- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 22 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
قال الله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤوفُ بِالْعِبَادِ ) ( 1 ) .
انتشر دين الله في شبه الجزيرة العربيّة شيئاً فشيئاً ، وعلا الأذان المحمّدي ، وانعكس صداه في أرجاء منها ، وكانت ” يثرب ” من المدن التي سمعت نداء الحقّ ، وقد التقى عدد من أهلها برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في موسم الحجّ ، وعاهدوه سرّاً ( 2 ) .
ومن جهة أُخرى زاد المشركون ظلمهم وجورهم ، وبلغوا ما بلغوا في تعذيبهم واضطهادهم وإرهابهم للناس ، واشتدّ أذاهم للمسلمين ، فأمر النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) بالهجرة إلى يثرب .
من هنا ، هاجر المسلمون إلى يثرب تخلّصاً من جور المشركين واضطهادهم ، وقد بذل المشركون قصارى جهدهم للحؤول دون الهجرة ، بيد أنّ رجالاً كثيراً تركوا ما عندهم في مكّة وغادروها على عجل ، ففزع المشركون لذلك ؛ لأنّهم كانوا يعتقدون أنّه إذا اجتمع خلق غفير من أهل يثرب ، وحصل المسلمون على دعم من بعضهم ، وخرج النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) من مكّة والتحق بهم ، فسيشكّلون قوّة عظيمة تهدّد أمنهم وخاصّه قوافلهم التجاريّة . ولذا عزموا على تدبير مكيدة لإنهاء أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي كان لا يزال بمكّة .
فاجتمعوا وتشاوروا ، فتصافقوا على قتله ( صلى الله عليه وآله ) ؛ إذ لم يكن إخراجه أو حبسه مجدياً . واطّلع ( صلى الله عليه وآله ) على مؤامرتهم المشؤومة عن طريق الوحي ، فكُلِّف بالخروج من مكّة ( 3 ) ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) ( 4 ) .
وقد قام المشركون بتطويق داره ( صلى الله عليه وآله ) ، بعد تداولهم في خطّة قتله وكيفيّة التنفيذ ، فإذا قَصَد الخروج فستتلقّاه سيوفهم وينتهي أمره إلى الأبد .
فاقترح ( صلى الله عليه وآله ) على علىّ ( عليه السلام ) أن يبيت في فراشه تلك الليلة ، فسأله : أوَ تسلم يا رسول الله ؟ قال : نعم . فرحّب الإمام ( عليه السلام ) بهذا الاقتراح موطّناً نفسه للقتل عند مواجهة المشركين صباحاً ( 5 ) ، وسجد سجدة الشكر على هذه الموهبة العظيمة ( 6 ) .
والتحف بالبرد اليمانيّ الأخضر الذي كان يلتحف به النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) عند نومه ، ونام مطمئنّاً في فراشه ( صلى الله عليه وآله ) ( 7 ) .
لقد عبّر الإمام ( عليه السلام ) بهذا الموقف عن غاية شجاعته ، وجسّدها وصدع بها عمليّاً ؛ إذ عرّض بدنه الأعزل للسيوف المسلولة ، وهذا اللون من الشجاعة امتاز به دون غيره .
وقد دفع هذا الإيثار الرائع الملائكة الكروبيّين إلى الاستحسان والإعجاب به .
وباهى الله سبحانه ملائكته بهذا المشهد العجيب لنكران الذات ( 8 ) ، فأنزل الآية الكريمة : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ . . . ) لتخليد هذه المنقبة ، وتكريم هذا الإيثار وهذه الفضيلة الرفيعة في أروقة التاريخ .
وبعد تلك الليلة كان ( عليه السلام ) يذهب إلى غار ” ثور ” ليُوصل ما يحتاج إليه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ورفيقه ( 9 ) . فأوصاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بردّ الأمانات ، واللحاق به في المدينة ( 10 ) .
وبعد مدّة ترك ( عليه السلام ) مكّة قاصداً يثرب ومعه الفواطم ؛ أُمّه فاطمة بنت أسد ، والسيّدة فاطمة الزهراء ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب . فعلمت قريش بذلك ، وعزمت على منعه فبعثت ببعض فرسانها خلفه ، بيد أنّهم اصطدموا بموقفه الشجاع الجرئ ورجعوا خائبين ( 11 ) . وكان النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ينتظره في ” قبا ” ، حتى إذا لحق به ، توجّهوا نحو يثرب ( 12 ) .
1 – الأمالي للطوسي عن أنس : لمّا توجّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الغار ومعه أبو بكر أمر النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) عليّاً ( عليه السلام ) أن ينام على فراشه ويتوشّح ببردته ، فبات عليّ ( عليه السلام ) موطّناً نفسه على القتل ، وجاءت رجال قريش من بطونها يُريدون قتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلمّا أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم لا يشكّون أنّه محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، فقالوا : أيقظوه ليجد ألم القتل ويرى السيوف تأخذه ، فلمّا أيقظوه ورأوه عليّاً ( عليه السلام ) تركوه وتفرّقوا في طلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأنزل الله عزّ وجلّ : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤوفُ بِالْعِبَادِ ) ( 13 ) .
