- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 10 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
ما هي الأسس التي تضمنها القرآن والسنة والتي يجب الاعتماد عليها في بناء الأسرة التي تساعد في تنشئة الطفل تنشئة دينية وتربوية سليمة متكاملة وبالتالي تساعد على بناء مجتمع سليم وقوي ومتماسك، بحيث لا يعاني أفراده من ضغوط أو مشاكل نفسية تمنعهم من أداء واجباتهم تجاه أسرهم.
والأسس التي أكد عليها القرآن والسنة في بناء الأسرة السليمة والقوية والمتماسكة هي:
الأساس الأول: اختيار الشريك المناسب
الأساس الأول في بناء الأسرة هو اختيار شريك الحياة وهو خطوة حاسمة في الزواج، لذا فإن اختيار شريك الحياة المناسب هو خطوة حاسمة في بناء الأسرة، الشخص الذي يفترض أن يبقى مع الشخص حتى النهاية. من السنة، ستؤتمن عليه الحياة والأسرار الشخصية والحياة الخاصة.
وسيكون الأب أو الأم للأطفال، بالنسبة لهذه الحالات وغيرها، أصبحت مسألة اختيار الزوج مهمة جدا لكل من الرجال والنساء، وهنا سنبحث في أهم المعايير اختيار الشريك المناسب. الزوج المناسب من الأفضل أن يكون له لقب المعايير الخاصة بالزوج، والحرص على اختيار الزوج ينبع من عدة اعتبارات أهمها:
أن المرأة هي أم المستقبل، وللأم تأثير واضح في انتقال الصفات – سواء كانت جيدة أوسيئة في شخصية الطفل – لذلك يجب أن يكون الزوج حريصا على الاختيار الجيد بين النساء. بحيث يختار حاوية نظيفة يضع فيها حيواناته المئوية، والتي تصبح فيما بعد شخصا له دور وموقع مهم في مجتمعه.
أن تكون الزوجة نصرة الرجل لمستقبله وبقدر ما تجعل حياته مستقرة وبيتاً في الأسرة – كما جاء في الآية الكريمة – إلى الحد الذي يكون دورها فيه فاعلاً ومؤثراً خارج الأسرة، فعن النبي (ص) قال: أيها الناس إياكم وخضراء الدمن، قيل: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء[1].
الصفات التي يجب توفرها في الزوجة المناسبة
1ـ ذات الدين
الصفة الأولى التي يجب أن يعرفها الرجل في المستقبل وفي شريك حياته هي التدين والتقيد بأحكام الشريعة وصفها بقوله تعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ[2] ففي الرواية عن النبي محمد المصطفى (ص): من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا وكله الله إليه، فعليكم بذات الدين[3].
2ـ ذات التدبير
يجب على الرجل الانتباه إلى صفات المرأة وإدارتها، ففى الرواية عن أمير المؤمنين (ع): خير نسائكم الطيبة الريح الطيبة الطعام، التي إن أنفقت أنفقت بمعروف وإن أمسكت بمعروف، فتلك من عمال الله وعامل الله لا يخيب (ولا يندم)، الرواية نهت اختيار الحمقى.
فقد ورد عن النبي (ص): إياكم وتزوج الحمقاء، فإن صحبتها ضياع وولدها ضياع.
3ـ التكامل وحسن الأخلاق
والمبدأ الحسن يعني أنك نشأت في بيئة أسرية واجتماعية تتمتع بخصائص أخلاقية جيدة، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[4].
ينبغي ملاحظة بيئة المرأة الاجتماعية التي تعيش فيها، أين تربت ومن أين أخذت تعاليمها؟ الأجواء التي عاشتها، ما هي أفكارها وقناعاتها؟ ما هي البيئة المدرسية التي تخرجت منها، أو بيئة القرية والحي والبلد التي تعيش فيه، كلهم عناصر فعالة في شخصية الإنسان.
