- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 7 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المبحث الأوّل: معنى الشر
معنى الشر (في اللغة) : الشر: السوء ، وهو ضدّ الخير(1).
معنى الشر (في الاصطلاح العقائدي) : يطلق الشر على(2) :
1- عدم كمال الوجود مما له شأنية ذلك الكمال ، من قبيل العمى للعين ، أو عدم الثمرة في الشجرة المؤهّلة لإعطاء الثمرة .
2- عدم الوجود مما له شأنية الوجود، من قبيل عدمية وجود الإنسان بعد وجوده ، لأنّ ذلك شرّ بالنسبة إلى هذا الإنسان .
المبحث الثاني: أقسام الشر(3)
1- الشر الحقيقي (الذاتي): وهو أمر عدمي لما من شأنه الوجود ، كالجهل والعجز والفقر بالنسبة إلى الموجود الذي من شأنه العلم والقوّة والغنى .
وسنبيّن توضيح ذلك لاحقاً .
2- الشر القياسي (العرضي): وهو أمر وجودي ، وإنّما يتّصف بالشر لأ نّه يؤدّي إلى إعدام وجود شيء ما أو إعدام كمال وجوده ، كالزلازل والسيول والزواحف السامّة والحيوانات المفترسة و … وسنبيّن توضيح ذلك لاحقاً .
القسم الأوّل :الشر الحقيقي
ليس الشر الحقيقي أمراً وجودياً، بل هو أمر عدمي(4).
أمثلة عدمية الشر الحقيقي(5) :
1- إنّ الجهل هو عدم العلم ، وللعلم وجود ، ولكن الجهل ليس له أي وجود، وإنّما هو مجرّد عدم العلم .
2- إنّ الفقر هو عدم الملك ، وللملك وجود، ولكن الفقر ليس له أي وجود ، وإنّما هو مجرّد عدم الملك . والفقير هو الفاقد للملك والثروة، وليس الفقير هو المالك لشيء اسمه الفقر .
3- إنّ العمى عدم، وليس له واقع ملموس بحيث يوجد في العين شيء يسمى العمى ، وإنّما هو فقدان الرؤية وعدم البصر .
4- إنّ الموت عدم ، وهو فقدان الجسم للحياة وتحوّله إلى جماد، وليس الموت تحصيلا لشيء، بل هو فقدان لشيء .
5- إنّ الظلمة ليست شيئاً سوى عدم النور، والنور له وجود ، وله منشأ يشع منه ، ولكن الظلمة ليس لها وجود، وليس لها مبدأ أو منشأ تشع منه .
ثمرة نظرية عدمية الشرور :
يؤدّي إثبات عدمية الشرور إلى بطلان النظرية الثنوية بجميع اتّجاهاتها المتنوّعة.
بيان ذلك : ذهبت الاتّجاهات الثنوية إلى :
1 ـ أنّ الشر أمر وجودي .
2 ـ أنّ الخير يحتاج إلى مبدأ فاعلي ينسجم (له سنخية) مع الخير .
وأنّ الشرّ يحتاج إلى مبدأ فاعلي ينسجم (له سنخية) مع الشرّ .
فلهذا ينبغي أن يكون موجد “الخير” غير موجد “الشر” .
تقييم نظرية الثنوية حسب القول بعدمية الشر :
تنهار نظرية الثنوية مع إثبات عدمية الشرّ ، لأنّ هذه النظرية تثبت بأنّ الشر ليس أمراً وجودياً ليحتاج إلى موجد أو مبدأ يسانخه ، بل “الشرّ” أمر “عدمي” ، والعدم ليس شيئاً حتّى يحتاج إلى إيجاد .
القسم الثاني : الشر القياسي
إنّ الشرّ القياسي أمر وجودي، أي له وجود ، وهو من قبيل الجراثيم والميكروبات والعقارب السامّة والحيوانات المفترسة والزلازل والعواصف ، فهي موجودة ، وهي ليست شرّاً بذاتها وإنّما توصف بالشرّ عند مقايستها مع الإنسان ، لأ نّها تلحق بالإنسان ما هو شرّ له .
