- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 6 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المبحث الرابع: إطلاقات الحسن والقبح
الإطلاق الأوّل :
إطلاق “الحسن” على ما هو “كمال” ، وإطلاق “القبيح” على ما هو “نقص”(1) (2).
مثال : إنّ العلم والشجاعة والكرم من الأُمور الحسنة ، لأ نّها كمال لمن يتّصف بها .
وإنّ الجهل والجبن والبخل من الأُمور القبيحة ، لأ نّها نقصان لمن يتّصف بها .
ملاحظة : ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية(3) والأشاعرة.
ولا إشكال في أنّ العقل يدرك هذا النمط من الحسن والقبح ، لأنّ هذا الإطلاق من القضايا اليقينية التي لها واقع خارجي يطابقها ، ولا يتعلّق هذا الحسن والقبح بالشرع .
تنبيه : لا يوجد خلاف بين العدلية والأشاعرة في إطلاق الحسن والقبح ـ في بعض الأحيان ـ على ما هو كمال أو نقص ، ولكن الخلاف يكمن في أ نّنا :
عندما نقول: تحصيل الكمال حسن ، فإنّ هذا “الحُسن” هل يعرف عن طريق العقل أو عن طريق الشرع ؟
وعندما نقول الرجوع إلى النقصان قبيح ، فإنّ هذا “القُبح” هل يُعرف عن طريق العقل أو عن طريق الشرع ؟(4)
وسنبيّن توضيح ذلك لاحقاً .
الإطلاق الثاني :
إطلاق “الحسن” على ما يلائم “الطبع” ، وإطلاق “القبيح” على ما “ينافر الطبع” .
ويرجع هذا المعنى من الحسن والقُبح ـ في الواقع ـ إلى معنى اللذة والألم(5).
مثال : يقال: هذا المنظر حسن ، وهذا الصوت حسن ، لأ نّهما يلائمان الطبع .
ويقال: ذلك المنظر قبيح ، وذلك الصوت قبيح ، لأنّهما ينافران الطبع .
ملاحظة : ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية والأشاعرة ، لأنّ هذا الإطلاق نابع من أعماق شعور النفس البشرية ، كما أنّ طبائع الناس مختلفة فيما بينها ، وليس في هذا الصعيد ميزان مشخّص لتوحيد الطبائع البشرية .
تنبيه : قيل: “إنّ الملائمة والمنافرة جهتان تقتضيان الحبّ والبغض والرضا والسخط ، لا الحسن والقبح العقليان ، فلا معنى لعدّهما من معاني الحسن والقبح”(6).
الإطلاق الثالث :
إطلاق “الحسن” على ما “يوافق الغرض والمصلحة” ، وإطلاق “القبيح” على “ما يخالف الغرض والمصلحة”(7).
ويعبّر عن هذا الحسن والقبح بالمصلحة والمفسدة ، فيقال: الحسن ما فيه مصلحة، والقبيح ما فيه مفسدة .
مثال : إنّ قتل العدو حسن ، لأ نّه موافق لغرض ومصلحة تعود للقاتل ، ولكن قتل هذا الشخص قبيح للمقتول وأهله لمخالفته لغرضهم ومصلحتهم .
ملاحظة : ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية والأشاعرة، لأنّ هذا الحسن والقبح بإجماع الطرفين أمر يدركه العقل ، كما أنّ الأغراض والمصالح الشخصية لا تصحّح توصيف الفعل بالحسن والقبح دائماً ، وذلك لاختلافها ، فربّ فعل كالقتل حسن عند فرد أو جماعة ، ولكنه قبيح عند الآخرين .
تنبيه : لا يوجد خلاف بين العدلية والأشاعرة في إطلاق الحسن والقبح ـ أحياناً ـ على ما فيه الصلاح أو الفساد ، ولكن الخلاف يكمن في أنّ العقل هل يتمكّن بنفسه ومن دون الاستعانة بالشرع من معرفة صلاح أو فساد بعض الأفعال ، أم أ نّه غير متمكّن من ذلك أبداً ، ولابدّ من الرجوع في هذه القضية إلى الشرع فقط ؟
الإطلاق الرابع :
إطلاق الحسن في أفعال العباد على ما تعلّق به مدح الشارع .
وإطلاق القبيح في هذه الأفعال على ما تعلّق به ذم الشارع .
