- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 7 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المولد والنشأة
ولدت عام ۱۹۶۰م في “إسبانيا” بمدينة “برشلونة” ، ثمّ تلقّت تعاليم الديانة المسيحيّة في مدرسة للراهبات ، وهذا ما غرس في ضميرها محبّة الدين، ودوام الاتّصال باللّه سبحانه وتعالى ، وكان هذا الأمر هو الذي دفعها فيما بعد لتوطيد علاقتها مع بارئها وفق الأسس العقائديّة المتينة البعيدة عن التقليد والتبعيّة العمياء لدين الآباء والأجداد.
وقد بيّنت “برسن بوايّو” في حوار أجرته معها مجلّة نور الإسلام كيفيّة استبصارها والأجواء التي عاشتها قبل وبعد الاستبصار ، وقد جاء في هذا الحوار:
تقديم
في هذا العدد نلتقي بالأخت برسن بوايّو (فاطمة) الإسبانيّة الجنسيّة ، التي تحمد اللّه كثيراً وتشكره; لأنّه هيّأ لها سبل الهداية والخلاص … وهي تعيش حالياً في كنف زوجها المسلم الأخ علي داود في بيروت ، لتبني معه أسرة إسلاميّة صالحة. وهي تقدّم ـ من خلال روحيّتها وتمسّكها الشديد بالأحكام الشرعيّة وبالحجاب الكامل ، الذي يقلّ نظيره حتّى بين النساء الملتزمات منذ النشأة والأصل ، ومن خلال المعاناة التي مرّت بها لتتحرّر من بيئة الكفر ، وبالصبر والقناعة المادّية التي ارتضتهما ثمناً لتمسّكها بالإسلام، ونيل رضا اللّه تعالى ـ مثالا رائعاً للمرأة المسلمة الراشدة ، التي تحرّرت من إغراءات الدنيا المفتوحة أمامها ، التي كان أهلها ومجتمعها المنحرف يشدّانها إليها ويكبّلانها بها.
وفي منزل تغمره بهجة السعادة العائليّة وبحضور الزوج المعتزّ بزواجه من المرأة التي تجاوزت إرث التاريخ الطويل لهزيمة المسلمين في الأندلس ، واستعادت بصلابة إيمانها وحماسها للإسلام النقيّ أيّام الفتح الأولى لأندلس الإسلام .. كان هذا اللقاء الذي أجريناه مع الأخت أم حسن ، التي أجابت على أسئلتنا باللغة الإسبانيّة; لأنّها لم تتقن اللغة العربيّة بعد إتقاناً كافياً ، وتولّى زوجها الأخ علي ترجمة إجاباتها على النحو التالي :
حياتها قبل الإسلام:
– هل يمكن أن تحدّثينا عن نشأتِكِ والظروف العائليّة والاجتماعيّة التي عشتِ فيها قبل اعتناقك للإسلام ؟
• ولدت بمدينة “برشلونة” الواقعة شمال البلاد على ساحل البحر المتوسّط ، من عائلة إسبانية متوسّطة الدخل مؤلّفة من تسعة أفراد .. والديَّ ملتزمان التزاماً عاطفيّاً بالمسيحيّة ، وهما يعتبران من المحافظين قياساً على ما هو السائد في المجتمع الإسباني، وربّما أكثر من الحدود المتعارف عليها في إسبانيا ، حيث إنّ المجتمع هناك بشكل عام ككلّ المجتمعات الغربيّة ، بات ينظر إلى الدين وكأنّه أساطير الأوّلين .. ولكن لا يمكن أن نقارن المحافظة تلك بما تعنيه فعلا في مجتمع إسلاميّ محافظ ..
تلقّيت دروسي الأولى في مدرسة للراهبات ثمّ تابعت تعليمي في مدرسة خاصّة.
– كيف كانت علاقتك بالدين في ذلك الوقت؟
• كنت منذ صغري أعتقد بوجود اللّه ، ولكنّ اعتقادي به كان مطابقاً للتصوّر المسيحي الشائع .. وفي الحقيقة أنّ التدين أو الاعتقاد بدين ما في تلك البلاد أصبح شيئاً نادراً وأمراً غريباً ، بعدما أعمت الحضارة الماديّة ببريقها وشهواتها عقول وقلوب أكثر الناس هناك ولا سيّما في “برشلونة” ومنطقتها ، حيث إنّ إسبانيا مكوّنة من أربع حضارات وشعوب مختلفة ، فيها الأندلسي مثلا والكاتلاني.