4ـ الملتزم دينياً
تدين الرجل من أول الشروط التي ينبغي النظر فيها من قبل المرأة، لأن التدين يحفظها على كل حال، فعن النبي (ص): إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب (إليكم) فزوجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير[5].
روي أنه جاء رجل إلى الحسن بن علي (ع) يستشيره في تزويج ابنته، فقال: زوجها من رجل تقي، فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها، وعندما نتحدث عن التدين فمن البديهي أن لا يكون من أهل الخمر والسكر.
فقد أكدت الكثير من الروايات على أن لا يزوج الرجل ابنته من شارب للخمر، كالرواية عن الرسول الأكرم (ص): من شرب الخمر بعد أن حرمه الله فليس بأهل أن يزوج إذا خطب[6].
5ـ حسن الخلق
على المرء أن ينتبه إلى أخلاقه التي تظهر من خلال عمله وسلوكه، وتظهر في العلاقات مع الناس وأثناء الامتحانات. يجب مراعاة التدين والأخلاق في نفس الوقت، حيث يساعد ذلك على ضمان أن يكون الزواج ناجحًا ووديا بشكل عام.
وفي رواية حسين البشر قال: كتبت لأبي الحسن (ع): عندي قريب خطبني وشخصيته سيئة فقال: لا تزوجه إن كان سيئ الخلق، ليس الفقر سببا لرفض الزواج من الرجل، كما قال تعالى في كتابه: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[7].
والآية هي رسالة من الله تعالى أن قوته تحيط بكل شيء وهو على علم بكل ما يمنحه الله تعالى بنعمته ورحمته لمن يتقدم بالزواج ومن ثم الوضع المالي للرجل قبل الزواج ليست الحالة النهائية، بل الأمل بالنجاح بعد الزواج، كما توحي هذه الآية.
الأساس الثاني: الإيفاء بالحقوق الزوجية
الأساس الثاني لبناء الأسرة، هو الزوج والزوجة فإنهما الركنان الأساسيان اللذان تقوم عليهما الأسرة، ولكل منهما حقوق يجب على الطرف الآخر دفعها له، وهنا نوسع حقوق كل من الزوج والزوجة.
حقوق الزوج
أـ الطاعة
قال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ[8] يقوم بامرها، حيث تؤكد الآية أن الولاية في الأسرة من واجبات الرجل الذي يسأل يوم القيامة وفي الدنيا يسأل أمام المجتمع أنه ولي الأمر.
ومن شروط الولاية أن يطيع الرجل من يضعه الله تعالى في رعايته وحمايته، والمرأة على رأسهم، فطاعة المرأة حق فرضه الله سبحانه وتعالى عليه.
ب ـ القرار في البيت
قال الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا[9].
أي أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن وهو المقر، وما عداه استثناء لا قرار فيه لمن ولا استقرار، والله تعالى على الزوجين حق ليس لأحدهما أن يقصر فيه أويتنازل عنه، وهوألا تخرج الزوجة من بيتها من غير حاجة، أوعلى وجه ينافي الآداب، ويدعوإلى الفتنة.
ولابد من استئذان زوجها قبل خروجها من منزلها، وهذا ما قررته الشريعة الإسلامية، وكذلك أن تصون المرأة نفسها عما يدنس شرفها وشرف زوجها، وتحافظ على كرامتها، وترعى أولادها حيث قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ[10].
ج ـ ولاية التأديب
قال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ[11]، فالرجال قوامون على النساء في الأدب، يقومون على نمط قيام الولاة على الرعية، وذلك لأن الله تعالى فضلهم على النساء بكمال العقل وحسن التدبير ومزيد القدرة في الأعمال والطاعات، ولهذا فقد كرسوا النبوة والإمامة والولاية وأداء المناسك والشهادة في المحكمة ووجوب الجهاد وصلاة الجمعة ونحوها.
وزيادة نصيب الميراث وما أنفقوه من أموالهم في زواجهم مثل المهر والنفقة ولكن الصالحات لسن في حاجة إلى تأديب، أما اللواتي يخاف من نشوزهن وانحرافهن عن الصراط المستقيم، فهن في حاجة إلى تأديب يردهن إلى الصواب، هذا التأديب يقع على عاتق الزوج ومن حقه.
