- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 3 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
بدأت الحركة الصهيونية في التفكير الإستراتيجي الجاد لبناء العالم اليهودي، بعد مضي قرنٍ على اجتماعهم الأول في بازل بسويسرا، حيث كان الهدف يومها بناء دولة قومية لليهود في “أرض الميعاد” فلسطين، بناءً على وعد الرب لهم،بعد غيابٍ قسريٍ عنها سببه السبيُ البابليُ لأكثر من ألفي عام.
يرى قادة الحركة الصهيونية الجدد أن آباءهم الذين خططوا لتأسيس الدولة قد نجحوا في مخططاتهم، وبنوا دولة “إسرائيل”، التي وفد إليها الكثير من يهود العالم، وقد غدت دولتهم بعد مائة عامٍ على الحلم، دولةً قوية وقادرة، تقوم على المؤسسات، وتحكمها الديمقراطية، ويحمي أمنها جيشٌ قويٌ عصريٌ حديث، مزودٌ بأحدث ما أنتجته تكنولوجيا السلاح التقليدي، فضلاً عن امتلاكها للقوة النووية المرعبة، الأمر الذي يجعل شطبها مرةً أخرى أمرٌ صعب، إذ لا توجد قوةٌ معادية في الجوار والإقليم قادرة على إزالتها من الوجود، وشطبها من خارطة العالم السياسية.
الكيان الصهيوني الذي يباهي بالقوة، ويستعرض عضلات أسلحته التقليدية والنووية، ويتيه متغطرساً بحلفائه وأعوانه الغربيين، الذين يقفون معه ويساندونه في غيه وعدوانه، يستبعد فرضيات الهزيمة، واحتمالات الشطب والإزالة، بناءً على قوانين القوة التي يقوم عليها، ووفقاً لحالة الضعف والتمزق التي تطغى على خصومه وأعدائه، التي أفقدتهم القدرة على التفكير في مواجهته، وإعلان الحرب عليه من جديد، بل إن الكثير من الدول التي كانت تصنف من الأعداء، أصبح بعضها حليفاً، وغيرها صديقاً، والبقية لا تملك مقومات المواجهة، ولا تعرف إلا أن تكون تابعة أو مقلدة.
إلا أن الكيان الصهيوني الذي يجاهر بالقوة، ويعلن التحدي، يدرك أن الأمور في حقيقتها مختلفة، فليس ما قبلَ الدولةِ كما بعدها، فلا يعني نجاح الآباء في بناء الدولة، أنه سيقود إلى نجاح الأحفاد في الحفاظ عليها، أو العيش فيها، فضلاً عن الدفاع عنها، والتضحية في سبيلها.
إذ أن الظروف التي كان يعيشها اليهود في النصف الأول من القرن العشرين، خاصةً في دول أوروبا، كانت ظروفاً صعبة للغاية، ولا تشجع أحداً منهم على مواصلة الحياة في ظلها، أو العيش في البلاد التي يعانون فيها، بعد أن تعرض يهود أوروبا إلى أوسع حملة إبادة وقتل، وصاروا نتيجة أخلاقهم الخبيثة، وسوء معاملاتهم المالية، وسلوكهم الاجتماعي الغريب، معزولين عن المجتمع، ومنبوذين في الدول، ومضطهدين من قبل الأنظمة والحكام، فانتهى بهم المآل للعيش في كانتوناتٍ عرقية ودينية معزولة، لا يحبهم أحد، ولا يتمكنون من العيش بيسرٍ مع غيرهم، ولهذا كانت الهجرة بالنسبة لهم منجاة، والانتقال من دول أوروبا إلى فلسطين بالنسبة لهم، كالإنتقال من الجحيم إلى الجنة، فراراً بأنفسهم من الموت قتلاً أو حرقاً، وحفاظاً على ما تبقى لديهم من أموالٍ ومدخراتٍ.