تبيين كيفية اتّصاف الموجودات بالشر :
أقسام الصفات :
الأوّل : الصفات الحقيقية .
الثاني : الصفات القياسية (النسبية) (العرضية).
خصائص الصفات الحقيقية :
1 ـ لها واقعية في الصعيد الخارجي .
2 ـ تثبت هذه الصفات للأشياء بقطع النظر عن أي شيء آخر .
مثال الصفات الحقيقية :
1 ـ صفة الوجود للإنسان ، فهي صفة لها واقعية في الصعيد الخارجي .
2- صفة الحياة للإنسان ، لأنّ الإنسان يتّصف بالحياة بقطع النظر عن مقارنته بأي شيء آخر .
خصائص الصفات القياسية :
1 ـ ليس لها واقعية في الصعيد الخارجي .
2 ـ ينتزعها ذهن الإنسان عن طريق المقايسة بينها وبين شيء آخر .
مثال الصفات القياسية :
1- الصغر والكبر ، فالكبر صفة ليس لها وجود في الواقع الخارجي، وإنّما يتّصف بها الشيء عن طريق مقايسته بما هو أصغر منه .
توضيح المثال : توصف الأرض بالكبر عند مقايستها بالقمر، وتوصف في نفس الوقت بالصغر عند مقايستها بالشمس ، وهذان الوصفان لا يدخلان في حقيقة الموصوف (وهو الأرض) ، وإلاّ لما صح وصف الأرض بوصفين متعارضين في آن واحد(6) .
2- الأوّليّة والثانوية، فهذه الصفات ليس لها وجود خارجي ، وإنّما يتّصف بها الشيء عند مقايسته مع الشيء الآخر.
توضيح المثال : لو شرح الأستاذ موضوعاً لتلميذه مرّتين .
فهذا “الشرح” له في كلّ مرّة صفة خاصة .
ويوصف تارة بالشرح “الأوّل” .
ويوصف تارة أُخرى بالشرح “الثاني” .
ولا يعني هذا أنّ الأستاذ أدّى في كلّ مرّة عملين أحدهما نفس الموضوع، والآخر صفة “الأوليّة” و”الثانوية”، بل: هذه الصفات اعتبارية وقياسية تنشأ من أداء الأستاذ للعمل مكرراً(7).
نوعية “الشر” في الأشياء المتّصفة بالشر : إنّ الأشياء المتّصفة بالشرّ ليست شرّاً من قبيل “الشر الحقيقي” ، بل هي من قبيل “الشر القياسي” .
أي: إنّ شرّها صفة قياسية ينتزعها ذهن الإنسان عند مقايستها مع الأشياء الأخرى .
مثال ذلك :
1- إنّ الجراثيم والميكروبات ليست شرّاً بذاتها، وإنّما توصف بالشرّ لأ نّها تؤدّي إلى فقدان حياة الإنسان أو فقدان صحة بدنه، فهي شرّ بالعرض وبالمقايسة إلى الأمر الذي تقوم به إزاء الإنسان .
2- إنّ العقارب السامّة والحيّات القاتلة والحيوانات المفترسة والسباع الضواري ليست شرّاً بذاتها ، بل تتّصف بالشر نتيجة الأذى الذي تلحقه بالإنسان أو بالكائنات الأُخرى .
3- إنّ الزلازل والعواصف ظواهر طبيعية تنتج من حدوث بعض التغييرات الأرضية والجوية ، وليست هذه الظواهر شراً بذاتها، وإنّما توصف بالشرّ لأ نّها من شأنها تدمير حياة الإنسان وإلحاق الضرر بمنافعه .
ولهذا فإنّ وصف هذه الظواهر بالشرّ لا يكون إلاّ بعد مقايستها مع مصالح ومنافع الإنسان .
تنبيه :
بما أنّ الشر القياسي أمر وجوديٌّ، فلهذا يحتاج هذا “الشر” إلى الخلق والتقدير، ومن هذا المنطلق:
1- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) في تمجيده للّه تعالى: ” … أنت اللّه لا إله إلاّ أنت خالق الخير والشرّ …”(8) .
2- قال(عليه السلام) أيضاً في دعاء عرفة: “اللّهم … بيدك مقادير الخير والشرّ …”(9) .
