- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 7 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المبحث السابع: الرزق والتوكّل
إنّ المتوكّل على اللّه تعالى في مجال الرزق هو الذي يعتقد بأنّ اللّه تعالى “يوفّر له الرزق”.
ولا يخفى بأنّ “الطلب” لا ينافي “التوكّل”(1).
لأنّ “توفير الرزق” شيء، و”الحصول على الرزق” شيء آخر.
فاللّه تبارك وتعالى يوفّر للعبد “الرزق”، وأمّا “الحصول على الرزق” فهو تابع لطلب العبد وسعيه في الحصول على هذا الرزق.
مثال : إنّ اللّه تعالى هو الذي يرزق الطيور، أي: هو الذي “يوفّر لها الرزق”، وأمّا “نفس الحصول على الرزق” فهو يرتبط بطلب الطيور لذلك.
ولهذا قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): “لو انّكم تتوكّلون على اللّه حقّ توكّله، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً”(2).
أي: تذهب مبكرة لطلب الرزق وهي جائعة، ثمّ تعود في العشي وهي ملأى البطون .
فالطيور متوكّلة، ورزقها بيد اللّه تعالى، ولكنّها مع ذلك لا تترك طلب الرزق، بل تبذل غاية جهدها في هذا السبيل(3).
وهذا ما يثبت بأنّ “الطلب” لاينافي “التوكّل”.
حديث آخر حول التوكّل وطلب الرزق : قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): “لا تدع طلب الرزق من حلّه، فإنّه عون لك على دينك، واعقل راحلتك وتوكّل”(4).
المبحث الثامن: الرزق والقسمة
إنّ قسمة اللّه الأرزاق بين العباد على نحوين:
1 ـ القسمة العامة
2 ـ القسمة الخاصة
معنى القسمة العامة :
تعني قسمة اللّه الأرزاق بين العباد (بمعناها العام):
إنّ اللّه تعالى وفّر لجميع العباد العديد من فرص الحصول على الرزق، ثمّ جعل نظام الأسباب والمسببات سبيلاً ليحصلوا من خلاله على الرزق.
فمن تمسّك بالأسباب الموصلة إلى الرزق كان احتمال حصوله على الرزق أكثر ممن يترك هذه الأسباب ويهملها ولا يهتم بها.
معنى القسمة الخاصة :
تعني قسمة اللّه الأرزاق بين العباد (بمعناها الخاص):
إنّ اللّه تعالى لم يترك نظام الأسباب والمسببات ليعمل كيفما يشاء أو كيفما يحرّكه العباد، بل قد تتدّخل الإرادة الإلهية الحكيمة، فتتحكّم بمقدار توفير الرزق لبعض العباد أو مقدار منع البعض من الحصول على الرزق.
ولهذا التدخّل الإلهي دواع حكيمة كثيرة، منها: اختبار مدى شكر العباد إزاء الغنى، واختبار مدى صبرهم إزاء الفقر والحرمان.
بعض الآيات القرآنية المشيرة إلى القسمة الخاصة :
1 ـ { اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ }[العنكبوت: 62 ].
2 ـ { إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ }[ سبأ: 39 ].
3 ـ { إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِساب }[ آل عمران: 37 ].
تنبيهان :
1- إنّ التدخّل الإلهي في تقسيم أرزاق العباد لا يتحقّق على نحو الإعجاز، وإنّما يكون في إطار نظام الأسباب، لأنّ اللّه تعالى أبى أن تجري الأمور إلاّ بأسبابها.
ومن هذا القبيل قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): “إذا سبّب اللّه للعبد الرزق في أرض، جعل له فيها حاجة”(5).
2- لا يستطيع الإنسان الذي بذل غاية الجهد في الحصول على الرزق، ثمّ لم يحصل على مايريد أن يجزم بأنّ اللّه تعالى هو السبب في حرمانه، لأنّ السبب قد يكون نتيجة جهله بكيفية استفادته من نظام الأسباب للحصول على الرزق.
بعض الأحاديث الشريفة الواردة حول القسمة في الرزق :
1- قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): “أيّها الناس إنّ الرزق مقسوم، لن يعدو امرىء ما قسم له، فاجملوا في الطلب”(6).