2 – تاريخ اليعقوبي : أجمعت قريش على قتل رسول الله ، وقالوا : ليس له اليوم أحد ينصره وقد مات أبو طالب ، فأجمعوا جميعاً على أن يأتوا من كلّ قبيلة بغلام نَهْد ( 14 ) ، فيجتمعوا عليه ، فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد ، فلا يكون لبني هاشم قوّة بمعاداة جميع قريش .
فلمّا بلغ رسول الله أنّهم أجمعوا على أن يأتوه في الليلة التي اتّعدوا فيها خرج رسول الله لمّا اختلط الظلام ومعه أبو بكر ، وإنّ الله عزّ وجلّ أوحى في تلك الليلة إلى جبريل وميكائيل أنّي قضيت على أحدكما بالموت فأيّكما يواسي صاحبه ؟
فاختار الحياة كلاهما ، فأوحى الله إليهما : هلاّ كنتما كعليّ بن طالب ، آخيت بينه وبين محمّد ، وجعلت عمر أحدهما أكثر من الآخر ، فاختار عليٌّ الموت ، وآثر محمّداً بالبقاء ، وقام في مضجعه ؟ ! اهبطا فاحفظاه من عدوّه .
فهبط جبريل وميكائيل ، فقعد أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه يحرسانه من عدوّه ويصرفان عنه الحجارة ، وجبريل يقول : بخ بخ لك يا بن أبي طالب ، من مثلك يباهي الله بك ملائكة سبع سماوات ؟ !
وخلّف عليّاً على فراشه لردّ الودائع التي كانت عنده ، وصار إلى الغار فكمن فيه ، وأتت قريش فراشه فوجدوا عليّاً ، فقالوا : أين ابن عمّك ؟ قال : قلتم له : اخرج عنّا ، فخرج عنكم . فطلبوا الأثر فلم يقعوا عليه ( 15 ) .
3 – مجمع البيان – في ذكر مبيت عليّ ( عليه السلام ) على فراش النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : روي أنّه لمّا نام على فراشه قام جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجبرائيل ينادي : بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة ! ( 16 )
4 – الأمالي للطوسي عن ابن عبّاس : اجتمع المشركون في دار الندوة ؛ ليتشاوروا في أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأتى جبرئيل ( عليه السلام ) رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخبره الخبر ، وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة ، فلمّا أراد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المبيت أمر عليّاً ( عليه السلام ) أن يبيت في مضجعه تلك الليلة ، فبات عليّ ( عليه السلام ) وتغشّى ببرد أخضر حضرمي كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ينام فيه ، وجعل السيف إلى جنبه فلمّا اجتمع أُولئك النفر من قريش يطوفون ويرصدونه ويريدون قتله ، فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهم جلوس على الباب ، عددهم خمسة وعشرون رجلا ، فأخذ حفنة من البطحاء ( 17 ) ، ثمّ جعل يذرّها على رؤوسهم [ و ] ( 18 ) هو يقرأ ( يس * وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ ) حتى بلغ ( فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) (19).
فقال لهم قائل : ما تنظرون قد والله خبتم وخسرتم ، والله لقد مرّ بكم وما منكم رجل إلاّ وقد جعل على رأسه تراباً . فقالوا : والله ما أبصرناه ! قال : فأنزل الله عزّ وجلّ ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) ( 20 ) ( 21 ) .
5 – مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس – في قوله تعالى : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ ) : تشاورت قريش ليلة بمكّة فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق – يريدون النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) – وقال بعضهم : بل اقتلوه ، وقال بعضهم : بل أخرجوه . فأطلع الله عزّ وجلّ نبيّه على ذلك ، فبات عليّ على فراش النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) تلك الليلة ، وخرج النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليّاً يحسبونه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، فلمّا أصبحوا ثابوا إليه ، فلمّا رأوه عليّاً ردّ الله مكرهم ، فقالوا : أين صاحبك هذا ؟
قال : لا أدري ! فاقتصّوا أثره ، فلمّا بلغوا الجبل خلط عليهم فصعدوا في الجبل ، فمرّوا بالغار ، فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاث ليال ( 22 ) .
6 – الإمام عليّ ( عليه السلام ) : إنّ قريشاً لم تزل تخيّل الآراء وتعمل الحيل في قتل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار – دار الندوة – وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف ، فلم تزل تضرب أمرها ظهراً لبطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كلّ فخذ من قريش رجل ، ثمّ يأخذ كلّ رجل منهم سيفه ثمّ يأتي النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وهو نائم على فراشه فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه ، وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلّمها ، فيمضي دمه هدراً .
فهبط جبرئيل ( عليه السلام ) على النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فأنبأه بذلك وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها ، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار ، فأخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالخبر ، وأمرني أن أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي ، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسي بأن أُقتل دونه ، فمضى ( عليه السلام ) لوجهه ، واضطجعت في مضجعه ، وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، فلمّا استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي ، فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس ( 23 ) .
