- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 5 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المبحث الثامن: إثبات الحسن والقبح العقليّين في القرآن الكريم
توجد آيات قرآنية تدل بظاهرها على أنّ العقل البشري قادر بذاته على إدراك حسن وقبح بعض الأفعال ، ومن هذه الآيات :
1- { وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ } [ الأعراف: 28 ]
وجه الدلالة : تبيّن هذه الآية بأنّ الكفار كانوا يفعلون القبائح مع اعترافهم بقبحها ، ولكنهم يعتذرون عن ذلك بأنّ اللّه تعالى أمرهم بها، فأبطل اللّه تعالى مقالتهم، وبيّن في هذه الآية بأ نّه تعالى لا يأمر بالفحشاء .
تنبيه : إنّ ظاهر قوله تعالى: { قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ } هو أنّ اللّه تعالى ينهى عن الفحشاء ، لأنّ الفحشاء قبيحة في نفسها ، لا أنّ الفحشاء تكون قبيحة بعد نهي اللّه تعالى عنها(1).
2 ـ { قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ } [ الأعراف: 33 ]
وجه الدلالة : تبيّن هذه الآية بأنّ الشريعة تحرّم ما يكون قبيحاً في نفسه .
والفاحشة: “هي الفعلة أو الخصلة التي فحش قبحها في الفطر السليمة والعقول
الراجحة التي تميّز بين الحسن والقبيح والضار والنافع”(2).
تنبيه : لو كان القبيح ما نهى عنه الشارع فقط ـ كما ذهبت إليه الأشاعرة ـ : فسيكون معنى قوله تعالى { قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ } : “قل إنّما حرّم ربي ما حرّم” !
وهذا المعنى بعيد عن الفصاحة والبلاغة .
3 ـ { أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ } [ الأعراف: 29 ]
وجه الدلالة : إنّ هذه الآية تشبه الآية السابقة في وجه الدلالة .
أي: لو كان القسط عبارة عما أمر به الشارع فقط ـ كما ذهبت إليه الأشاعرة ـ : فسيكون معنى هذه الآية: “أمر ربي ما أمر به” !
وهذا المعنى بعيد عن الفصاحة والبلاغة .
فنستنتج بأنّ “القسط” حسن بذاته، ولهذا أمر اللّه تعالى به ، وليس “القسط” حسنٌ لأنّ اللّه تعالى أمر به .
4- { وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13 ]
وجه الدلالة : إنّ تعليل قبح الشرك بأ نّه ظلم عظيم يدل على أنّ قبح هذا الفعل تابع لملاك عقلي وهو قبح الظلم .
فالشرك قبيح، لأ نّه ظلم .
والظلم قبيح، لأ نّه قبيح بذاته، وما هو قبيح بذاته لا يعلّل قبحه بعنوان آخر .
5 ـ { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي
التَّوْراةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ } [ الأعراف: 157 ]
وجه الدلالة : إنّ “المعروف” هو ما تَعرف العقول السليمة حُسنه ، وترتاح له القلوب الطاهرة لموافقته للفطرة الإنسانية .
وإنّ “المنكر” هو ما تَعرف العقول السليمة قُبحه ، وتشمَئزّ منه القلوب الطاهرة لمنافرته للفطرة الإنسانية .
وأمّا تفسير “المعروف” بما أمرت به الشريعة .
وتفسير “المنكر” بما نهت عنه الشريعة .
فهو من قبيل تفسير الماء بالماء !(3)
وإذا كان “المعروف” هو ما أمرت به الشريعة ، فسيكون معنى: { يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } أي: يأمرهم بما أمرهم به ! وهذا المعنى غير صحيح .
وإذا كان “المنكر” هو ما نهت عنه الشريعة ، فسيكون معنى: { وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ } أي: ينهاهم عما نهاهم عنه ! وهذا المعنى غير صحيح .
فيثبت وجود ما هو حسن وقبيح قبل أمر الشارع ونهيه .
6- { أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ } [ المؤمنون: 115 ]
وجه الدلالة : إنّ هذه الآية تحتجّ على منكري القيامة ، وتبيّن لهم بأنّ إنكار القيامة يلزم كونه تعالى عابثاً في خلقه للإنسان .
ولا يتم هذا الاحتجاج إلاّ إذا كان العبث قبيحاً عندهم ، وكونه تعالى منزّهاً عن فعل القبيح .
وبما أنّ هؤلاء المنكرين لم يكونوا من المؤمنين بالرسالة ، فيكشف اعترافهم بقبح العبث أنّ هذا التقبيح نابع من عقولهم .
7 ـ { هَلْ جَزاءُ الإِحْسانِ إِلاَّ الإِحْسانُ } [ الرحمن: 60 ]
وجه الدلالة : يفيد الاستفهام الاستنكاري في هذه الآية “التأكيد”.