– ما هي طبيعة العلاقات العائليّة والاجتماعيّة السائدة في أسرتكم ومجتمعكم؟
• كنت أعيش مع والديّ ، ورغم أنّ العلاقات داخل عائلتي كانت جيّدة ، إلاّ أنّ العلاقات العائلية والاجتماعيّة ، تتوقّف عادة ضمن حدود الأسرة الواحدة ولا تتعدّاها إلى أكثر ، فمثلا إذاكان أحد يريد مقابلة والدي أو أيّ صديق له ، فإنّه يدعوه إلى المقهى لا إلى البيت ، وفي بعض الأحيان تتفسّخ حتّى الأسرة الواحدة الصغيرة ولا تدوم بعد أن يبلغ الأولاد سنّ الثامنة عشر .. وإجمالا يمكننا اعتبار المجتمع الإسباني حالة وسطيّة بين المجتمع الشرقي والمجتمع الغربي في هذه النواحي.
صورة الإسلام في مجتمعها
– ما هي صورة الإسلام والمسلمين الحالّية في نظر الإسبان؟
• في الواقع هناك نظرتان مختلفتان تماماً .. هناك المثقّفون وهناك عوام الناس أو السطحيّون .. المثقّفون الذين درسوا واطّلعوا على تاريخ إسبانيا حينما كانت تعيش في ظلّ الإسلام ، وعرفوا ما كانت تحفل به من رقي وازدهار ، في الوقت الذي كانت تتخبّط فيه دول أوروبا كافّة في دياجير الجهل والتأخّر. هذه الطائفة من الناس تكنّ التقدير للعرب أو الإسلام لأنّها لا تفصل بين الاثنين: عربى يعني مسلم ـ ويتمنّون لو أنّ المسلمين لم يُطردوا من إسبانيا ; لأنّهم يبدون متأكّدين من أنّ إسبانيا كانت أو قد تكون بحالة مختلفة جداً الآن لو أنّ المسلمين بقوا فيها ، فهم قد اطّلعوا على علومهم في الهندسة والطبّ والفلسفة والدين … الخ ، ووجدوا مثلا أنّه حتّى الآن توجد في “قصر الحمراء” في غرناطة بعض الأسرار العلميّة والهندسيّة ، لم يستطع العلماء في القرن العشرين تفسيرها ، وهناك طائفة أخرى وهي تلك التي لا ثقافة لديها، أو لا علم لها في هذا الشأن ، تعتمد على ما تسمع من شائعات وأقاويل مغرضة تزعم أنّ العربي يعتاش على جهد زوجته ، وهي التي تتكفّل به وبأولاده رغماً عنها ، وإنّه ذو “حريم” قد يصل عددهنّ إلى العشرات .. وأنّ المرأة تعاني من ظلمه الشيء الكثير، وأنّها مجبرة على وضع الحجاب; لأنّ زوجها يغار عليها!.
هؤلاء لا يرون بحكم الدعايات المضلّلة في المسلمين إلاّ صورة التخلّف والجهل ، وهم لا يتمنّون رؤيتهم في إسبانيا ولو كسائحين ..
كيفيّة الاستبصار:
– كيف أمكن لك التعرّف على الإسلام وما الذي قادك إلى اعتناقه في هذا المجتمع الماديّ والمعاديّ للإسلام بفعل التضليل والتشويه المتعمّد؟
• لقد كنت على وشك الانتهاء من المرحلة الثانويّة والتحضير لامتحانات الدخول إلى الجامعة عندما تعرّفت بطريق الصدفة ، أو بتخطيط إلهي على بعض الطلاّب المسلمين الذين كانون يقيمون بجوارنا ، وقد أعجبت بهم وبتصرّفاتهم حيث لمست منهم الإخلاص لدينهم ، والتمسّك بأداء الفرائض ، وامتناعهم طوعاً عن كلّ المحرّمات مع أنّها مبذولة أمامهم وهذا ما لم أكن أعهده في مجتمعنا ، حيث لا يمتنع أمثالهم عن شيء مضرّ أو محرّم كالخمر مثلا بدون رقيب أو سبب خارجي مفروض عليهم.
وعندما كان يتسنّى لي اللقاء بهم ، كنت أتحدّث معهم حول المسيحيّة والإسلام ، وكان هدفي أن أجذبهم نحو المسيحيّة ; لأنّي كنت أعتقد حينها أنّها الديانة الصحيحة والوحيدة الجديرة بالاتّباع .. ولكن بعد مناقشات وجدال طويل معهم ، لم أتمكّن من إقناعهم بما أريد ، بل تغيّرت أنا واقتنعت ببطلان وتهافت العقيدة المسيحيّة السائدة ، خاصّة حول مسألة ألوهيّة المسيح(عليه السلام)، أو كونه ابناً للّه كما يدّعون!
