- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 10 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
اتّفق المسلمون جميعاً بمختلف مذاهبهم على صحة السجود على الأرض وترابها، بل على أفضلية السجود على تراب الأرض، بل وردت نصوص على أفضيلة التربة الحسينية، ومن خلالها نكتشف السرّ في الاهتمام بالتربة الحسينية واتخاذ قطع منها للسجود عليها عند الشيعة.
السجود ركن من أركان الصلاة
السجود ركن من أركان الصلاة الواجبة والمسنونة في الإسلام بلا ريب، بل هو أفضل أجزاء الصلاة وهو من أوضح مظاهر العبودية والانقياد والتذلّل من قبل المخلوق لخالقه، وبه يؤكّد المؤمن عبوديته المطلقة لله تعالى وهو الغاية القصوى للتذلّل والخضوع، ولذلك لم يرخّص الله لعباده أن يسجدوا لغيره.
ولا بَحثَ بين المسلمين جميعاً في أن مَن يُسجد له هو الله سبحانه وتعالى دون غيره، وهو من ضروريات الدين التي يكفر منكرها ويخرج من حظيرة الإيمان.
وأما ما يجوز أن يسجد عليه، فقد اتّفق المسلمون جميعاً بمختلف مذاهبهم على صحة السجود على الأرض وترابها، بل على أفضلية السجود على تراب الأرض، حسبما وردت به النصوص النبوية.
وسوف نركّز البحث على استقراء النصوص الشريفة الواردة حول ما يصح عليه السجود وما لا يصح، لنرى الموقف الشرعي من السجود على الأرض وترابها أوّلاً، وحكم السجود على ما أنبتته مما لا يؤكل ولا يلبس وممّا يؤكل ويلبس ثانياً.
ونكتشف من خلال هذه النصوص السُنّة من البدعة ثالثاً. وحكم السجود على التراب رابعاً، وفضيلة التربة الحسينية وما تمتاز به خامساً، ومن خلاله نكتشف السرّ في الاهتمام بالتربة الحسينية واتخاذ قطع منها للسجود عليها عند جمع من المسلمين.
البحث الأول: النصوص الواردة حول ما يسجد عليه
نقدّم في هذه الفقرة ما جاء في الصحاح الست، وغيرها من اُمّهات المسانيد والسنن، من سنة رسول الله (ص) الواردة فيما يصح السجود عليه، ونمضي على ضوئها ونتخذها سنة متبعة، وطريقة حقة لا محيد عنها، وهي على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يدل على صحة السجود على الأرض
1ـ جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً.
وفي لفظ مسلم: جعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء.
وفي لفظ البيهقي: جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً.
وفي لفظ له أيضاً: جُعلت لي الأرض طيبة ومسجداً، وأيّما أدركته الصلاة صلى حيث كان[1].
2ـ الأرض لك مسجد فحيثما أدركت الصلاة فصلّ، قال «ص» لأبي ذر[2].
3ـ ابن عباس: إنّ النبي «ص» سجد على الحجر[3].
4ـ أبو سعيد الخدري، قال: أبصرت عيناي رسول الله (ص) وعلى أنفه وجبهته أثر الماء والطين[4].
5ـ رفاعة بن رافع مرفوعاً، ثم يكبر فيسجد فيمكّن جبهته من الأرض حتى تطمئنّ مفاصله وتستوي[5].
6ـ ابن عباس، وأنس، وبريدة باسناد صحيح مرفوعاً: ثلاثة من الجفاء: يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته. وفي لفظ واثلة بن الأسقع: لا يمسح الرجل جبهته من التراب حتى يفرغ من الصلاة[6].
7ـ جابر بن عبد الله، قال: كنت اُصلى مع رسول الله (ص) صلاة الظهر فآخذ قبضة من الحصى في كفي حتى تبرد، وأضعها بجبهتي إذا سجدت من شدة الحر.
فقال البيهقي، قال الشيخ: ولو جاز السجود على ثوب متصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصى في الكف ووضعها للسجود عليها، وبالله التوفيق[7].
8ـ أنس بن مالك: كنا نصلي مع رسول الله (ص) في شدة الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه[8].
القسم الثاني: فيما ورد في السجود على غير الأرض من دون أي عذر
1ـ ابن عباس: كان رسول الله (ص) يصلي على الخُمرة[9].
2ـ أبو سعيد الخدري: إنّه دخل على النبي (ص)، فرآه يصلي على حصير يسجد عليه[10].
