- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 10 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
إذا كان علم الغيب المطلق له سبحانه ويهب منه لمن يشاء من خاصة عباده، فهل يوجد من هؤلاء الخواص من قد حصل على العلم بالغيب وعمل به؟ الإجابة على هذا السؤال وغيره ستكون في الفقرة التالية:
موقف القرآن والسنّة من علم الغيب
العلم الذي يمتلكه الإمام المعصوم ومقداره ومستنده لا يمكن إثباته إلاّ من خلال الطرق النقلية الواردة في الكتاب والسنّة الشريفة، لأنّه ليس بوسع العقل وبمفرده أن يتناوله بالنفي والإثبات، لأن الإثبات يتوقف على إخبار غيبي بذلك.
من هنا سوف نتناول هذه المسألة باطارها النقلي ضمن عدة اُمور:
الأمر الأوّل: الآيات التي تتحدث عن علم الغيب في حياة الأنبياء والصالحين
تناول القرآن الكريم هذه الظاهرة في حياة الأنبياء والصالحين بالنص وبالتأكيد عليها، حيث نجدهم (ع) قد امتلكوا القدرة على العلم بالغيب بإذنه سبحانه واستخدموه لمصلحة الرسالة، وإليك نماذج من ذلك:
1ـ قال يوسف (ع) لإخوته: (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَالقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا… ثم أخبر تعالى عمّا جرى بعد ذلك، فقال:... فَلَمَّا أَن جَاء البَشِيرُ القَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا)[1].
إن ظاهر هذه الآية يدل على أن النبي يعقوب (ع) قد استعاد بصره بالشكل الكامل بالقدرة الغيبية التي علمها واستخدمها يوسف (ع) من أجل ذلك، ومن الواضح أن استعادة يعقوب (ع) بصره لم يكن من الله بصورة مباشرة، بل تحققت بإذنه سبحانه بواسطة النبي يوسف (ع).
إن النبي يوسف (ع) كان السبب في عودة بصر أبيه، ولولا ذلك لما أمر إخوته بأن يذهبوا بقميصه ويلقوه على وجه أبيه، بل كان يكفي أن يدعو الله تعالى لذلك فقط.
إن هذا تصرف غيبي صدر من أحد أولياء الله ـ وهو يوسف (ع) ـ وغيّر المجرى الطبيعي بإذنه سبحانه، ولا يقدر على هذا التصرف إلا مَن منحه الله السلطة الغيبية.
2ـ نقرأ أنّ موسى (ع) يضرب بعصاه الحجر فتنفجر منه اثنتا عشرة عيناً.
قال تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً)[2].
كما استخدم موسى (ع) قدرته الغيبية مرة اُخرى حينما ضرب بعصاه البحر ليفتح في عمق البحر وعلى أرضه اثني عشر طريقاً يابساً لبني إسرائيل كي يمروا فيه ويعبروا البحر.
قال تعالى: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ البَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العَظِيمِ)[3].
في هذين الموقفين قد استفاد النبي موسى (ع) من قدرته الغيبية الممنوحة له والتي تحققت كلها بإذن الله وإرادته.
3ـ لقد كان النبي سليمان (ع) يتمتع بقدرات غيبية متعددة.. وكانت له سلطة على الجن والطيور، وكان يعرف منطق الطير ولغات الحشرات.
قال تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الفَضْلُ المُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ…)[4].
وكان للنبي سليمان (ع) قدرة غيبية خارقة على الريح حيث كانت تجري بأمره حيث يشاء.
قال تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ)[5].
والملفت للنظر أن الريح (تَجْرِي بِأَمْرِهِ) فهذا دليل على تحكم سليمان (ع) في مسير الريح ومجراها.