من قال أن القوامة معناها الولاية على المرأة وتأديبها فقد اختلف العلماء في ذلك ثم إن المقام هنا يستشهد عليه بأية واللاتي تخافون نشوزهن فاضربوهن.
حقوق الزوجة
أ ـ المهر
لقوله تعالى: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا [12]، وهذا المهر يجب على الرجل لامرأته في مقابل استمتاعه استمتاعاً حلالاً.
ب ـ النفقة
وهي ما تحتاج إليه بالمعروف من طعام وشراب وملبس ومسكن وفرش وخدمة حيث قال الله تعالى: وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالَاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[13].
ج ـ العدل بينهما وبين خبرتها إن كان له زوجة أخرى
فهذا من حق الزوجة على زوجها أن يعدل بينها وبين زوجاته في الطعام والشراب والكسوة والمبيت لقوله تعالى: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَومَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُواْ[14].
د ـ الميراث
فمن حق الزوجة أن ترث زوجها بعد وفاته لقوله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَودَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَودَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوامْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوأُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَودَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ[15].
ه ـ المحافظة على مالها وعدم التعرض له إلا بإذنها
لقوله تعالى: وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً[16].
الأساس الثالث: التنشئة الحسنة
الأساس الثالث لبناء الأسرة هو التنشئة الحسنة، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[17].
إنَّ العلاقات الأسرية لها دور كبير في بناء الأسرة بناء متماسكاً لها آثارها على نمو وتعليم الطفل وتنشئته تنشئة حسنة، تتكامل فيها شخصيته، فيصبح قادراً على أداء واجباته في المجتمع عندما يبلغ أشده، وهذه التنشئة لا يمكن أن تتم بطريقة عشوائية، وإنما لابد من وجود منهج تربوي ينظمها، فيوزع الأدوار والواجبات في الأسرة. وتتحدد معالم هذا المنهج التربوي بما يلي:
أـ الاتفاق على نهج مشترك
يجب على الوالدين الاتفاق على منهج واحد مشترك يحدد لهما العلاقات والأدوار والواجبات في مختلف جوانب الحياة، ويأتي المنهج الإسلامي كأفضل منهج يمكن للأسرة المسلمة أن تسلكه وتتبناه، ذلك لأنه منهج متكامل وضع قواعد كلية في التعامل والعلاقات والأدوار والسلوك، كما أنه منهج مرن فالقواعد الفرعية أوتفاصيل القواعد الكلية فإنها تتغير بتغير الظروف والعصور.
فيجب على الوالدين الاتفاق قبلهما، سواء في العلاقات بينهم أوفي علاقاتهم مع أبنائهم، تعتمد الطريقة على تفاصيل تطبيق هذا المنهج وعلى القواعد والمعايير التي وضعها ويقبلها المعلم الواجب اتباعها، وذلك لاختلاف المنهج والعلاقة. يؤدي الأسلوب إلى عدم وضوح ضوابط الطفل وقواعده السلوكية، فيتبع سلوكين في نفس الوقت: الأول إرضاء والده والثاني إرضائه الأم، وهذا ما يؤدي إلى اضطرابها العقلي والعاطفي والسلوكي.
بينما يؤدي اتباع نهج مشترك ومحدد وموحد إلى وحدة سلوك الطفل وبالتالي استقرار الشخصية وسلامة جوانبها.
ب ـ تجنب إثارة المشاكل والصراعات
تخلق المشاكل والخلافات أجواء متوترة وحاملة ومتوترة في الأسرة، مما يهدد استقرارها وتماسكها ويضع الأطفال في حالة من عدم الاستقرار النفسي والعاطفي، هذا قد يجعلهم عرضة للتهرب، مما قد يؤدي بهم إلى طرق غير شرعية.
