- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 4 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المولد والنشأة
ولدت في “المانيا الغربيّة” بمدينة هامبورغ في أسرة كان انتماؤها الظاهري هو مذهب الپروتستانت ; لأنّها لم تكن في الواقع العملي ملتزمة بدينها.
البحث عن الطمأنينة والسكينة:
تقول “اينغريد”: في فترة طفولتي لم يكن أبي وأمّي يذهبان إلى الكنيسة ، ولم تكن لي فرصة للذهاب إلى الكنيسة إلاّ مع طلاّب مدرستنا ، وكنت أهوى الكنيسة; لأنّها كانت تمنحني الطمأنينة والراحة النفسيّة التي كنت أتصوّر أنني أستمدّها من ربّنا الرؤوف الذي يعيش في السماء والذي يعيننا إذا توجّهنا إليه.
ولمّا بلغت الحادية عشر من العمر شاركت في بعض الدروس الدينيّة التي كانت تقام في مدرستنا، ولم يكن ذلك منّي إلاّ مماشاة مع باقي الطلبة ، لأنّني كنت أرى بأنّ هذه الصفوف تضعف اتّصالي بالله، وتعقّد صلتي بربّي ، لانّها كانت تثير الشكوك والشبهات أكثر من تقوية علاقتي بربّي فلهذا كنت لا أشعر برغبة نفسيّة اتّجاهها.
إمعان النظر في الديانة المسيحيّة:
وبالتدريج موازاتاً مع زيادة عمري ارتفع مستواي العلميّ في تحليل ودراسة الأمور ، فأمعنت النظر في الديانة المسيحيّة التي كنت عليها ، فرأيتها لا تصلح لأن تكون سبيلاً للتقرّب إلى ربّي ; لأنّ فيها الكثير من الأمور الفلسفيّة المعقّدة ، وفيها بعض الأمور المنافية للطبع الإنساني السليم ، من جملتها اعتبار الخمر الذي نتناوله في الكنيسة أنّه دم المسيح في حين أنّ جميع الأطبّاء الإخصائيّين يقرّون بأضرار الخمر وآثاره السلبيّة على الحياة الفرديّة والاجتماعيّة.
وكنت حينما أوجّه أسئلتي إلى بعض الأساتذة أو رجال الدين لا أجد أحداً يجيبني بجواب مقنع ، وهذا ما دفعني للابتعاد عن الدين.
ولكنّني مع ذلك كنت أؤمن في قرارة نفسي بوجود الله واؤمن بالمعاد ، ولكنّني كنت أجهل السبيل الذي يرشدني إلى ربّي.
الحيرة والضياع:
بقيت في الحيرة فترة من الزمن حتّى ضعف إيماني نتيجة فقداني السبيل الذي يربطني به، فلمّا فشلت محاولاتي كلّها في البحث عن الرابط بيني وبين ربّي ، التجأت إلى تخدير نفسي باللهو واللعب ، لئلاّ أشعر بتأنيب الضمير الذي كان يحثّني على الاجتهاد والمثابرة ، فقرّرت بعدها أن التجىء إلى الطرب والموسيقى، وكان هدفي هو أن أصبح قائدة للأركسترا! فاشتريت بعض الأجهزة الموسيقيّة ، بدأت بالعزف عليها ، وكنت أحاول أن لا أشغل بالي بأمر يعيقني عن الوصول إلى هدفي.
ولكن فجأة برزت فكرة الموت أمام عيني ، فاقشعرّ لها جلدي ، وقلت في نفسي: إنّ الموت يسلب منّي كلّ ممتلكاتي ، وما قيمة عمل نلتذّ به ، ولكنّنا نجهل الآثار المترتّبة عليه ، كما قلت في نفسي: لماذا لا ألتجىء إلى سبيل يمنحني الطمأنينة في الحياة.
فقرّرت أن لا أيأس في البحث عن الحقّ، وعن السبيل الذي اختاره الله لعباده ليتقرّبوا به إليه.
التعرّف على الإسلام:
صادف في هذه الفترة أن التقيت بأحد الشبان اللبنانيّين المسلمين في الجامعة لقاءً قصيراً، تحدّث معي فيه حول القيم والأخلاق ودور الرسل في بناء الشخصيّة ، فاعجبت كثيراً بأفكاره ومبادئه ورؤاه ، وكان أكثر ما لفت انتباهي فيه في هذا اللقاء القصير ، هدوءه وطمأنينتة النفسيّة التي كان يتمتّع بها.
فقرّرت بعد ذلك أن أتعرّف على الإسلام بصورة جادّة ، فتوجّهت إلى الكتب الباحثة حول الإسلام فلم أجد فيها سوى التشنيع والاستهزاء به ، ولم أجد فيها البحث الموضوعيّ المنصف، فقرّرت أن أتلقّى المعارف الإسلاميّة بصورة مباشرة ، فطلبت من أبي أن يوافق على تعلّمي للغة العربيّة ، فقبل أبي ذلك ، واستدعى لي أستاذاً في هذا المجال.
وكان الأستاذ مسلماً ، ولكنّه لم يكن ملتزماً بدينه ، وكان لا يعرف عن الإسلام سوى بعض طقوسه الدينيّة الظاهريّة.
فاكتفيت منه بتعلّم اللغة العربيّة ، وكان الأستاذ يهديني بعض الكتب العربيّة من أجل ممارسة قراءتها ، وكان من جملة تلك الكتب كتاباً تحت عنوان “الحياة والرؤية الكونيّة في الإسلام” فلمّا قرأته بتمعّن تفتّحت آفاق رؤيتي، ووجدت بأن الدين الاسلاميّ يتلاءم مع الفطرة ، ويرفع الإنسان إلى مستوى فكريّ رفيع ; لئلا تشغله توافه الحياة، والمظاهر الدنيويّة المزيّفة ، وعرفت أنّ الإسلام بخلاف ما شُنّع عليه، بل هو سبيل يهدي إلى الرشاد والتكامل.