3ـ ميمونة اُمّ المؤمنين: كان رسول الله (ص) يصلي وأنا حذاؤه وربما أصابني ثوبه إذا سجد، وكان يصلي على خُمرة[11].
4ـ ابن عمر: كان رسول الله (ص) يصلي على الخمرة ويسجد عليها[12].
القسم الثالث: فيما ورد في السجود على غير الأرض لعذر
1ـ أنس بن مالك: كنا إذا صلينا مع النبي (ص) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود[13].
قال الشوكاني في النيل: الحديث يدل على جواز السجود على الثياب لاتّقاء حرّ الأرض، وفيه إشارة الى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل، لتعليق بسط الثوب بعدم الاستطاعة.
2ـ أنس بن مالك: كنا إذا صلينا خلف رسول الله (ص) بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتّقاء الحر.
أخرجه ابن ماجة في سننه[14]، وأخرج البخاري[15] في باب السجود على الثوب في شدة الحر: وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه.
القول الفصل
هذا تمام ما ورد في الصحاح والمسانيد مرفوعاً وموقوفاً فيما يجوز السجود عليه برمته، وهي تدل بنصها على أن الأصل في ذلك لدى القدرة والإمكان الأرض كلها، ويتبعها المصنوع مما ينبت منها أخذاً بأحاديث الخمرة والفحل والحصير والبساط، ولا مندوحة عنها عند فقدان العذر، وأما في حال العذر وعدم التمكن منها فيجوز السجود على الثوب المتصل دون المنفصل لعدم ذكره في السنة.
وأما السجدة على الفراش والسجاد والبسط المنسوجة من الصوف والوبر والحرير وأمثالها والثوب فلا دليل يسوّغها قطّ، ولم يرد في السنة أي مستند لجوازها، وهذه الصحاح الست ـ وهي تتكفل بيان أحكام الدين ولا سيما الصلاة التي هي عماده ـ لم يوجد فيها ولا حديث واحد، ولا كلمة إيماء وإيعاز الى جواز ذلك.
وكذلك بقية اُصول الحديث من المسانيد والسنن المؤلفة في القرون الاُولى الثلاثة ليس فيها أيّ أثر يمكننا الاستدلال به على جواز ذلك من مرفوع أو موقوف، مسند أو مرسل.
فالقول بجواز السجود على الفرش والسجاد والإلتزام بذلك، وافتراش المساجد بها للسجود عليها كما تداول عند الناس بدعة محضة، وأمر محدث غير مشروع، يخالف سنة الله وسنة رسوله، وقد أخرج الحافظ الكبير الثقة أبو بكر ابن أبي شيبة بإسناده في المصنف في المجلد الثاني عن سعيد ابن المسيب وعن محمد بن سيرين: إن الصلاة على الطنفسة محدث. وقد صح عن رسول الله (ص)قوله: شرّ الاُمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة[16].
البحث الثاني: أفضلية السجود على تراب الأرض
لقد ورد الأمر بالتتريب في النصوص الشريفة، والأمر دال على الأفضلية والمطلوبية إن لم يكن دالاً على الوجوب.
وإليك جملة من الروايات الآمرة بالتتريب في السجود وهي تفيد أفضلية السجود على تراب الأرض بلا ريب.
1ـ عن خالد الجهني: قال: رأى النبي (ص) صهيباً يسجد كأنّه يتّقي التراب، فقال له: «ترّب وجهك يا صهيب»[17].
والظاهر أن صهيباً كان يتّقي عن التتريب بالسجود على الثوب المتّصل والمنفصل، ولا أقل بالسجود على الحصر والبواري والأحجار الصافية، وعلى كل تقدير، فالحديث شاهد على أفضلية السجود على التراب في مقابل السجود على الحصى لما دلّ من جواز السجدة على الحصى في مقابل السجود على غير الأرض.
2ـ روت أُمّ سلمة: رأى النبي (ص) غلاماً لنا يقال له: «أفلح» ينفخ إذا سجد، فقال: «يا أفلح ترّب»[18].
وفي رواية: « يا رباح ترّب وجهك»[19].
3ـ روى أبو صالح قال: دخلت على اُمّ سلمة، فدخل عليها ابن أخ لها فصلّى في بيتها ركعتين، فلمّا سجد نفخ التراب، فقالت اُمّ سلمة: ابن أخي لا تنفخ، فإنّي سمعت رسول الله (ص) يقول لغلام له يقال له يسار ـ ونفخ ـ «ترّب وجهك لله»[20].
