- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 11 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
تعتقد الشيعة الإمامية بغيبة الإمام المهدي (ع)، وهذا الاعتقاد أثار تساءلات عند أهل الخلاف حول غيبته (ع)، كما طرحت من قبلهم شبهات حول موضوع الغيبة، حاول الكاتب لهذه المقالة أن يجيب عن هذه الشبهات والتساءلات بواضح الدليل ولائح البرهان، فذكر سبع مسائل.
المسألة الأولى في غيبة الإمام المهدي
قالوا:
ما الوجه في غيبة الإمام المهدي (ع) على الاستمرار والدوام، حتى صار ذلك سببا لانكار وجود الإمام المهدي (ع)، ونفي ولادته[1]، وآباؤه (ع) وإن لم يظهروا الدعاء إلى نفوسهم فيما يتعلق بالإمامة، فقد كانوا ظاهرين يفتون في الاحكام، فلا يمكن لاحد نفي وجودهم؟
الجواب:
قد ذكر الاجل السيد المرتضى (قده) في ذلك طريقة لم يسبقه إليها أحد من أصحابنا، فقال: إن العقل إذا دل على وجوب الإمامة فإن كل زمان – كلف المكلفون الذين يقع منهم القبيح والحسن، ويجوز عليهم الطاعة والمعصية – لا يخلو من إمام، لأن خلوه من الامام إخلال بتمكينهم، وقادح في حسن تكليفهم.
ثم دل العقل على أن ذلك الامام لابد أن يكون معصوما من الخطأ، مأمونا منه كل قبيح، وثبت أن هذه الصفة – التي دل العقل على وجوبها – لا توجد إلا فيمن تدعي الامامية إمامته، ويعرى منها كل من تدعى له الإمامة سواه.
فالكلام في علة غيبة الإمام المهدي (ع) وسببها واضح بعد أن تقررت إمامته، لأنا إذا علمنا إنه الامام دون غيره، ورأيناه غائبا عن الابصار، علمنا أن الإمام المهدي (ع) لم يغب مع عصمته وتعين فرض الإمامة فيه.
وعليه إلا لسبب اقتضى ذلك، استدعته، وضرورة حملت عليه، وإن لم يعلم وجهه على التفصيل، لان ذلك مما لا يلزم علمه، وجرى الكلام في الغيبة ووجهها مجرى العلم بمراد الله تعالى من الآيات المتشابهات في القرآن التي ظاهرها الجبر أو التشبيه.
فإنا نقول: إذا علمنا حكمة الله سبحانه، وأنه لا يجوز أن يخبر بخلاف ما هو عليه من الصفات، علمنا – على الجملة – أن لهذه الآيات وجوها صحيحة بخلاف ظاهرها، تطابق مدلول أدلة العقل، وإن غاب عنا العلم بذلك مفصلا، فإن تكلفنا الجواب عن ذلك، وتبرعنا بذكره، فهو فضل منا غير واجب.
وكذلك الجواب لمن سأل عن الوجه في إيلام الأطفال، وجهة المصلحة في رمي الجمار والطواف بالبيت، وما أشبه ذلك من العبادات على التفصيل والتعيين، فإنا إذا عولنا على حكمة القديم سبحانه، وأنه لا يجوز أن يفعل قبيحا، فلابد من وجه حسن في جميع ذلك وإن جهلناه بعينه، وليس يجب علينا بيان ذلك الوجه وأنه ما هو.
وفي هذا سد الباب على مخالفينا في سؤالاتهم، وقطع التطويلات عنهم والاسهابات، إلا أن نتبرع بإيراد الوجه في غيبة الإمام المهدي (ع) على سبيل الاستظهار وبيان الاقتدار، وإن كان ذلك غير واجب علينا في حكم النظر والاعتبار.