7 – الطبقات الكبرى عن عائشة وابن عبّاس وعائشة بنت قدامة وعليّ ( عليه السلام ) وسراقة بن جعشم – دخل حديث بعضهم في حديث بعض – : أتى جبريل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأخبره الخبر [ أي اجتماع قريش على قتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ] وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة . . . وأمر عليّاً أن يبيت في مضجعه تلك الليلة ، فبات فيه عليّ وتغشّى بُرداً أحمر حضرميّاً كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ينام فيه ، واجتمع أُولئك النفر من قريش يتطلّعون من صِيْر ( 24 ) الباب ويرصدونه يريدون ثيابه ويأتمرون أيّهم يحمل على المضطجِع صاحب الفراش ، فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهم جلوس على الباب ، فأخذ حفنة من البَطحْاء فجعل يذرّها على رؤوسهم ويتلو :
( يس * وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ ) ( 25 ) حتى بلغ : ( وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) ( 26 ) ومضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فقال قائل لهم : ما تنتظرون ؟ قالوا : محمّداً ، قال : خبتم وخسرتم ، قد والله مرّ بكم وذرّ على رؤوسكم التراب ، قالوا : والله ما أبصرناه ! وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم ، وهم : أبو جهل والحكم بن أبي العاص وعقبة بن أبي مُعَيط والنضر ابن الحارث وأُميّة بن خلف وابن الغيطلة وزمعة بن الأسود ، وطعيمة بن عديّ ، وأبو لهب وأُبيّ بن خلف ونبيه ومُنبه ابنا الحجّاج ، فلمّا أصبحوا قام عليّ عن الفراش ، فسألوه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : لا علم لي به ( 27 ) .
8 – المستدرك على الصحيحين عن ابن عبّاس : شرى عليّ نفسه ولبس ثوب النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ثمّ نام مكانه . قال : وكان المشركون يرمون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ألبسه بردة ، وكانت قريش تريد أن تقتل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، فجعلوا يرمون عليّاً ويرونه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وقد لبس بردة ، وجعل عليّ ( رضي الله عنه ) يتضَوّر ( 28 ) ، فإذا هو عليّ فقالوا : إنّك للئيم ؛ إنّك لتتضوّر وكان صاحبك لا يتضوّر ، ولقد استنكرناه منك ( 29 ) .
9 – مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس : شرى عليّ نفسه ؛ لبس ثوب النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ثمّ نام مكانه ، قال : وكان المشركون يرمون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فجاء أبو بكر وعليّ نائم ، قال : وأبو بكر يحسب أنّه نبيّ الله ، فقال : يا نبيّ الله ، قال : فقال له عليّ : إنّ نبيّ الله ( صلى الله عليه وآله ) قد انطلق نحو بئر ميمون فأدرِكه ، قال : فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار ، قال : وجعل عليّ يُرمى بالحجارة – كما كان يُرمى نبيّ الله – وهو يتضوّر ، قد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه ، حتى أصبح ، ثمّ كشف عن رأسه ، فقالوا : إنّك للئيم ؛ كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر ، وقد استنكرنا ذلك ( 30 ) .
10 – تاريخ الطبري : أصبح الرهط الذين كانوا يرصدون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فدخلوا الدار ، وقام عليّ ( عليه السلام ) عن فراشه ، فلمّا دنوا منه عرفوه ، فقالوا له : أين صاحبك ؟
قال : لا أدري ، أَوَ رقيباً كنتُ عليه ؟ ! أمرتموه بالخروج فخرج . فانتهروه وضربوه وأخرجوه إلى المسجد ، فحبسوه ساعة ثمّ تركوه ( 31 ) .
11 – الأمالي للطوسي عن هند بن هالة وأبي رافع وعمّار بن ياسر – في ذكر اجتماع قريش على قتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعزمه على الهجرة إلى المدينة : دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليّاً ( عليه السلام ) وقال له : يا عليّ ، إنّ الروح هبط عليَّ بهذه الآية آنفاً ، يخبرني أنّ قريشاً اجتمعوا على المكر بي وقتلي ، وأنّه أوحى إليّ ربّي عزّ وجلّ أن أهجر دار قومي ، وأن أنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي ، وأنّه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي – أو قال : مضجعي – ليخفى بمبيتك عليه أثري ، فما أنت قائل وما صانع ؟
فقال عليّ ( عليه السلام ) : أَوَ تسلم بمبيتي هناك يا نبيّ الله ؟ قال : نعم ، فتبسّم عليّ ( عليه السلام ) ضاحكاً ، وأهوى إلى الأرض ساجداً شكراً بما أنبأه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من سلامته ، وكان عليّ صلوات الله عليه أوّل من سجد لله شكراً ، وأوّل من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأُمّة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلمّا رفع رأسه قال له : امضِ لما أُمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي ، ومُرني بما شئت أكن فيه كمسرّتك ، وأقع منه بحيث مرادك ، وإن توفيقي إلاّ بالله . . . .
