- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 4 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
قال البخاري في: 8/ 67: (وفَتَرَ الوحي فترةً حتى حزن النبي(ص) فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من رؤس شواهق الجبال! فكلما أوفى بذِرْوَة جبل لكي يلقي منه نفسه، تبدَّى له جبريل فقال يا محمد إنك رسول الله حقاً، فيسكن لذلك جأشه وتقرُّ نفسه فيرجع.
فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ! فإذا أوفى بذروة جبل تبدَّى له جبريل فقال له مثل ذلك) !! انتهى.
أقول: رغم إجماع السنيين على صحة كل أحاديث البخاري، فقد حاول بعض شراحه أن يتخلصوا من هذه الفضيحة، وفتشوا عن منفذ ينفذون منه فوجدوا عبارة:(حتى حزن النبي صلى الله عليه وآله فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردى)فقالوا إن قول: فيما بلغنا، هو قول الزهري، وليس قول عائشة صاحبة الحديث !
قال ابن حجر في فتح الباري: 12/ 316: (حتى حزن النبي(ص) فيما بلغنا.. هذا وما بعده من زيادة معمر على رواية عقيل ويونس، وصنيعُ المؤلف يوهم أنه داخل في رواية عقيل.
وقد جرى على ذلك الحميدي في جمعه، فساق الحديث إلى قوله وفتر الوحي، ثم قال: انتهى حديث عقيل المفرد عن ابن شهاب إلى حديث ذكرنا. وزاد عنه البخاري في حديثه المقترن بمعمر عن الزهري، فقال: وفتر الوحي فترة حتى حزن، فساقه إلى آخره.
والذي عندي: أن هذه الزيادة خاصة برواية معمر، فقد أخرج طريق عقيل أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي زرعة الرازي، عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه في أول الكتاب بدونها، وأخرجه مقروناً هنا برواية معمر، وبيَّن أن اللفظ لمعمر، وكذلك صرح الإسماعيلي أن الزيادة في رواية معمر.
وأخرجه أحمد ومسلم والاسماعيلي وغيرهم وأبو نعيم أيضاً، من طريق جمع من أصحاب الليث عن الليث، بدونها.
ثم إن القائل فيما بلغنا هو: الزهري، ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله(ص)في هذه القصة.
وهو من بلاغات الزهري وليس موصولاً.
وقال الكرماني: هذا هو الظاهر ويحتمل أن يكون بلغه بالإسناد المذكور. ووقع عند ابن مردويه في التفسير من طريق محمد بن كثير عن معمر بإسقاط قوله فيما بلغنا، ولفظه: فترةً حزن النبي(ص)منها حزناً غدا منه.. إلى آخره، فصار كله مدرجاً على رواية الزهري، عن عروة، عن عائشة ! والأول هو المعتمد).انتهى.
أقول: يقصد ابن حجر أن محاولات النبي صلى الله عليه وآله الإنتحار، ليست تتمة لحديث عائشة، بل من بلاغات الزهري، وهي مرسلة، وقد زادها الراوي معمر في الحديث، وقد أخطأ البخاري بجعلها جزءً منه !
لكن يَرِدُ عليه أولاً، أنه اعترف بأن ابن مردويه روى التتمة عن معمر بدون (فيما بلغنا)، بل ساق الحديث قطعة واحدة من رواية الزهري عن عائشة !
فيكون ما بعدها جزء من الحديث، وليس من بلاغات الزهري.
وثانياً، أن قوله: (والأول هو المعتمد) وترجيحه أن تكون بقية الحديث من بلاغ الزهري، قولٌ بلا دليل، وترجيحٌ بلا مرجح، خاصة بعد المؤيدات الكثيرة لكونها جزء أصلياً من الحديث بدليل سرد البخاري، ورواية ابن مردويه له !
وثالثاً، أن ابن حجر نفسه عاد ونقض حكمه عندما ذكر أن التتمة رواها ابن سعد حديثاً مسنداً عن ابن عباس ! قال: ( قوله فيها: فإذا طالت عليه فترة الوحي.. قد يتمسك به من يصحح مرسل الشعبي في أن مدة الفترة كانت سنتين ونصفاً كما نقلته في أول بدء الوحي، ولكن يعارضه ما أخرجه ابن سعد من حديث ابن عباس بنحو هذا البلاغ الذي ذكره الزهري، وقوله: مكث أياماً بعد مجئ الوحي لا يرى جبريل، فحزن حزناً شديداً حتى كاد يغدو إلى ثبير مرة وإلى حراء أخرى، يريد أن يلقي نفسه، فبينا هو كذلك عامداً لبعض تلك الجبال إذ سمع أنت رسول الله حقاً وأنا جبريل، فانصرف وقد أقر الله عينه وانبسط جأشه، ثم تتابع الوحي، فيستفاد من هذه الرواية تسمية بعض الجبال التي أبهمت في رواية الزهري، وتقليل مدة الفترة. والله أعلم).
