينها:
يقول الأخ رمضاني: ” عند مراجعتي لسيرة أتباع المذاهب الأربعة وسلوكهم فيما بينهم وجدت ما أثار دهشتي! فإنّي كنت أظنّهم على وفاق في ما بينهم ـ باعتبارهم يرتشفون من منبع واحد وهو سنة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وإذا بي أجد الخلاف الناشب بينهم على مدى العصور ينبيء عن واقع مؤلم وخطير، حتى بلغ الحال بهم إلى تكفير بعضهم البعض، كما حدثت صدامات عنيفة أهدرت الدماء وضيعت الأموال وهتكت الأعراض فيها!
فتجلّت لي الحقيقة بأنّ الذين كنت أظنهم على منهاج واحد، أعداء متخاصمين يعامل بعضهم البعض الآخر معاملة الخارج عن الدين “.
وقد سجّل التاريخ شتّى الصراعات والإختلافات بين أتباع المذاهب الأربعة، وأشار إلى المنعطفات الخطيرة التي وصلوا إليها نتيجة النزاع في ما بينهم، وخير شاهد على ذلك فتاوى بعض الأعلام تلك المذاهب:
۱ ـ قال محمّد بن موسى الحنفي قاضي دمشق المتوفّي عام ۵۰۶ هـ: ” لو كان لي من الأمر شئ لأخذت على الشافعية الجزية!! “(۱۴).
۲ ـ قال أبو حامد الطوسي الشافعي المتوفّي عام ۵۶۷ هـ: ” لو كان لي أمر لوضعت على الحنابلة الجزية!! “(۱۵).
والجزية إنّما تؤخذ على الكافر.
۳ ـ قال الشيخ أبو حاتم بن جاموس الحنّبلي: ” من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم “(۱۶).
وقد أدّى التحيّز الذي وقع بينهم إلى تأصل روح العداء والخروج عن حدّ الاتزان، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة، منها:
الفتنة التي ذهب تحت هياجها خلق كثير بين الحنفية والشافعية في نيسابور، إذ أدّت إلى إحراق الأسواق والمدارس، حتى كثر القتل في الشافعية، وبعدها انتصروا على الحنفية ـ فأسرفوا في أخذ الثأر منهم ـ وكان ذلك سنة ۵۵۴ هـ.
ومثل هذه الفتنة وقعت بين الشافعية والحنابلة، حتى اضطرت السلطة عام ۷۱۶ هـ إلى التدخل بقوة لحسم النزاع!.
وفي عام ۵۶۷ هـ قتل الحنابلة الشيخ أبو منصور من علماء الشافعية، كما قتلت زوجته وأبنه الصغير بعد أنّ دسّوا لهم السمّ!(۱۷).
ومن أراد الوقوف على مثل هذه الحوادث فليرجع إلى مضانها.
حجّية أصول التشريع عند المذاهب الأربعة:
يقول الأخ رمضاني: ” هذه القضايا وأمور أخرى كالمصادر التشريعية التي اعتمد عليها الأئمة الأربعة بدل القرآن والسنة، جعلتني أقطع بعدم شرعيّة هذه المذاهب، لأنّي وجدت الاستحسان والقياس والمصالح المرسلة وقول الصحابي والرأي لا تتناسب بأي حال مع قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل: ۴۴)، بل وجدّت أنّ بعض علماء العامة أورد الأدلّة القاطعة على عدم حجّية جملة من هذه المصادر التشريعية الموضوعة من قبل هؤلاء “.
ومن العلماء الذين لايعتبرون قول الصحابي حجّة: الشوكاني، إذ يقول: ” الحقّ أنّ قول الصحابي ليس بحجّة، فإنّ الله سبحانه وتعالى لم يبعث إلى هذه الأُمة إلاّ نبيّنا محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وليس لنا إلاّ رسول واحد، والصحابة ومن بعدهم مكلّفون على السواء بإتباع شرعه في الكتاب والسنة، فمن قال بأنّه تقوم الحجّة في دين الله بغيرهما، فقد قال في دين الله بما لا يثبت، وأثبت شرعاً لم يأمر الله به “.
والعجيب أنّ أحمد بن حنّبل الذي يعتبر قول الصحابي حجّة، يجعل الحجّية في هذا القول خاضعة لمزاج المكلّف!، فعن محمّد بن عبد الرحمن الصيرفي قال: ” قلت لأحمد بن حنبل: إذا اختلف أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في مسألة، هل يجوز لنا أن ننظر في أقوالهم لنعلم مع من الصواب منهم فنتّبعه؟ فقال لي: لا يجوز النظر بين أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: كيف الوجه في ذلك؟ قال: تقلّد أيّهم أحببت “.
