- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 8 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
من بين البحوث العقائدية التي خاضها الإمام الرضا (ع) هي الإمامة، فقد تعرض لها في كثير من مناظراته وبحوثه، وبيّن أهميتها، وأنها من المراكز المهمة في الإسلام، ثم ذكر علامات الإمام (ع)، وأن الأئمة (ع) هم خلفاء الله في الأرض، كما ذكر الحكمة في إطاعة أولي الامر (ع).
أهمية الإمامة
الإمامة من أهم المراكز الحساسة في الاسلام لأنها تصون الأمة وتحميها من الاعتداء، وتوفر لها الكرامة والحرية، وتحقق لها جميع ما تصبو إليه.
وقد أدلى الإمام الرضا (ع) بحديث شامل إلى عبد العزيز بن مسلم عرض فيه بصورة موضوعية عن أهمية الإمامة، وانها من أهم الأهداف، والمبادئ التي تبناها الاسلام، فالنبي محمد المصطفى (ص) قبل أن ينتقل إلى حظيرة القدس، قد أقام القائد، والمرجع لأمته، وهو الامام أمير المؤمنين (ع)، رائد الحكمة في دنيا الاسلام، استمعوا إلى حديث الإمام الرضا (ع) عن الإمامة.
كلام الإمام الرضا (ع) في الإمامة
قال الإمام الرضا (ع): «يا عبد العزيز جهل القوم، وخدعوا عن أديانهم، إن الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه (ص) حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء، بيّن فيه الحلال والحرام، والحدود والاحكام، وجميع ما يحتاج إليه كملا فقال عز وجل: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ…)[1]، وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره (ص) قوله تعالى: (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا)[2]، وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض النبي (ص) حتى بيّن لأمته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد الحق، وأقام لهم عليا (ع) إماما، وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه قد رد كتاب الله عز وجل ومن رد كتاب الله تعالى فهو كافر».
وحكى هذا المقطع الأهمية البالغة للإمامة عند النبي (ص) فهي من أهم العناصر في رسالته الخالدة فبها كمال الدين واتمام النعمة« وقد اختار النبي (ص) لهذا المنصب الخطير أخاه وباب مدينة علمه الامام أمير المؤمنين سلام الله عليه، فقد أقامه خليفة من بعده، وأمر المسلمين بمبايعته في غدير خم، وقد أوضح (ص) بذلك السبيل لأمته، ولم يترك الامر فوضى من بعده.
ولنستمع إلى بند آخر من حديثه (ع) يقول:
«هل يعرفون قدر الإمامة، ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ إن الإمامة أجل قدرا، وأعظم شانا، وأعلى مكانا، وأمنع جانبا، وأبعد غورا من أن يبلغها الناس، بعقولهم أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماما باختيارهم إن الإمامة خص الله بها إبراهيم الخليل (ع) بعد النبوة، والخلة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرفه بها، وأشاد بها ذكره، فقال عز وجل: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا)[3].
فقال الخليل (ع) سرورا بها: (وَمِن ذُرِّيَّتِي) قال الله عز وجل: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فأبطلت هذه الآية امامة كل ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله عز وجل بان جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة، فقال عز وجل: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلَّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)[4].
فلم يزل في ذريته (ع) يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها النبي (ص) فقال الله عز وجل: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ)[5]، فكانت له خاصة، فقلدها (ص) عليا (ع) بأمر الله عز وجل على رسم ما فرضها الله عز وجل.
فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والايمان بقوله عز وجل: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَى يَوْمِ البَعْثِ)[6]، فهي في ولد علي (ع) خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد (ص) فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟».
عرض الإمام الرضا (ع) في هذا المقطع إلى استحالة الاختيار والانتخاب للإمامة وانها غير خاضعة لإرادة الجماهير الذين لا علم لهم بواقع الأمور وحقيقة الأشياء، وانما أمرها بيد الله تعالى فهو الذي يختار لقيادة عباده ممن تتوفر فيه الصفات الرفيعة من التقوى والحريجة في الدين، والعلم بما تحتاج إليه الأمة في جميع مجالاتها ليضمن لها حياة كريمة لا ظل فيها للقهر والظلم والغبن والفقر.
الإمامة كالنبوة في أن أمرها بيد الله تعالى، وقد منحها لأفضل عباده وهو إبراهيم الخليل (ع) وانتقلت من بعده إلى أفاضل ذريته كإسحاق ويعقوب ثم انتقلت إلى سيد الأنبياء الرسول الأعظم (ص)، فقلدها من بعده إلى باب مدينة علمه، وأفضل أمته الامام أمير المؤمنين (ع) ثم من بعده إلى الأئمة الطاهرين من ذريته الذين هم صفوة خلق الله تعالى.
