- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 10 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
لا شك ولا ريب أن الركب الحسيني بعد وصوله إلى الكوفة قادماً من كربلاء حصلت له أحداث ومواقف قد سجلها التاريخ لنا، منها: خطبة للسيدة زينب الكبرى (ع)، وخطبة أخرى لفاطمة الصغرى بنت الحسين (ع)، وثالثة لأم كلثوم بنت علي (ع)، ورابعة للإمام علي زين العابدين (ع).
متى دخل الركب الحسيني الكوفة
أكثر المصادر التأريخية تذكر أن عمر بن سعد كان قد ارتحل من كربلاء إلى الكوفة في اليوم الحادي عشر بعد الزوال، حاملاً معه بقايا الركب الحسيني، وفي ضوء حساب المسافة وسرعة الدواب في ذلك العصر، فإن الأرجح أن عمر بن سعد ومن معه يمسون عند مشارف الكوفة أوّل الليل ـ أي ليلة الثاني عشر ـ هذا إذا كانوا قد جدّوا السير إلى الكوفة.
من هنا فإن الأرجح أن الركب الحسيني قد بات ليلة الثاني عشر في صحبة عسكر ابن سعد في منزل من منازل الطريق القريبة جداً من الكوفة أو على مشارفها، والظاهر أن عمر بن سعد كان قد دخل الكوفة نهار اليوم الثاني عشر مع عسكره وبقية الركب الحسيني أسرى وسبايا، ودخوله الكوفة نهاراً لا ليلاً أمر يقتضيه العامل الإعلامي، وزهو الإنتصار والمباهاة بالظفر في صدر كل من ابن زياد وابن سعد واعوانهما، وهناك أيضاً إشارات تأريخية تؤكد أن دخول عمر بن سعد الكوفة كان في النهار، منها:
ما رواه سهل بن حبيب الشهرزوري قال: «… فدخلت الكوفة فوجدت الأسواق معطلة، والدكاكين مغلقة، والناس مجتمعون خلقاً كثيراً، حَلَقاً حَلَقاً، منهم من يبكي سراً، ومنهم من يضحك جهراً، فتقدّمتُ الى شيخ منهم وقلت له: يا شيخ! ما نزل بكم؟ أراكم مجتمعين كتائب ألكم عيد لست أعرفه للمسلمين!؟
فأخذ بيدي وعدل بي ناحية عن الناس، وقال: يا سيدي، مالنا عيد! ثم بكى بحرقة ونحيب! فقلت: أخبرني يرحمك الله!؟
قال: بسبب عسكرين أحدهما منصور، والآخر مهزوم مقهور!
فقلت: لمن هذان العسكران؟
فقال: عسكر ابن زياد وهو ظافر منصور! وعسكر الحسين بن علي (ع) وهو مهزوم مكسور!
ثم قال: واحرقتاه أن يدخل علينا رأس الحسين (ع)!
فما استتم كلامه إذ سمعتُ البوقات تضرب والرايات تخفق قد أقبلت فمددت طرفي وإذا بالعسكر قد أقبل ودخل الكوفة»[1].
إعلان حالة الطواريء القصوى في الكوفة
لما وصل إلى عبيد الله ابن زياد خبر عودة جيشه بقيادة عمر بن سعد إلى الكوفة، أمر أن لا يحمل أحد من الناس السلاح في الكوفة، كما أمر عشرة آلاف فارس أن يأخذوا السكك والأسواق، والطرق والشوارع، خوفاً من الناس أن يتحركوا حمية وغيرة على أهل البيت (ع) إذا رأوا بقيتهم بتلك الحالة من الأسر والسبي، وأمر أن تجعل الرؤوس في أوساط المحامل أمام النساء، وأن يُطاف بهم في الشوارع والأسواق حتى يغلب على الناس الخوف والخشية[2].
كما أمر عبيد الله بن زياد أن يضعوا الرأس المقدّس على الرمح ويطاف به في سكك الكوفة وقبائلها، واجتمع مائة ألف إنسان للنظر إليه، منهم من كان يهنيء ومنهم من كان يعزي![3].