ويفيد سياق النفي والاستثناء في هذه الآية “الحصر”.
وعليه فالآية تنص على أصل كلّي ثابت في العقول وهو: “حسن جزاء الإحسان بالإحسان” و “قبح جزاء الإحسان بالإساءة” .
8- { أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [ القلم: 35 ـ 36 ]
وجه الدلالة : تفيد هذه الآية قاعدة عقلية ثابتة، وهي حسن التفريق بين المحسن والمسيء وقبح التساوي بينهما .
وقد ترك اللّه تعالى في هاتين الآيتين القضاء والحكم إلى “العقل”، وهذا ما يدل على قدرة “العقل” على التمييز بين الحسن والقبح في هذه القضايا .
9- { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ } [ ص : 28 ]
وجه الدلالة : يشبه وجه الدلالة في هذه الآية ما ذكرناه في وجه دلالة الآية السابقة .
10- { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسانِ … وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ… }[ النحل: 90 ]
وجه الدلالة : تبيّن هذه الآية وجود أُمور توصف بالعدل والإحسان والفحشاء والمنكر قبل تعلّق الأمر والنهي الشرعي بها .
وتفيد هذه الآية بأنّ الإنسان يجد من صميم ذاته ومن دون استعانته بالشرع اتّصاف بعض الأفعال بهذه الأوصاف ، بحيث لا يكون دور الشرع في هذه الحالة سوى تأكيد إدراك العقل بالأمر بالحسن والنهي عن القبيح .
المبحث التاسع: رأي الأشاعرة حول حسن وقبح الأفعال
أوّلا : رأي الأشاعرة حول الحسن والقبح الذاتي للأفعال :
1- إنّ الحسن والقبح صفات اعتبارية لجميع الأفعال “لأنّ الأفعال كلّها سواسية ، ليس شيء منها في نفسه [ حسن أو قبيح ] بحيث يقتضي مدح فاعله وثوابه ، ولا ذم فاعله وعقابه ، وإنّما صارت كذلك بواسطة أمر الشارع بها ونهيه عنها”(4) .
2 ـ “لا حسن ولا قبح للأفعال قبل ورود الشرع”(5) .
3- “ولو عكس الشارع القضية فحسّن ما قبّحه ، وقبّح ما حسّنه لم يكن ممتنعاً”(6) .
4- لا يوجد أيُّ حسن أو قبح ذاتي للأفعال، بل “إنّ الفعل أُمر به فَحسُن، ونُهي عنه فقَبُح”(7) .
5- “ما ورد الأمر به فهو حسن ، وما ورد النهي عنه فقبيح، من غير أن يكون للعقل جهة محسّنة أو مقبّحة في ذاته”(8).
6- “فإن قال: فإنّما يقبح الكذب لأ نّه قبّحه [ الشرع ] ، قيل له: أجل ولو حسّنه
لكان حسناً ، ولو أمر به لم يكن عليه اعتراض”(9).
ثانياً : رأي الأشاعرة حول دور العقل في إدراكه وكشفه لحسن وقبح الأفعال من دون الاستعانة بالشرع:
1- لا يستطيع العقل أن يدرك أو يكشف حسن وقبح الأفعال في جميع الأحوال “ولا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها”(10)، وينبغي الرجوع إلى الشرع من أجل معرفة حسن وقبح جميع الأفعال .
2- “إنّ العقل لا يحكم [ ولا يمكنه العلم ] بأنّ الفعل [ الفلاني ] حسن أو قبيح في حكم اللّه تعالى”(11).
____________
1- انظر: الميزان، العلاّمة الطباطبائي: ج8 ، تفسير آية 10 ـ 25 من سورة الأعراف ، ص59 .
2- تفسير المنار، محمّد رشيد رضا : ج8 ، تفسير آية 33 من سورة الأعراف ، ص349 .
3- تفسير القرآن الحكيم المشهور بتفسير المنار، محمّد رشيد رضا: ج9 ، تفسير آية 157 من سورة الأعراف ، ص193 (بتصرّف) .
4- المواقف، عضد الدين الإيجي: ج3 ، الموقف 5 ، المرصد 6 ، المقصد 5 ، ص270 .
5- المصدر السابق: ص268 .
6- المصدر السابق .
7- شرح المقاصد، سعدالدين التفتازاني: ج4، المقصد 5، الفصل 5، المبحث 3، ص283.
8- شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج4، المقصد 5، الفصل 5، المبحث 3، ص282 .
9- اللمع ، أبو الحسن الأشعري: الباب السابع ، ص116 .
10- المواقف، عضد الدين الإيجي : ج3، الموقف 5 ، المرصد 6 ، المقصد 5 ، ص268 .
11- شرح المقاصد ، سعد الدين التفتازاني، ج4 ، المقصد 5 ، الفصل 5 ، المبحث 3، ص282 .
المصدر: العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) / الشيخ علاء الحسون