كلام آخر للإمام الرضا (ع) حول الإمامة
يقول الإمام الرضا (ع): “إن الإمامة هي منزلة الأنبياء، وارث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله عز وجل، وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤمنين، وميراث الحسن والحسين (ع)، إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين.
ان الإمامة أس الاسلام النامي، وفرعه السامي، بالامام تمام الصلاة، والزكاة، والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفئ، والصدقات، وامضاء الحدود والاحكام، ومنع الثغور والأطراف.
الامام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة.
الامام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى، والبيد القفار، ولجج البحار، والامام على البقاع[7] الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك، من فارقه هالك.
الامام السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير والروضة، الامام الأمين، الرفيق، والوالد الرقيق والأخ الشفيق، ومفزع العباد في الداهية.
الامام امين الله في أرضه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، الداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله.
الامام المطهر من الذنوب، المبرأ من العيوب، مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم، نظام دين، وعز المسلمين، وغيظ المنافقين وبوار الكافرين.
الامام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل، ولا نظير، مخصوص بالفعل كله، من غير طلب منه، له، ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام ويمكنه اختياره؟.
هيهات، هيهات، ضلت العقول وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسرت العيون وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله فأقرت بالعجز والتقصير وكيف يوصف له أو ينعت بكنهه أو يفهم شئ من أمره أو يوجد من يقام مقامه ويغنى غناه كيف وانى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا؟.
وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟ أظنوا أن يوجد ذلك؟ في غير آل الرسول (ص) كذبتهم والله أنفسهم، وفتنهم الباطل، فارتقوا مرتقى صعبا، دحضا نزل عنه إلى الحضيض أقدامهم…”.
حفل هذا المقطع من كلام الإمام الرضا (ع) بأهمية الامام، وأنه ظل الله في الأرض، وعليه تدور جميع مصالح الأمة، وما تنشده من أهداف، كما ترتبط به إقامة الحدود، وصيانة الثغور، وتحليل الحلال، وتحريم الحرام، وتطبيق احكام الله تعالى على واقع الحياة العامة التي يعيشها المسلمون.
ومن المؤكد ان هذه الأهداف الأصيلة والمبادئ العليا، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحققها على مسرح الحياة إلا أئمة الهدى (ع) الذين أقصتهم أئمة الظلم والجور عن مراكزهم التي منحها الله لهم، فعانت الأمة من جراء ذلك جميع ألوان الظلم والجور.
موقف أئمة الجور من أئمة أهل البيت (ع)
ويواصل الإمام الرضا (ع) حديثه بالإشادة بأئمة أهل البيت (ع)، ومناهضة أئمة الجور، وينعى على الذين أقاموهم يقول (ع):
“راموا اقامه الامام بعقول جائرة بائرة ناقصة وآراء مضلة، فلم يزدادوا إلا بعدا قاتلهم الله اني يؤفكون، لقد راموا صعبا، وقالوا: افكا وضلوا ضلالا بعيدا، ووقعوا في لحيرة، إذ تركوا عن بصيرة، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وما كانوا مستبصرين، ورغبوا عن اختيار الله، واختيار رسوله إلى اختيارهم، والقرآن يناديهم: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[8].
وقال الله عز وجل: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)[9]، وقال عز وجل: (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ)[10].
وقال عز وجل: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[11]، أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون، أم (قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ)[12]، (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)[13]، بل هو (فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ)[14].
فكيف لهم باختيار الامام؟! والامام عالم لا يجهل، راع لا ينكل معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة، والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسول (ص) وهو نسل المطهرة البتول (س) لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، فالنسب من قريش، والذروة من هاشم، والعترة من آل الرسول (ص) والرضا من الله، شرف الاشراف والفرع من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عز وجل ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله.
ان الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم، في قوله تعالى: (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيَ إِلَّا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)[15]، وقوله عز وجل: (وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)[16]، وقوله عز وجل في طالوت: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[17]، وقال عز وجل لنبيه (ص): (وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)[18].
وقال عز وجل في الأئمة من أهل بيته وعترته وذريته: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا)[19].
ان العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده شرح الله صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم الهاما، فلم يع بعده بجواب، ولا يحيد عنه الصواب، وهو معصوم مؤيد، موفق مسدد قد أمن الخطايا والزلل والعثار يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده، وشاهد على خلقه (ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ)[20]، فهل يقدرون على مثل هذا؟ فيختاروه أو يكون مختارهم بهذه الصفة؟ فيقدموه؟ فعدوا وبيت الله الحق، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، كأنهم لا يعلمون، وفي كتاب الله الهدى والشفاء، فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمهم الله ومقتهم، وأتعسهم، فقال عز وجل: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ)[21]، وقال عز وجل: (فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)[22]، وقال عز وجل: (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)[23]،[24].