كيف استقبلت الكوفة بقية الركب الحسيني
كانت الكوفة قد خرجت عن بكرة أبيها لتشهد احتفال ابن زیاد بمقدم جيشه الظافر في الظاهر! ولتشهد بقايا العسكر الذي قاتله جيش عمر بن سعد، ولتتصفّح وجوه السبايا!
ومن أهل الكوفة من كان يعلم بحقيقة مجرى الأحداث، ويُدرك عِظَم المصاب وفظاعة الجناية التي ارتكبتها الكوفة بالأساس، ويدري أن السبايا المحمولين مع عمر بن سعد هم بقية آل النبي (ص)، وأن الرؤوس المشالات على أطراف الأسنة هي رؤوس ابن رسول الله (ص) وأهل بيته وأصحابه، وهم خير أهل الأرض يومذاك، فكان يبكي لعظم الرزية!
ومنهم من كان أموي الميل والهوى، أو جاهلاً لم يعلم بحقائق الأحداث، متوهماً أن والي الكوفة وأميرها قد فتح فتحاً جديداً على ثغر من ثغور المسلمين! وجيء إليه بسبايا من غير المسلمين، فكان يضحك جهراً ويهنيء من يلقاه بهذه المناسبة!!.
قال صاحب رياض الأحزان: «وقد ملئت شوارعها ـ أي الكوفة ـ وسككها وأزقتها من الرجال والنسوان والشيوخ والشبان والصبايا والصبيان من الموالي والمخالف، وحزب الرحمن، وأولياء الشيطان منهم باك ومنتحب، ومنهم ضاحك وطرب، منهم عارف بالواقعة العظمى وأنها جرت على آل النبي محمد (ص)، ومنهم جاهل غافل عن البلوى»[4].
وروى الشيخ الطوسي (ره) بسنده عن حذلم بن ستير قال: «قدمت الكوفة في المحرم سنة إحدى وستين منصرف علي بن الحسين (ع) بالنسوة من كربلاء، ومعهم الأجناد يحيطون بهم، وقد خرج الناس للنظر إليهم، فلما أقبل على الجمال بغير وطاء جعل نساء الكوفة يبكين ويلتدمن[5] فسمعت علي بن الحسين (ع) وهو يقول بصوت ضئيل وقد نهكته العلة، وفي عنقه الجامعة! ويده مغلولة إلى عنقه!: إن هؤلاء النسوة يبكين فمن قتلنا!؟»[6].
ويقول اليعقوبي في تاريخه: «وحملوهنّ إلى الكوفة، فلما دخلن إليها خرجت نساء الكوفة يصرخن ويبكين! فقال علي بن الحسين (ع): هؤلاء يبكين! فمن قتلنا!؟»[7].
ويقول ابن أعثم الكوفي: «وساق القوم حرم رسول الله (ص) من كربلاء كما تساق الأسارى حتى إذا بلغوا بهم إلى الكوفة خرج الناس إليهم فجعلوا يبكون وينوحون…»[8].
وقال السيد ابن طاووس (ره): «قال الراوي: فأشرفت امرأة من الكوفيات فقالت: من أي الأسارى أنتن؟ فقلن: نحن أسارى آل محمّد (ص)!!
فنزلت المرأة من سطحها فجمعت لهنّ ملاء وأُزْراً ومقانع، وأعطتهن فتغطين»[9].
ويصف حاجب عبيد الله بن زياد حال الناس ذلك اليوم فيقول: «… ثم أمر بعلي بن الحسين (ع) فغُلّ، وحمل مع النسوة والسبايا إلى السجن، وكنت معهم، فما مررنا بزقاق إلا وجدناه ملاء رجالاً ونساء يضربون وجوههم ويبكون..!!»[10].