فنقول: الوجه في غيبة الإمام المهدي (ع) هو خوفه على نفسه، ومن خاف على نفسه احتاج إلى الاستتار، فأما لو كان خوفه على ماله أو على الأذى في نفسه لوجب عليه أن يتحمل ذلك كله لتنزاح علة المكلفين في تكليفهم، وهذا كما نقوله في النبي في أنه يجب عليه أن يتحمل كل أذى في نفسه حتى يصح منه الأداء إلى الخلق ما هو لطف لهم، وإنما يجب عليه الظهور وإن أدى إلى قتله كما ظهر كثير من الأنبياء وإن قتلوا، لان هناك كان في المعلوم أن غير ذلك النبي يقوم مقامه في تحمل أعباء النبوة.
أو أن المصالح التي كان يؤديها ذلك النبي قد تغيرت، وليس كذلك حال الإمام المهدي (ع)، فإن الله تعالى قد علم أنه ليس بعده من يقوم مقامه في باب الإمامة والشريعة على ما كانت عليه، واللطف بمكانه لم يتغير، ولا يصح تغيره، فلا يجوز ظهوره إذا أدى إلى القتل.
وإنما كان آباؤه (ع) ظاهرين بين الناس يفتونهم ويعاشرونهم، ولم يظهر هو لان خوفه (ع) أكثر، فإن الأئمة الماضين من آبائه (ع) أسروا إلى شيعتهم أن صاحب السيف هو الثاني عشر منهم، وأنه الذي يملأ الأرض عدلا، وشاع ذلك القول من مذهبهم حتى ظهر ذلك القول بين أعدائهم، فكانت السلاطين الظلمة يتوقفون عن إتلاف آبائه لعلمهم بأنهم لا يخرجون بالسيف، ويتشوقون إلى حصول الثاني عشر ليقتلوه ويبيدوه.
ألا ترى أن السلطان في الوقت الذي توفي فيه العسكري (ع) وكل بداره وجواريه من يتفقد حملهن لكي يظفر بولده ويفنيه؟
كما أن فرعون موسى لما علم أن ذهاب ملكه على يد موسى (ع) منع الرجال من أزواجهم، ووكل بذوات الأحمال منهن ليظفر به.
وكذلك نمرود لما علم أن ملكه يزول على يد إبراهيم (ع) وكل بالحبالى من نساء قومه، وفرق بين الرجال وأزواجهم، فستر الله سبحانه ولادة إبراهيم وموسى (ع) كما ستر ولادة الإمام المهدي (ع) لما علم في ذلك من التدبير.
وأما كون غيبته سببا لنفي ولادته، فإن ذلك لضعف البصيرة والتقصير عن النظر، وعلى الحق الدليل الواضح، لمن أراده، الظاهر لمن قصده.
المسألة الثانية
قالوا:
إذا كان الامام غائبا بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ولا ينتفع به، فما الفرق بين وجوده وعدمه؟ وإلا جاز أن يميته الله تعالى أو يعدمه حتى إذا علم أن الرعية تمكنه وتسلم له وجده أو أحياه كما جاز أن يبيحه الاستتار حتى يعلم منهم التمكين له فيظهره.
الجواب:
أول ما نقوله: إنا لا نقطع على أن الامام لا يصل إليه أحد، فهذا أمر غير معلوم، ولا سبيل إلى القطع به.
ثم إن الفرق بين وجوده غائبا عن أعدائه للتقية – وهو في أثناء تلك الغيبة منتظر ان يمكنوه فيظهر ويتصرف – وبين عدمه واضح، وهو أن الحجة هناك فيما فات من مصالح العباد لازمة لله تعالى، وههنا الحجة لازمة للبشر، لأنه إذا خيف فغيب شخصه عنهم كان ما يفوتهم من المصلحة – عقيب فعل كانوا هم السبب فيه – منسوبا إليهم، فيلزمهم في ذلك الذم، وهم المؤاخذون به، الملومون عليه.
وإذا أعدمه الله تعالى، كان ما يفوت العباد من مصالحهم، ويحرمونه من لطفهم وانتفاعهم به، منسوبا إلى الله تعالى، ولا حجة فيه على العباد، ولا لوم يلزمهم، لأنهم لا يجوز أن ينسبوا فعلا لله تعالى.
