- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 10 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
ويقع الكلام ضمن نقاط وهي:
النقط الأولى: الغيبة الصغرى والسفراء الأربعة
قال الإمام الصادق عليه السلام: “للقائم غيبتان يشهد في إحداهما المواسم، يرى الناس ولا يرونه”(۱).
يقع الكلام هنا في موضوع الغيبة والتعريف فيها على الغيبة الصغرى والكبرى أو ما يعبّر عنها قصيرة وغيبة طويلة، أو القصرى والطولى كما عن الشيخ المفيد في الإرشاد(۲).
وقبل التعرف على القسمين نتعرض إلى أنّ هل غيبة الإمام هل هي غياب هوية أم غياب شخصية؟ كي نتعرف على جانب مهم في هذه القضية: ربما يتصور البعض أنه غياب شخصية، يعني الشخصية الطبيعة تغيبت، ولكن في الواقع هي غياب هوية لا غياب شخصية، فإن شخصه عليه السلام موجود ولكن الناس لا يشخصونه ولا يعرفونه بشخصه وهويته، ولهذا في الحديث: ”يشهد المواسم، يرى الناس ولا يرونه”(۳) وفي آخر: “لا يعلم بمكانه إلاّ خاصة مواليه في دينه”(۴).
فالشخص موجود ويلتقي به بعض الخواص الأفذاذ ممن يليق أن يفوز بلقاء الإمام صلوات الله عليه، ولقد أفرد العلماء كتباً في هذا الخصوص، مثل الميرزا النوري، والسيد البحراني في تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي، وهناك ملحق في بحار الأنوار للعلامة المجلسي عليه الرحمة فيمن التقى بالإمام (سلام الله عليه) في عهد الغيبة الكبرى.
وبهذا ندخل في البحث عن الغيبة الصغرى، والكلام يقع أولاً في تحديد مبدأ الغيبة الصغرى، وهناك نظريات ثلاث:
النظرية الأُولى: هي أنّ غيبته من حين الولادة إلى آخر نائب من النواب الأربعة وهو أبو الحسن علي بن محمّد السمري رحمه الله، ولكن يناقش في ذلك بأنّ الإمام لم يكن غائباً بالمعنى المتعارف منذ ولادته، نعم كان محفوظاً إلاّ عن الخاصة، وكان هناك تكتم على اللقاء به.
النظرية الثانية: الغيبة من حين الشهادة أي شهادة الإمام العسكري عليه السلام، وبالضبط بعد صلاته ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ على جنازة الإمام العسكري في القضية التي رواها أبو الأديان البصري وما كان بين الإمام وعمّه جعفر في الصلاة، وسحبه من ثيابه وقوله: “يا عم أنا أولى منك بالصلاة”(۵).
وهذه النظرية يمكن الأخذ بها لولا النظرية الثالثة التي تقول ـ كما في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ـ : إنّ غيبته بعد مولده بفترة، بدأت الغيبة وأعلن عن غيبته نفس والده الإمام العسكري، وهذا ما فعله الإمام عليه السلام حينما حضر عنده شعيته، قال عليه السلام: “ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر…”(۶). إلى آخر الرواية.
وبهذا نقول: إنّ الإمام عليه السلام بدأ بمراسم الإمامة بعد وفاة الإمام العسكري، وبها تبدأ مسألة النواب الأربعة للإمام عليه السلام.
ولقد كان الإمام وثيق الصلة بقواعده الشعبية لكن بطريقة تتناسب مع الغيبة، وهذه الطريقة هي عبارة عن السفراء. وربما قبل ذكر السفراء لابد من ملاحظة شيء وهو كيف يمكن الوثوق بهؤلاء السفراء وإنّنا نعلم أنّ هناك من ادعى السفارة كذباً وزوراً، ومن الذين ادعوا السفارة كذبا وزوراً.
۱ ـ الهلالي أحمد بن هلال العبرتائي (بغداد والكوت).
۲ ـ البلالي محمّد بن علي بن بلال.
۳ ـ محمّد بن نصير النميري.
۴ ـ الحسين بن منصور الحلاج الصوفي.
۵ ـ أبو محمّد الحسن السريعي أو الشريعي.