فلمّا غلق الليل أبوابه وأسدل أستاره وانقطع الأثر ، أقبل القوم على عليّ صلوات الله عليه يقذفونه بالحجارة والحَلَم ( 32 ) ، ولا يشكّون أنّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى إذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح ، هجموا على عليّ صلوات الله عليه ، وكانت دور مكّة يومئذ سوائب لا أبواب لها ، فلمّا بصر بهم عليّ ( عليه السلام ) قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها ، وكان يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة ، وثب له عليّ ( عليه السلام ) فختله وهَمَز يده ( 33 ) ، فجعل خالد يقمِص ( 34 ) قِماص البَكْر ( 35 ) ، ويرغو رغاء الجمل ، ويذعر ويصيح ، وهم في عرج الدار من خلفه ، وشدّ عليهم عليّ ( عليه السلام ) بسيفه – يعني سيف خالد – فأجفلوا ( 36 ) أمامه إجفال النَّعم إلى ظاهر الدار ، فتبصّروه فإذا هو عليّ ( عليه السلام ) ، فقالوا : إنّك لعليّ ؟
قال : أنا عليّ ، قالوا : فإنّا لم نردك ، فما فعل صاحبك ؟ قال : لا علم لي به وقد كان علم – يعني عليّاً ( عليه السلام ) – أنّ الله تعالى قد أنجى نبيّه ( صلى الله عليه وآله ) بما كان أخبره من مُضيّه إلى الغار واختبائه فيه ، فأذكت قريش عليه العيون ، وركبت في طلبه الصعب والذلول ، وأمهل عليّ صلوات الله عليه حتى إذا أعْتَم ( 37 ) من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الغار ، فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هنداً أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين ، فقال أبو بكر : قد كنت أعددت لي ولك يا نبيّ الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب .
فقال : إنّي لا آخذهما ولا أحدهما إلاّ بالثمن . قال : فهي لك بذلك ، فأمر ( صلى الله عليه وآله ) عليّاً ( عليه السلام ) فأقبضه الثمن ، ثمّ أوصاه بحفظ ذمّته وأداء أمانته .
وكانت قريش تدعو محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) في الجاهليّة الأمين ، وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها ، وكذلك من يقدم مكّة من العرب في الموسم ، وجاءته النبوّة والرسالة والأمر كذلك ، فأمر عليّاً ( عليه السلام ) أن يقيم صارخاً يهتف بالأبطح غدوةً وعشيّاً : ألا من كان له قِبَل محمّد أمانة أو وديعة فليأت فلتؤدَّ إليه أمانته .
قال : وقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : إنّهم لن يصلوا من الآن إليك يا عليّ بأمر تكرهه حتى تقدم عليَّ ، فأدّ أمانتي على أعين الناس ظاهراً ، ثمّ إنّي مستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربّي عليكما ومستحفظه فيكما ، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ، ومن أزمع ( 38 ) للهجرة معه من بني هاشم . . . .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعليّ وهو يوصيه : وإذا أبرمت ما أمرتك فكن على أُهبة الهجرة إلى الله ورسوله ، وسر إليّ لقدوم كتابي إليك ، ولا تلبث بعده . . . .
ولمّا ورد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقُباء ، فأراده أبو بكر على دخوله المدينة وألاصَهُ ( 39 ) في ذلك ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمّي وابنتي ؛ يعني عليّاً وفاطمة ( عليهما السلام ) . . . ثمّ كتب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) كتاباً يأمره فيه بالمسير إليه وقلّة التلوّم ( 40 ) ، وكان الرسول إليه أبا واقد الليثي ، فلمّا أتاه كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تهيّأ للخروج والهجرة ، فآذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين ، فأمرهم أن يتسلّلوا ويتخفّفوا إذا ملأ الليل بطن كلّ واد إلى ذي طوى ، وخرج عليّ ( عليه السلام ) بفاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب – وقد قيل هي ضُباعة – وتبعهم أيمن ابن أُمّ أيمن مولى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأبو واقد رسول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهم .
فقال عليّ صلوات الله عليه : ارفق بالنسوة يا أبا واقد ؛ إنّهنّ من الضعائف .
قال : إنّي أخاف أن يدركنا الطالب – أو قال : الطلب – فقال عليّ ( عليه السلام ) : أرْبَعْ ( 41 ) عليك ؛
فإنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لي : يا عليّ ، إنّهم لن يصلوا من الآن إليك بما تكرهه ، ثمّ جعل – يعني عليّاً ( عليه السلام ) – يسوق بهنّ سوقاً رفيقاً وهو يرتجز ويقول :
ليس إلاّ الله فارفع ظنّكا * يكفيك ربّ الناس ما أهمّكا
وسار فلمّا شارف ضَجَنان ( 42 ) أدركه الطلب ، وعددهم سبعة فوارس من قريش مستلئمين ( 43 ) ، وثامنهم مولى لحرب بن أُميّة يدعى جناحاً ، فأقبل عليّ ( عليه السلام ) على أيمن وأبي واقد ، وقد تراءى القوم ، فقال لهما : أنيخا الإبل واعقلاها ، وتقدّم حتى أنزل النسوة ، ودنا القوم فاستقبلهم ( عليه السلام ) منتضياً سيفه ، فأقبلوا عليه فقالوا : أظننت أنّك يا غُدَرُ ( 44 ) ناج بالنسوة ؟ ! ارجع لا أبا لك . قال : فإن لم أفعل ؟ قالوا : لترجعنّ راغماً ، أو لنرجعنّ بأكثرك شعراً وأهون بك من هالك ، ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوّروها ، فحال عليّ ( عليه السلام ) بينهم وبينها ، فأهوى له جناح بسيفه ، فراغ ( 45 ) عليّ ( عليه السلام ) عن ضربته وتختّله عليّ ( عليه السلام ) فضربه على عاتقه ، فأسرع السيف مضيّاً فيه حتى مسّ كاثبة ( 46 ) فرسه ، فكان ( عليه السلام ) يشدّ على قدمه شدّ الفرس ، أو الفارس على فرسه ، فشدّ عليهم بسيفه وهو يقول :
خلّوا سبيل الجاهد المجاهدِ * آليت لا أعبد غير الواحدِ
فتصدّع عنه القوم وقالوا له : اغن عنّا نفسك يا بن أبي طالب . قال : فإنّي منطلق إلى ابن عمّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بيثرب ، فمن سرّه أن أُفري لحمه وأُريق دمه فَليَتعقّبني أو فَليَدنُ منّي .