المسألة الثالثة
فإن قالوا:
الحدود التي تجب على الجناة في حال الغيبة ما حكمها؟
فإن قلتم: تسقط من أهلها (فقد) صرحتم بنسخ الشريعة، وإن كانت ثابتة فمن الذي يقيمها والامام مستتر غائب؟
الجواب:
الحدود المستحقة ثابتة في جنوب (الجناة بما)[2] يوجبها من الافعال، فإن ظهر الامام ومستحقوها باقون أقامها عليهم بالبينة أو الاقرار، وإن فات ذلك بموتهم كان الاثم في تفويت إقامتها على المخيفين للامام، المحوجين إياه إلى الغيبة.
وليس هذا بنسخ لإقامة الحدود، لان الحد إنما تجب إقامته مع التمكن وزوال المانع، وسقوط فرض إقامته مع الموانع وزوال التمكن لا يكون نسخا للشرع المتقرر، لان الشرط في الوجوب لم يحصل، وإنما يكون ذلك نسخا لو سقط فرض إقامتها عن الامام مع تمكنه.
على أن هذا أيضا يلزم مخالفينا إذا قيل لهم: كيف الحكم في الحدود في الأحوال التي لا يتمكن فيها أهل الحل والعقد كن اختيار الإمام ونصبه؟
وهل تبطل أو تثبت من تعذر إقامتها؟ وهل يقتضي هذا التعذر نسخ الشريعة؟
فكل ما أجابوا به عن ذلك فهو جوابنا بعينه.
المسألة الرابعة
فان قالوا:
فالحق مع غيبة الامام كيف يدرك؟
فإن قلتم: لا يدرك ولا يوصل إليه، فقد جعلتم الناس في حيرة وضلالة مع الغيبة.
وإن قلتم: يدرك الحق من جهة الأدلة المنصوبة[3] عليه، فقد صرحتم بالاستغناء عن الامام بهذه الأدلة، وهذا يخالف مذهبكم.
الجواب:
ان الحق على ضربين عقلي وسمعي، فالعقلي يدرك بالعقل، ولا يؤثر فيه وجود الامام ولا فقده.
والسمعي عليه أدلة منصوبة من أقوال النبي (ص) ونصوصه، وأقوال الأئمة الصادقين (ع)، وقد بينوا ذلك وأوضحوه، غير أن ذلك وإن كان على ما قلناه فالحاجة إلى الامام مع ذلك ثابتة، لان جهة الحاجة إليه – المستمرة في كل عصر وعلى كل حال – هي كونه لطفا في فعل الواجب العقلي من الانصاف والعدل واجتناب الظلم والبغي، وهذا مما لا يقوم غيره مقامه فيه.
فأما الحاجة إليه من جهة الشرع فهي أيضا ظاهرة، لان النقل الوارد عن النبي والأئمة (ع) يجوز أن يعدل الناقلون عن ذلك إما بتعمد أو شبهة فينقطع النقل أو يبقى فيمن ليس نقله حجة ولا دليلا، فيحتاج حينئذ إلى الامام ليكشف ذلك ويبينه[4]، وإنما يثق المكلفون بما نقل إليهم وأنه جميع الشرع إذا علموا أن وراء هذا النقل إماما متى اختل سد خلله وبين المشتبه فيه.
فالحاجة إلى الامام ثابتة مع إدراك الحق في أحوال الغيبة من الأدلة الشرعية، على أنا إذا علمنا بالاجماع أن التكليف لازم لنا إلى يوم القيامة ولا يسقط بحال، علمنا أن النقل ببعض الشريعة لا ينقطع في حال تكون تقية الامام فيها مستمرة، وخوفه من الأعداء باقيا، ولو اتفق ذلك لما كان إلا في حال يتمكن فيها الامام من البروز والظهور، والاعلام والانذار.