۶ ـ محمّد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني الذي كان عالماً، والذي خرج التوقيع من الناحية المقدسة بتحريم قراءة كتبه وأنّها كتب ضلال.
والآن نأتي إلى ثبوت السفراء الأربعة والذين هم:
۱ ـ عثمان بن سعيد العمري:
۲ ـ محمّد بن عثمان بن سعيد العمري.
۳ ـ الحسين بن روح النوبختي.
۴ ـ علي بن محمّد السمري.
الطريق الأوّل: كان ثبوت نيابتهم بشهادة الثقاة، وهم بالمئات في مجاميع كثيرة، فلقد دلت شهادة الإمام العسكري على وثاقة عثمان بن سعيد العمري، وإنّ الإمام المهدي (سلام الله عليه) أقره في منصبه في زمن الغيبة، وكان يقول “اسمعوا له وأطيعوا”
ومحمد بن عثمان نص عليه المهدي والعسكري أيضاً بالوثاقة، وهو أطول نواب الإمام فترة فكانت نيابته قرابة أربعين سنة، يعني من سنة مائتين وأربع وستين إلى سنة ثلاثمائة وأربعة.
ومن بعده تولى النيابة الحسين بن روح النوبختي أبو القاسم رحمه الله، وقد نص عليه السلام عليه ونص عليه أبو جعفر محمد بن عثمان النائب الثاني، والحسين بن روح نص على أبي الحسن علي بن محمّد السمري.
فالطريق الأول لإثبات نيابتهم اتفاق ثقاة الرواة والعلماء على نص الإمام المعصوم.
الطريق الثاني: نقلهم لخط الإمام المهدي المعروف، وهذا ما أشار إليه الشيخ الصدوق والطوسي حيث قالا: ممّا كان يعرف به الناس أنّ هذا السفير صادق أنّه هو الذي يتصدى لنقل خط الإمام وتوقيعاته المقدسة، وخطه معروف لأنّها متصلة بزمن الحضور، ولقد اطلع الإمام العسكري عليه السلام شيعته على ولده الإمام المهدي وعلى خطه فكان مألوفاً للناس.
الطريق الثالث: قضية الكرامات الكثيرة التي كانت تجري على أيديهم لإثبات سفارتهم، فلقد روى الشيخ الصدوق في إكمال الدين: جاءت امرأة تسأل عن نائب الإمام في الغيبة الصغرى وكانت أيام نيابة الحسين بن روح، فقال لها رجل من قم: النائب هو الحسين بن روح، فدخلت على أبي القاسم فكانت معها محفظة فيها بعض المجوهرات، فدخلت عليه وسألته ـ أرادت أن ترى منه كرامة حتى تعرف أنّه هو النائب ـ فقالت: أخبرني بما تحت عباءتي؟ فقال لها: (ألقيه في دجلة ثم أقبلي إلينا لوجهك) ـ يقول أبو علي البغدادي والله إنّي أُشاهد هذه القضية ومازدت حرفاً ـ ففعلت ثم رجعت إلى الحسين بن روح، وإذا بها تجد محفظتها بين يدي الحسين بن روح وهي لا تزال مقفلة كما كانت.
قال: أو أُخبرك بما فيها؟ قالت: وما؟ قال: فيها كذا من مجوهرات، كذا من الذهب، كذا سوار، وكذا خصوصيات… إلى آخره. يقول: فو الله لقد دهشت أنا والمرأة وعجبنا وسألناه: ممّ علمت ذلك؟ فقال: دلني على ذلك سيدي صاحب الأمر صلوات الله عليه(۷).
وبهذا اتضح لنا وجود الإمام في الغيبة الصغرى بأمرين:
الأمر الأوّل: السفراء الأربعة، والأمر الثاني: خط الإمام عليه السلام الذي كان يعرفه الخاصة من شيعة الإمام العسكري كما ذكرنا.