ثمّ أقبل على صاحبيه أيمن وأبي واقد فقال لهما : أطلقا مطاياكما .
ثمّ سار ظاهراً قاهراً حتى نزل ضَجْنان ، فتلوّم بها قدر يومه وليلته ، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين وفيهم أُمّ أيمن مولاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فظلّ ليلته تلك هو والفواطم – أُمّه فاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وفاطمة بنت الزبير – طوراً يصلّون وطوراً يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ، فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلّى ( عليه السلام ) بهم صلاة الفجر ، ثمّ سار لوجهه يجوب منزلاً بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله ، والفواطم كذلك وغيرهم ممّن صحبه حتى قدموا المدينة ( 47 ) .
12 – تاريخ دمشق عن أبي رافع : إنّ عليّاً كان يجهّز النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) حين كان بالغار ويأتيه بالطعام ، واستأجر له ثلاث رواحل ؛ للنبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ولأبي بكر ودليلهم ابن أُريقط ، وخلّفه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، فخرج إليه أهله ، فخرج ، وأمره أن يؤدّي عنه أمانته ووصايا من كان يوصي إليه ، وما كان يؤتمن عليه من مال ، فأدّى أمانته كلّها .
وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج ، وقال : إنّ قريشاً لن يفقدوني ما رأوك ، فاضطجع عليّ على فراشه ، فكانت قريش تنظر إلى فراش النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فيرون عليه رجلاً يظنّونه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، حتى إذا أصبحوا رأوا عليه عليّاً ، فقالوا : لو خرج محمّد خرج بعليّ معه ، فحبسهم الله عزّ وجلّ بذلك عن طلب النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) حين رأوا عليّاً ولم يفقدوا النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) .
وأمر النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) عليّاً أن يلحقه بالمدينة ، فخرج عليّ في طلبه بعدما أخرج إليه أهله ، يمشي من الليل ويكمن من النهار حتى قدم المدينة ، فلمّا بلغ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) قدومه قال : ادعوا لي عليّاً . قيل : يا رسول الله ، لا يقدر أن يمشي ، فأتاه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، فلمّا رآه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) اعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم ، وكانتا تقطران دماً ، فتفل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) في يديه ثمّ مسح بهما رجليه ، ودعا له بالعافية ، فلم يشتكهما عليّ حتى استشهد ( 48 ) .
13 – الإمام عليّ ( عليه السلام ) : لمّا خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة في الهجرة أمرني أن أُقيم بعده حتى أُؤدّي ودائع كانت عنده للناس ، ولذا كان يسمّى الأمين ، فأقمت ثلاثاً فكنت أظهر ، ما تغيّبت يوماً واحداً ، ثمّ خرجت فجعلت أتّبع طريق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى قدمت بني عمرو بن عوف ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مقيم ، فنزلت على كلثوم بن الهدم وهنالك منزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ( 49 ) .
14 – الأمالي للطوسي عن مجاهد : فخرت عائشة بأبيها ومكانه مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الغار ، فقال عبد الله بن شدّاد بن الهاد : وأين أنتِ من عليّ بن أبي طالب حيث نام في مكانه وهو يرى أنّه يُقتل ؟ ! فسكتت ولم تُحِرْ جواباً ( 50 ) .
15 – الطبقات الكبرى عن محمّد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت : قدم عليّ للنصف من شهر ربيع الأوّل ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقُباء لم يَرِمْ ( 51 ) بعدُ ( 52 ) .
16 – الأمالي للطوسي عن أُمّ هانئ بنت أبي طالب : لمّا أمر الله تعالى نبيّه ( صلى الله عليه وآله ) بالهجرة وأنام عليّاً ( عليه السلام ) في فراشه ووشّحه ببرد له حضرمي ، ثمّ خرج فإذا وجوه قريش على بابه ، فأخذ حفنة من تراب فذرّها على رؤوسهم ، فلم يشعر به أحد منهم ، ودخل عليَّ بيتي ، فلمّا أصبح أقبل عليَّ وقال : أبشري يا أُمّ هانئ ؛ فهذا جبرئيل ( عليه السلام ) يخبرني أنّ الله عزّ وجلّ قد أنجى عليّاً من عدوّه .
قالت : وخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مع جناح الصبح إلى غار ثور ، وكان فيه ثلاثاً ، حتى سكن عنه الطلب ، ثمّ أرسل إلى عليّ ( عليه السلام ) وأمره بأمره وأداء أمانته ( 53 ) .
