وأمّا قدماء الرومان فكانوا يرون للأُسرة استقلال مدنياً، فكانت تستقلّ في الأمر والنهي والجزاء والسياسة ونحو ذلك، وكلّ أُسرة لها ممثّل قوي في كيان الدولة يحتلّه ربّ الأُسرة.
ولربّ الأُسرة ولاية مطلقة على أفراد وأموال الأُسرة، فلا يملك غيره من أفراد الأُسرة إلّا بإذنه وإرادته.
وكان نظام الإرث عندهم قائماً على دعامتين:
الأُولى: حفظ سلطة ربّ الأُسرة، فكان هو وارث الجميع، فإذا مات بعض أبناء البيت، فإنّ أولى الناس بأمواله هو ربّ الأُسرة، لأنّه مقتضى ربوبيّته المطلقة، وملكه المطلق للبيت وأهله، وإذا مات ربّ الأُسرة يرثه أحد أبنائه أو إخوانه ممّن كان وارثاً لربوبيّته، وأمّا غيره فإن أسّسوا بيوتاً جديدة كانوا أربابها، فإن بقوا بيتهم القديم كانوا تحت قيمومة الربّ الجديد وولايته المطلقة.
الثانية: حفظ ثروة الأُسرة، وعليه تراهم يورثون أولاد الظهور دون أولاد البطون، ولا إرث لمن يستقلّ عن الأُسرة من الأولاد، أو عبداً تحرّر من سيّده، بينما يرث الابن غير المستقلّ والعبد الموصى إليه والابن بالتبنّي، لأنّه لا زال تحت سلطة ربّ الأُسرة.
وأمّا النساء كالزوجة والبنت والأُخت والأُمّ فلم يكن يرثن، لئلّا ينتقل مال الأُسرة بانتقالهنّ إلى أُسرة أُخرى بالزواج، فكانت المرأة لا ترث والدها ولا ولدها ولا أخاها ولا بعلها ولا غيرهم.
وطرأت اصلاحات على هذا النظام باتّخاذ القرابة قاعدة للميراث، فحُصر الميراث في طبقات ثلاث، لا يرث المتأخّر منها مع المتقدّم، وهي الفروع والأُصول ثمّ الحواشي. والفروع كلّهم يرثون مع اختلاف درجاتهم، وأمّا الأُصول والحواشي فالأقرب منهم يحجب الأبعد، ومَن كان أقوى قرابة يحجب الأضعف. فإذا لم توجد قرابة قريبة فالبعيدة ترث، وكلّ طبقة أو درجة يرث ذكورها وإناثها بالتساوي، فإن انعدمت كلّ القرابات كانت تركته للإمام أو لبيت المال، وبقيت آثار هذا النظام واضحة في الدول الغربية الحديثة على الرغم من إجراء اصلاحات عليه.