والطريق الثالث على وجوده: إقامة المعجز والكرامة، حيث كان الإمام (سلام الله عليه) تجري المعاجز والكرامات على يده أحياناً من قبيل ما نقل عن محمّد بن شاذان بن نعيم رضوان الله عليه،يقول: اجتمع عندي من الحقوق الشرعية خمسمائة درهم إلاّ عشرين درهماً، فاستحيت أن أبعث بها للإمام عليه السلام دون أن أتممها، فأتممتها بخمسمائة وأوصلتها إلى الإمام عليه السلام، فجاء الجواب لمّا وصلت له: “وصلت خمسمائة درهم لك منها عشرون درهماً”(۸).
وغيرها من المعاجز، فراجع كمال الدين والغيبة للطوسي.
وبهذا تمت الغيبة الصغرى بوفاة آخر سفير وبها تم المطلوب على وجود الإمام عليه السلام في الغيبة الصغرى.
وعليك ملاحظة الظروف والتفكر بها قبل الدخول في الأدلّة تلاحظ كيف كان الإمام عليه السلام في تلك الظروف التي حاول فيها الحفاظ على الإمام الحجة عجّل الله فرجه يحيل على أم الإمام الحجة، ولعلّه يذكرنا بسيد الشهداء الإمام الحسين كيف كان يحيل على زينب سلام الله عليها من باب الحفاظ على الإمام زين العابدين، فكانت زينب هي المسؤولة وكان ما يخرج هو من الإمام زين العابدين بعد وفاة الإمام الحسين عليه السلام.
النقطة الثانية: طول عمر الإمام عليه السلام:
قال الإمام الصادق عليه السلام “للقائم غيبتان يشهد في إحداهما المواسم، يرى الناس ولا يرونه”(۹).
قال صلى الله عليه وآله وسلّم: “لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً، ثم يخرج رجل من عترتي، أو من أهل بيتي ـ الترديد من الراوي ـ يملؤها قسطاً كما ملئت ظلماً عدواناً”(۱۰).
تقدم الكلام في الأمر الأول وهو الغيبة الصغرى، وبقى الكلام في الغيبة الكبرى، والكلام يدور هنا حول محورين:
المحور الأول: طول عمر الإمام عليه السلام.
والمحور الثاني: ما الفائدة والعلة من غيبة الإمام وما هي الظروف التي جعلته يغيب؟
الكلام الآن في طول عمر الإمام عليه السلام ولعل بسبب هذا الأمر ـ وهو طول العمر ـ كان الاستبعاد دائماً في وجود الإمام، ولكن إذا حصل ما يرفع الاستبعاد فلا يبقى إلا الاعتراف به صلوات الله عليه أو الهزل والسخرية كما يفعل البعض.
فنقول لمن يدّعي عدم إمكان وجوده: ما هو المقصود من كلمة الإمكان هنا؟
۱ ـ الإمكان العملي.
۲ ـ الإمكان العلمي.
۳ ـ الإمكان المنطقي أو الفلسفي.
والمقصود من الإمكان العملي أن يكون الشيء ممكناً على نحو يتاح لي ولك أن نحققه وهذا يمكن تحققه في الإمام المهدي عجّل الله فرجه، وهناك من المعمرين جماعة كان لهم العمر الطويل في هذه الدنيا ويعتبرون من المعتقدات ولم يخضعوا إلى قانون الشيخوخة، فنقول: إنّ إطاعة عمر الإنسان كنوح قروناً متعددة هي على خلاف القوانين، وعيسى عليه السلام حتى الدجال الذي هو مثبت عندكم، ولكن العجب أيكون قانون الشيخوخة والهرم أشد صرامة من قانون انتقال الحرارة في الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة حتى يتساويان؟ وهذا ما حصل وعطل القانون لحماية إبراهيم عليه السلام للحفاظ عليه “قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ”(۱۱).
هذا هو الإمكان العملي
أمّا الإمكان العلمي فلا يوجد عالم ما يبرر رفض ذلك من الناحية النظرية، وهذا بحث يتصل في الحقيقة بنوعية الإنسان بلحاظ الشيخوخة والهرم لدى الإنسان؛ لأنّه إذا طال عمر الإنسان يحصل تناقض في كفاءة الأنسجة والخلايا الجسمية للقيام بأدوارها نتيجة الصراع مع عوامل خارجية بسبب التسمم أو الميكروبات التي بسببها يتسرب إلى الجسم.
