- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 4 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
تواردت الأخبار تترى حول كرامة طيّ الأرض للإمام الجواد (عليه السلام), حين حضر من المدينة الى خراسان بطرفة عين ليحضر مراسم وفاة والده الامام الرضا عليه السلام, منا ما روي عن ابي الصلت الهروي خادم الامام الرضا عليه السلام, قال: (عندما تناول الامام السم دخلت معه الى البيت وأمرني ان أغلق الباب, فغلقته وعدت الى وسط الدار, فرأيت غلاما عليه وفرة, ظننته ابن الرضا ولم أكُ قد رأيته من قبل ذلك, فجلس مع الرضا مدة تناجيا فيها, ثم ضمه الى صدره, بعدها تمدد الامام الرضا على السرير وغطّاه ابنه محمد بالرداء وقال: “يا ابا الصلت: عظم الله اجرك في الرضا فقد مضى”, فبكيت , قال: “لا تبكِ, هات الماء ولنقم في تغسيله”, ثم أمرني بالخروج, فقام بتغسيله وحده, وكفنه وحنطه, الى ان قام الامام بجميع مراسم الوفاة, ثم عاد في نفس تلك الليلة الى المدينة).. وغيرها مما لا يسع المقام ذكرها.
ومن هنا اثيرت تلك الشبهة التي تقول: ان الكرامات والمعاجز مختصة بالأنبياء, ثم كيف يعقل ان شخصا ليس بنبي ولا مرسل كان يقطن المدينة وبطرفة عين يدخل خراسان ويقوم بأعمال ثم يرجع كذلك, مع اننا اليوم اذا اردنا ان نقطع تلك المسافة مع تطور وسائط النقل نحتاج الى عدة ساعات حتى ندخلها ذهابا او ايابا..
اقول موضّحاً شيئاً قبل الوغول, وبالله تعالى أحول: للفرق بين المعجزة والكرامة, إنّ الاِتيان بالعَمَلِ الخارق للعادة الذي يقترن مع دعوى النبوة، ويتّفق مع الادّعاء، يسمى (معجزة).
وأمّا إذا صدر العملُ الخارقُ للعادة من عبدٍ للهِ صالحٍ لم يَدَّعِ النبوّةَ سُمِيّ (كرامة).
ولا عجب في أنّ عباد الله الصالحين من غير الاَنبياء قادرون على الاِتيان بالأعمال الخارقة للعادة، كما يشهد بذلك القران الكريم في عدة مواطن, منها:
حادثة نزول مائدة سماويّة على السيدة مريم أُم النبي عيسى عليه السلام, حيث اخبر القران الكريم عن هذا الحدث, فقال في شأن مريم: {كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَريّا الِمحْرابَ وَجَد عِنْدَها رِزْقاً}.
ومنها: حادثة انتقال عرش بلقيس ملكة سبأ في سرعة خاطفة من اليمن إلى فلسطين على يد وصي النبي سليمان (آصف بن برخيا), فكذلك أخبر القران عن هذه الحادثة, فقال في شأن آصف بن برخيا: {وقالَ الّذي عِنْدَهُ علْمٌ مِنَ الِكتابِ أَنا آتِيكَ بِهِ قبْلَ أنْ يرتَدَّ إليْكَ طرفُك}.