كما أن معظم الاضطرابات سلوكية والأمراض نفسية والتي تظهر أعراضها عند البلوغ سببها المعاملة الخاطئة للأبوين والمشاكل الزوجية بينهما بسبب الجوالمتوتر الذي يرافقها ما يجعل الطفل في حالة قلق نفسي.
وهناك شواهد كثيرة في الحديث النبوي ومنهج أهل البيت (ع) تستدعي الصبر والمثابرة لدرء المشاكل والصراعات، إذ قال النبي (ص): خير الرجال من أمتي الذين لا يتطاولون على أهليهم ويحنون عليهم ولا يظلمونهم[18].
فعندما ينشأ الطفل في أسرة تتحلى بصفات الصبر والتحمل لابد أن تنغرس هذه الصفات الحميدة في نفسه، فينشأ صابراً متحملاً للشدائد والصعاب.
ج ـ تنشئة الطفل على معرفة الله تعالى
إن الطفل فضولي بطبعه، فكيثر ما يسأل عن نشوء الكون ونشوء ما يحيط به، وهنا يجب على الأبوين استثمار هذا الفضول وتعريفه بأن الله تعالى خالق كل شيء ولكن هذا التعريف والتعليم لابد أن يراعي الخصائص العقلية للطفل، فيتبع مبدأ التدريج والتسلسل حسب سنهم ومدى نضجهم، وحدد الإمام محمد الباقر (ع) هذا النهج التسلسلي حسب عمل الطفل.
إذ قال (ع): إذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له: قل لا إله إلا الله سبع مرات، ثم يترك حتى تتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوما، فيقال له: قل محمد رسول الله سبع مرات، ويترك حتى يتم له أربع سنين، ثم يقال له: قل سبع مرات صلى الله على محمد وآله، ثم يترك حتى يتم له خمس سنين.
ثم يقال له: أيهما يمينك وأيهما شمالك؟ فإذا عرف ذلك حول وجهه إلى القبلة ويقال له: اسجد، ثم يترك حتى يتم له سبع سنين فإذا تم له سبع سنين قيل له اغسل وجهك وكفيك فإذا غسلهما قيل له صل ثم يترك، حتى يتم له تسع سنين، فإذا تمت له تسع سنين علم الوضوء وضرب عليه وأمر بالصلاة وضرب عليها فإذا تعلم الوضوء والصلاة غفر الله تعالى له ولوالديه ان شاء الله[19].
ومما هو معروف أن الطفل ينشأ بالملاحظة، فالطفل الذي يلاحظ محبة أبويه لله تعالى، وذلك بالتزام أوامره واجتناب نواهيه، لابد أن ينشأ محباً ومؤمناً بالله عزوجل، وكذلك محبة نبيه الكريم، وأهل بيته (ع)، إذ قال النبي (ص): أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته وقراءة القرآن[20].
وهذه المحبة للنبي وآله (ع) تتولد من خلال إبراز مواقفهم وسلوكهم في المجتمع، لاسيما المواقف التي تؤكد برحمتهم وعطفهم وكرمهم، ومعاناتهم وما تعرضوا له من أذى حرمان واعتداء، يجعل الطفل متعاطفاً معهم محباً لهم، مبغضاً للمشركين الذين قاموا بإيذائهم والاعتداء عليهم.
الأساس الرابع: السكينة
الأساس الرابع لبناء الأسرة هو السكينة، وهو من أعظم المواضيع التي تناولها القرآن كقوله تعالى: هُو الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ[21]، فالسكينة: الطمأنينة والاستقرار والرزانة والوقار.
الهدوء من أهم المبادئ والمشاعر التي يجب أن ينميها الوالدان في أبنائهما، لأن الطفل يعتبر ثقة ثمينة بقلب نقي وجوهر خالص وعقل بسيط، وغياب كل أشكال الحقد. لكن علم النفس هذا يصحح نفسه أيضا بمرور الوقت بمساعدة من حولهم، ومن واجب الوالدين تصحيح نفسية أطفالهم بما هوأفضل بالنسبة لهم من حيث الالتزام بالرعاية الإلهية من أجل تحقيق راحة البال والحب لهم.