.. عندما علم والديّ بمعرفتي لهؤلاء الشبان المسلمين دفعهما التعصّب إلى منعي من رؤيتهم ، وكذلك الخروج بغير مرافقة أحد أفراد الأسرة ، علماً بأنّهم يقبلون، بل يفضّلون أن أسلك أي سلوك منحرف على أن أميل نحو الإسلام .. وبقيت في منزلي ستّة أشهر كالمحكوم عليها بالإقامة الجبريّة .. في هذه الأثناء كنت قد أسلمت ولكنّي أخفيت إسلامي; لتجنّب المشاكل مع العائلة ، فوالدي لم يكن ليتقبّل هذا أبداً ، وهو الذي كان طيلة حياته يستهزيء بالمسلمين وبالعرب .
ولكن بعد فترة رأيت أنّ حياتي معهم قد أصبحت صعبة جدّاً فاختلفت معهم على بعض التصرّفات التي يرفضها الإسلام ، ولكن دون أن أحتجّ بالإسلام نفسه ، بل لمجرّد الرفض . وقد أدّى ذلك إلى خلاف شديد ، اضطررت على أثره لمغادرة المنزل والالتجاء إلى إحدى العوائل المسلمة الموجودة في إسبانيا .. وبمجرّد وصولي إلى منزل تلك العائلة ، قرّرت أن أبدأ حياة الالتزام الجدّي بالأحكام الشرعيّة من مأكل وملبس وعبادات .. وبعد شهرين عدت إلى المنزل بطلب من أهلي ، ولكن هذه المرّة مسلمة محجّبة ، ملتزمة بالأحكام الشرعيّة ، فقبلتني العائلة; لأنّ والدي كان يحبّني كثيراً في الأصل ، ولكنّه لم يرتح لحالتي الجديدة ، فما لبثت أن تجدّدت الخلافات وكانت يوميّة ، وكنت أصبر عليها ، ولم تؤثّر وللّه الحمد على عقيدتي الجديدة.
.. وكان اقتراني بزوجي نقلة جديدة أتاحت لي فرصة العيش في جوّ إسلامي أفضل .
مرحلة ما بعد الاستبصار:
– هل عملت في مجال تخصّصك في لبنان؟
• نعم عملت إلى جانب زوجي في مستشفى إسلامي مدّة سنة .. ولكن قرّرت بعدها أن ألزم منزلي ، حيث إنني رأيت أنّ الأطفال والواجبات المتطلّبة من الأمّ والزوجة أولى من العمل بالمستشفى ، مع أنّ ذلك أدّى إلى تقلّص في دخلنا العائلي وضغط مادّي علينا.
مصاعب مابعد الاستبصار:
– ما هي بالتحديد الصعوبات التي واجهتك عند بدء الالتزام مع عائلتك ومجتمعك ؟
• إضافة إلى ما ذكرت واجهتني صعوبات متنوّعة ، فالمجتمع الذي يرى امرأة ملتزمة بالحجاب ، تكاد تكون وحيدة بين نساء إسبانيا ، ينظر إليها باستغراب ودهشة ، ومع أنّ أحداً لا يسأل لماذا .. ولكن الجميع يستهزئون ويسخرون ، وقد كنت عرضة للسخرية كلّ يوم عندما كنت أخرج إلى الشارع لقضاء بعض شؤوني.
أمّا مع الأهل فكان ثمّة مشاكل ومضايقات عديدة:
أوّلها رفضهم للحجاب بشكل عنيد ، خاصّة عندما كانوا يسمعون انتقاد الناس وتعييرهم لهم بشأن إسلامي وحجابي .. ولكنّ ذلك والحمد للّه لم يؤثّر عليّ أبداً .. ثمّ بسبب الصلاة وكيفيّتها ، إذ إنّهم لم يفهموا لماذا عليّ أن أصلّي على السجّادة أو الحصيرة ، ولماذا الركوع والسجود وكثرة الكلام “القراءة والتسبيح” فكانوا يقولون إنّه لا حاجة إلى هذه الحركات إذا أردنا أن نطلب شيئاً من اللّه !