فهل علم الغيب الذي منحه الله سبحانه للأنبياء والصالحين من عباده قد منحه لمهمة خاصة ولمصلحة محدودة ثم يُنتزع منهم؟ أم أن هذا العلم الغيبي الموهوب يمتلكه الإمام أو الرسول على نحو الاستمرار والدوام بحسب دوام مهمّته وسعة مسؤولية رسالته؟
يعترف البعض بوقوع المعجزة من الرسل، وأن الله قد أعطاهم من علم الغيب ما يُثبتون به صحة الرسالة، إلا أن هذا العطاء طارئ ومحدود ويحدث عند وجود المصلحة ولم يكن لهم ثابتاً على الدوام، وقد شبهها بعضهم بالحنفية التي تفتح عند وجود المصلحة ثم تغلق بعد ذلك.
فصحيح أن الرسول له القدرة الغيبية وفعل المعجزة، إلا أنها بخصوص واقعة معينة، أما في غير هذا الوقت فلا يملك هذه القدرة.
لكن الصحيح أن قدرة الأنبياء وامتلاكهم لعلم الغيب الموهوب يكون على نحو الدوام والاستمرار، وتوجد أكثر من آية تثبت ذلك، منها:
1ـ قوله تعالى: (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ)[6].
هذه الآية تثبت أن قدرة عيسى (ع) على فعل المعجزات وتمكينه منها ليس بخصوص حادثة معينة، فإنه لم يقل خلقتُ لكم طيراً وأبرأت لكم الأكمه والأبرص وأحييت لكم ميتاً لكي نفهم أنه يريد واقعة معينة قد حصلت في الماضي، وكذلك لم يقل سأخلق لكم طيراً واُبرئ لكم الأكمه والأبرص واُحيي لكم ميتاً لكي نفهم بأنه سيقوم بهذه الأشياء في وقت معين في المستقبل وبشكل طارئ، بل عبّر بصيغة الحال وجعل المتعلق جنس الطير والأكمه والأبرص والموتى، فقال (ع): أخلق من الطين طيراً واُبرئ الأكمه واُحيي الموتى، مما يفيد أنه متلبس بهذه الحالة على الدوام وأنه قادر على فعل هذه الأشياء في أي وقت أراد.
2ـ وقال تعالى حكاية عن سليمان (ع): (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ)[7].
فتسخير الريح لسليمان (ع) كان استجابة لدعائه وطلبه، حيث قال: (وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي) ومن الطبيعي أن الله تعالى لم يستجب دعاء سليمان (ع) للحظة واحدة أو في حادثة واحدة معينة.
فتسخير الريح كان من ضمن الملك الذي وهبه الله تعالى لسليمان (ع) نتيجة دعائه والذي ذكره الله تعالى بعد ذلك بقوله: (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[8].
وعليه فقدرة سليمان على حركة الرياح وسيرها بأمره، كانت ثابتة له على الدوام بإذن الله تعالى.
الأمر الثاني: الآيات التي تحصر علم الغيب به تعالى وتنفيه عن غيره
قلنا بأن علم الغيب يشكّل ظاهرة في حياة الأنبياء والصالحين. إذاً ماذا تعني الآيات التي تحصر علم الغيب به سبحانه وتنفيه عن غيره؟
قال تعالى: (قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلَّا اللهُ)[9].
وقال: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)[10].
وقال: (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الغَيْبَ)[11].
وقال: (وَللهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ)[12].
هذا القسم من الآيات التي تحصر علم الغيب به لا تتعارض مع الآيات التي تثبت علم الغيب لغيره، لأن الاُسلوب القرآني الشائع في بيان الأفعال الإلهيّة كالخلق والرزق والموت يعتمد على النفي من جهة والإثبات من جهة اُخرى.
مثال ذلك قوله تعالى: (اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ)[13] بما يفيد ظاهراً المباشرة ونفي الواسطة وقوله تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ)[14] الذي يفيد وجود الواسطة، إلا أن التأمل يجعلنا نعتقد أن الآية الاُولى تثبت جهة والثانية تثبت جهة اُخرى، فلا يوجد تعارض وليس هناك نفي وإثبات.