البحث الثالث: فضيلة التّربة الحسينية
كان الأوزاعي وهو اُستاذ أبي حنيفة، إذا أراد السفر من المدينة حمل معه طينة منها ليسجد عليها فسُئل عن ذلك، فقال: إن أفضل بقعة في الأرض هي البقعة التي دفن عليها رسول الله (ص) وأحبّ أن يكون سجودي لله تعالى عليها[21].
عن اُمّ سلمة قالت: كان رسول الله (ص) جالساً ذات يوم في بيتي، قال: «لا يدخل عليّ أحد»، فانتظرت فدخل الحسين (ع) فسمعت نشيج رسول الله (ص) يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي (ص) يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال: «إن جبرئيل (ع) كان معنا في البيت، قال: أفتحبّه؟ قلت: أمّا في الدنيا فنعم»، قال: إنّ اُمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبرئيل من تربتها فأراها النبي (ص) فلما اُحيط بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، فقال: صدق رسول الله كرب وبلاء[22].
محمد بن المشهدي في المزار الكبير، بإسناده عن جعفر الصادق (ع) قال: «إنّ فاطمة بنت رسول الله (ص) كان سبحتها من خيط مفتل، معقود عليه عدد التكبيرات، وكانت (س) تديرها بيدها تكبّر وتسبّح حتى قتل حمزة بن عبد المطلب فاستعملت تربته وعملت التسابيح، فاستعملها الناس، فلمّا قتل الحسين (ع) عدل بالأمر إليه، فاستعملوا تربته، لما فيه من الفضل والمزيّة»[23].
إن أرض كربلاء كأرض مكة والمدينة محاطة بهالة من التقديس والتعظيم، ويقول الرواة: إن الإمام أمير المؤمنين (ع) لما اجتاز على أرض كربلاء أخذ قبضة من ترابها فشمّها وبكى حتى بلّ الأرض بدموعه، وهو يقول: «يحشر من هذا الظهر سبعون ألف يدخلون الجنة بغير حساب»[24].
وروت السيدة اُم سلمة، قالت: إن رسول الله (ص) اضطجع ذات ليلة للنوم وهو حائر ـ أي مضطرب ـ ثم اضطجع وهو حائر دون ما رأيت به المرة الاُولى، ثم اضطجع وفي يده تربة حمراء، وهو يقلّبها، فقلت له: «ما هذه التربة يا رسول الله… فقال: «أخبرني جبرئيل أن هذا ـ وأشار الى الحسين ـ يقتل بأرض العراق، فقلت لجبرئيل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربته»[25].
وروت السيدة أُم سلمة، قالت: كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي (ص) في بيتي فنزل جبرئيل، فقال: يا محمد إن اُمتك تقتل ابنك هذا من بعدك ـ وأشار الى الحسين ـ فبكى رسول الله (ص) وضمه الى صدره، وإن بيده تربة فجعل يشمّها وهو يقول: «ويح كرب وبلاء» وناولها اُم سلمة فقال لها:
«إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي ان ابني قد قُتل…».
فجعلتها اُمّ سلمة في قارورة، وجعلت تتعاهدها كل يوم وهي تقول: إن يوماً تتحولين دماً ليوم عظيم[26].
وكثير من أمثال هذه الأحاديث رواها الثقات من علماء السنة عن النبي (ص) في تقديسه للبقعة المباركة التي استشهد على ثراها حفيده وريحانته الإمام الحسين (ع) فأي نقص إن اتخذت من ثرى تلك البقعة تربة يسجد عليها لله تعالى وحده لا شريك له.
البحث الرابع: لماذا الاهتمام بالسّجود على التّربة الحسينية؟
إن الغاية المتوخّاة من السجدة على تربة كربلاء إنما تستند الى أصلين قويمين، وتتوقف على أمرين قيمين:
الأصل الأول
استحسان اتخاذ المصلي لنفسه تربة طاهرة طيبة يتيقن بطهارتها، من أيّ أرض اُخذت، ومن أي صقع من أرجاء العالم كانت، وهي كلها في ذلك شرع سواء، لا امتياز لإحداهن على الاُخرى في جواز السجود عليها، وإن هو إلاّ كرعاية المصلي طهارة جسده وملبسه ومصلاه، يتخذ المسلم لنفسه صعيداً طيباً يسجد عليه في حله وترحاله، وفي حضره وسفره، ولا سيما في السفر.