مسلم الجصاص يصف حال الكوفة يومذاك
قال العلامة المجلسي (ره): «رأيت في بعض الكتب المعتبرة روى مرسلاً عن مسلم الجصاص قال: دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة، فبينما أنا أجصص الأبواب وإذا أنا بالزعقات[11] قد ارتفعت من جنبات الكوفة!
فأقبلت على خادم كان معنا، فقلت: مالي أرى الكوفة تضج!؟
قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد.
فقلت: من هذا الخارجي!؟
فقال: الحسين بن علي!
قال: فتركت الخادم حتى خرج ولطمتُ وجهي حتّى خشيت على عيني أن تذهب! وغسلت يدي من الجص، وخرجت من ظهر القصر وأتيتُ إلى الكناس، فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس، إذ أقبلت نحو أربعين شقة[12] تُحمل على أربعين جملاً، فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة (س)، وإذا بعلي ابن الحسين (ع) على بعير بغير وطاء! وأوداجه تشخب دماً! وهو مع ذلك يبكي ويقول:
يا أمة السوء لا سقياً لربعكم ** يا أمة لم تراع جدّنا فينا
لو أننا ورسول الله يجمعنا ** يوم القيامة ما كنتم تقولونا
تسيرونا على الأقتاب عارية ** كأننا لم نشيد فيكم دينا
بني أمية ما هذا الوقوف على ** تلك المصائب لا تُلبون داعينا[13]
تصفقون علينا كفكم فرحاً ** وأنتم في فجاج الأرض تسبونا
أليس جدي رسول الله ويلكم ** أهدى البرية من سُبل المضلينا
يا وقعة الطف قد أورثتني حزناً ** والله يهتك أستار المسيئينا
قال: وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم أم كلثوم وقالت: يا أهل الكوفة! إن الصدقة علينا حرام! وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض.
قال: كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم!
ثم إن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل، وقالت لهم: صه يا أهل الكوفة، تقتلنا رجالكم وتبكينا نساؤكم!؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء!
فبينما هي تخاطبهنّ إذا بضجّة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين (ع)، وهو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله (ص)، ولحيته کسواد السَّبَج[14] قد انتصل منها الخضاب ووجهه دارة قمر طالع والرمح تلعب بها (كذا) يميناً وشمالاً، فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول:
یاهلالاً لما استتم كمالا ** غاله خسفه فأبدى غروبا
ما توهمت يا شقيق فؤادي ** کان هذا مُقدراً مكتوبا
يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها ** فقد كاد قلبها أن يذوبا
يا أخي قلبك الشفيق علينا ** ماله قد قسى وصار صليبا؟
يا أخي لو ترى عليّاً لدى الأسر ** مع اليتم لا يطيق وجوبا
كلما أوجعوه بالضرب ناداك ** بذل يغيض دمعاً سكوبا
يا أخي ضمه إليك وقرّبه ** وسكن فؤاده المرعوبا
ما أذل اليتيم حين ينادي ** بأبيه ولا يراه مجيبا»[15]
خطبة بطلة كربلاء العقيلة زينب الكبرى (س)
ولما رأت العقيلة زينب الكبرى (س) الحشود الكثيرة من أهالي الكوفة قد ملأت الشوارع والطرق والسكك اندفعت إلى الخطابة وإلى التبليغ وإلى تبيان ما جرى على أهل بيت النبوة، وأخذت تحمّل أهل الكوفة مسؤولية نقض العهد والبيعة وقتل ريحانة رسول الله (ص)، وتوخز ضمائرهم وتحرق قلوبهم بتعريفهم عظم ما اجترحوا من جُرم، وقبح ما ألبسوا أنفسهم من عار لا يُغسل أبد الدهر!
قال السيد ابن طاووس (ره): «قال بشير بن خزيم الأسدي: ونظرتُ إلى زينب بنت علي (ع) يومئذ، ولم أر خفرة والله أنطق منها كأنها تُفرغ من لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وقد أومأت إلى النّاس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس!! ثم قالت:
الحمد لله، والصلاة على أبي محمّد وآله الطيبين الأخيار! أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنّة إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ألا وهل فيكم إلا الصَّلفُ النَّطِفُ والصدر الشنف، وملق الإماء، وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أو كفضّة على ملحودة!؟ ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون…».