والمقصود من “الشرّ” في هذا المقام هو “الشرّ القياسي” الذي له وجود، وليس المقصود “الشرّ الحقيقي”، ولا شكّ أنّ الجراثيم والمكروبات والعقارب السامّة والزلازل والعواصف أُمور مخلوقة ويكون الضرر الذي تلحقه بالكائنات الأُخرى وفق مقادير معيّنة .
تنبيهات حول الشرور :
1- إنّ وجود الشرور ـ أي: وجود الكائنات التي تلحق الشرّ بالكائنات الأُخرى ـ لا ينافي الحكمة الإلهية ولا يتعارض مع وجود النظم في العالم ، لأنّ اللّه تعالى جعل هذا العالم مكاناً لاختبار العباد، فجعل الشرور وسيلة لاختبارهم وتمييز مستوى استعانتهم بالصبر إزاء الشرور التي تصيبهم .
2- إنّ اللّه تعالى هو الذي خلق العالم بصورة تتزاحم وتتضاد فيه الموجودات ، فينتهي الأمر إلى نشوء الشرور ، وكان بإمكانه تعالى أن يصمّم عالم الإمكان بصورة لا تقع فيه الشرور ، ولكنه لم يفعل ذلك ، لأ نّه شاء أن تكون الشرور هي الوسيلة لاختبار العباد .
3- لا يصح القول بأنّ اللّه تعالى وجد بأنّ خلقه للعالم يستلزم الخير الكثير والشر القليل ، فرضي بالشر القليل لكثرة الخير، بل الصحيح :
إنّ اللّه عزّ وجلّ هو الذي جعل الدنيا داراً “بالبلاء محفوفة”(10)، وهو الذي خلق الإنسان في كبد(11) (أي: في وسط الآلام والشدائد)، وهو الذي جعل الشر في العالم ليبلوا الناس أيّهم أحسن عملا(12) .
المبحث الثالث: الآلام وأوجه حسنها وقبحها(13)
إنّ الألم من الأُمور الوجدانية المحسوسة لدى كلّ إنسان .
وما يهمُّنا في هذا المقام معرفة أوجه حسن وقبح الألم ، ليمكننا بعد ذلك معرفة أوجه حسن إلحاق الألم من اللّه تعالى بالعباد .
أوجه حسن الألم(14) :
1 ـ الاستحقاق .
2 ـ حصول النفع الوافي .
3 ـ دفع ضرر أعظم من الألم .
أمثلة ذلك : أمثلة حسن إلحاق الأذى والألم بالآخرين على نحو الاستحقاق :
ألف ـ ذم المسيء ، وإن كان ذلك سبباً في تألّمه ، لأ نّه يستحق ذلك .
ب ـ تأديب أهل السوء على إساءتهم ، لأ نّهم يستحقون ذلك .
تنبيه :
يرد على من يرى بأنّ إلحاق الألم من اللّه تعالى بالعباد لا يكون إلاّ للاستحقاق بأنّ الأنبياء أكثر الناس بلاءً ، فلو كان البلاء والألم على وجه الاستحقاق فقط ، لأخلّ ذلك بعصمتهم، بل بعدالتهم .
أمثلة حسن إلحاق الأذى والألم بالنفس أو الغير من أجل الحصول على النفع :
ألف ـ إتعاب النفس وتحمّل المشقّات المؤلمة طلباً للعلم أو الحصول على الأرباح من خلال السفر، فإنّ هذا الألم حسن ، لأنّ به يتم الحصول على النفع الوافي .
ب ـ استئجار الغير لأداء عمل شاق إزاء أجر يعتد به ، فإنّ الألم الذي يتحمّله الإنسان خلال العمل حسن ، لأنّ به يحصل الإنسان على النفع الوافي .
تنبيه :
1- لا يحسن الألم للحصول على النفع إلاّ في حالة عدم وجود سبيل للوصول إلى هذا النفع إلاّ بالإيلام .
ولهذا لا يحسن منّا السفر وإتعاب النفس فيه طلباً للأرباح التي نستطيع أن نظفر بها في بلادنا(15).