إذ الثقة بطهارة كل أرض يحل بها، ويتخذها مسجداً لا تتأتى له في كل موضع من المدن والرساتيق والفنادق والخانات وباحات النزل والساحات، ومحال المسافرين، ومحطات وسائل السير والسفر، ومنازل الغرباء، أنى له بذلك؟ وقد يحل بها كل إنسان من الفئة المسلمة وغيرها، ومن أخلاط الناس الذين لا يبالون ولا يكترثون لأمر الدين في موضوع الطهارة والنجاسة.
فأي مانع من أن يحترز المسلم في دينه، ويتخذ معه تربة طاهرة يطمئن بها وبطهارتها يسجد عليها لدى صلاته، حذراً من السجدة على الرجاسة والنجاسة والأوساخ التي لا يتقرب بها الى الله قطّ؟
ولا تجوّز السنة السجود عليها، ولا يقبله العقل السليم، بعد ذلك التأكيد التام البالغ على طهارة أعضاء المصلي ولباسه، والنهي عن الصلاة في مواطن منها، المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومعاطن الإبل، والأمر بتطهير المساجد وتطييبها.
وهذه النظرة كانت متخذة لدى رجال السلف في القرون الاُولى، وأخذاً بهذه الحيطة كان التابعي الفقيه مسروق بن الأجدع يأخذ في أسفاره لبنة يسجد عليها، كما أخرجه أبو بكر ابن أبي شيبة في كتابه «المصنف»، في المجلد الثاني في باب: من كان يحمل في السفينة شيئاً يسجد عليه، فأخرج بإسنادين: أن مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها.
هذا هو الأصل الأول لدى الشيعة ولهم فيه سلف من الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان.
الأصل الثاني
فإن قاعدة الاعتبار المطردة تقتضي التفاضل بين الأراضي، بعضها على بعض، وتستدعي اختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها، وهذا أمر طبيعي عقلي متسالم عليه، مطّرد بين الاُمم، إذ بالاضافات والنسب تقبل الأراضي والأماكن والبقاع خواصاً ومزايا، بها تجري عليها مقرّرات، وتنتزع منها أحكاماً لا يجوز التغاضي والصفح عنها.
ألا ترى أنّ الساحات والقاعات والدور والدوائر الرسمية المضافة الى الحكومات، وبالأخص ما ينسب منها الى البلاط الملكي، ويعرف باسم عاهل البلاد وشخصه، لها شأن خاص، وحكم ينفرد بها، يجب للشعب رعايته، والجري على ما صدر فيها من قانون؟
فكذلك الأمر بالنسبة الى الأراضي والأبنية والديار المضافة المنسوبة الى الله تعالى، فإن لها شؤوناً خاصة، وأحكاماً وطقوساً، ولوازم وروابط لابدّ لمن أسلم وجهه لله من أن يراعيها ويراقبها.
فهذا الاعتبار العام المتسالم عليه انتزع للكعبة حكمها الخاص، وللحرم شأن يخصّ به، وللمسجدين الشريفين (جامع مكة والمدينة) أحكامهما الخاصة بهما، وللمساجد العامة والمعابد والصوامع والبيع التي يذكر فيها اسم الله، في الحرمة والكرامة، والتطهير والتنجيس، ومنع دخول الجنب والحائض والنفساء عليها، والنهي عن بيعها نهياً باتاً، خلاف بقية الأوقاف الأهلية العامة التي لها صور مسوغة لبيعها وتبديلها بالأحسن، الى أحكام وحدود اُخرى منتزعة من اعتبار الإضافة الى ملك الملوك، رب العالمين.
فاتخاذ مكة المكرمة حرماً آمناً، وتوجيه الخلق إليها، وحجهم إليها من كل فج عميق، وإيجاب كل تلكم النسك، وجعل كل تلكم الأحكام حتى بالنسبة الى نبتها، إن هي إلا آثار الإضافة، ومقررات تحقق ذلك الاعتبار، وهي السبب في اختيار الله إياها من بين الأراضي.
وهذا الاعتبار وقانون الإضافة كما لا يخص بالشرع فحسب، بل هو أمر طبيعي أقرّ الإسلام الجري عليه، كذلك لا ينحصر هو بمفاضلة الأراضي، وإنما هو أصل مطرد في باب المفاضلة في مواضيعها العامة من الأنبياء والرسل، والأوصياء، والأولياء، والصديقين، والشهداء، وأفراد المؤمنين وأصنافهم، الى كل ما يتصور له فضل على غيره في مقاييس الإسلام الثابتة.
