- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 6 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
الرابط بين المبعث النبوي وولادة الإمام الحسين :
بما أن هذا اليوم هو أول أيام شهر شعبان المبارك وهو شهر رسول الله فمن المناسب جدا أن نتحدث حول الرسول الأكرم ، ولقد كنا قبل عدة أيام في ذكرى مبعثه الشريف، ونحن أيضا في هذه الأيام على أعتاب ولادة الإمام الحسين والترابط واضح وجلي بين مبعث الرسول الأكرم وبين ولادة الإمام الحسين وهذا ما يمكن استنتاجه من خلال بعض الأحاديث النبوية الشريفة كقوله : «حسين مني وأنا من حسين»
فحينما نتحدث عن الرسول الأكرم فإننا نتحدث عن بركات هذا الأصل والأساس وثمراته والتي منها ولادة الحسين ، وإن شئت فقل: إن ولادة الإمام الحسين تبشّر بأنه المولود الجديد الذي سيحفظ ويحمل أهداف البعثة النبوية الشريفة، وليست بعيدة عن الأذهان تلك المقولة المشهورة التي تقول: الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء.
إذن: الرسول الأكرم جاء بالرسالة وتحمل أعباءها والإمام الحسين حفظها وأرسى قواعدها، بل لولا الإمام الحسين لما بقي من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه بل لم يبقى لهما وجود أصلا.
القرآن الكريم يتحدث عن الرسول الأكرم :
وتجدر بنا الإشارة قبل الولوج في رحاب هذه الشخصية العظيمة إلى أن الحديث عن الرسول الأكرم مهما بلغت قوة المتحدث منا وبلاغته وفصاحته فلن يصل حديثه إلا إلى سواحل هذا البحر المحيط، ولا عجب في ذلك فأين الثرى من الثريا؟!
إذن: خير من يتحدث عن الرسول الأكرم ويظهر لنا من عظمته ما تتحمله طاقتنا ويحيط به إدراكنا هو بارئه ومصوّره تباركت أسماؤه، وكل من أراد ويريد أن يفهم شخصية الرسول الأكرم وأخلاقياته وسيرته وتاريخه فعليه بالقرآن الكريم لأنه كلام الله سبحانه وتعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو كفيل بتبيان هذه الأبعاد من شخصيته صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين،
والقران الكريم في الحقيقة ما هو إلا تجليات لحياة الرسول الأكرم لكونه تحدث كثيراً عن الرسول الأكرم وفي الحقيقة لا يمكننا أن نستوعب جميع هذا الحديث الذي ذكره القرآن الكريم عنه إلا أننا سنتحدث عن بعض النقاط التي نراها مهمة جدا على الصعيد الشخصي والاجتماعي والتي لا بد أن نعيشها في حياتنا الواقعية والتي تمثل شخصيته وتتحدث في نفس الوقت عن أهداف بعثته لكي يفتح الله علينا بركاته من السماء والأرض.
النقطة الأولى: البعثة النبوية والدعوة إلى العقل والتعقل:
القران الكريم دعا وحث مرارا عبر آياته الشريفة إلى العقل والتعقل وجاءت العديد من الأحاديث المعصومية توضح تلك الآيات المباركات. ومسألة التعقل والتدبر مسألة جدُّ مهمة لأن نتيجة اعتقاداتنا ونتيجة سلوكنا مرهونة بالعقل والتعقل فلا قيمة لعقيدة أياًّ كانت من دون إعمال هذه المسألة في قبولها أو ردّها، بل ولا توجد قيمة حقيقية للإنسان إلا من خلال العقل لأنه يمنع الإنسان عن الوقوع في المخاطر الجسدية كما يمنعه عن الوقوع في المخاطر الروحية والنفسية. والإنسان – كما هو واضح – مركب من عقل ومن نفس فالعقل من المفترض به أن يكون قائدا للنفس وممسكا بزمامها ومقررا لمسيرها العام وقائدا لها لما فيه صلاحها في آخرتها ودنياها، ولكن حينما يكون العقل أسيرا تحت سيطرة النفس فالنفس تقوده إلى الهلكة والانحراف عن الخط الصحيح والسليم.
ومتى ما بسطت حكومة العقل نفوذها على مملكة الإنسان وصارت كافة القوى العاملة في هذه المملكة ممتثلة لأوامر وزواجر العقل فستعيش حينئذ هذه المملكة بالعدل والعدالة وستنعم بالخيرات.
والقران الكريم ذكر هذا المعنى كثيرا وأكد على أهمية إعمال العقل في مختلف المجالات كقوله: ﴿ أفلا تعقلون ﴾، ﴿ أفلا تتفكرون ﴾ إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي من الجيّد أن يستقصيها الإنسان ويرجع لتفاسيرها الصحيحة ليصبح على بيّنة من أمره عارفا بما يعرقل منهجية سلوكه وسيره.