ثم عاد ابن حجر ونقض رأيه أيضاً في ص118، فقال: ( وأما المعنى الذي ذكره الإسماعيلي فوقع قبل ذلك في ابتداء مجئ جبريل، ويمكن أن يؤخذ مما أخرجه الطبري من طريق النعمان بن راشد، عن ابن شهاب، فذكر نحو حديث الباب وفيه: فقال لي يا محمد أنت رسول الله حقاً، قال: فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق جبل، أي من علوه)
وحديث ابن سعد الذي ذكره ابن حجر، رواه في الطبقات: 1/ 196. وحديث الطبري رواه في تاريخه: 2/ 47، وفي تفسيره: 3 /317: (عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنها قالت كان أول ما ابتدئ به رسول الله (ص) من الوحي الرؤيا الصادقة كانت تجئ مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان بغار حراء يتحنث فيه الليالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله، ثم يرجع إلى أهله فيتزود لمثلها، حتى فجأه الحق، فأتاه فقال: يا محمد أنت رسول الله، قال رسول الله (ص) فجثوت لركبتي وأنا قائم، ثم رجعت ترجف بوادري، ثم دخلت على خديجة فقلت: زملوني زملوني، حتى ذهب عني الروع، ثم أتاني فقال: يا محمد، أنا جبريل وأنت رسول الله، قال: فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق من جبل فتمثل إليَّ حين هممت بذلك فقال: يا محمد، أنا جبريل وأنت رسول الله، ثم قال: إقرأ، قلت: ما أقرأ ؟ قال: فأخذني فغطني ثلاث مرات، حتى بلغ مني الجهد، ثم قال: إقرأ باسم ربك الذي خلق فقرأت، فأتيت خديجة، فقلت: لقد أشفقت على نفسي، فأخبرتها خبري، فقالت: أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً…الخ.)! انتهى.
وهذا الحديث يزيد في طينهم بلَّة، لأن محاولة الإنتحار المزعومة فيه تأتي بعد تطمين جبرئيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله فتأمل !
ويَرِدُ عليه رابعاً، أنا لو سلمنا أن تتمة الحديث من بلاغات الزهري، فهي عند البخاري صحيحة حيث أوردها جزءً من حديث عائشة، ولعلها عنده مسندة.
مضافاً الى أن ابن سعد رواها مستقلة، وكثرة شواهدها الصحيحة في هذا الباب، وفي باب ما رووه في تفسير قوله تعالى: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى). كما ترى في تفسيرالصنعاني: 3/ 327، وتفسير ابن كثير: 4/ 265، ونهايته: 3/ 23.
الأسئلة
1 ـ هذه فضيحة من فضائح البخاري وطامة من طاماته، وهي افتراؤه على النبي صلى الله عليه وآله بأنه كان مرتاباً في نبوته حتى بعد أن طمأنه ورقة بن نوفل !
وأنه كان غير معصوم، وكان عصبياً متوتراً، لايعرف الحكم الشرعي في حرمة قتل نفسه، أو لا يتقيد به !
وتجعله بدوياً عامياً، يختار الإنتحار خوفاً من الفضيحة وانكشاف كذبه !
أو لأن ربه، وحاشا لله، ظالمٌ غير عادل، حيث بعثه نبياً، ثم قطع وحيه عنه وتركه لتكذيب الناس!! فهل يقبل أحدكم أن ينسب الى نبيه صلى الله عليه وآله هذا التصرف، أو الى أيِّ إنسان عاقل متزن ؟
2 ـ قال ابن حجر في فتح الباري: 12/ 318: (قال الإسماعيلي: موَّهَ بعض الطاعنين على المحدثين فقال: كيف يجوز للنبي(ص)أن يرتاب في نبوته حتى يرجع إلى ورقة ويشكو لخديجة ما يخشاه، وحتى يوافي بذروة جبل ليلقي منها نفسه، على ما جاء في رواية معمر ؟!
قال: وإن جاز أن يرتاب مع معاينة النازل عليه من ربه، فكيف ينكر على من ارتاب فيما جاءه به، مع عدم المعاينة ؟! ). انتهى.
وقد جعل (الإسماعيلي) الإشكال تمويهاً وطعناً على المحدثين! وكأن محور المشكلة هي المحدث الإسماعيلي وجماعته، ولم يفقه أنه إشكال على الحديث وأنه طعن بعصمة رسول الله صلى الله عليه وآله وطعن بإيمانه، بل بعقله !!
ثم حاول الإسماعيلي بكلام طويل أن يدافع عن البخاري وأتباعه من محدثي الخلافة، ويهوِّن الأمر، ويقنعنا بصحة صدور الشك والإرتياب والإقدام المتكرر على الإنتحار، من أعقل الخلق وأكملهم، وخاتم النبيين، وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله !! فما رأيكم، هل توافقونه وتنسبون الى النبي صلى الله عليه وآله أنه شك وارتاب في نبوته وحاول الإنتحار، أم تنزهونه صلى الله عليه وآله عن ذلك ؟!