خطبة فاطمة الصغرى بنت الحسين (ع)
وقال السيد ابن طاووس (ره): «وروی زید بن موسى قال: حدثني أبي، عن جدي قال: خطبت فاطمة الصغرى (س) بعد أن وردت من كربلاء، فقالت: الحمد لله عدد الرمل والحصى وزنة العرش إلى الثرى، أحمده وأؤمن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله (ص)، وأن أولاده ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات!…».
خطبة السيدة أم كلثوم بنت علي (ع)
قال: «وخطبت أم كلثوم بنت علي (ع) في ذلك اليوم من وراء كلتها، رافعة صوتها بالبكاء فقالت:
يا أهل الكوفة سوأة لكم خذلتم حسيناً، وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه!؟ وسبيتم نساءه ونكبتموه!؟ فتباً لكم وسحقاً.
ويلكم أتدرون أي دواء دهتكم!؟ وأي وزرٍ على ظهوركم حملتم !؟ وأي دماء سفكتم!؟ وأي كريمة أصبتموها!؟ وأي صبية سلبتموها!؟ وأي أموال انتهبتموها!؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي (ص)، ونزعت الرحمة من قلوبكم ألا إنّ حزب الله هم الفائزون، وحزب الشيطان هم الخاسرون.
ثم قالت:
قتلتم أخي صبراً، فويل لأمكم ** ستجزون ناراً حرّها يتوقد
سفكتم دماء حرم الله سفكها ** حرمها القرآن ثم محمد
ألا فابشروا بالنار إنكم غداً ** لفي سقر حقاً يقيناً تُخلدوا
وإني لأبكي في حياتي على أخي ** على خير من بعد النبي سيولد
بدمع غزير مستهل مكفكف ** على الخد مني دائماً ليس يجمد
قال: فضح الناس بالبكاء والحنين والنوح ونشر النساء شعورهن، ووضعن التراب على رؤوسهن وخمشن وجوههن وضربن خدودهن، ودعون بالويل والثبور، وبكى الرجال ونتفوا الحاهم فلم يُرَ باكية وباك أكثر من ذلك اليوم»[16].
خطبة الإمام علي زين العابدين (ع)
ثم إن الإمام علي زين العابدين (ع) أوماً إلى الناس أن اسكتوا، فسكتوا، فقام قائماً، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر النبي محمد (ص) ثم صلّى عليه، ثم قال:
أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، أنا ابن من انتهكت حرمته، وسلبت نعمته، وانتهب ماله، وسُبي عياله أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات! أنا ابن من قتل صبراً، فكف بذلك فخراً!… إلى آخر خطبته (ع).
الطواف برأس الإمام الحسين (ع) في سكك الكوفة
قال السيد ابن طاووس (ره): «ثم أمر ابن زياد برأس الحسين فطيف به في سكك الكوفة، ويحق لي أن أتمثل هاهنا بأبيات لبعض ذوي العقول يرثي بها قتيلاً من آل الرسول (ص) فقال:
رأس ابن بنت محمد ووصيه ** للناظرين على قناة يُرفع
والمسلمون بمنظر وبمسمع ** لا منكر منهم ولا متفجعُ
كحلت بمنظرك العيون عمايةً ** وأصم رزؤك كلَّ أُذن تسمعُ
أيقظت أجفاناً وكنت لها كرى ** وأنمت عيناً لم تكن بك تهجع
ما روضة إلا تمنّت أنها ** لك حفرة والخط قبرك مضجع»[17].
وقال الشيخ المفيد (ره): «ولما أصبح عبيد الله بـن زياد بعث برأس الحسين (ع) فدير به سكك الكوفة كلّها وقبائلها، فروي عن زيد بن أرقم أنه قال: مُرَّ به عليَّ وهو على رمح وأنا في غرفة، فلما حاذاني سمعته يقرأ: «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا»[18]. فقفّ[19] والله شعري وناديت: رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب!!