معنى الحديث : أيّها الناس; إنّ اللّه تعالى وفّر لكم نطاقاً محدّداً من فرص الحصول على الرزق، فعليكم أن تعرفوا الحدود التي أتاحها اللّه لكم في صعيد كسب الرزق، لئلا تتجاوزوها، فترهقون أنفسكم من دون فائدة.
وليكن طلبكم للرزق منسجماً مع ما مكّنكم اللّه تعالى منه.
وليكن طلبكم للرزق متّزناً ومتصّفاً بما لا يتنافى مع المروءة.
2- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): “من أصبح وأمسى والدنيا أكبر همّه، جعل اللّه تعالى الفقر بين عينيه، وشتّت أمره، ولم ينل من الدنيا إلاّ ما قسم له…”(7).
معنى الحديث : إنّ الإنسان مهما يبذل الجهد لطلب الرزق، فإنّه لا يحصل من الرزق إلاّ ما مكّنه اللّه من الحصول عليه، ولهذا ليس للإنسان إلاّ الطلب في إطار ما وفّر اللّه تعالى له من فرص للحصول على الرزق.
وأمّا الهمّ والغمّ وغيرها من الحالات النفسيّة السلبيّة فإنّها لا تؤدّي إلى زيادة رزق الإنسان، والمتّصف بهذه الرذائل لا ينال من الدنيا إلاّ ما قُسم له، أي: لا ينال بطلبه إلاّ الرزق الذي وفّره اللّه تعالى له.
رضا الإنسان بما قسّم اللّه له من الرزق :
1 ـ الرضا بالقسمة العامة
إنّ رضا الإنسان بالقسمة العامّة يعني رضاه بنظام الأسباب الذي جعله اللّه تعالى سبيلاً ليحصل الإنسان من خلاله على الرزق، وعدم التذمّر والسخط من جعل اللّه هذا النظام وسيلة للحصول على الرزق.
2 ـ الرضا بالقسمة الخاصة :
إنّ رضا الإنسان بالقسمة الخاصة يعني: رضاه بتدخّل الإرادة الإلهية في بعض الأحيان وتحكّمها بمقدار توفير الرزق لبعض العباد أو منعها البعض الآخر من الحصول على الرزق.
تنبيه : لا يكون الرضا بقسمة اللّه تعالى إلاّ بعد بذل الإنسان الجهد في طلب الرزق، وأمّا المتهاون والمتكاسل في طلب الرزق، فإنّه ينبغي أن لا يلوم إلاّ نفسه، لأنّ اللّه تعالى قد وفّر له العديد من فرص الحصول على الرزق، لكنه لم يستفد منها ولم ينتفع بها، فضيّع الفرصة على نفسه بنفسه.
فهكذا شخص لا يحقّ له أن ينسب قلّة رزقه إلى اللّه تعالى.
بعض الأحاديث الشريفة الواردة حول الرضا بالقسمة :
الحديث الأوّل :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): “من لم يرض بما قسّم اللّه له من الرزق، وبثّ شكواه ولم يصبر ولم يحتسب، لم ترفع له حسنة، ويلقَ اللّه وهو عليه غضبان إلاّ أن يتوب”(8).
معنى الحديث : إنّ اللّه تعالى جعل لكلّ إنسان نطاقاً محدّداً لطلب الرزق، وليس للإنسان إلاّ السعي من أجل الانتفاع من جميع الفرص المتاحة له.
ولا يخفى بأنّ هذا التحديد لنطاق طلب الرزق يكون نتيجة أحدِ الأمرين التاليين:
1- عمل نظام الأسباب والمؤثّرات الخارجية المتحكّمة بها، سواء كانت هذه المؤثّرات ـ التي تعمل في ظل مشيئة اللّه ـ من ذات الأسباب أو كانت هذه المؤثّرات من تدخّل العباد بها.
2 ـ تدخّل الإرادة الإلهية بصورة مباشرة.
فمن لم يرض بالنطاق المحدّد له في الرزق، فإنّ معنى ذلك أنّه:
أوّلا: لم يرض بنظام الأسباب الذي شاءه اللّه تعالى لهذا العالم.