بل هذا الأصل هو محور دائرة الوجود، وبه قوام كل شيء، وإليه تنتهي الرغبات في الاُمور، ومنه تتولد الصلات والمحبات، والعلائق والروابط.
وعليه فلنا أن نسأل: ما الذي دعا النبي (ص) الى أن يبكي على ولده الحسين السبط، ويقيم كل تلكم المآتم ويأخذ تربة كربلاء ويشمّها ويقبّلها؟
وما الذي جعل السيدة اُمّ سلمة اُمّ المؤمنين تصرّ تربة كربلاء على ثيابها؟
وما الذي سوّغ للصديقة فاطمة أن تأخذ تربة قبر أبيها الطاهر وتشمّها؟
وما الذي جعل الإمام علي ابن أبي طالب (ع) يأخذ قبضة من تربة كربلاء لمّا حلّ بها، فيشمّها ويبكي حتى يبلّ الأرض بدموعه، وهو القائل: يحشر من هذا الظهر سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب. كما أخرجه الطبراني وقد قال الهيثمي[27]: رجاله ثقات.
وهكذا يتضح لدى الباحث النابه الحرّ سرّ فضيلة تربة كربلاء المقدسة. ومبلغ انتسابها الى الله تعالى، ومدى حرمتها وحرمة صاحبها دنواً واقتراباً من العلي الأعلى، فما ظنّك بحرمة تربة هي مثوى قتيل الله، وقائد جنده الأكبر المتفاني دونه، هي مثوى حبيبه وابن حبيبه، والداعي إليه، والدال عليه، والناهض له، والباذل دون سبيله أهله ونفسه ونفيسه، والواضع دم مهجته في كفه إعلاءً لكلمته، ونشر توحيده، وتحكيم معالمه، وتوطيد طريقه وسبيله.
كيف لا يديم ذكره في أرضه وسمائه، وقد أخذت محبة الله بمجامع قلبه؟
أفليست السجدة على تربة هذا شأنها لدى التقرب الى الله في أوقات الصلوات، أطراف الليل والنهار، أولى وأحرى من غيرها من كل أرض وصعيد وقاعة وقرارة طاهرة، أو من البسط والفرش والسجاد المنسوجة ولم يوجد في السنة أي مسوغ للسجود عليها؟
أليس أجدر بالتقرب الى الله، وأقرب بالزلفى لديه، وأنسب بالخضوع والخشوع والعبودية له تعالى أمام حضرته، وضع صفح الوجه والجباه على تربة في طيّها دروس الدفاع عن الله. ومظاهر قدسه، ومجلى التحامي عن ناموسه ناموس الإسلام المقدس؟
أليس أليق بأسرار السجدة على الأرض السجود على تربة فيها سرّ المنعة والعظمة والكبرياء والجلال لله جلّ وعلا، ورموز العبودية والتصاغر دون الله بأجلى مظاهرها وسماتها؟
أليست أحق بالسجود عليها تربة فيها بينات التوحيد والتفاني دونه؟ تدعو الى رقة القلب، ورحمة الضمير والشفقة والتعطف.
أليس الأمثل والأفضل اتخاذ المسجد من تربة تفجرت في صفيحها عيون دماء اصطبغت بصبغة حب الله، وصبغت على سنة الله وولائه المحض الخالص؟
وليس اتخاذ تربة كربلاء مسجداً لدى الشيعة من الفرض المحتم، ولا من واجب الشرع والدين، ولا مما ألزمه المذهب، ولا يفرّق أي أحد منهم منذ أول يومها بينها وبين غيرها من تراب جميع الأرض في جواز السجود عليها، خلاف ما يزعمه الجاهل بهم وبآرائهم، وإن هو عندهم إلا استحسان عقلي ليس إلاّ، واختيار لما هو الأولى بالسجود عليه لدى العقل والمنطق والاعتبار فحسب كما سمعت.
وكثير من رجال المذهب يتخذون معهم في أسفارهم غير تربة كربلاء مما يصح السجود عليه كحصير طاهر نظيف يوثق بطهارته أو خمرة مثله ويسجدون عليه في صلواتهم.
مضافاً الى ذلك كلّه ما ورد عن أئمة أهل البيت (ع) من الاهتمام بهذه التربة الطيّبة الزاكية في النصوص الصحيحة الكثيرة في التبرك بها و تقبيلها و تفضيل السجود عليها.