ومن دون شك وريب أنّ الله سبحانه هو المتصرف في المكان وفي الزمان على حد سواء، فهو يطوي الأرض لأوليائه، ويعرج بنبيه إلى سدرة المنتهى، وغيرها.. ويرجعه في جزء يسير من ليلة مباركة، ويطوي السماء كطي السجل للكتب، ويقارب بين مكاني عرش بلقيس، وعرش سليمان، حتى يجرّ آصف بن برخيا عرشها إليه، ويصبح في بيت المقدس، بعد أن كان في اليمن، كما أن الله تعالى يمد الأرض، ويسطحها، ويجعل الجبال كالعهن المنفوش ووو…
فاذا اخذنا ذلك كله بعين الاعتبار , وان مريم عليها السلام ليست من الانبياء ومع ذلك جرى معها ما هو خارق للعادة.. وان آصف بن برخيا ايضا ليس بنبي ومع ذلك جرى معه ما هو خارق للعادة, فمن باب أولى حصول ذلك كله مع أئمة اهل البيت عليهم السلام, ألا ترى أنّ الله عزّ وجلّ يقول في شأن آصف: {وقالَ الّذي عِنْدَهُ علْمٌ مِنَ الِكتابِ }, فـ (آصف بن برخيا) كان وزيرا لسليمان, وعنده علماً من الكتاب, وكان عنده ايضاً اسم الله الاعظم على ما قيل, واستطاع من خلال ذلك, التصرف في التكوينات حتى بعرش ملكة سبأ في أقل من طرفة عين، فاذا كان هذا ثابت لوزير نبي الله سليمان, فما ظنك بأهل البيت عليهم السلام, الذين هم أفضل من جميع الأنبياء ما خلا نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم), فإنّهم أفضل وأعظم في ولايتهم, فكما إنّ “اصف بن برخيا”، استخدم ولايته بما عنده من اسم الله الأعظم, فكذلك أئمتنا عليهم السلام حسبما وردت من احاديث مأثورة وشواهد تدل على انه كان عندهم اسم الله الاعظم, وخصوصا ان الاحرف التي عندهم من اسم الله الاعظم اكثر من الاحرف التي كانت عند آصف بن برخيا، كما ورد في الحديث الشريف عن ابي جعفر عليه السلام قال: (ان اسم الله الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً، وانما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده، ثم عادت الأرض كما كانت، اسرع من طرقة عين، ونحن عندنا من الاسم الاعظم اثنان وسبعون حرفا، وحرف واحد عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم).
ثم ان وصي سليمان “آصف بن برخيا” عنده بعض من علم الكتاب, كما هو واضح في قوله تعالى: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ }, حيث وصف علمه الذي ورثه من سليمان بأنّه علم من بعض الكتاب, أي بعض من القرآن; إذ الكتاب هو القرآن الشامل لكلّ الكتب.. ومنه يتضح أنّ الكتاب له وحدة واحدة وهو القرآن، أي: أنّ المعارف السماوية وحقائقها كلّها أودعت في القرآن الكريم، وإذا كان آصف بن برخيا قد علِم بعض حقائق القرآن فكيف بمَن أُحيط بعلمه كلّه ظاهراً وباطناً وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأوصيائه الحجج المعصومين من أهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين)؟.
واليك عقيدة اهل السنة التي يخفونها على أتباعهم, قال العيدروس في (النور السافر عن أخبار القرن العاشر): “اعلم أن كرامات الاولياء حق, والدليل على وقوعها موجود من المنقول والمعقول, أما المنقول فهو ما ثبت في القرآن العزيز, فصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من قصة مريم, وجريح وغيرهم, الذين ليسوا أنبياء ووقعت على أيديهم، وما روي عن الصديق-ابو بكر- أخبر عند موته امرأته تلد بنتاً وكانت إذ ذاك حاملاً، وعن الفاروق –عمر بن الخطاب- في قصة سارية المشهورة، وعن ذي النورين –عثمان- في الرجل الذي دخل عليه وقد نظر إلى امرأة اجنبية فكاشفه بذلك، وعن المرتضى –امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)- في الأسود الذي قطع يده ثم ردها مكانها فعادت كما كانت، وأما ما نقل من ذلك عن اولياء الله تعالى فكثيراً جداً.
من ذلك ما وقع لبعض الأولياء وهو على جبل فقال: ان من أولياء الله من إذا قال لهذا الجبل تحرك لتحرك فتحرك الجبل من قوله فقال: له أسكن إنما ضربت بك مثلا. وكما قال ذو النون المصري للسرير طف بالبيت فطاف ثم عاد إلى مكانه. وكان هناك شاب فصاح الشاب حتى مات. وأما المعقول فذكر صاحب تفسير النيسابوري هو أن الرب حبيب العبد الرب لقوله: ” يحبهم ويحبونه ” فإذا بلغ العبد في طاعته مع عجزه إلى حيث يفعل ما أمره الله. فأي بعد في أن يفعل الرب مع غاية قدرته مرة واحدة ما يريد العبد؟ وأيضا لو امتنعت الكرامة فأما لأجل ان الله ليس أهلا له وذلك قدح في قدرته، وأما لأن المؤمن ليس أهلاً له وذلك بعيد؛ لأن معرفة الله والتوفيق عليه أشرف العطايا” , انتهى.
وبهذا يتحرر الجواب, ويتضح الصواب, وما في ذلك احد يرتاب, والحمد لله رب الارباب, منزل الكتاب فيه هدى ورحمة لأولي الالباب.