إذ الآية الاُولى تثبت أن الله يتوفى الأنفس على نحو الأصالة والآية الثانية تثبت أن ملك الموت يتوفى الأنفس على نحو التبعية لله سبحانه وتعالى، فالله يتوفّى الأنفس بواسطة ملك الموت بموجب الآيتين معاً.
وهكذا الأمر بالنسبة لعلم الغيب، فالطائفة التي تحصر علم الغيب به تعالى فإنها تنظر الى علمه الذاتي الأزلي الذي يختص به تعالى وأما الطائفة التي تتحدث عن علم الغيب عند غير الله تعالى فهي تتحدث عن علم غير ذاتي، وهو ما يفيضه الله من العلم بالغيب على من يختاره من عباده ليطلعه على بعض الحقائق، فلا تعارض بين الطائفتين.
الأمر الثالث: الآيات التي تثبت إمكان علم الغيب لغيره تعالى
جاءت في القرآن الكريم طائفة من الآيات تتحدث حول إمكان علم الغيب لغيره تعالى، مثل قوله تعالى:
(هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)[15].
(وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ)[16].
(وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[17].
حيث توصّلنا قبل قليل الى أن علم الغيب خاص به سبحانه ويهب منه لمن يشاء ولا تعارض في النفي والإثبات بين العلمين فبنفس هذا التحليل ينحل التعارض بين الآيات التي تحصر علم الغيب به والآيات التي تتحدث عن إمكان علم الغيب لغيره.
إنّ الآيات التي تتحدث عن إفاضته علم الغيب لغيره تفيد بأنّه علم حاصل بإذنه وإرادته ورضاه، وليس خارجاً عن شؤونه تعالى على كل حال.
الأمر الرابع: الآيات التي تثبت إعطاء علم الغيب لخاتم الأنبياء
ذكرنا طائفة من الآيات تثبت إمكان الحصول على علم الغيب لبعض العباد، وذكرنا أيضاً ما يثبت إفاضته علم الغيب لغيره سبحانه مثل قوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا)[18] وقوله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ)[19].
وبنفس هذا السياق توجد طائفة من الآيات تذكر إفاضة علم الغيب لخاتم الأنبياء (ص) مثل قوله تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[20] وقوله تعالى: (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى)[21] وقوله تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ)[22].
وعن الإمام محمد الباقر (ع)، أنّه قال: «لا والله لا يكون عالم جاهلاً أبداً، عالماً بشيء جاهلاً بشيء، الله أجل وأعز وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه سماءه وأرضه»[23].
وعن الإمام جعفر الصادق (ع)، قال: «إن الله أدّب نبيّه فأحسن أدبه فلما أكمل له الأدب قال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ثم فوّض إليه أمر الدين والاُمّة ليسوس عباده، فقال (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)[24] وإن رسول الله كان مسدداً موفقاً مؤيداً بروح القدس لا يزلّ ولا يخطئ في شيء مما يسوس به فتأدب بآداب الله»[25].
فإذا كان هذا شأن الرسول (ص) وقد أفاض الله سبحانه عليه العلم بالغيب لأجل إكمال الرسالة وسياسة العباد وبسط العدل وسدده بروح القدس، فهل منح الله سبحانه هذه القدرة وأفاض علم الغيب لخلفائه الذين ارتضاهم لإكمال مسيرته من أئمة أهل البيت (ع) انطلاقاً من نفس الغرض؟ إنّ هذا ما سوف نتناوله في الفقرة التالية.
الأمر الخامس: النصوص التي تثبت إعطاء علم الغيب لأئمة أهل البيت (ع)
ذكرنا بأن الله سبحانه قد أعطى علم الغيب لأنبيائه والصالحين من عباده، وأئمة أهل البيت (ع) هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا بنص الكتاب والسنّة الصحيحة، وانّهم خلفاء رسوله في تحقيق مهام الرسالة وأهدافها، وهذا يستلزم أن يكونوا عالمين بالغيب كما كان يعلم به (ص).