المسألة الخامسة
فان قالوا:
إذا كانت العلة في غيبة الامام المهدي (ع) خوفه من الظالمين واتقاء من المخالفين فهذه العلة منتفية عن أوليائه، فيجب أن يكون ظاهرا لهم أو يجب أن يسقط عنهم التكليف الذي إمامته لطف فيه.
الجواب:
قد أجاب أصحابنا عن هذا السؤال بأجوبة:
أحدها:
أن الامام ليس في تقية من أوليائه وإن غاب عنهم كغيبته من أعدائه لخوفه من إيقاعهم الضرر به، وعلمه بأنه لو ظهر لهم لسفكوا دمه.
وغيبته عن أوليائه لغير هذه العلة، وهو أنه أشفق من إشاعتهم خبره، والتحدث منهم كذلك على وجه التشرف بذكره، والاحتجاج بوجوده، فيؤدي ذلك إلى علم أعدائه بمكانه، فيعقب علمهم بذلك ما ذكرناه من وقوع الضرر به.
وثانيهما:
أن غيبة الإمام المهدي (ع) عن أعدائه للتقية منهم، وغيبته عن أوليائه للتقية عليهم، والاشفاق من إيقاع الضرر بهم، إذ لو ظهر للقائلين بإمامته وشاهده بعض أعدائه وأذاع خبره طولب أولياؤه به، فإذا فات الطالب بالاستتار أعقب ذلك عظيم المكروه والضرر بأوليائه، وهذا معروف بالعادات.
وثالثها:
أنه لابد أن يكون في المعلوم أن في القائلين بإمامته من لا يرجع عن الحق من اعتقاد إمامته، والقول بصحتها على حال من الأحوال، فأمره الله تعالى بالاستتار ليكون المقام على الاقرار بإمامته مع الشبه في ذلك وشدة المشقة أعظم ثوابا من المقام على الاقرار بإمامته مع المشاهدة له، فكانت غيبة الإمام المهدي (ع) عن أوليائه لهذا الوجه، ولم تكن للتقية منهم.
ورابعها:
وهو الذي عول عليه السيد المرتضى (قده) قال: نحن أولا: لا نقطع على أن الإمام المهدي (ع) لا يظهر لجميع أوليائه، فإن هذا أمر مغيب عنا، ولا يعرف كل منا إلا حال نفسه، فإذا جوزنا ظهوره لهم كما جوزنا غيبته عنهم فنقول في علة غيبته عنهم: إن الامام المهدي (ع) عند ظهوره من الغيبة إنما يميز شخصه كما يعرف عينه بالمعجز الذي يظهر على يديه، لان النصوص الدالة على إمامته لا تميز شخصه من غيره كما ميزت أشخاص آبائه.
والمعجز إنما يعلم دلالته بضرب من الاستدلال، والشبه تدخل في ذلك، فلا يمتنع أن يكون كل من لم يظهر له من أوليائه، فإن المعلوم من حاله أنه متى ظهر له قصر في النظر في معجزه، ولحق لهذا التقصير بمن يخاف منه من الأعداء.
على أن أولياء الامام المهدي (ع) وشيعته منتفعون به في حال غيبته، لأنهم مع علمهم بوجوده بينهم، وقطعهم بوجوب طاعته عليهم، لابد أن يخافوه في ارتكاب القبيح، ويرهبوا من تأديبه وانتقامه ومؤاخذته فيكثر منهم فعل الواجب، ويقل ارتكاب القبيح[5].
أو يكونوا إلى ذلك أقرب، فيحصل لهم اللطف به مع غيبته، بل ربما كانت الغيبة في هذا الباب أقوى، لان المكلف إذا لم يعرف مكان الإمام المهدي (ع)، ولم يقف على موضعه، وجوز فيمن لا يعرفه أنه الامام، يكون إلى فعل الواجب أقرب منه إلى ذلك لو عرفه ولم يجوز فيه كونه إماما.
فإن قالوا:
إن هذا تصريح منكم بان ظهور الإمام كاستتاره في الانتفاع به والخوف منه.