وذلك في الموارد التي لا يستطيع العقل فيها الحكم بالحسن والقبح .
وهذا ما يسمّى بالحسن والقبح الشرعي .
مثال : حسن الصلاة والصوم، وقبح أكل لحم الميتة والربا وفق بيان الشارع .
ملاحظة : ليس في هذا المعنى من الحسن والقبح خلاف بين العدلية والأشاعرة ، وذلك لعدم وجود شكّ بأنّ العقل البشري غير قادر في هذه الموارد على معرفة الحسن والقبح ، وأنّ السبيل إلى هذه المعرفة هو الشرع فقط(8) .
الإطلاق الخامس :
إطلاق الحسن على ما يستحق فاعله “المدح” عقلا .
وإطلاق القبيح على ما يستحق فاعله “الذم” عقلا .
تنبيهات :
1- إنّ الفعل الحسن بالذات هو الفعل الذي يستحق فاعله المدح عقلا ، سواء كان هذا الفاعل هو اللّه تعالى أو العبد .
2- إنّ الفعل القبيح بالذات هو الفعل الذي يستحق فاعله الذم عقلا ، فلهذا ينبغي تنزيه اللّه تعالى عن هذا الفعل.
3- إنّ تطبيق هذا الإطلاق على أفعال اللّه تعالى ليس من باب سراية حكم الإنسان على الباري عزّ وجلّ ، بل هو من قبيل استكشاف قاعدة عامة ضرورية
وبديهية تشمل كلّ فاعل مختار من غير فرق بين الخالق والمخلوق .
4- إنّ هذا الإطلاق للحسن والقبح هو الذي وقع الخلاف فيه بين العدلية والأشاعرة ، وسنبيّن تفصيل ذلك في المبحث القادم .
المبحث الخامس: محل الخلاف بين العدلية والأشاعرة حول حسن وقبح الأفعال
الاختلاف الأوّل :
هل لبعض الأفعال حُسن أو قبح ذاتي ، أم أنّ الحُسن والقبح مجرّد صفات اعتبارية لكلّ الأفعال ، بحيث توجد هذه الصفات عندما يتمّ الاتفاق عليها وتنعدم عندما يزول هذا الاتفاق ؟
رأي الأشاعرة : إنّ الحسن والقبح مجرّد صفات اعتبارية لجميع الأفعال “لأنّ الأفعال كلّها سواسية ليس شيء منها في نفسه حسناً أو قبيحاً بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه ، ولا ذم فاعله وعقابه ، وإنّما صارت كذلك بواسطة أمر الشارع بها ونهيه عنها”(9).
رأي العدلية :
إنّ من الأفعال ما هي حسنة في ذاتها .
وإنّ من الأفعال ما هي قبيحة في ذاتها .
ويكون الشارع عند تحسينه أو تقبيحه لهذه الأفعال كاشفاً لحسنها أو قبحها لا موجباً وسبباً لها(10).
الاختلاف الثاني :
هل يستطيع العقل من صميم ذاته، ومن دون الرجوع إلى الشرع أن يدرك ويكشف حسن وقبح الأفعال ، أم أ نّه لا يستطيع ذلك إلاّ بمساعدة الشرع ؟
رأي الأشاعرة : لا يستطيع العقل ذلك أبداً ، “ولا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها”(11)، وينبغي الرجوع إلى الشرع من أجل معرفة حسن وقبح جميع الأفعال .
رأي العدلية : دور العقل في إدراك حسن وقبح الأفعال(12):
أوّلاً: يدرك العقل حسن وقبح بعض الأفعال بالضرورة والبداهة .
مثال : حسن العدل وشكر المنعم والصدق النافع والتكليف حسب الطاقة .
وقبح الظلم وكفران المنعم والكذب الضار وتكليف ما لا يطاق .
ثانياً: يدرك العقل حسن وقبح بعض الأفعال بالتفكّر والتأمّل .
مثال : حسن فعل أمر الشرائع وقبح تركها .
ثالثاً: لا يدرك العقل حسن وقبح جملة من الأفعال لا ضرورة ولا بالتفكّر والتأمّل ، فلا يكون للعقل سبيل لمعرفة هذا الحسن والقبح إلاّ عن طريق تحسين وتقبيح الشارع .
مثال : تحسين الشارع صوم شهر رمضان، وتقبيحه صوم يوم عيد الفطر .