1ـ من هنا نجد أمير المؤمنين علياً (ع)، يقول: «ألا إن العلم الذي هبط به آدم من السماء الى الأرض وجميع ما فضلت به النبيون الى خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين»[26].
2ـ وورد عن عبد الله بن الوليد السمّان، أنّه قال: قال لي أبو جعفر (ع): «يا عبد الله ما تقول الشيعة في علي وموسى وعيسى (ع)؟ قال: قلت: جعلت فداك ومن أي الحالات تسألني؟ قال (ع): أسألك عن العلم، فأما الفضل فهم سواء، قال: قلت جعلت فداك فما عسى أن أقول فيهم؟
فقال (ع): هو والله أعلم منهما، ثم قال: يا عبد الله أليس يقولون: إنّ لعلي ما للرسول من العلم؟ فقال: قلت: بلى، قال: فخاصمهم فيه، قال: إن الله تبارك وتعالى قال لموسى: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الالوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ)[27] فأعلمنا أنه لم يُبينّ له الأمر كله، وقال الله تبارك وتعالى لمحمّد (ص): (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاء شَهِيدًا)[28] (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ)[29]»[30].
3ـ وقال تعالى: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)[31].
إن سبب قدرة (آصف بن برخيا) على ذلك التصرف الخارق للنواميس الطبيعية الاعتيادية هو ما عنده من علم الكتاب، وهذا مشعر بأن سببه علم الكتاب لا شيء آخر فولايته تدور مدار علم الكتاب، فما دام عنده علم من الكتاب تبقى ولايته ثابتة له بهذا المقدار، فإذا كان هذا شأن من عنده علم من الكتاب فما هو يا ترى شأن من عنده علم الكتاب كلّه؟
وبهذا الصدد يخبر الإمام الصادق (ع) سديراً عن علمهم (ع) بما في الكتاب، قائلاً: «يا سدير، ألم تقرأ القرآن؟ فيجيب سدير، قائلاً له: بلى، فيقول له الإمام الصادق (ع): فهل وجدت في ما قرأت من كتاب الله عزّ وجلّ (قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكِتَابِ)؟ قال: قلت: قد قرأته جعلت فداك، قال: أفمن عنده علم الكتاب كله أفهم، أم من عنده علم الكتاب بعضه؟ قلت: لا، بل من عنده علم الكتاب كلّه. قال: فأومأ بيده الى صدره وقال: علم الكتاب والله كلّه عندنا، علم الكتاب والله كله عندنا»[32].
4ـ وقال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[33]. وقال أيضاً: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ)[34].
نظراً الى أن عموم إذهاب الرجس والتطهير من جميع المناقص الظاهرة والباطنية وشوائب الكدر وظلمات الجهل والسهو، دال على عموم علمهم وفعليته.
5ـ عن عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: «قد ولّدني[35] رسول الله (ص)، وا نا أعلم كتاب الله وفيه بدء الخلق وما هو كائن الى يوم القيامة، وفيه خبر السماء والأرض، وخبر الجنّة، وخبر النار، وخبر ما كان وما هو كائن، أعلم ذلك كأني أنظر الى كفّي، ان الله يقول: «فيه تبيان كل شيء»[36].
6ـ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) في حديث، قال: «علّم رسول الله (ص) عليّاً (ع) ألف باب، يفتح كل باب منها ألف باب، الى أن، قال: فإن عندنا الجامعة، صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله (ص) وإملائه من فلق فيه[37] وخطّ علي (ع) بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكلّ شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش، وضرب بيده اليّ، فقال لي: تأذن لي يا أبا محمّد؟» قال: قلت: جعلت فداك، إنّما أنا لك، فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده، ثم قال: «حتى أرش هذا، كأنه مغضب»[38].