فنقول:
إن ظهور الإمام المهدي (ع) لا يجوز أن يكون في المنافع كاستتاره، وكيف يكون ذلك وفي ظهوره وقوة سلطانه انتفاع الولي والعدو، والمحب والمبغض، ولا ينتفع به في حال الغيبة إلا وليه دون عدوه، وأيضا فإن في انبساط يده منافع كثيرة لأوليائه وغيرهم، لأن الإمام المهدي (ع) يحمي حوزتهم ويسد ثغورهم، ويؤمن طرقهم، فيتمكنون من التجارات والمغانم، ويمنع الظالمين من ظلمهم، فتتوفر أموالهم، وتصلح أحوالهم.
غير أن هذه منافع دنيوية لا يجب إذا فاتت بالغيبة أن يسقط التكليف معها، والمنافع الدينية الواجبة في كل حالة بالإمامة قد بينا أنها ثابتة لأوليائه مع الغيبة، فلا يجب سقوط التكليف.
المسألة السادسة
قالوا:
لا يمكن أن يكون في العالم بشر له من السن ما تصفونه لإمامكم، وهو مع ذلك كامل العقل، صحيح الحس؟ وأكثروا التعجب من ذلك، وشنعوا به علينا.
والجواب:
أن من لزم طريق النظر، وفرق بين المقدور والمحال، لم ينكر ذلك، إلا أن يعدل عن الانصاف إلى العناد والخلاف.
وطول العمر وخروجه عن المعتاد لا اعتراض به لامرين:
أحدهما:
إنا لا نسلم أن ذلك خارق للعادة، لان تطاول الزمان لا ينافي وجود الحياة، وإن مرور الأوقات لا تأثير له في العلوم والقدر، ومن قرأ الاخبار ونظر فيما سطر في الكتب من ذكر المعمرين علم أن ذلك مما جرت العادة به، وقد نطق القرآن بذكر نوح وأنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما.
وقد صنفت الكتب في أخبار المعمرين من العرب والعجم، وقد تظاهرت الاخبار بأن أطول بني آدم عمرا الخضر (ع)، وأجمعت الشيعة وأصحاب الحديث بل الأمة بأسرها – ما خلا المعتزلة والخوارج – على أنه موجود في هذا الزمان، حي كامل العقل، ووافقهم على ذلك أكثر أهل الكتاب.
ولا خلاف في أن سلمان الفارسي أدرك رسول الله (ص) وقد قارب من عمره أربعمائة عام.
وهب أن المعتزلة والخوارج يحملون أنفسهم على دفع الاخبار، فكيف يمكنهم دفع القرآن وقد نطق بدوام أهل الجنة والنار، وجاءت الاخبار بلا خلاف بين الأمة فيها بأن أهل الجنة لا يهرمون ولا يضعفون، ولا يحدث بهم نقصان في الأنفس ولو كان ذلك منكرا من جهة العقول لما جاء به القرآن، ولا حصل عليه الاجماع.
ومن اعترف بالخضر (ع) لم يصح منه هذا الاستبعاد، ومن أنكره حجته الاخبار، وجاءت الرواية عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): «لما بعث الله نوحا إلى قومه بعثه وهو ابن خمسين ومائتي سنة، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وبقي بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة، فلما أتاه ملك الموت (ع) قال له:
يا نوح، يا أكبر الأنبياء، ويا طويل العمر، ويا مجاب الدعوة، كيف رأيت
الدنيا؟
قال: مثل رجل بني له بيت له بابان فدخل من واحد وخرج من الاخر»[6].
وكان لقمان بن عاد الكبير أطول الناس عمرا بعد الخضر، وذلك أنه عاش ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة. ويقال: إنه عاش عمر سبعة أنسر، وكان يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش، فإذا مات أخذ آخر فرباه، حتى كان آخرها لبد وكان أطولها عمرا فقيل: أتى أبد على لبد[7].