والحقيقة أنّ التشريع من حق صاحب الرسالة(صلى الله عليه وآله وسلم) فقط، ومع ذلك لم يعمل(صلى الله عليه وآله وسلم) طيلة حياته الشريفة برأيه أو باستحسانه أو بقياسه، بل كان دائماً يتبع النصوص الإلهية، وقد أقرّ بهذا الأمر البخاري في صحيحه، حينما قال: ” ماكان النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يُسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول: لا أدري أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالى: (بِما أَراكَ اللهُ) (النساء: ۱۰۵) “(۱۸).
ويقول الأخ رمضاني: ” قد هزّني هذا الأمر من أعماقي، لأنّي وبقية البسطاء من العامة كنّا نتعبد وفق آراء الرجال!، وأيّ رجال!! رجال عفى على آرائهم الزمن ـ لأنّها لا تتماشى مع ما هو مستجد في عصرنا ـ فلا اجتهاد بعدهم، وكأنّ الأُمة عقمت وانعدمت قدرتها على إنجاب النوابغ والمجدّدين، وهكذا سدّوا علينا باب الاجتهاد وجعلونا نتخبط بما هو مستحدث “.
غلق أبواب الاجتهاد عند أبناء العامة:
إنّ غلق باب الاجتهاد وادعاء استحالته لأحد غير أئمة المذاهب الأربعة، أدّى إلى الجمود الفكري لدى أهل العامة، مما أثّر سلباً على اعتدالهم وتوازنهم في تقييم الآخرين!، حيث وصفهم أتباعهم بأوصاف غير معقولة! فادّعوا أنّ أبا حنيفة سراج الأمّة، وسيّد الأئمة، ومحيي السنّة، وأنّه إذا تكلم خيّل إليك أنّ ملكاً يلقنه، وما كلّم أحداً في باب من أبواب الفقه إلاّ ذلّ له، وإذا أشكلت مسألة على أعلم الناس سهلّها عليه!!، وتجد ذلك في الكتب التي تتحدث عن مناقبه، وغيره من الائمة(۱۹).
والالتزام بهذه المذاهب ولزوم تقليد أئمتها وتحريم الاجتهاد على غيرهم، مجرد تحكّم وتطرف وتعصب لاغير!، فلو عقل أتباع هذه المذاهب حقيقة أئمتهم، ووعوا تصريحاتهم الدالّة بوضوح على عدم الالتزام بالرجوع إليهم وأخذ قولهم فقط، لما تفوهوا بهذا الكلام.
فها هو أبو حنيفة يقول: ” هذا رأي النعمان بن ثابت ـ يعني نفسه ـ وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاء بأحسن منه فهو أولى بالصواب “(۲۰).
وقيل لأبي حنيفة: ” إذا قلت قولاً وكتاب الله يخالفه؟ قال: أتركوا قولي بكتاب الله، فقيل: إذا كان خبر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: أتركوا قولي لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقيل: إذا كان قول الصحابة يخالفه؟ قال: أتركوا قولي لقول الصحابة”(۲۱).
وهذا مالك بن أنس ينهى عن تقليده بهذا الشكل الأعمى، فقد روي عن مالك أنّه قال: ” إنّما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ماوافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق فاتركوه “، وروي مثله عنه أحمد بن مروان المالكي(۲۲).
كما أنّ الشافعي يلمح إلى عدم الالتزام بكل ما جاء عنه لخفاء جملة من العلوم عليه، فقد روي قوله عن أحمد بن حنبل أنّه قال: ” أنتم أعلم بالأخبار الصحيحة منّا، فإذا كان خبر صحيح فأعلمني حتى أذهب إليه “(۲۳)، وقال: ” كل ما قلت لكم، لم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتراه حقّاً، فلا تقبلوه، فإنّ العقل مضطر إلى قبول الحقّ “(۲۴).
وأمّا أحمد بن حنبل فقد اشتهر عنه أنّه من المخالفين للتقليد، فكان يقول: “من قلّة فقه الرجل أن يقلّد دينه الرجال “(۲۵).
الانتماء للمذهب الجعفري:
يقول الأخ رمضاني: ” وبعد الوقوف على حياة كل إمام من أئمة المذاهب الأربعة وجدت أنّهم قد أخذوا بشكل أو بآخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) (۲۶)، فقرّرت الإطلاع على حياته.
وبالفعل قرأت بعض كتب التراجم لأهل العامة، فوجدت ـ مع شديد الأسف ـ أنّ ترجمة هذه الشخصية ترجمة مختصرة أو مبتورة، بل أنّ البعض تجاوزه ولم يفرد له حقلاً أو عنواناً يذكر!.