لكن الحال قد تبدل اليوم وتغير، فأصبحت دولة الكيان غير مستقرة، وتعيش قلاقل واضطراباتٍ مستمرة، وتتعرض لغاراتٍ وعملياتٍ عسكرية من قبل أصحاب الأرض وسكان البلاد الأصليين، وتتهددها أخطارٌ قريبة وأخرى بعيدة، وتعيش هواجس الحروب وكوابيس الإبادة، وهو ما من شأنه أن يخيف اليهود، وينفرهم من العيش في أراضٍ تشهد حروباً ومعارك، إذ لا أمان في كيانهم، ولا استقرار لأوضاعهم، ولا طمأنينة لرأس المال لديهم، ولا مستقبل جميلٍ وواعدٍ ينتظر أولادهم وأجيالهم.
وفي الجانب الآخر أصبحت دول أوروبا متقدمة ومزدهرة، تعيش الرفاه والتطور، وينعم أهلها بالاستقرار والتقديمات الاجتماعية المغرية، فضلاً عن توحد بلادها، واتفاق أنظمتها، ونمو اقتصادها، واستقرار أسواقها، وانفتاح المستقبل أمام أجيالها، في ظل سلامٍ راسخٍ، وأمنٍ حقيقيٍ شامل، ومساواةٍ اجتماعية، ومواطنةٍ كاملة، يتمتع بها السكان، دون اعتبارٍ لدينٍ أو لون، أو انتماءٍ وعرق، في الوقت الذي يفتقر كيانهم إلى المساواة الاجتماعية، وتسود بينهم مفاهيم الطبقية العرقية والعنصرية، وهو الأمر الذي جعلهم في كيانهم يعيشون في كانتوناتٍ عرقية، وتجمعاتٍ عنصرية، حمايةً لأنفسهم من بعضهم.
لهذا يشعر قادة المشروع الصهيوني بخطورة المستقبل على كيانهم، وبتغير الأوضاع على أبناء دينهم، إذ لم يعودوا مضطهدين ولا منبوذين، بل أصبحوا على العكس من ذلك، فهم في أوروبا وغيرها أصحاب أكبر الشركات، وملاك أعظم الرساميل المالية، فضلاً عن تقلدهم أرفع المناصب المالية والسياسية، ومالكي أكبر نفوذٍ تشريعي في الولايات المتحدة الأمريكية، فلماذا يهاجرون إلى “إسرائيل”، ويعيشون فوق فوهة بركانٍ دائم الانفجار، وعلى شفا جرفٍ ينهار كل يوم، حيث تسوده حالة الحرب التي لا تتوقف، وتنتشر فيها مظاهر السلاح التي لا تبعث على الراحة، ولا تثير في النفس إلا الخوف، بينما حقوقهم في أوطانهم الأصلية محفوظة، ومكانتهم موجودة، وأعمالهم محترمة، وأموالهم مصانة، وحرية التنقل والسفر الآمن مكفولة دائماً، في الوقت الذي أصبحت جرائمهم ضد الشعوب الأخرى مرصودة، وملاحقتهم القضائية حقيقة، واحتمالات إدانتهم ومحاكمتهم كبيرة.
استدراكاً لهذه الحقائق الخطرة، تنادى قادة اليهود في العالم، للاجتماع في القدس المحتلة، معلنين عن انطلاق أعمال مؤتمر “التخطيط الإستراتيجي الأول للعالم اليهودي”، لمواجهة خطر التصحر اليهودي، ونضوب معين الهجرة، وهروب من بقي من الأجيال اليهودية من خطر الموت المحقق في المستقبل، في محاولاتٍ مستميتة لإعادة ربط اليهودي ب “إسرائيل وأور شاليم”، بعد أن تأكد لديهم تراجع الهوية الدينية اليهودية، وانحسار الانتماء العقائدي للأرض الموعودة، وتخلي مئات الآلاف من يهود العالم عن أحلام آبائهم، ونبوءات حكمائهم، وتوجيهات وتعاليم قادتهم، بل إن من اليهود من يبدي الاستعداد للتخلي عن دينه، واعتناق غيره، ليتمكن من الانخراط والانسجام في مجتمعاتهم.
هل يدرك اليهود أن أوان رحيلهم قد آن، وأن ساعة المعركة التي وعد الله بها قد أزفت، وأن أحداً من أبنائهم وأتباعهم لن يؤمن بخرافاتهم، أو يستجيب لخزعبلاتهم، وأن أهل الحق وأصحاب الأرض سيعودون إليها، إذ تربطهم بها عقيدة، ويتمسكون بها إيماناً، ويتلونها إلى يوم القيامة قرآناً.