ولما فرغ القوم من التطوّف به بالكوفة ردّه إلى باب القصر، فدفعه ابن زياد إلى زجر بن قيس، ودفع إليه رؤوس أصحابه وسرحه إلى يزيد بن معاوية»[20].
وقال ابن شهر آشوب (ره): «وروى أبو مخنف، عن الشعبي: أنه صلب رأس الحسين (ع) بالصيارف في الكوفة، فتنحنح الرأس وقرأ سورة الكهف إلى قوله: «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى»، فلم يزدهم ذلك إلا ضلالاً!»[21].
الرأس المقدّس يتلو القرآن عند باب دار الإمارة
ينقل صاحب كتاب رياض الأحزان أنّه حكي عن شاهد عيان: أن الرؤوس لما كانت تؤخذ من الرماح وتُنزّل على باب دار الإمارة كانت شفتا رأس الإمام الحسين (ع) تتحركان وهو يقرأ قوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلَاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)[22].
وسالت دما حيطان دار الإمارة
روی ابن عساكر بسنده عن أبي غالب قال: «حدثني بوّاب عبيد الله بن زياد أنه لما جيء برأس الحسين (ع) فوضع بين يديه رأيت حيطان دار الامارة تسايل دماً!!»[23].
ابن زياد يضرب ثنايا الرأس المقدّس بالقضيب
قال الشيخ المفيد (ره): «جلس ابن زياد للناس في قصر الإمارة، وأذن للناس أذناً عاماً، وأمر بإحضار الرأس فوضع بين يديه، فجعل ينظر إليه ويتبسّم! وفي یده قضيب يضرب به ثناياه، وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله (ص) – وهو شيخ كبير – فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له: إرفع قضيبك عن هاتين الشفتين! فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله (ص) عليهما ما لا أحصيه كثرة تقبلهما.
ثم انتحب باكياً، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك! أتبكي لفتح الله!؟ والله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك!
فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى منزله»[24].
وفي نص ما ينقله سبط ابن الجوزي عن ابن أبي الدنيا: «فنهض زيد وهو يقول: أيها الناس أنتم العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة!؟ والله ليقتلن أخياركم وليستعبدن شراركم فبعداً لمن رضي بالذل والعار!
ثم قال: يا ابن زياد، لأحدثنك حديثاً أغلظ من هذا! رأيتُ رسول الله (ص) أقعد حسناً على فخذه اليمنى، وحسيناً على فخذه اليسرى، ثم وضع يده على يافوخيهما، ثمّ قال: اللهم إني أستودعك إياهما وصالح المؤمنين. فكيف كانت وديعة رسول الله (ص) عندك يا ابن زیاد!؟»[25].
أنس بن مالك يعترض على ابن زياد
روی ابن عساكر بأسانيد إلى أنس بن مالك الصحابي أنه قال: «لما أُتي برأس الحسين ـ يعني إلى عبيد الله بن زياد ـ قال: فجعل ينكت بقضيب في يده ويقول: إن كان لحسن الثغر! فقلت: والله لأسوءنك! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل موضع قضيبك منه»[26].
الاستنتاج
كان دخول الركب الحسيني إلى الكوفة في نهار اليوم الثاني عشر من المحرم، وعندها أعلن ابن زياد حالة الطواريء القصوى في الكوفة، وفيها خطبت الحوراء زينب (س)، والسيدة فاطمة الصغرى بنت الحسين (ع)، والسيدة أم كلثوم بنت علي (ع)، كما خطب الإمام السجاد (ع)، هذا وقد طيف برأس الإمام (ع) في سكك الكوفة! وعند وصول الرأس المقدّس عند باب دار الإمارة تلى القرآن، ولما اُدخل على ابن زياد أخذ يضرب ثنايا الرأس المقدّس بالقضيب!!
الهوامش
[1] البحراني، مدينة المعاجز، ج4، ص121.