7ـ عن ربعي بن عبد الله، عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: «أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب فجعل لكل شيء سبباً، وجعل لكل سبب شرحاً، وجعل لكل شرح علماً، وجعل لكل علم باباً ناطقاً، عرفه من عرفه وجهله من جهله، ذاك رسول الله (ص) ونحن»[39].
8ـ عن اسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله الصادق (ع)، قال: سمعته يقول: «إنّ الأرض لا تخلو إلاّ وفيها إمام، كيما إن زاد المؤمنون شيئاً ردّهم وإن نقصوا شيئاً أتمّه لهم»[40].
الأمر السادس: الإمام علي بن أبي طالب (ع) وعلم الغيب
لما كان الإمام علي (ع) هو الخليفة المنصوص عليه بعد رسول الله (ص) ـ حسب الأدلة النقلية والعقلية الثابتة في موردها ـ فقد أفاض سبحانه من علمه الغيبي للإمام كما أفاض لرسول الله (ص) ليكون قادراً على أداء مهامّه الرسالية، وبهذا الصدد نذكر جملة من النصوص التي تؤكد امتلاكه (ع) لعلم الغيب، منها:
1ـ قوله تعالى: (وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكِتَابِ)[41] حيث روى الجمهور أنه هو علي بن أبي طالب (ع)[42].
2ـ قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)[43] وروي أنّه علي (ع)[44] وهو من أجلى المصاديق لمن اصطفاه الله من عباده.
3ـ قوله تعالى: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)[45]، وقد روى الجمهور أنها نزلت في علي (ع) أيضاً، وأنّه قال: «ما سمعت شيئاً من رسول الله (ص) فنسيته»[46].
فالذي يمتلك علم الكتاب وهو من المصطفين الذين أورثوا الكتاب هو باب علم الرسول (ص)، وهذا العلم يتضمن علوم الغيب وغيرها، وقد منح للإمام عليّ (ع) حسب هذه النصوص.
4ـ قال الإمام علي (ع) مخبراً عن حوادث غيبية: «والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا فيَّ برسول الله (ص) ألا وإني مفضيه الى الخاصة ممن يؤمن ذلك منه.
والذي بعثه بالحق، واصطفاه على الخلق ما أنطق إلا صدقاً، ولقد عهد إليَّ بذلك كله ومهلك من يهلك، ومنجى من ينجو، ومآل هذا الأمر، وما أبقى شيئاً يمرُّ على رأسي إلا أفرغه في اُذنيّ وأفظى به إليَّ»[47].
الأمر السابع: الروايات التي تتحدث عن علم الأئمة وإخباراتهم الغيبية
1ـ جاء في الحديث القدسي: «يا ابن آدم، أنا غني لا أفتقر، أطعني فيما أمرتك أجعلك غنياً لا تفتقر، يا ابن آدم أنا حي لا أموت، أطعني فيما أمرتك أجعلك حياً لا تموت، يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون، أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون»[48].
والأئمة أطاعوا الله تعالى حتى شهد لهم بالعصمة فهم أولى من يصدق في حقّهم هذا الحديث القدسي.
2ـ قال رسول الله (ص) ««أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها»[49].
3ـ عن ابن عطاء المكي، قال: اشتقت الى أبي جعفر وأنا بمكة فقدمت المدينة ـ ما قدمتها إلاّ شوقاً إليه ـ فأصابني برد شديد فانتهيت الى بابه نصف الليل، فقلت: أطرقه في هذه الساعة أو أنتظره حتى أصبح؟ فإني لاُفكر في ذلك إذ سمعته، يقول: «يا جارية، افتحي الباب لابن عطاء، فقد أصابه برد شديد في هذه الليلة». ففتحت الباب[50].