وانتهى هذا الحديث الشريف الذي هو من أوثق الأدلة، وأشملها على ضرورة الإمامة، وأنها من أهم المراكز الحساسة في الاسلام، وليست خاضعة لاختيار الأمة وانتخابها، وانما أمرها بيد الخالق العظيم، فهو الذي يعين، وينتخب أفضل عباده، وأتقاهم لهذا المنصب الخطير ليقيم بين الناس العدل الخالص، والحق المحض، ويسوسهم بسياسة الرسول الأعظم (ص).
علامات الإمام (ع) وصفاته
وأدلى الإمام علي الرضا (ع) بحديث عن علامات الامام (ع)، وصفاته جاء فيه:
“للامام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس…”[25].
ويجب ان تتوفر في الامام (ع) هذه الصفات حتى يصلح لقيادة الأمة ورفع مستواها اجتماعيا واقتصاديا.
الأئمة (ع) خلفاء الله
روى أبو مسعود الجعفري قال: سمعت الامام أبا الحسن الرضا (ع) يقول: الأئمة خلفاء الله عز وجل في أرضه[26]، والشئ الذي لا ريب فيه أن أئمة أهل البيت (ع) هم خلفاء الله تعالى في ارضه وحججه على عباده، وامنائه في بلاده، فهم قادة هذه الأمة، والأدلاء على مرضاة الله تعالى وطاعته.
الحكمة في إطاعة أولي الامر
قال الإمام علي الرضا (ع): فإن قال قائل: فلم جعل أولي الامر وأمر بطاعتهم؟
قيل: لعلل كثيرة:
العلة الأولى
ان الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل فيه أمينا يمنعهم من التعدي والدخول فيما حظر عليهم لأنه لو لم يكن ذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره فجعل عليهم فيما يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والاحكام.
العلة الثانية
إنا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس ولما لا بد لهم منه في أمر الدين والدنيا فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لا بد له منه ولا قوام إلا به فيقاتلون به عدوهم ويقسمون فيئهم ويقيم لهم جمعهم وجماعتهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم.
العلة الثالثة
انه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة وذهب الدين، وغيرت السنن والاحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون وشبهوا ذلك على المسلمين، لأنا وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت أنحائهم فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول الأعظم (ص) لفسدوا على نحو ما بينّا وغيّرت الشرايع والسنن والاحكام والايمان وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين”[27].
وتحدث الإمام الرضا (ع) في هذا المقطع عن ضرورة الإمامة وأنها عنصر أساس لإقامة الحياة الاسلامية وإقامة حدود الله تعالى وأحكامه وقد أقام الامام الرضا (ع) على ذلك المزيد من العلل والأسباب.
الاستنتاج
إن الإمامة من أهم المراكز الحساسة في الاسلام، لأنها تصون الأمة وتحميها من الاعتداء، وتوفر لها الكرامة والحرية، وتحقق لها جميع ما تصبو إليه، هذا ما ذكره الإمام الرضا (ع) في هذا المجال، كما بيّن موقف أئمة الجور من أئمة أهل البيت (ع)، وعلامات الامام (ع)، وأن الأئمة (ع) خلفاء الله في الأرض، كما بيّن (ع) الحكمة في إطاعة أولي الامر.
الهوامش
[1] الأنعام، 38.
[2] المائدة، 3.
[3] البقرة، 124.
[4] الأنبياء، 72 و73.
[5] آل عمران، 68.
[6] الروم، 56.
[7] البقاع: هو التل المشرف.
[8] القصص، 68.
[9] الأحزاب، 36.
[10] القلم، 36 – 41.
[11] محمد، 24.
[12] الأنفال، 21 ـ 23.
[13] البقرة، 93.
[14] الحديد، 21.
[15] يونس، 35.
[16] البقرة، 269.
[17] البقرة، 247.
[18] النساء، 113.
[19] النساء، 54 و55.
[20] الحديد، 21.
[21] القصص، 50.
[22] محمد، 8.
[23] المؤمن، 35.
[24] الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج1، ص216.
[25] الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج1، ص213.
[26] الكليني، أصول الكافي، ج1، ص193 .
[27] الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج2، ص100.
مصادر البحث
1ـ الصدوق، محمّد، عيون أخبار الرضا (ع)، تصحيح وتعليق حسين الأعلمي، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، طبعة 1404 ه.
2ـ الكليني، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.
مصدر المقالة (مع تصرف بسيط)
القرشي، باقر، حياة الإمام الرضا (ع)، قم، انتشارات سعيد بن جبير، الطبعة الأُولى، 1372 ش.