تنبيه : ينبغي الالتفات إلى أنّ هذا التحسين والتقبيح من الشارع يدل على وجود جهة محسّنة ومقبّحة في هذه الأفعال ، وقد تكون هذه الجهة غير ذاتية، بل هي مجرّد اختبار لمعرفة مدى امتثال الإنسان لأوامر ونواهي اللّه تعالى .
الاختلاف الثالث :
هل أوامر ونواهي الشرع هي السبب والموجب لحسن وقبح جميع الأفعال ، أم توجد أفعال لها حسن وقبح ذاتي بحيث يكون تحسين وتقبيح الشارع لها وسيلة للكشف عن الحسن والقبح الذي تتصف به بذاتها ؟
رأي الأشاعرة : “الأمر والنهي عندنا من موجبات الحسن والقبح [ لجميع الأفعال ] بمعنى: أنّ الفعل أُمر به فحَسُن ، ونُهي عنه فقَبُح”(13).
رأي العدلية : إنّ بعض الأفعال لها حسن وقبح ذاتي، بحيث : لا يكون أمر الشرع بها ونهيه عنها “موجباً وسبباً” لحسنها وقبحها .
وإنّما يكون أمر الشرع بها ونهيه عنها “كاشفاً ومبيّناً” لحسنها وقبحها الذاتي .
أي: أنّ الفعل حَسَنٌ بذاته ، فلهذا أُمر به ، لا لأنّه أُمر به فأصبح حسناً .
وإنّ الفعل قبيح بذاته ، فلهذا نُهي عنه ، لا لأنّه نُهي عنه فأصبح قبيحاً(14).
مثال : إنّ “العدل” حسن في نفسه ، ولحسنه أمر اللّه تعالى به ، لا أ نّه صار حسناً بعد أن أمر اللّه تعالى به .
وإنّ “الظلم” قبيح في نفسه، ولقبحه نهى اللّه تعالى عنه، لا أ نّه صار قبيحاً بعد أن نهى اللّه تعالى عنه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- انظر: كشف الفوائد ، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث ، الفصل الأوّل ، ص245، 247 .
قواعد المرام ، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة ، الركن الأوّل ، البحث الأوّل ، ص104 .
النافع يوم الحشر ، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل ، ص64 .
إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري: مباحث العدل ، مسألة الحسن والقبح ، ص254 .
كتاب المواقف، عضد الدين الإيجي: ج3 ، الموقف 5 ، المرصد 6 ، المقصد 5 ، ص269 .
2- “كمال الشيء: حصول ما فيه الغرض منه” والنقص ما يقابله .
انظر: مفردات ألفاظ القرآن ، الراغب الأصفهاني: مادة (كمل) .
3- العدلية لقب يطلق على الشيعة والمعتزلة، لأنّهم يقولون بالعدل الإلهي .
4- انظر: صراط الحقّ ، محمّد آصف المحسني: ج2 ، المقصد الخامس ، ص153 .
5- انظر: مصادر الإطلاق السابق .
6- دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر: ج1، المسألة 3، المبحث 11، المطلب 2، مناقشة المظفر، ص376.
7- انظر: المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني ، البحث الثاني ، ص85 .
الالهيات ، محاضرات: جعفر السبحاني ، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: 1 / 233 ـ 234 .
المواقف ، عضد الدين الإيجي: ج3 ، الموقف 5 ، المرصد 6 ، المقصد 5 ، ص269 .
8- انظر: تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل ، مسألة في الحسن والقبح ، ص98 .
9- المواقف ، عضد الدين الإيجي: ج3 ، الموقف 5 ، المرصد 6 ، المقصد 5 ، ص270 .
10- سنذكر مصادر هذا الرأي لاحقاً .
11- المواقف ، عضد الدين الإيجي: ج3، الموقف 5 ، المرصد 6 ، المقصد 5 ، ص268 .
12- انظر: قواعد المرام ، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة ، الركن الأوّل ، البحث الثاني، ص 104 .
إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري: مباحث العدل ، مسألة الحسن والقبح ، ص 255 .
13- شرح المقاصد ، سعد الدين التفتازاني: ج4 ، المقصد 5 ، الفصل 5 ، المبحث 3 ، ص283 .
14- سنذكر مصادر هذا الرأي لاحقاً .
المصدر: العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) / الشيخ علاء الحسون