الاستنتاج
ان الكثير من الآيات تحدثت عن علم الغيب في حياة الأنبياء والصالحين، ثم لا تعارض بين الآيات التي تحصر علم الغيب به تعالى وتنفيه عن غيره والآيات التي تثبته لغيره، فالاُولى تثبته على نحو الأصالة، والثانية تثبته على نحو التبعية، ومضافاً لذلك أن العلم الحضوري عند المعصوم يتصف بالاستمرارية والبقاء، والمعني به القدرة وليس ذاك العلم الفارغ منها.
الهوامش
[1] يوسف، 93 و 96.
[2] البقرة، 60.
[3] الشعراء، 63.
[4] النمل، 16 ـ 19 وما بعدها.
[5] الأنبياء، 81.
[6] آل عمران، 49.
[7] ص، 35 و 36.
[8] ص، 39.
[9] النمل، 65.
[10] الأنعام، 59.
[11] هود، 31.
[12] هود، 123.
[13] الزمر، 42.
[14] السجدة، 11.
[15] الكهف، 66.
[16] الأعراف، 188.
[17] طه، 114.
[18] البقرة، 31.
[19] آل عمران، 7.
[20] النجم، 3 ـ 4.
[21] الأعلى، 6.
[22] آل عمران، 44.
[23] الكليني، الكافي، ج1، ص262، ح6.
[24] الحشر، 7.
[25] الكليني، الكافي، ج1، ص266، ح4.
[26] القمّي، تفسير القمي، ج1، ص367.
[27] الأعراف، 145.
[28] النساء، 41.
[29] النحل، 89.
[30] الكليني، الكافي، ج1، ص147.
[31] النمل، 40.
[32] الكليني، الكافي، ج1، ص257.
[33] الأحزاب، 33.
[34] آل عمران، 33.
[35] أي حصلني.
[36] الكليني، الكافي، ج1، ص61، كتاب فضل العلم، باب 20، باب الردّ إلى الكتاب، ح8
[37] أي من شق فمه.
[38] الكليني، الكافي، ج1، ص238، كتاب الحجة، باب فيه ذكر الصحيفة، ح1.
[39] الكليني، الكافي، ج1، ص183، كتاب الحجة، باب معرفة الإمام، ح7.
[40] الكليني، الكافي، ج1، ص178، كتاب الحجة، باب أن الأرض لا تخلو من حجة، ح2
[41] الرعد، 43.
[42] الحسكاني، شواهد التنزيل، ج1، ص307.
[43] فاطر، 32.
[44] راجع: الحسكاني، شواهد التنزيل، ج2، ص103.
[45] الحاقة، 12.
[46] الطبرسي، مجمع البيان، ج10، ص345، رواه من طرق العامة والخاصة.
[47] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج10، ص10.
[48] المجلسي، بحار الأنوار، ج90، ص376.
[49] المتّقي الهندي، كنز العمال، ج11، ص614، ح32978.
[50] الصفّار، بصائر الدرجات، ج5، ص277.
[51] الصفّار، بصائر الدرجات، ج5، ص262.
مصادر البحث
1ـ ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأُولى، 1378 ه.
2ـ الحسكاني، عبيد الله، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت (ع)، تحقيق محمّد باقر المحمودي، قم، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، الطبعة الأُولى، 1411 ه.
3ـ الصفّار، محمّد، بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد، قم، مكتبة المرعشي النجفي، الطبعة الثانية، 1404 ه.
4ـ الطبرسي، الفضل، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، 1415 ه.
5ـ القمّي، علي، تفسير القمّي، قم، مؤسّسة دار الكتاب، الطبعة الثالثة، 1404 ه.
6ـ الكليني، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.
7ـ المتّقي الهندي، علي، كنز العمّال، بيروت، مؤسّسة الرسالة، طبعة 1409 ه.
8ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه.
مصدر المقالة (مع تصرف)
الموسوي، عبد الرحيم، علم الأئمة الاثني عشر (ع) بالغيب، قم، المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، الطبعة الثانية، 1426 ه.