نقل ونقد
ذكرنا مراراً عند نقلنا للأحاديث المرتبطة بالفضائل العلويّة أنّ إنكار فضائل الإمام ( عليه السلام ) والسعي لمحوها من صفحات التاريخ وأذهان الناس – لبواعث مختلفة وأسباب متنوّعة – دأب أعداء الحقّ على مرّ التاريخ . وقد كان عمرو بن بحر الجاحظ ( م 255 ه ) ممّن عزف على وتر هذه النغمة اللا موزونة – بشأن هذه الفضيلة العظيمة – وحاول أن يُنكر فضيلة المبيت على فراش النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، ويسعى إلى تقليل وهجها الباهر المتألّق بزعمه وظنّه الباطل ؛ فقد قال في رسالته الصغيرة المسمّاة بالعثمانيّة :
لم يكن له في ذلك كبير طاعة ؛ لأنّ الناقلين نقلوا أنّه ( صلى الله عليه وآله ) قال له : ” نَم ؛ فلن يخلص إليك شيء تكرهه ” ( 54 ) .
ومنهم ابن تيميّة الذي لم يألُ جهداً ، ولم يدّخر وسعاً في تقليل شأن فضائل الإمام ( عليه السلام ) وآل الله ، فعطف على ما سبق قوله : وأيضاً فإنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) قد قال : ” اتّشحْ ببردي هذا الأخضر ، فنم فيه ؛ فإنّه لن يخلص إليك منهم رجل بشيء تكرهه ” فوعده – وهو الصادق – أنّه لا يخلص إليه مكروه ؛ وكان طمأنينته بوعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ( 55 ) .
ولنا عليهما :
1 – إنّ الآية الكريمة : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى . . . ) كما ذكرنا مصادرها الكثيرة في تضاعيف كتابنا نزلت في عليّ ( عليه السلام ) ( 56 ) ، لتدلّ على عظمة هذه الحادثة ، وهذا ما لا يدع مجالاً للشكّ والترديد . وهكذا أطلق الله تعالى على عمل الإمام ( عليه السلام ) تعبير ” شراء النفس ” ، ودعا الملائكة لملاحظة هذا الإيثار الرائع ، بَيْد أنّ الجاحظ ، وابن تيميّة اجتهدا في مقابل النصّ ، ولم يعدّا ذلك ” شراء نفس ” ، وأنكرا كونه فضيلةً ، بذريعة واهية تتلخّص في أنّه ( عليه السلام ) كان يعلم أنّه لا يصل إليه مكروه .
2 – إنّ الكلام الذي تشبّث به هذان الشخصان وهو قوله : ” إنّهم لن يصلوا إليك بشيء تكرهه ” لم يرد في معظم المصادر التاريخيّة المهمّة التي يشار إليها بالبنان ، كما لم يرد في المصادر الشيعيّة . وسنذكر أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) قال له هذا القول بعد المبيت ، وبعدما أوصاه بأداء الأمانات في الغار . وهكذا يستقيم كلام الإسكافي المعتزلي ويصمد شامخاً ، إذ قال في نقد كلام الجاحظ :
” هذا هو الكذب الصراح ، والتحريف والإدخال في الرواية ما ليس منها . . . ” ( 57 ) .
3 – ذكرنا سابقاً أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال هذا الكلام وأمر عليّاً ( عليه السلام ) بأداء الأمانات في إحدى ليالي إقامته في الغار ، بعد حادثة المبيت ، ونقل الشيخ الطوسي رضوان الله عليه هذا القسم من الحادثة بالشكل الآتي :
فأمر ( صلى الله عليه وآله ) عليّاً ( عليه السلام ) ، فأقبضه الثمن ، ثمّ أوصاه بحفظ ذمّته وأداء أمانته . . . وقال : ” . . . إنّهم لن يصلوا من الآن إليك يا عليّ بأمر تكرهه . . . ” ( 58 ) .
4 – في ضوء بعض المعلومات التاريخيّة : لمّا هجم المشركون على الدار صباحاً ، ورأوا عليّاً ( عليه السلام ) في الفراش ، وأيِسوا من مؤامرتهم المشؤومة ، اصطدموا بالإمام ( عليه السلام ) ، وقبل ذلك رموه بالحجارة غير مرّة . قال الإسكافي :
ولو كان هذا صحيحاً لم يصل إليه منهم مكروه ، وقد وقع الاتّفاق على أنّه ضُرب ورُميَ بالحجارة قبل أن يعلموا من هو حتى تضوّر ، وأنّهم قالوا له : رأينا تضوّرك ؛ فإنّا كنّا نرمي محمّداً ولا يتضوّر ( 59 ) .
وقال الطبري : فانتهروه وضربوه وأخرجوه إلى المسجد فحبسوه ساعةً ثمّ تركوه ( 60 ) .
فإذا كان عدم وصول المكروه إليه بوعد من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل مبيته في فراش النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) لكان ينبغي عدم وصول شيء من الضرر والأذى إليه أصلا !
وأشار الإمام ( عليه السلام ) في كلام له إلى هذا الاصطدام وقال : ” وأمرني أن أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي ، فأسرعتُ إلى ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسي بأن أُقتل دونه ” ( 61 ) .