ثانياً: لم يرض بتدخّل الإرادة الإلهية في تقسيم الرزق.
وكلا هذين الأمرين اعتراض على اللّه تعالى، فيكون عدم الرضا في هذا المجال عدم رضا بالمشيئة والإرادة الإلهية، وهذا الأمر معصية، وينبغي لهذا الشخص أن يتوب من هذه المعصية.
الحديث الثاني :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): “… إنّ لكلّ امرىء رزقاً هو يأتيه لا محالة، فمن رضي به بورك له فيه ووسعه، ومن لم يرض به لم يبارك له فيه ولم يسعه…”(9).
معنى الحديث : إنّ اللّه تعالى يوفّر لكلّ إنسان فرصة الحصول على الرزق، وليس للإنسان إلاّ السعي من أجل الحصول على الرزق الذي وفّره اللّه تعالى له.
فمن سعى وطلب الرزق حتّى توصّل إليه ، فعليه أن يرضى بما وفّره اللّه تعالى له ومكّنه من الحصول عليه، ليبارك اللّه تعالى له في هذا الرزق، ويوفّر له المزيد من الفرص الأُخرى.
ومن لم يرض بالرزق الذي مكّنه اللّه تعالى منه، فإنّه تعالى سيسلب منه البركة، وسيحرمه من الفرص الأُخرى لنيل الرزق.
الحديث الثالث :
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): “من رضي من اللّه باليسير من الرزق، رضى اللّه منه بالقليل من العمل”(10).
معنى الحديث : إنّ الإنسان قد يسعى ـ وفق نظام الأسباب ـ من أجل الحصول على ما وفّره اللّه تعالى له من الرزق، ولكنّه لا يحصل من الرزق إلاّ على القليل.
وهنا بيّن اللّه تعالى الموقف النموذجي لمثل هذا الشخص، وهذا الموقف يكون في الصعيدين التاليين:
أوّلاً: الصعيد السلوكي
ينبغي أن يكون موقف الإنسان في هذا الصعيد مواصلة الطلب والسعي(11)، لأنّ السبب في عدم الحصول على الرزق قد لا يكون نتيجة إرادة اللّه تعالى، وإنّما يكون نتيجة جهل الإنسان بنظام الأسباب والمسببات.
ثانياً: الصعيد القلبي
ينبغي أن يكون موقف الإنسان في هذا الصعيد الرضا بالقليل الذي رزقه اللّه تعالى، لأنّ الرضا في هذا المجال يعني:
1- الرضا بنظام الأسباب الذي جعله اللّه تعالى لتمشية الأُمور في هذا العالم.
2 ـ الرضا بالتدخّل الإلهي المحتمل في تحديد الرزق.
وقد وعد اللّه هذا الشخص ـ الذي يتوصّل إلى القليل من الرزق بعد بذله الجهد والسعي المطلوب، ثمّ يكون موقفه الرضا بهذا القليل ـ أن يرفق به في محاسبته الأخروية وأن يرضى منه القليل من العمل.
معنى بعض الآيات الواردة حول الرزق الإلهي :
1-{ وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ }[ الطلاق: 2 ـ 3 ].
معنى الآية : إنّ أبواب طلب الحلال قد تغلق ـ لفترة ـ بوجه الإنسان، وتنفتح له من جهة أُخرى أبواب الحرام، فتكون هذه الحالة فرصة يختبر بها اللّه تعالى مستوى تحفّظ هذا الشخص من الحرام.
وهذه الآية تبشّر العباد بأنّه تعالى خلق الأرض بصورة لا تخلو من الرزق الحلال، ومن يتق اللّه يجعل اللّه له مخرجاً، ويوفّر له الرزق الحلال من حيث لا يتوقّع.
ولا يخفى بأنّ “توفير الرزق” ـ كما تبيّن سابقاً ـ لا يعني “إيصاله”، بل معنى ذلك “تمكين” الإنسان من الوصول إليه، أمّا “الوصول” فهو مرتبط بطلب الإنسان وسعيه واستفادته من النظام السببي الذي خلقه اللّه تعالى في هذا العالم.