[2] راجع: الحائري المازندراني، معالي السبطين، ج2، ص57.
[3] راجع: الطبري، كامل البهائي، ص290.
[4] القزويني، رياض الأحزان، ص48.
[5] التدمت المرأة، ضربت صدرها في النياحة، وقيل: ضربت وجهها في المآتم.
[6] الطوسي، الأمالي، ص91، ابن طاووس، اللهوف، ص192.
[7] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص177.
[8] ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج5، ص139.
[9] ابن طاووس، اللهوف، ص191.
[10] الصدوق، الأمالي، ص140، مجلس 31، رقم3.
[11] قال ابن منظور: والزعق الصياح. لسان العرب، ج6، ص46.
[12] الشقة: الشظية أو القطعة المشقوقة من لوح أو خشب أو غيره. ابن منظور، لسان العرب، ج10، ص182.
[13] يُلاحظ في هذا البيت وما بعده ضعف وركاكة ظاهرة، ولعلّ هذه الأبيات من نظم آخرين ثم ألحقت بالأبيات الثلاثة الأولى، والله العالم.
[14] السَّبَج: حجر أسود شديد السواد براق.
[15] المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص114.
[16] ابن طاووس، اللهوف، ص198.
[17] ابن طاووس، اللهوف، ص203.
[18] الكهف، ٩.
[19] أي قام من الفزع. (راجع: الجوهري، الصحاح، ج4، ص1418).
[20] المفيد، الإرشاد، ج2، ص117.
[21] ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج4، ص61.
[22] رياض الأحزان ٥٥ / والآية هي الآية ٤٢ من سورة إبراهيم.
[23] ابن عساكر، تاریخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين (ع)، ص361، رقم 299.
[24] المفيد، الإرشاد، ج2، ص114.
[25] ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص231.
[26] ابن عساكر، تاریخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين (ع)، ص378، رقم 319.
مصادر البحث
1ـ ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح، تحقيق علي شيري، بيروت، دار الأضواء، الطبعة الأُولى، 1411 ه.
2ـ ابن الجوزي، يوسف، تذكرة الخواص، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأُولى، 1418 ه.
3ـ ابن شهرآشوب، محمّد، مناقب آل أبي طالب، النجف، المكتبة الحيدرية، طبعة 1376 ه.
4ـ ابن طاووس، علي، اللهوف في قتلى الطفوف، قم، أنوار الهدى، الطبعة الأُولى، 1417 ه.
5ـ ابن عساكر، علي، تاريخ دمشق، بيروت، دار الفكر، طبعة 1415 ه.
6ـ ابن منظور، محمّد، لسان العرب، قم، نشر أدب الحوزة، طبعة 1405 ه.
7، البحراني، هاشم، مدينة المعاجز الأئمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر، تحقيق عزّة الله المولائي الهمداني، قم، نشر مؤسّسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأُولى، 1413 ه.
8ـ الحائري المازندراني، محمّد مهدي، معالي السبطين في أحوال الحسن والحسين، قم، منشورات الشريف الرضي، بلا تاريخ.
9ـ الصدوق، محمّد، الأمالي، قم، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، الطبعة الأُولى، 1417 ه.
10ـ الطبري، الحسن، كامل البهائي، طهران، مكتبة المرتضوي، الطبعة الأُولى، بلا تاريخ.
11ـ الطوسي، محمّد، الأمالي، قم، دار الثقافة، الطبعة الأُولى، 1414 ه.
12ـ القزويني، محمّد حسن، رياض الأحزان وحدائق الأشجان، طهران، طبعة 1305 ه.
13ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه.
14ـ المفيد، محمد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، الطبعة الأولى، 1413 ه.
15ـ اليعقوبي، أحمد، تأريخ اليعقوبي، بيروت، دار صادر، بلا تاريخ.
مصدر المقالة
الشاوي، علي، مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، قم، مركز الدراسات الإسلامية، طبعة 1421 ه.
مع تصرف بسيط.