وأوضح من ذلك كلّه شعر لطيف للإمام ( عليه السلام ) نفسه في وصف هذه الفضيلة الرفيعة :
وقيتُ بنفسي خيرَ من وطئ الحصا * ومن طافَ بالبيتِ العتيق وبالحِجْرِ
رسول إله خاف أن يمكروا بهِ * فنجّاهُ ذو الطول الإله من المكْرِ
وبات رسولُ اللهِ في الغارِ آمناً * موقّىً وفي حفظ الإله وفي ستْرِ
وبتُّ أُراعيهم ولم يتّهمونني * وقد وطنتْ نفسي على القتل والأسْرِ ( 62 )
نلحظ الإمام ( عليه السلام ) في هذه الأبيات يصرّح بمبيته في فراش النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، واستعداده للقتل ، والأسر ، وتفانيه في سبيل المحافظة على حياته ( صلى الله عليه وآله ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) البقرة : 207 .
( 2 ) السيرة النبويّة لابن هشام : 2 / 301 ، الطبقات الكبرى : 1 / 221 ، دلائل النبوّة للبيهقي : 2 / 430 – 433 .
( 3 ) الطبقات الكبرى : 1 / 227 ؛ الأمالي للطوسي : 465 / 1031 .
( 4 ) الأنفال : 30 .
( 5 ) الأمالي للطوسي : 447 / 998 و ح 999 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 39 وراجع المناقب للكوفي : 1 / 124 / 69 والمستدرك على الصحيحين : 3 / 5 / 4264 .
( 6 ) الأمالي للطوسي : 465 / 1031 ، المناقب لابن شهر آشوب : 1 / 183 .
( 7 ) تاريخ دمشق : 42 / 67 و 68 ، المستدرك على الصحيحين : 3 / 5 / 4263 ، الطبقات الكبرى : 2281 ؛ الأمالي للطوسي : 445 / 995 .
( 8 ) مجمع البيان : 2 / 535 ، تأويل الآيات الظاهرة : 1 / 89 / 76 ، الفضائل لابن شاذان : 81 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 39 ، المناقب لابن شهر آشوب : 2 / 65 ، العمدة : 240 / 367 ، تنبيه الخواطر : 1 / 173 ، إرشاد القلوب : 224 .
( 9 ) تاريخ دمشق : 42 / 68 ؛ المناقب للكوفي : 1 / 364 / 292 .
( 10 ) السنن الكبرى : 6 / 472 / 12697 ، الطبقات الكبرى : 3 / 22 ، تاريخ دمشق : 42 / 68 ، أُسد الغابة : 4 / 92 / 3789 ؛ أنساب الأشراف : 1 / 309 ، تاريخ الطبري : 2 / 382 ، السيرة النبويّة لابن هشام : 2 / 129 ؛ الأمالي للطوسي : 467 / 1031 .
( 11 ) الأمالي للطوسي : 470 / 1031 .
( 12 ) الطبقات الكبرى : 3 / 22 ، تاريخ دمشق : 42 / 69 .
( 13 ) الأمالي للطوسي : 447 / 998 . راجع : القسم التاسع / عليٌّ عن لسان القرآن / الذي يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله .
( 14 ) أي شابّ قويّ ضخم ( النهاية : 5 / 135 ) .
( 15 ) تاريخ اليعقوبي : 2 / 39 وراجع العمدة : 240 / 367 وتنبيه الخواطر : 1 / 173 والفضائل لابن شاذان : 81 والمناقب لابن شهر آشوب : 2 / 65 وأُسد الغابة : 4 / 98 / 3789 وإحياء علوم الدين : 3793 .
( 16 ) مجمع البيان : 2 / 535 ، الأمالي للطوسي : 469 / 1031 ، العمدة : 239 / 367 ، الفضائل لابن شاذان : 81 ، المناقب لابن شهر آشوب : 2 / 65 ، تأويل الآيات الظاهرة : 1 / 89 / 76 ؛ تذكرة الخواصّ : 35 ، شواهد التنزيل : 1 / 123 / 133 كلّها نحوه .
( 17 ) هو الحصى الصغار ( لسان العرب : 2 / 413 ) .
( 18 ) ما بين المعقوفين زيادة منّا يقتضيها السياق .
( 19 ) يس : 1 و 2 و 9 .
( 20 ) الأنفال : 30 .
( 21 ) الأمالي للطوسي : 445 / 995 ، بحار الأنوار : 19 / 54 / 11 .
( 22 ) مسند ابن حنبل : 1 / 744 / 3251 ، المصنّف لعبد الرزّاق : 5 / 389 / 9743 ، المعجم الكبير : 11 / 322 / 12155 ، الدرّ المنثور : 4 / 50 ؛ مجمع البيان : 4 / 826 .
( 23 ) الخصال : 366 / 58 عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) .
( 24 ) الصِّيْر : شِقّ الباب ( النهاية : 3 / 66 ) .
( 25 ) يس : 1 و 2 .
( 26 ) يس : 10 .
( 27 ) الطبقات الكبرى : 1 / 227 و 228 .
( 28 ) التَّضَوُّر : الصياح والتلوّي عند الضرب أو الجوع ( مجمع البحرين : 2 / 1088 ) .
( 29 ) المستدرك على الصحيحين : 3 / 5 / 4263 ، تاريخ دمشق : 42 / 68 ، تفسير الحبري : 242 / 9 وفيهما ” لنائم ” بدل ” للئيم ” ، تفسير فرات : 66 / 33 كلّها نحوه .