من عمّر عمرا طويلا
1ـ الربيع بن ضبع الفزاري، عاش ثلاثمائة سنة وأربعين سنة، وأدرك النبي (ص) وهو الذي يقول:
ها أنا ذا آمل الخلود وقد * أدرك عمري ومولدي حجرا
أما امرئ القيس قد سمعت به * هيهات هيهات طال ذا عمرا
2ـ المستوعر بن ربيعة، عاش ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين سنة، وهو الذي يقول:
ولقد سئمت من الحياة وطولها * وعمرت من بعد السنين سنينا
3ـ أكثم بن صيفي الأسدي، عاش ثلاثمائة وستا وثلاثين سنة، وهو الذي
يقول:
وإن امر قد عاش تسعين حجة * إلى مائة لم يسأم العيش جاهل
خلت مائتان غير ست وأربع * وذلك من عد الليالي قلائل
وكان ممن أدرك النبي (ص) وآمن به، ومات قبل أن يلقاه.
4ـ دريد بن زيد، عاش أربعمائة سنة وستا وخمسين سنة، فلما حضره الموت قال:
ألقى علي الدهر رجلا ويدا * والدهر ما أصلح يوما أفسدا
يفسد ما أصلحه اليوم غدا
5ـ دريد بن الصمة، عاش مائتي سنة، وقتل يوم حنين.
فهذا طرف يسير مما ذكر من المعمرين[8]، وإذا ثبت أن الله سبحانه قد عمر خلقا من البشر ما ذكرناه من الأعمار، وبعضهم حجج الله تعالى وهم الأنبياء، وبعضهم غير حجة، وبعضهم كفار، ولم يكن ذلك محالا في قدرته، ولا منكرا في حكمته، ولا خارقا للعادة، بل مألوفا على الاعصار، معروفا عند جميع أهل الأديان.
فما الذي ينكر من عمر الإمام المهدي (ع) أن يتطاول إلى غاية عمر بعض من سميناه، وهو حجة الله تعالى على خلقه، وأمينه على سره، وخليفته في أرضه، وخاتم أوصياء نبيه (ص)، وقد صح عن رسول الله (ص) أنه قال: «كل ما كان في الأمم السالفة فإنه يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة»[9].
هذا وأكثر المسلمون يعترفون ببقاء المسيح (ع) حيا إلى هذه الغاية، شابا قويا، وليس في وجود الشباب مع طول الحياة – إن لم يثبت ما ذكرناه – أكثر من أنه نقض للعادة في هذا الزمان، وذلك غير منكر على ما نذكره.
ثانيهما:
أن نسلم لمخالفينا أن طول العمر إلى هذا الحد مع وجود الشباب خارق للعادات – عادة زماننا هذا وغيره – وذلك جائز عندنا وعند أكثر المسلمين.
فإن إظهار المعجزات عندهم وعندنا يجوز على من ليس بنبي، من إمام أو ولي، لا ينكر ذلك من جميع الأمة إلا المعتزلة والخوارج، وإن سمى بعض الأمة ذلك كرامات لا معجزات، ولا إعتبار بالأسماء، بل المراد خرق العادات، ومن أنكر ذلك في باب الأئمة فإنا لا نجد فرقا بينه وبين البراهمة في إنكارهم إظهار المعجزات ونقض العادات لاحد من البشر، وإلا فليأت القوم بالفصل، وهيهات.
المسألة السابعة
قالوا:
إذا حصل الاجماع على أن لا نبي بعد رسول الله (ص)، وأنتم قد زعمتم أن الإمام المهدي (ع) إذا قام لم يقبل الجزية من أهل الكتاب، وأنه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه في الدين، ويأمر بهدم المساجد والمشاهد، وأن الإمام المهدي (ع) يحكم بحكم داود (ع) لا يسأل عن بينة، وأشباه ذلك مما ورد في آثاركم، وهذا يكون نسخا للشريعة، وإبطالا لأحكامها، فقد أثبتم معنى النبوة وإن لم تتلفظوا باسمها، فما جوابكم عنها؟
الجواب:
أنا لا نعرف ما تضمنه السؤال من أن الإمام المهدي (ع) لا يقبل الجزية من أهل الكتاب، وأنه (ع) يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه في الدين، فإن كان ورد بذلك خبر فهو غير مقطوع به.