وفي الحقيقة لا يوجد دين أكد على العقل والتعقل كما أكد عليه الإسلام الحنيف، فقد ورد في الروايات الشريفة عن أحدهم أنه قال: «أول ما خلق الله العقل وخاطبه الجليل: أقبل فأقبل وقال له: أدبر فأدبر ثم قال له: بك أثيب وبك أعاقب» إذن: حساب الناس على قدر عقولهم هذه نقطة أساسية، فالأهداف العليا للبعثة الشريفة هي دعوة الناس إلى العقل لا إلى الخرافة والجهل بل إخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور العقل فبالعقل يكون الإنسان إنسانا – كما تقدم الكلام – هذه من الأساسيات التي قامت عليها دعوة الرسول الأكرم وسائر الأنبياء
وقد ذكر الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في خطبة له في نهج البلاغة هذا الأمر حيث يقول: «فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسيَّ نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول» شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج ۱ ص ۹۱،
ونحن لو تأملنا في مسيرة تاريخ البشرية سنجد أن هذا التطور المذهل على مختلف الأصعدة لولا العقل والتفكر والتدبر والتأمل وسبر أغوار الطبيعة لم يتحقق على أرض الواقع، فالناظر إلى تاريخ البشرية يكتشف أن البشرية دائماً وأبدا في حركة تقدم وتطور إذ لم تكن هناك في الزمن السالف وسائل حديثة كالتي نراها اليوم كوسائل المواصلات والاتصالات على سبيل المثال، والإنسان بعقله وتدبره وتفكره وصل إلى ما وصل إليه، ومسيرة البشرية دائما – كما أشرنا قبل قليل – في تطور ﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ الإسراء ۸۵ بينما سائر الحيوانات لا تعيش هكذا تطور وتقدم فالنحلة قبل مليون سنة هي النحلة اليوم لم يطرأ أي جديد على وظائفها التي تؤديها.
النقطة الثانية: العقل يدعو إلى العبودية:
الرسول الأكرم دعانا من خلال العقل إلى العبودية أي دعانا للعبودية مع التعقل والتفكر، والإنسان إذا استخدم عقله استخداما صحيحا وجعله متجردا متحررا من قيود الموروثات فلا بد وأن يرشده إلى عبادة الله عز وجل، فالعقل السليم يدعو إلى عبادة الرحمن وأما العقل الذي لا يدعو إلى عبادة الرحمن فليس عقلا في الحقيقة بل شيطنة وجهل،
وقد ورد عن الإمام الصادق أنه أجاب أحد سائليه عندما سأله مالعقل؟ بهذا الجواب: «العقل ما عُبد به الرحمن واكتُسب به الجنان» أصول الكافي لثقة الإسلام الكليني ج ۱ ص ۱۲، هذا هو العقل الحقيقي وما سواه فليس عقلا أصلا – كما بيّنا – لهذا حينما يتحدث القرآن الكريم عن شخصية الرسول الأكرم يعزو ما وصل إليه من مقامات رفيعة وخصائص سامقة إلى العبودية المبنية على العقل والتعقل،
ولذا قال الله تعالى في كتابه المجيد وخطابه الحميد: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ الإسراء ۱ لا حظوا جيّدا كيف أثبت لرسوله صفة العبودية في مقام الإسراء به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فقال: بعبده ولم يقل: برسوله، في آية أخرى يقول تعالى: ﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ النجم ۱۰ ولم يقل: إلى رسوله، وكل فرد منا يقول في صلاته: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وهنا إشارة إلى كون العبودية متقدمة على الرسالة ومن خلال الأولى «العبودية» تم الوصول إلى الثانية «الرسالة».
وهذا الشهر هو شهر رسول الله الذي كان يدأب فيه بالصيام والقيام حتى نزل فيه قرآن، قال تعالى: ﴿ طه • مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ طه ۱-۲، حيث كان يقوم الليل متعبدا متهجدا حتى تتورم قدماه، كان يمتاز بالعبودية الحقيقية التي تجسّدت في شخصيته المباركة العظيمة، وكل مقام من مقامات القرب من الله عز وجل لا يمكن للإنسان أن يصله إلا من خلال العبودية القائمة على العقل والتعقل، وبطبيعة الحال ليس كلامنا حول مقامات الدنيا لكونها كثيرة ومتاحة للمؤمن والكافر وإنما نتكلم عن القرب والمنزلة والدرجة عند الله عز وجل.