عقبات بعد اعتناق الإسلام:
تقول “اينغريد” لمّا وجد الإسلام طريقه إلى قلبي اهتزّ كياني، واقشعرّ جلدي، واعترتني حالة من الوجد والشغف، تركت أثراً بالغاً في تهذيب وتزكية نفسي، وتطهير الأدران المتراكمة على قلبي ، ولكن كانت أوّل عقبة بعد إسلامي هو صعوبة ارتداء الحجاب، ومواصلة الصلاة اليوميّة .
فقرّرت في البدء أن لا أرهق نفسي بأمور قد يكون مردودها السلبي أكثر من ايجابيّاتها على نفسي ، فاجتهدت لتنمية المناعة النفسيّة، وإنشاء رصيد متين أتحصّن به ، فتوجّهت إلى مطالعة الكتب الدينيّة الإسلاميّة، واجتهدت لأوفّر لنفسي أجواءً تترعرع فيها الخصال الحسنة وتنمو وتزدهر فيها الفضائل في نفسي.
الانتماء إلى المذهب الحنفيّ:
وبعد مضيّ عدّة أشهر من إسلامي تعرّفت على شاب مسلم ينتمي إلى المذهب الحنفي ، وكان نصيبي أن تمّ زواجي به فالتحقت به وانتميت إلى مذهبه الإسلاميّ.
ثمّ واصلت مطالعاتي الإسلامية فتبيّن لي وجود فرق ومذاهب كثيرة في الإسلام ، وكنت أجهل سبب ذلك ، وكنت استفسر من المسلمين عن سبب ذلك ، ولكن لم يقدّم لي أحد جواباً يقنعني.
وبقيت هذه المسألة غامضة لي حتّى حضرت عام ۱۹۸۸ في مؤتمر إسلامي أقيم في المركز الإسلاميّ في هامبورغ ، فتعرّفت فيه على أخت تنتمي إلى مذهب التشيّع ، ورافقتها طيلة الأيّام الثلاثة التي أقيم فيه المؤتمر.
وكانت هذه الأخت تتمتّع بثقافة إسلاميّة عالية ، فلهذا انتهزت الفرصة ، وكنت أوجّه لها الأسئلة والشبهات التي كانت في ذهني ، وكانت الأخت تصغي إلى أسئلتي ثمّ تجيب عليها بإجابات قويّة ومقنعة.
معرفة أسباب نشوء الفرق الإسلاميّة:
تقول “اينغريد”: كان من جملة الأسئلة التي وجّهتها للأخت الشيعيّة هو سؤالي القديم حول سبب نشوء الفرق في الإسلام ، فاجابت أنّ الرسول أوصى أمّته بالتمسّك بالثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته وجعل الرسول الاعتصام بهذين الركنين عصمةً من الضلال ، ولكن البعض من أجل تحقيق مصالحهم ومآربهم رفضوا عترة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكان هذا سبباً لابتعادهم عن الرؤى الإسلاميّة الصحيحة، واتّباعهم للأهواء ، وهذا ما أدى إلى نشوء التفرّق في أوساط الأمّة الإسلامية.
اعتناق مذهب أهل البيت (عليه السلام):
تضيف “اينغريد”: أخذت كلام هذه الأخت الشيعيّة بعين الاعتبار ، وتوجّهت نحو البحث في الكتب حول هذا الموضوع ، ففعلت ذلك حتّى تبيّن لي صحّة ما قالت ، ولمّا حان موعد اقتطاف ثمرة أبحاثي اعلنت تشيّعي فاستاء زوجي لذلك ، وحاول أن يصرفني عن السبيل الذي اخترته لنفسي ، ولكنّه لم يتمكّن من ذلك ، لأنّني شعرت بعد تشيّعي بثقة نفسيّة كبيرة ، وكان لمفاهيم أهل البيت(عليهم السلام) دور كبير في تنمية الثبات في نفسي.
مرحلة ما بعد الاستبصار:
تقول “اينغريد”: أنا الآن لست كما كنت فيما سبق همج رعاع، أتّبع كلّ ناعق، وأستجيب لكلّ دعوة ، بل دليلي اليوم هو عقلي الذي امتلأ نوراً من مصابيح الهدى واستضاء بنور علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام).
كما أنّني ارتديت بعد ذلك الحجاب الإسلاميّ ، وواظبت على الصلوات الخمس، والتزمت بشرايع ديني، ولم تأخذني في الله لومة لائم ، ثمّ غيّرت اسمي ، وسمّيت نفسي “سعيدة” ذلك لأنّني شعرت بعد إكمال ديني أنّني في الواقع قادرة برصيدي المعنويّ الذي تلقيّته من مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) على مواجهة كافة الأزمات والكروب، وتحمّل الصعوبات والمصائب، ومقاومة مشاعر السخط والضجر والسأم والملل واليأس.
وأنا من خلال تعديل طريقة تفكيري وتحسين سلوكياتي الإراديّة قادرة على أن أكون في معظم مراحل حياتي نشطة ومرتاحة، وذلك بفضل ثقتي بالله واتّصالي به عبر المناهج التي قدّمها لنا أهل البيت(عليهم السلام) عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم).
فلذلك أنا بالفعل سعيدة; لأنّ قلبي الممتلىء بمحبّة أهل البيت(عليهم السلام) يفيض دوماً بمشاعر الرضا والثقة والأمل.