وأما هدم المساجد والمشاهد فقد يجوز أن يختص بهدم ما بني من ذلك على غير تقوى الله تعالى، وعلى خلاف ما أمر الله سبحانه به، وهذا مشروع قد فعله النبي (ص).
وأما ما روي من أن الإمام المهدي (ع) يحكم بحكم داود لا يسأل عن بينة فهذا أيضا غير مقطوع به، وإن صح فتأويله: أنه يحكم بعلمه فيما يعلمه، وإذا علم الإمام أو الحاكم أمرا من الأمور فعليه أن يحكم بعلمه ولا يسأل البينة، وليس في هذا نسخ للشريعة.
على أن هذا الذي ذكروه من ترك قبول الجزية واستماع البينة، لو صح لم يكن ذلك نسخا للشريعة، لان النسخ هو ما تأخر دليله عن الحكم المنسوخ ولم يكن مصاحبا له.
فأما إذا اصطحب الدليلان فلا يكون أحدهما ناسخا لصاحبه وإن كان يخالفه في الحكم، ولهذا اتفقنا على أن الله سبحانه لو قال: ألزموا السبت إلى وقت كذا، ثم لا تلزموه، أن ذلك لا يكون نسخا، لان الدليل الرافع مصاحب للدليل الموجب.
وإذا صحت هذه الجملة، وكان النبي (ص) قد أعلمنا بأن الإمام المهدي (ع) من ولده يجب اتباعه وقبول أحكامه، فنحن إذا صرنا إلى ما يحكم به فينا – وإن خالف بعض الأحكام المتقدمة – غير عاملين بالنسخ، لان النسخ لا يدخل فيما يصطحب الدليل، وهذا واضح.
الاستنتاج
في هذا المقال ذكرت سبع مسائل كأجوبة وافية عن تساءلات وشبهات أثارها أهل الخلاف حول غيبة الإمام المهدي (ع)، منها: ما هو السبب في غيبة الإمام المهدي (ع)؟ وما الفائدة من الغيبة؟ وكيف يعيش الإمام المهدي (ع) وهو بهذا العمر الطويل؟ وغير ذلك الأسئلة والشبهات.
الهوامش
[1] في نسخة «م» زيادة: وكيف يجوز أن يكون إماما للخلق ولم يظهر قط لأحد منهم.
[2] في نسخنا: جناة بما، ولعله تصحيف، وأثبتنا ما رأيناه صوابا.
[3] في نسخة «م»: المنصوص بها.
[4] في نسخة «ط»: ويثبته.
[5] في نسخة «م»: المعصية.
[6] راجع كتاب المقنع في الغيبة للسيد المرتضى رحمه الله تعالى، والمنشور محققا على صفحات مجلة تراثنا الفصلية، العدد 27، ص155.
[7] الصدوق، كمال الدين، ص559.
[8] انظر: الصدوق، كمال الدين، ص549، الأربلي، كشف الغمة، ص543.
[9] الصدوق، كمال الدين، ص576، الصدوق، عيون أخبار الرضا (ع)، ج2، ص201، ح1.
مصادر البحث
1ـ الأربلي، علي، كشف الغمة في معرفة الإئمة، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأولى، 1421 هـ.
2ـ السيد المرتضى، علي، المقنع في الغيبة، تحقيق السيد محمد علي الحكيم، بيروت، نشر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1419 هـ.
3ـ الصدوق، محمّد، عيون أخبار الرضا (ع)، تصحيح وتعليق حسين الأعلمي، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، طبعة 1404 هـ.
4ـ الصدوق، محمد، كمال الدين وتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1416هـ.
مصدر المقالة
الطبرسي، الفضل، إعلام الورى بأعلام الهدى، قم، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت، الطبعة الأولى، 1417 هـ.