أمثلة حسن إلحاق الأذى والألم بالنفس أو الغير من أجل دفع الضرر :
ألف ـ شرب المريض الدواء الكريه والمرّ للتخلّص من المرض .
ب ـ مبادرة الطبيب إلى معالجة المريض عن طريق العملية الجراحية المؤلمة .
أوجه قبح الألم (16):
1 ـ العبث .
2 ـ الظلم .
3 ـ الفساد .
الآلام الصادرة من قبل اللّه تعالى : إنّ جميع الآلام الصادرة من قبل اللّه تعالى حسنة ، لأ نّه تعالى منزّه عن العبث والظلم والفساد .
أوجه حسن الألم الصادر من قبل اللّه تعالى :
1 ـ الاستحقاق :
وهو أن يعجّل اللّه تعالى عقوبة بعض المذنبين في دار الدنيا ، فيصيبهم ببعض الآلام التي يستحقونها .
مثال ذلك :
ألف ـ الحدود والتعزيرات على من ارتكب موجباتها .
ب ـ إنزال العذاب على الأُمم الطاغية بما كانوا يعملون .
2 ـ الغرض والمصلحة :
إنّ اللّه تعالى قد يؤلم البعض لوجود مصلحة ولطف لهم أو لغيرهم ، بحيث يخرج الألم بهذه المصلحة عن كونه عبثاً ، وسنبيّن حكمة الشرور والآلام في المبحث القادم .
3 ـ العوض :
إنّ اللّه تعالى إضافة إلى وجود الحكمة في إلحاقه الألم بالعباد، فإنّه يعوّضهم إزاء ما يؤلمهم ، وبهذا العوض يخرج الألم عن كونه ظلماً، وسيأتي التفصيل حول “العوض” في الفصل اللاحق .
تنبيه : لا يحسن الألم من اللّه تعالى لدفع الضرر، لأ نّه تعالى قادر على دفع كلّ ضرر من دون ألم ، فيكون الألم في هذا المقام عبثاً، واللّه عزّ وجلّ منزّه عن العبث(17) .
____________
1- انظر: الذخيرة ، الشريف المرتضى: الكلام في الآلام ، ص226 .
2- انظر: لسان العرب ، ابن منظور: مادة (شرر) .
3- انظر: الإشارات والتنبيهات ، ابن سينا: ج3، النمط السابع، الفصل 23، ص320 .
4- انظر: العدل الإلهي، مرتضى مطهري، ترجمة: محمّد عبدالمنعم الخاقاني: الفصل الثالث، ص151 ـ 170 .
5- إنّ أساس نظرية عدمية الشرور تعود إلى “أفلاطون” .
انظر: الميزان ، العلاّمة الطباطبائي: ج13، ذيل تفسير آية 82 ـ 100 من سورة الإسراء، ص187 .
6- انظر: الميزان في تفسير القرآن، محمّد حسين الطباطبائي: مبحث: الشرّ عدمي محض، ص159 .
7- انظر: الإلهيات ، محاضرات: جعفر سبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: 1/280 .
8- انظر: العدل الإلهي ، مرتضى مطهري: الفصل الثالث: مبحث: الشر أمر نسبي ، ص 166 .
9- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ، الشيخ الصدوق: ثواب من مجّد اللّه بما مجّد به نفسه ، ص 35 .
10- الإقبال ، السيد ابن طاووس: ج2، الباب الثالث ، ص121 .
11- قال الإمام علي(عليه السلام) حول الدنيا: “دار بالبلاء محفوفة وبالعناء معروفة وبالغدر موصوفة … وإنّما أهلها فيها أغراض مستهدفة ، ترميهم بسهامها ، وتقصمهم بحمامها” .
بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج73، كتاب الإيمان والكفر، باب 122، ح109 ، ص117 .
12- إشارة إلى قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ في كَبَد) [ البلد: 4 ] .
13- قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) [ الأنبياء: 35] .
14- انظر: مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، المبحث السادس، ص255 .
15- انظر: المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، ص104 ـ 105 .
16- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج1 ، القول في الأمراض والآلام، ص322 .
17- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني ، الفصل السادس ، ص142 .
المصدر: العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) / الشيخ علاء الحسون