حيث ينجذب كل طفل إلى كل ما هو جديد وأي شيء قد يجلب له المغامرة، بغض النظر عن عواقب هذه المغامرات، سواء كانت جيدة أو سيئة.
وهنا يأتي دور الوالدين لتعويده على الخير ليحقق السلام في داخله وكذلك السلام لمن حوله بقوة أفعاله، ومن ناحية أخرى، إذا أهمل الوالدان طفلهما وتركوه يموت، فإن إثم هذا الفعل يقع عليهم أيضا، لأن لهم أجر التربية الصالحة فالطفل حسن التنشئة يحقق السعادة في الدنيا والآخرة.
قال أمير المؤمنين (ع) في وصيته لابنه الحسن (ع): إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسوقلبك، ويشتغل لبّك[22].
يجب على الآباء أيضا تقوية إيمان الأبناء بأن الله واحد ويجب أن يوجد في قلوبهم. لأن الطفل مرتبط ببداية كمال الحب، وتوحيد الله تعالى يجب أن يكون مؤسسياً في نفوس الأبناء، لأن الطفل يعلوه حب الأخبار في بداية الأمر.
ومن الأمور التي يجب على الوالدين أن يغرسوها في نفوس الطفل، الشعور بحضور الله ورعايته في الخفاء والانفتاح، ليحترم الطفل الله تعالى ويدرك أن الله وليه وهومعه في كل موقف بالطبع هذه المهمة هي مسؤولية الوالدين غرسها في قلوب أبنائهم وينقل لهم أيات التي تؤكد وتوثق كلامه لكي لا يخامر الطفل أي شك في وجود الله ومراقبته له علة الدوام فيما يفعل ومن يصاحب وغيره. فيتوجب على الوالدين هنا اذا أن يلقنوا أولادهم قوله تعالى: عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ[23]
ما يجب على الآباء تعليمه لأبنائهم هو التفكير في الله والبحث عنه في كل أزمة وصعوبة بينما عندما فهم الطفل مسألة الإيمان بالله، كان إقناعه بباقي قضايا الإيمان مهمة بسيطة وبعيدة عن الصعوبة. كما أن مسؤولية الوالدين هوخلق رابطة بين الطفل والله سبحانه وتعالى، وهوعماد علاقة الطفل الوثيقة بالله تعالى مما يمكّنه من الشعور بالسلام الدائم، لأنه بعد ذلك يعتاد على أداء جميع الفرائض ويشكر الله على النعم الفائضة التي أسبغها عليه.
الأساس الخامس: المودة والرحمة
الأساس الخامس لبناء الأسرة هو الرحمة والمودة التي تعتبر من القيم الإنسانية السامية عند البشر وهي ملخصة في القلب الرقيق النفس الصافية والروح الطاهرة.
حيث أن تلك الصفات ذات سمة عظيمة لذلك وجدنا أن الله عز وجل يقول: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً[24]، قد حث وشجع عليهما في كتابه الكريم.
وهذه الصفات الحميدة أيضا هي من الركائز الاجتماعية التي تساهم في تأسيس مجتمع متجانس ومتفاهم ومرابط فالناس الذين يرحمون بعضهم بعضا تسود بينهم الألفة ولا يظلم كبيرهم صغيرهم فلذلك إن هذه الصفات الرائعة هي من السبل الناجحة للفوز بالآخرة.
فالرحمة المطلوبة عند المسلمين لا تتجسد في الشفقة الفردية فقط بل تتسع لتحوي كل مظاهر وأشكال الرحمة وذلك جلي في قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ[25]، حيث أن رسالة التقوى الإسلامية التي أتى بها سيدنا محمد (ص) أتت وله كل أنواع الصفات الحميدة، بما في ذلك الرحمة واللطف.