وطلبت تراجمه في كتب بقية الفرق، فوقعت بيدي كتب الإمامية تتحدّث عنه وعن علومه وسلوكه و…، فوجدت أنّ هذه الشخصية المهيبة قد استمدت علومها عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّها ما حادت قيد شعرة عن الكتاب أو السنة، بل أكثر من ذلك وجدت أنّ فقه الإمام الصادق (عليه السلام) وعقائده ونهجه هو الأكمل والأشمل، بل الأنقى والأرقى، لكن عتم على هذه الشخصية كما عتموا على آبائه من قبل!.
ولهذا قرّرت ـ بحمد الله ـ ترك فقه الرجال والاغتراف من ينبوع الرسالة الصافي من أهل البيت (عليهم السلام) ، فوفقني الله تعالى للالتحاق بركبهم والسير في هديهم، فأعلنت عن استبصاري في مدينة ” مومباسا ” الكينية عام ۱۹۸۹م “.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(۱) أنظر: مناقب أبي حنيفة للذهبي: ۲۰، تبييض الصحيفة للسيوطي: ۲۷، الخيرات الحسان في مناقب أبي حنيفة: ۳۵٫
(۲) أنظر: مختصر التحفة الإثني عشرية للأولسي: ۸٫
(۳) أنظر: كتاب المواعظ والاعتبار (خطط) المقريزي: ۴ / ۱۴۴۹، الإنتقاء لابن عبد البر: ۱۷۲٫
(۴) أنظر: مناقب أبي حنيفة وصاحبية للذهبي: ۴۳٫
(۵) أنظر: الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ۲ / ۱۹۳، معجم الادباء: ۱۷ / ۲۷۵٫
(۶) أنظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: ۶ / ۱۴۴٫
(۷) أنظر: ضحى الإسلام لأحمد أمين: ۲ / ۲۱۰، مناهج الاجتهاد لمحمّد سلام: ۶۲۶ وما بعدها.
(۸) أنظر: ضحى الإسلام لأحمد أمين: ۲ / ۲۲۳، مناهج الاجتهاد لمحمد سلام: ۶۵۰٫
(۹) أنظر: تاريخ الإسلام للذهبي (حوادث ۱۷۱): ۳۲۷، جلاء العينين للآلوسي: ۱۹۹، مجموعة الرسائل المنبرية: ۳ / ۱۰۵٫
(۱۰) أنظر: مناقب أبي حنيفة للذهبي، باب قوله في الرأي: ۲۱، مناقب أبي حنيفة للهيثمي الفصل الحادي عشر: ۳۵٫
(۱۱) أنظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: ۱۰ / ۳۵، حجة الله البالغة للدهلوي: ۱ / ۲۹۲٫
(۱۲) أنظر: حجة الله البالغة للدهلوي: ۱ / ۲۹۳٫
(۱۳) أنظر: الإنصاف لوليّ الله الدهلوي: ۱۵٫
(۱۴) أنظر: تاريخ الإسلام للذهبي (حوادث ۵۰۱): ۱۴۸٫
(۱۵) أنظر: تاريخ الإسلام للذهبي (حوادث ۵۶۷): ۲۹۸٫
(۱۶) أنظر: تذكرة الحفّاظ للذهبي: ۳ / ۱۱۸۷، وأبو حامد هو محمّد بن محمّد بن أحمد الفقيه.
(۱۷) أنظر: تاريخ الإسلام للذهبي (حواديث ۵۶۷): ۵۹۷، الكامل في التاريخ لابن الأثير: ۱۱ / ۳۷۶٫
(۱۸) أنظر: صحيح البخاري: ۶ / ۲۶۶۶٫
(۱۹) أنظر: كتب مناقب أبي حنيفة للذهبي والهيثمي والكردري وغيرهم.
(۲۰) أنظر: حجة الله البالغة لولي الله الدهلوي: ۱ / ۲۹۲٫
(۲۱) أنظر: النصائح الكافية لابن عقيل: ۳۸، مجموعة الرسائل المنبرية: ۳ / ۱۰۵٫
(۲۲) أنظر: تاريخ الإسلام للذهبي (حوادث ۱۷۱): ۳۲۷٫
(۲۳) أنظر: البداية والنهاية لابن كثير: ۱۰ / ۲۳۶، مجموعة الرسائل المنبرية: ۳ / ۹۹، حجّة الله البالغة للدهلوي: ۱ / ۲۷۵، سير أعلام النبلاء للذهبي: ۱۱ / ۲۱۳٫
(۲۴) أنظر: آداب الشافعي ومناقبه: ۹۲٫
(۲۵) أنظر: أعلام الموقعين لابن قيّم: ۲ / ۱۸۲، جلائل العينين للآلوسي: ۱۹۹٫
(۲۶) أنظر: حلية الأولياء لأبي نعيم (ترجمة الإمام الصادق (عليه السلام) ): ۳ / ۳۲۵٫
المصدر: مركز الأبحاث العقائدية