فنقول إذا عزلت هذه الأنسجة والخلايا الموجودة في جسم الإنسان عن العامل الخارجي، وقد استطاع عملياً حجز الكائن الحي عن العالم الخارجي والعوامل التي تؤدي تلف الخلايا وتسبب نقص كفاءة الأنسجة بظروف معينة، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرات بالنسبة على أعمارها الطبيعية بسبب ظروف تؤجل فاعلية الشيخوخة، وقد ثبت ذلك عملياً، ولكن بلحاظ الإنسان الكائن المعقد لم تجر عليه هذه التجربة بسبب الصعوبة والتعقيد في داخل هذا الإنسان. فالإمكان العلمي حاصل وبه يتم المطلوب من هذه الجهة.
أما الإمكان المنطقي أو الفلسفي فالمقصود به عدم مانع عند العقل من إمكان وجوده في عالم الخارج بسبب التجربة، ولا شك في أنّ امتداد الإنسان آلاف السنين ممكن منطقي لأنّ ذلك ليس مستحيلاً.
ومع كل هذا نقول: الذي أمكن في النار أن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم فهذا ممكن، إذن لا مانع من وجوده، وهو موجود فعلاً.
ويمكن إثباته بطرق أُخرى وهي على نحوين: الوجود الحسي، والتباني الموجود عند الشيعة.
وقد أثبت الوجود الحسي وجود الإمام بالوجدان كما شهد الكثير برؤية الإمام عليه السلام وإذا أثبت الوجدان لنا ذلك فأي مانع للتصدي به وهو عن طريق رؤية بعض الشيعة للإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف.
والأمر الثاني: التباني الموجود عند الشيعة واتفاقهم على رؤية الإمام عجل الله فرجه، وهذا في الواقع ما هو إلاّ نتيجة رفع الموانع التي تقول بعدم إمكان حدوث هذا العمر الطويل، فلقد نقل لنا الثقاة حدوث هذا الأمر برؤية الإمام عجّل الله فرجه، ونؤكد هنا أيضاً أنّ الإمام الحجة غائب الهوية لا الشخصية، لأنّه “يشهد في أحداهما المواسم، يرى الناس ولا يرونه” وقوله: ”المواسم” دلالة وقرينة؛ إذ المواسم تطلق على الكثرة. وقرينة على الغيبة الكبرى من قوله: “يرى الناس ولا يرونه” ففي الغيبة الصغرى كان يرى الخواص والسفراء فقط.
النقطة الثالثة: الغاية من غيبة الإمام المهدي عليه السلام:
قال تعالى: “أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ”(۱۲).
قبل التحدث عن الغاية وما هي الفوائد من غيبة الإمام صاحب العصر والزمان ـ عجل الله فرجه ـ لابد أولاً من التحدث عن الخوف على الإمام من قبل السلطات،و الذي أكدت عليه أحاديث أهل البيت أنّه من عوامل الغيبة، منها: ما روى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “لابد للغلام من غيبة. فقيل له: ولِمَ؟ قال: يخاف القتل”(۱۳).
وربما كان هذا العامل غير مختص بالغيبة الصغرى، بل يشمل الغيبة بشكل عام.
وجاء عن زرارة كذلك قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: “إنّ للغلام غيبة قبل ظهوره” قلت: ولم؟ قال “يخاف” وأومأ بيده إلى بطنه، قال زرارة: يعني القتل(۱۴).
وهذا قد حصل في زمان بني العباس، أي في زمان الإمام العسكري، فلقد كانت تقطع الرؤوس من لعلويين وتأخذ إلى الخلفاء زمن المعتز والمهتدي والمعتمد، ومنهم من يقتل في السجن، وذلك بسبب الصراع والخوف على العرش والكرسي من بني العباس. فراجع مقاتل الطالبيين.