والطهارة كانت مشكلة دائمة لي ، حيث كان عليّ أن أطهّر ثيابي باستمرار ، وذلك بسبب مسّ بعض أفراد العائلة لها وهي رطبة. لقد كان كلّ شيء في البيت متنجساً ، فكنت لا أستطيع الحركة بحريّة .. فالطعام من جهة ، ومن جهة أخرى الخمر ووضع الخمر على الطاولة ، كان أيضاً مشكلة مستمرّة ، فكان عليّ أن أصنع طعامي وأن أطهّر آنيتي .. والامتناع عن المصافحة مع بعض الأصدقاء القدامى عانيت منه الكثير ، حيث كان عليّ أن أشرح لهم دائماً لماذا لا أصافحهم .. هذا إضافة إلى كثير من العادات والممارسات التي تتناقض مع الالتزام بالإسلام والتي كان عليّ أن أتجنّبها وأعاني في سبيل رفضها ; لأنها ملازمة لحياة العائلة .
– كيف وجدت وضع المرأة المسلمة في لبنان؟
• بصورة عامة ، إنّ وضع المرأة المسلمة في لبنان ليس بالمستوى المطلوب الذي ينشده الإسلام .. إنّك تلاحظ إقبالا متزايداً من النساء من مختلف الأعمار على الالتزام بالأحكام الشرعيّة والحجاب ، ولكن غالبيتهن لا يجعلن الإسلام مقياساً يقيّمن تصرفاتهن على أساسه ، بل إنهن قد تأثّرن كثيراً بالغرب، وبنساء الغرب ويحاولن تقليدهن والتشبّه بهن ، وأرى في ذلك لو استمرّ هلاكهنّ، وتدهور المجتمع لا سمح اللّه .
– ما رأيك بالاختلاط الشائع في مجتمعاتنا الإسلاميّة ؟
• أتمثّل هنا قول الزهراء(عليها السلام): “خير للمرأة أن لا ترى رجلا ولا يراها رجل”.
فعلى المرأة المسلمة أن تسعى جاهدة للالتزام بمضمون هذا الحديث القيّم ، وأن لا تخرج إلى الشارع والأسواق والأماكن العامّة إلاّ للضرورة ، وعلى النساء أن يطلبن من أزواجهن إحضار حاجيّات المنزل والعائلة .. ولا أظنّ أنّ الرجل يعارض ذلك إذا أرادت زوجته الستر والعفاف لها ولمجتمعها.
– والاختلاط أثناء العمل ما رأيك به على ضوء تجربتك الخاصّة؟
• بالإمكان تجنّب ذلك إذا كانت لدينا النوايا الصادقة ، وذلك عن طريق تنظيم العمل في الأماكن التي يكون وجود المرأة فيها ضروريّاً كالمستشفيات والمدارس ونحوها ، بحيث يتحقّق الفصل بين النساء والرجال بصورة عمليّة.
أمّا في مثل أيامنا الحاضرة ، إذا اضطرّت المرأة للعمل في مكان لا مفرّ فيه من الاختلاط ، فبإمكانها أن تحافظ على حجابها الشرعيّ ورصانتها ، وأن يكون اختلاطها ضمن الحدّ المعقول والجدّي .. كذلك على المرأة هنا أن تراعي أن لا تتقدّم للأعمال المخصّصة للرجال .
كلمة أخيرة:
– هل من كلمة تودّين توجيهها عبر “نور الإسلام”؟
• أود أن أوجّه نداءً إلى غير المسلمين ، ممّن لم يخطر ببالهم حتّى الآن أن يتّخذوا الإسلام ديناً ، أن يعمدوا إلى التعرف إلى الإسلام عن كثب ليتبيّنوا حقيقته وروعته ، ولا يأخذوا بالشائعات المضلّلة أو ينظروا فقط إلى بعض مظاهر التطبيق الخاطي الذي يمارسه بعض المسلمين .. فلا يرفضوا من بعيد ، بل عليهم أن يبحثوا ويفّكروا، وسيجدون حينئذ ما يضمن لهم سعادة الدنيا والآخرة.
وأشكر اللّه تعالى الذي منّ عليّ بمعرفة الإسلام واتّباعه عن تعقّل وتدبّر ، وأحمده لتوفيقه لي لعبادته ومعرفة نبيّه الأكرم محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ومعرفة آله الأطهار(عليهم السلام) ، وأرجو أن يكون في قصّتي مع الإسلام عبرة ونفع وهداية للآخرين الذين هم قريبون أو بعيدون عن الإسلام(۱)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(۱) نور الإسلام العدد الثاني ، السنة الأولى ، شهر رمضان ۱۴۰۸ هـ ، ص ۷۴٫
المصدر: مركز الأبحاث العقائدية