لذا لم تقتصر التربة الحسينيّة من حيث المفاضلات وحدها، بل اُتّخذت رمزاً آخراً لقضية كبيرة في الإسلام ذات أبعاد عقائدية وتربوية تستمد قيمتها من نهضة الإمام الحسين وخلودها.
الاستنتاج
أن هناك نصوصاً وردت في الصحاح والمسانيد فيما يجوز السجود عليه برمته، أما السجود على الفراش والسجاد والبسط المنسوجة من الصوف والوبر والحرير وأمثالها والثوب فلا دليل يسوّغها قطّ، كما أكدت النصوص على أفضلية السجود على تراب الأرض، وخاصة التّربة الحسينية.
الهوامش
[1] البخاري، صحيح البخاري، ج1، ص86.
[2] النسائي، سنن النسائي، ج2، ص37.
[3] الحاكم النيسابوري، مستدرك الحاكم، ج3، ص473.
[4] البخاري، صحيح البخاري، ج1، ص163.
[5] البيهقي، السنن الكبرى، ج2، ص102.
[6] الهيثمي، مجمع الزوائد، ج2، ص83.
[7] البيهقي، السنن الكبرى، ج2، ص105.
[8] البيهقي، السنن الكبرى، ج2، ص106.
[9] الترمذي، صحيح الترمذي، ج2، ص126.
[10] مسلم، صحيح مسلم، ج2، ص62.
[11] البخاري، صحيح البخاري، ج1، ص101.
[12] الطبراني، المعجم الكبير، ج12، ص292.
[13] مسلم، صحيح مسلم، ج2، ص109.
[14] ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج2، ص216.
[15] البخاري، صحيح البخاري، ج1، ص101.
[16] راجع: الأميني، سيرتنا وسنتنا، ص146.
[17] المتّقي الهندي، كنز العمال، ج7، ص465، رقم 19810.
[18] المتّقي الهندي، كنز العمال، ج7، ص459، رقم 19776.
[19] المتّقي الهندي، كنز العمّال، ج7، ص465، رقم 19777.
[20] المتّقي الهندي، كنز العمال، ج7، ص465، رقم 19810.
[21] انظر: القرشي، هذه هي الشيعة، ص267.
[22] الهيثمي، مجمع الزوائد، ج9، ص185.
[23] المجلسي، بحار الأنوار، ج101، ص133، ح64.
[24] الهيثمي، مجمع الزوائد، ج9، ص191.
[25] الحاكم النيسابوري، مستدرك الحاكم، ج4، ص398.
[26] الطبراني، المعجم الكبير، ج3، ص108.
[27] الهيثمي، مجمع الزوائد، ج9، ص191.
مصادر البحث
1ـ ابن ماجة، محمّد، سنن ابن ماجة، بيروت، دار الجيل، الطبعة الأُولى، 1418 ه.
2ـ الأميني، عبد الحسين، سيرتنا وسنتنا، بيروت، مؤسّسة البلاغ، الطبعة الثانية، 1427 ه.
3ـ البخاري، محمّد، صحيح البخاري، دار الفكر، طبعة 1401ه.
4ـ البيهقي، أحمد، السنن الكبرى، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأُولى، 1414ه.
5ـ الترمذي، محمّد، سنن الترمذي، بيروت، دار الفكر، الطبعة الثانية، طبعة 1403 ه.
6ـ الحاكم النيسابوري، محمّد، المستدرك على الصحيحين، بيروت، دار التأصيل، طبعة 1435 ه.
7ـ الطبراني، سليمان، المعجم الكبير، بيروت، دار إحياء التراث العربي، طبعة 1405 ه.
8ـ القرشي، باقر شريف، هذه هي الشيعة، بيروت، دار الخليج العربي، بلا تاريخ.
9ـ المتّقي الهندي، علي، كنز العمّال، بيروت، مؤسّسة الرسالة، طبعة 1409 ه.
10ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه.
11ـ مسلم، صحيح مسلم، القاهرة، دار الحديث، الطبعة الأُولى، 1412 ه.
12ـ النسائي، أحمد، سنن النسائي، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأُولى، 1348 ه.
13ـ الهيثمي، علي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بيروت، دار الكتب العلمية، طبعة 1408 ه.
مصدر المقالة (مع تصرف بسيط)
الشريفي، عبد الهادي، السجود على التربة الحسينية، قم، المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، الطبعة الثانية، 1426 ه.