( 30 ) مسند ابن حنبل : 1 / 709 / 3062 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : 2 / 684 / 1168 ، المستدرك على الصحيحين : 3 / 143 / 4652 وص 5 / 4263 نحوه ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : 72 / 23 ، تفسير العيّاشي : 1 / 101 / 293 .
( 31 ) تاريخ الطبري : 2 / 374 ، الكامل في التاريخ : 1 / 516 نحوه .
( 32 ) جمع حَلَمة : نبات ينبت بنجد في الرمل ، لها زهر ، وورقها أُخيشن ، عليه شوك ( لسان العرب : 12 / 148 و 149 ) .
( 33 ) خَتَلَهُ : أي داورَه وطلبه من حيث لا يشعر ( النهاية : 2 / 10 ) ، والهَمْز : العصر ( لسان العرب : 5 / 426 ) .
( 34 ) القِماص : هو أن لا يستقرّ في موضع ، تراه يقمِص فيَثب من مكانه من غير صبر ( لسان العرب : 7 / 82 ) .
( 35 ) البَكْر : الفَتيُّ من الإبل ، بمنزلة الغلام من الناس ( النهاية : 1 / 149 ) .
( 36 ) جَفَلَ : إذا أسرع وذهب في الأرض ( مجمع البحرين : 1 / 300 ) .
( 37 ) أعْتَمَ الرجل : صار في العَتَمة ؛ وهي ثلث الليل الأوّل بعد غيبوبة الشَّفَق ( لسان العرب : 12 / 381 ) .
( 38 ) أي أجمعَ الرأي وعزمَ عليه ( مجمع البحرين : 2 / 781 ) .
( 39 ) أي أدارهُ وراودهُ ( النهاية : 4 / 276 ) .
( 40 ) التَّلَوُّم : الانتظار والتلبّث ( لسان العرب : 12 / 557 ) .
( 41 ) أي ارفق بنفسك وكُفّ ( الصحاح : 3 / 1212 ) .
( 42 ) جبل بناحية تهامة على بريد من مكّة ، وهناك الغميم ، في أسفله مسجد صلّى فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ( معجم البلدان : 3 / 453 ) .
( 43 ) استلأم الرجل : إذا لبِس ما عنده من عُدّة ؛ رمح وبيضة ومِغفَر وسيف ونَبل ( لسان العرب : 12 / 532 ) .
( 44 ) غُدَر : معدول عن غادر للمبالغة ( النهاية : 3 / 345 ) .
( 45 ) أي حادَ ( لسان العرب : 8 / 431 ) .
( 46 ) هي من الفرس مُجتمع كتفيه قُدّام السرج ( النهاية : 4 / 152 ) .
( 47 ) الأمالي للطوسي : 465 – 469 / 1031 وراجع المناقب لابن شهر آشوب : 1 / 182 – 184 وكشف الغمّة : 2 / 30 – 32 .
( 48 ) تاريخ دمشق : 42 / 68 / 8416 ، أُسد الغابة : 4 / 92 / 3789 نحوه وفيه من ” وخلّفه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ” ؛ المناقب للكوفي : 1 / 364 / 292 ، إعلام الورى : 1 / 374 .
( 49 ) الطبقات الكبرى : 3 / 22 عن عبيد الله بن أبي رافع ، تاريخ دمشق : 42 / 69 وراجع السنن الكبرى : 6 / 472 / 12697 وأنساب الأشراف : 1 / 309 وتاريخ الطبري : 2 / 382 والسيرة النبويّة لابن هشام : 2 / 129 .
( 50 ) الأمالي للطوسي : 447 / 999 ، المناقب لابن شهر آشوب : 2 / 57 .
( 51 ) رامَ يَرِيْمُ إذا برح ( لسان العرب : 12 / 259 ) أي والنبيّ ( صلى الله عليه وآله ) بقباء لم يغادرها بعدُ .
( 52 ) الطبقات الكبرى : 3 / 22 ، أُسد الغابة : 3 / 39 / 2538 عن أبي زكريّا بن يزيد بن إياس وفيه ” النصف من ربيع الأوّل ” .
( 53 ) الأمالي للطوسي : 447 / 1000 .
( 54 ) شرح نهج البلاغة : 13 / 262 .
( 55 ) منهاج السنّة : 7 / 116 .
( 56 ) راجع : القسم التاسع / عليّ عن لسان القرآن / الذي يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله .
( 57 ) شرح نهج البلاغة : 13 / 263 .
( 58 ) الأمالي للطوسي : 467 و 468 / 1031 .
( 59 ) شرح نهج البلاغة : 13 / 263 .
( 60 ) تاريخ الطبري : 2 / 374 ، الكامل في التاريخ : 1 / 516 ، تاريخ الخميس : 1 / 325 ، بحار الأنوار : 19 / 39 / 6 ، الصحيح من سيرة النبيّ : 4 / 38 .
( 61 ) الخصال : 2 / 14 ، بحار الأنوار : 19 / 46 / 7 .
( 62 ) المستدرك على الصحيحين : 3 / 5 / 4264 ، تذكرة الخواصّ : 35 ؛ الغدير : 2 / 48 .
المصدر: موسوعة الإمام علي (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ / الشيخ محمد الريشهري