بل الملاحظ في تسمية بعض خلفاء بني العباس أنّه كان بسبب العداء لأهل البيت، يقول المسعودي: (إنّ السر في تسمية نفسه بالمنصور لأنّه انتصر على العلويين) كما في كتاب التنبيه والاشراف. وهذا خلاف ما يدعيه بعضهم من العلاقة الطبيعية بين بني العباس وبني علي، حيث أصبح الظلم أُنشودة الشعراء، فيقول الشاعر:
تالله ما فعلت أمية فيهم ** معشار ما فعلت بنو العباس
وقال أبو عطاء أفلح بن يسار السندي:
يا ليت جور بني مروان دام لنا ** وليت عدل بني العباس في النار
ويكفينا ما فعلوه عند ولادته عليه السلام بجواري الإمام العسكري عليه السلام وزوجاته، وهذه لعلها تكون حكمة لغيبة الإمام لفترة وإن كان بعضهم قال: إنّها لم تكن فقط خوفاً على الإمام، بل خوف على الأُمة من باب أنّه حماية لأهل الأرض فبموت الإمام ينتقي الأمان لأهل الأرض، وهذا ما يذكر من أنّ الإمام أمان لأهل زمانه كما أخرجته جملة من الأحاديث: “النجوم أمان أهل السماء وأهل بيتي أمان أهل الأرض، فإذا هلك أهلي بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يدعون”(۱۵).
وهم كسفينة نوح في النجاة كما قال (صلى الله عليه وآله): “مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق”.
إذن هو الأمان والنجاة لنا وهو القائد لنا، فغيبة الإمام من الغايات لها حفظ الأُمة، وهذا ما يستفاد من الأحاديث الدالة على عدم خلو الأرض من حجة كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله): “لا تخلو الأرض من حجة”(۱۶).
الحكمة الثانية: الابتلاء والاختبار.
والابتلاء والامتحان هو من السنن الإلهية التي درجت عليها السماء “أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ”.
فالاختبار هو الذي يميز الرديء من الجيد، وهو الذي يخرج الذهب من باقي المعادن، ولذلك ورد عن الصادق عليه السلام: “إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها، يرتاب فيها كل مبطل”. فهي غيبة كاشفة للمحق والمبطل.
وهذا أيضاً ورد عن الرضا عليه السلام: “كأنّي بالشيعة عند فقدانهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه. قلت له: ولم ذلك يا بن رسول الله؟ فقال: “لأنّ إمامهم يغيب عنهم “(۱۷).
وطلب المرعى هو طلب الملجأ والأمان، أي أنّهم في بحث عن الحقيقة والتمييز، وهذا دلّت عليه التواريخ الكثيرة التي بيّنت لنا ما حصل من فتن عند البعض في قضية الإمام الحجة صلوات الله عليه.
الحكمة الثالثة: أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم، كما عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “صاحب هذا الأمر تعمى ولادته على هذا الخلق لئلاّ يكون في عنقه لأحد بيعة”(۱۸).
وقال الصادق عليه السلام: “يبعث القائم وليس في عنقه لأحد بيعة”(۱۹).
وأيضاً ما ورد في التوقيع المقدس: “إنّه لم يكن لأحد من آبائي إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج لا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي”(۲۰).
الحكمة الأخيرة وهي أنّ هذه البيعة سر من أسرار الله. إنّ هذه الغيبة لابد منها لأنّه مهدي هذه الأُمة، ولأنّ الله وعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يظهر هذا الدين وتدين جميع الخلق به، وهذا الوعد جاء ضمن آيات ثلاث، إحداها: “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ”(۲۱) وهذا بقوله: “هُوَ الَّذِي” تأكيد أن هذا الدين جاء لتلبية حاجة الإنسانية في أكمل صورها.
ولقد وعد الله هذه الاُمة بالخير وأنّه لن يخلف وعده، ولن يتحقق هذا الأمر إلاّ على يد آخر حجج الله؛ لأنّه آخر الحجج، وطبعاً لن يرسل الله رسولاً لأنّ محمّداً خاتم النبيين، ولن يأتي بإمام يعيش عيشته الأولى في هذه الأرض. وهذا الذي لم يحصل أنّ الناس قد اهتدوا بهدي النبي، والوجدان مثبت لذلك فمتى الوعد؟ ومتى الصدق؟ لا يكون إلاّ بالمهدي. وهذه حكمة وسرّ ربما أظهره للمؤمنين.