مسيرة الأنبياء كما هو ظاهر لكل متدبر في آيات كتاب الله العزيز دعوة الناس إلى عبادة الله عز وجل واجتناب الطاغوت، والآيات التي توضح هذه الدعوة كثيرة كقوله تعالى: ﴿ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ﴾ النحل ۳۶ الطاغوت بكل أشكاله وألوانه ظاهره كالمستكبرين والمستبدين والظالمين، وباطنه كحب الدنيا والهوى وما أشبه ذلك، فجميع الأنبياء دورهم الدعوة إلى التوحيد وإلى عبادة الله الواحد الأحد.
النقطة الثالثة: مكارم الأخلاق ومحامد الخصال:
النقطة الأخرى من أهداف البعثة النبوية الشريفة إتمام مكارم الأخلاق فقد قال : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، الأخلاق القائمة على العبودية أيضا وعلى التعقل، والنفس البشرية تتوق إلى التخلق بالفضائل ولعل الكثير دخل إلى الإسلام من خلال أخلاقيات الرسول الأكرم ومن خلال أخلاقيات الأئمة ، ولذا القرآن الكريم ذكر الكثير من الآيات الكريمة التي تبين الخلق الحسن من الخلق القبيح، وهذا يحتاج إلى بحث طويل فالآيات المباركات كثيراً ما تحدثت عن مسألة الأخلاق
وذكرت أن القرآن الكريم كان مرآة عاكسة لأخلاق الرسول الأكرم وسيره وسلوكه، فهاهي أم المؤمنين عائشة لما سئلت عن خلق الرسول الأكرم قالت: كان خلقه القرآن. ولذا حينما يتحدث الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم واصفا نبيّه بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ القلم ۴ فذلك ليس من فراغ أو من عاطفة بل عن واقعية وأحقية، وتعبير هذه الآية الكريمة يدل على التأكيد كما يقول النحاة.
ونحن كأتباع لمذهب أهل البيت لا نحتاج إلى أن ندعو الآخرين من غير المسلمين للدخول إلى الإسلام أو للدخول إلى التشيع لا نحتاج إلا إلى الخلق الرفيع المتجلي في معاملاتنا كالأمانة والصدق والوفاء وما أشبه ذلك.
إذن: هذه نقطة أساسية ذكرت للرسول الأكرم من خلال القرآن الكريم، والمتأمل في آيات القرآن الكريم يصل إلى حقيقة وهي أن القرآن الكريم يتحدث من غير مجاملة ومحاباة ويعطي كل ذي حق حقه، بل حينما تتأمل في كيفية عرض القرآن الكريم لشخصية الرسول الأكرم فإنه يوصلك إلى أشياء عجيبة جداً وهذا بحث واسع يحتاج لبسط من الكلام.
القرآن الكريم ميّز الرسول الأكرم عن سائر الأنبياء لأنه أفضلهم على الإطلاق، ومن كواشف مقامه الرفيع في القرآن الكريم أنه لم يُنادى باسمه بل بـ ” يا أيها الرسول ” و” يا أيها النبي ” ولم يستخدم هذا التعبير مع سائر الأنبياء فآيات كثيرة خاطبت الأنبياء بأسمائهم كقوله تعالى: ” يا آدم “، ” يا نوح “، ” أن يا إبراهيم “، ” يا لوط “، ” يا داوود “، ” يا موسى “، ” يا زكريا “، ” يا يحيى “.
النقطة الرابعة: العلم والتعلم من أهداف البعثة النبوية الشريفة:
بعد التعقل الموصل إلى العبودية التي توصل الإنسان إلى الأخلاقية يأتي الحديث عن العلم والتعلم والذي هو هدف من أهداف البعثة النبوية الشريفة، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ الجمعة ۲ ولذا جاء الخطاب الإلهي للنبي الأكرم في أول البعثة بالقراءة، قال سبحانه وتعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ • خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَق ٍ• اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم ُ• الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ • عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ العلق ۱-۵
فالحديث هنا عن العلم والقلم وليس عن الجهل والحرب والسلاح، فالعلم الخاضع للعقل والعبودية والأخلاقية يوصل إلى السلم والسلام بين الشعوب ويدفع باتجاه التقدم والرقي في سلم الكمال.
وهناك أبحاث وجوانب أخرى جديرة بالتوقف عندها ولكن ضيق الوقت لا يسمح بعرضها، إذن: هذه هي شخصية الرسول الأكرم التي تجلت بأجلى مظاهر التجلي في الإمام الحسين حيث أنه واصل المسيرة بولادته فأصبحت ولادته ولادة للإسلام المحمدي الأصيل مرة أخرى.
أسأل من الله سبحانه وتعالى لي ولكم التوفيق في أن نقتدي برسول الله ونتبع الأئمة وأن يحشرنا معهم ويجعلنا ممن يسير على خطاهم بحقهم.