الأساس السادس: العدالة والمساواة
الأساس السادس لبناء الأسرة هو العدل والمساواة، وهما من أهم الركائز التي يقوم عليها الدين الإسلامي بشكل عام، لأن الإسلام يرفض أي نوع من التمييز بين البشر وساوى بين البشر جميعا سواء كان أبيضا أو أسودا أو غير ذلك.
وإن النظرة التمييزية للأطفال وخصوصاً بين الذكر والأنثى تزرع بذور الشقاق بين الأشقاء، يتم حفر أخاديد عميقة بينهما في العلاقة الأخوية، لأن الطفل لديه نفسية حساسة ومشاعره حساسة عندما يشعر أن والده يهتم كثيراً بأخيه، سوف يطفح صدره بالحقد عليه.
وقد يحدث أن أحد الوالدين أو كليهما يحب أحد أولاده، أو يعطف عليه لسبب ما أكثر من إخوته، وهذا أمر طبيعي وغريزي، ولكن إظهار ذلك أمام الإخوة، وإيثار الوالدين للمحبوب بالاهتمام والهدايا أكثر من إخوته، سوف يؤدي إلى تعميق مشاعر الحزن والأسى لدى الآخرين، ويفرز مستقبلاً عاقبة قد تكون وخيمة.
وعليه فالتزام العدالة والمساواة بين الأولاد يكون أشبه بمانعة الصواعق، إذ تحيل العدالة والمساواة من أدنى فجوة في العلاقة بين أفراد الأسرة، وإلا فسوف تكون عاملاً مشجعاً لانطلاق مشاعر الغيرة والحقد فيما بينهم وقال النبي (ص): إن الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القبل[26].
الاستنتاج
أن بناء الأسرة السليمة والقوية والمتماسكة يقوم على أسس وهي: اختيار الشريك المناسب، والإيفاء بالحقوق الزوجية، و التنشئة الحسنة، والسكينة بمعنى الطمأنينة والاستقرار، والمودة والرحمة التي تسود بينهم الألفة، والعدالة والمساواة خاصاً بين الذكر والأنثى.
الهوامش
[1] الكليني، الكافي، ج٥، ص٣٣٢.
[2] النساء، ٣٤.
[3] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج٢٠، ص١٤.
[4] الروم، ٢١.
[5] المجلسي، بحار الأنوار، ج١٠٠، ص۲۱۷.
[6] المجلسي، بحار الأنوار، ج١٠٠، ص۲۲۱.
[7] النور، ٣٢.
[8] النساء، ٣٤.
[9] الأحزاب، ٣٣.
[10] النور، ٣٠.
[11] النور، ٣٠.
[12] النساء، ٤.
[13] البقرة، ٢٣٣.
[14] النساء، 3.
[15] النساء، ١٢.
[16] النساء، ٢٠.
[17] التحريم، ٦.
[18] الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص٢١٦.
[19] الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج٣، ص٤٣٤.
[20] المتقي الهندي، كنز العمال، ج6، ص٤٥٦.
[21] الفتح، 4.
[22] المجلسي، بحار الأنوار، ج۱، ص٢٢٣.
[23] الرعد، 9.
[24] الروم، ٢١.
[25] الأنبياء، ١٠٧.
[26] الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص۲۲۱.
مصادر البحث
1ـ الحر العاملي، محمّد، وسائل الشيعة، تصحيح وتعليق الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الخامسة، 1403 ه.
2ـ الصدوق، محمّد، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، قم، منشورات جامعة المدرّسين، الطبعة الثانية، بلا تاريخ.
3ـ الطبرسي، الحسن، مكارم الأخلاق، قم، منشورات الشريف الرضي، الطبعة السادسة، 1392 ه.
4ـ الكليني، محمّد، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.
5ـ المتّقي الهندي، علي، كنز العمّال، بيروت، مؤسّسة الرسالة، طبعة 1409 ه.
6ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه.
مصدر المقالة (مع تصرف)
الياسري، مها، الأسس القرآنية لبناء الأسرة وأثرها في تنشئة الطفل، قم، جامعة الأديان والمذاهب، طبعة 2023، ص38 ـ ص55.