ولكن هناك حكمة أنّه لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة لموسى لمّا أتاه الخضر إلاّ وقت افتراقهما، وهذا ما ورد عن الصادق لأبي الفضل عبد الله بن الفضل الهاشمي عندما سأله عن وجه الحكمة في غيبته(۲۲).
ومن الروايات ما ورد عن الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله): “إنّما مثل قائمنا أهل البيت كمثل الساعة لا يجلّيها لوقتها إلا هو، ثقلت في السماوات، لا يأتيكم إلاّ بغتة”.
وبهذا أيضاً نهى الإمام الحجة ـ عجل الله فرجه ـ بقوله: “أغلقوا السؤال عمّا لا يعنيكم ولا تتكلفوا ما قد كفيتم وأكثروا من الدعاء بتعجيل الفرج فإن في ذلك فرجكم”(۲۳)
فهو سرّ في غيبته وفي وجوده وفي نموه، فهو سرّ من أسرار السماء. لاحظ وتفكر في نمو الإمام في الرواية التي تقول: عندما دخل عليه شيعة فقالوا في وصفه: وإذا غلام كأنه قطعة قمر، أشبه الناس بأبي محمد الحسن العسكري(۲۴).
والغلام تطلق على الصبي المميز، بينما الإمام كان عمره قرابة خمس سنوات بل أقل من ذلك، ولكن في ذلك رواية في قضية نموه ـ صلوات الله عليه ـ : “ينمو في الشهر ما ينموه في السنة في دور صباه”.
يعني النمو غير طبيعي في دور الصبا، كما ورد في الزهراء عليها السلام ولا سيما للإمام والزهراء التي أعدتها عناية الله سبحانه وتعالى، أمّا للإمام الحجة فهو اليوم الموعود، وأمّا الزهراء فمن أجل الأئمة الأطهار، فسلام الله عليه وعجّل الله فرجه الشريف.
____________
(۱) الكافي: ۱، ص ۱۲ ح ۳۳۹٫
(۲) الإرشاد: ج ۲، ص ۳۴۰٫
(۳) الغيبة للنعماني: ص ۱۷۵ ح ۱۵٫
(۴) الغيبة للنعماني : ص ۱۷۰ ح ۱ و۲٫
(۵) أنظر بحار الأنوار: ح ۵۰، ص ۳۳۲٫
(۶) الغيبة: ح ۳۵۷، ص۳۱۹٫
(۷) كمال الدين وتمام النعمة: ص ۵۱۹، ح ۴۷٫
(۸) كمال الدين وتمام النعمة: ص ۵۰۹، ح ۳۸، الغيبة: ص ۴۱۶، ح ۳۹۴٫
(۹) الكافي: ج۱، ۳۳۹، ح ۱۲٫
(۱۰) كتر العمال: ح ۱۴، ص ۲۷۱، ح ۳۸۶۹۱٫
(۱۱) الأنبياء: ۶۹٫
(۱۲) العنكبوت: ۲٫
(۱۳) الكافي: ج۱، ص ۳۴۲، ح ۲۹٫
(۱۴) كمال الدين وتمام النعمة: ص ۴۸۱، ح۹٫
(۱۵) انظر بحار الأنوار: ج ۲۷، ص ۳۰۹٫
(۱۶) بحار الأنوار: ج ۲۳، ص ۱۱۹٫
(۱۷) كمال الدين وتمام النعمة: ص۴۸۰، ح ۴٫
(۱۸) كمال الدين وتمام النعمة: ص ۴۷۹، ح۱٫
(۱۹) كمال الدين وتمام النعمة: ص۴۸۰، ح۲٫
(۲۰) الاحتجاج: ج ۲، ص ۵۴۴، ح۳۴۴٫
(۲۱) التوبة: ۳۲٫
(۲۲) كمال الدين وتمام النعمة: ص ۴۸۲، ح۱۱٫
(۲۳) كمال الدين وتمام النعمة: ص ۴۸۵، ح ۴٫
(۲۴) بحار الأنوار: ج ۵۱، ص ۳۴۶٫
الكاتب: الشيخ عبد الجليل المكراني