وبصورة خاصة، فإنّ الإرادة الإلهية قد تتدخّل بصورة مباشرة، وتحرّك الأسباب لتجعل مخرجاً لعبادها المتقين، فتوصل إليهم “الرزق” من حيث لا يتوقّعون.
2 ـ { وَما مِنْ دَابَّة فِي الاَْرْضِ إِلاّ عَلَى اللّهِ رِزْقُها }[ هود: 6 ].
معنى الآية : إنّ اللّه تعالى وفّر في الأرض ما تحتاج إليه الدوابّ، ومكّنها من الانتفاع، وهيّأ لها أسباب الوصول إلى هذا الرزق، وليس للدواب سوى طلب هذا الرزق، والسعي من أجل الحصول عليه.
3- { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاق نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيّاكُمْ }[ الإسراء: 31 ].
معنى الآية : لا تقتلوا أولادكم مخافة الفقر والفاقة، لأنّنا وفّرنا لكم ولهم في الأرض الكثير من فرص الحصول على الرزق، وسنهيّىء لكم ولأولادكم هذه الفرص لتتمكّنوا من الحصول على الرزق، ولهذا فلا داعي لأن تقتلوا أولادكم.
4 ـ {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّة لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللّهُ يَرْزُقُها وَإِيّاكُمْ }[العنكبوت: 60 ].
معنى الآية : إنّ بعض الدواب لا تحمل رزقها، أي: لا تدّخره ولا تجمعه كما يفعل الإنسان والنمل والفار، فبيّنت هذه الآية بأنّ اللّه تعالى يوفّر الرزق لجميع هذه الدواب، ويمكّنها من الوصول إلى ما تنتفع به.
لأنّ اللّه تعالى هيّأ في الأرض الكثير من الفرص للحصول على الرزق، وليس للكائنات الحيّة إلاّ طلب ما وفّره اللّه تعالى لها.
فإذا كانت الدواب التي لا تدّخر لنفسها الرزق تحصل على رزقها، فكيف بالإنسان الذي أعطاه اللّه تعالى الكثير من القدرات للحصول على الرزق، وجعله قادراً على ادّخار الرزق لنفسه ومنحه العقل والفكر لتدبير معاشه؟
5 ـ { وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْض فِي الرِّزْقِ } [ النحل: 71 ].
معنى الآية : إنّ اللّه سبحانه وتعالى جعل نظام الأسباب بحيث تكون فرص الحصول على الرزق متوفّرة للبعض أكثر من البعض الآخر، وهذا ما يؤدّي إلى وجود التفاضل بين العباد في مجال الرزق.
وبصورة خاصّة فإنّ الإرادة الإلهية قد تتدخّل بصورة مباشرة لتفضّل بعض العباد على البعض الآخر في الرزق.
ومن أهم الدواعي لهذا التفاضل هو اختبار العباد، وتحديد مدى شكرهم إزاء الغنى ومدى صبرهم إزاء الفقر والحرمان.
____________
1- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: 261، إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: 290.
2- بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج71 ، كتاب الإيمان والكفر، باب63 ، ح51، ص151 .
3- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: 1/367، إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: 290.
4- انظر: الأمالي، الشيخ المفيد: المجلس الثاني والعشرون ، ح1، ص172 .
5- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج76، كتاب الآداب والسنن، باب 45، ح4 ، ص 221 .
6- لمصدر السابق: كتاب الروضة، باب 70، ح10، الحديث الثاني عشر، ص181.
7- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج73، كتاب الإيمان والكفر، باب 122، ح6، ص17.
8- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج72، كتاب الإيمان والكفر، باب 119، ح6، ص329.
9- بحار الأنوار،العلاّمة المجلسي:ج77، كتاب الروضة،باب7، ح10، الحديث الحادي والثلاثون، ص187.
ولهذا الحديث تكملة ذكرناها في قسم الرزق الذي يتمّ الحصول عليه من دون طلب.
10- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج71، كتاب الإيمان والكفر، باب 86 ، ح17، ص348.
11- هذا ما أشارت إليه الأحاديث الشريفة التي حثّت على طلب الرزق وذمّت تركه، وقد ذكرنا جملة من هذه الأحاديث سابقاً .
المصدر: العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) / الشيخ علاء الحسون