- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 6 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المبحث الرابع: حكمة الشرور والآلام
1- تثبت البراهين القاطعة بأنّ اللّه تعالى حكيم ومنزّه عن الظلم والأفعال القبيحة، ولهذا يلزم حمل الشرور على ما لا ينافي هذه البراهين القاطعة .
2- عدم معرفة حكمة الشرور والآلام لا يعني عدم وجود حكمة فيها، بل غاية الأمر قصور الفهم وعدم العلم بحكمتها، وقد ورد في النصوص الدينية : قال تعالى: { وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً } [ الإسراء: 85 ]
قال تعالى: { يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا } [ الروم: 7]
قال الإمام علي(عليه السلام): “إنّ الدنيا لم تكن لتستقر إلاّ على ما جعلها اللّه عليه من النعماء والابتلاء والجزاء في المعاد ، أو ما شاء مما لا تعلم ، فإن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك”(1).
3- إنّ البلايا والمصائب خير وسيلة لتفجير الطاقات وازدهار المواهب وتنشيط المساعي والاندفاع نحو الحركة المثمرة والمحاولة المقتدرة والسعي المتواصل والتحرّر من الكسل .
بعبارة أُخرى : يكمن كمال الإنسان في المسارعة نحو الكمال ، ولا يكون ذلك إلاّ في ظل الطموح ، ولا يتحقّق الطموح إلاّ في ظل الحرمان .
4- إنّ أجواء الحياة المحفوفة بالمشاكل والمصاعب تدفع الإنسان الذي يحسن الاستفادة منها إلى غرس الصمود والصلابة في نفسه ، وتزيده قوّة لحلّ المشاكل ورفع الموانع وتحطيم العقبات ومواجهة التيارات المعاكسة التي يجدها خلال مسيرته نحو الكمال .
قال الإمام علي(عليه السلام): “إنّ الشجرة البريّة(2) أصلب عوداً، والرواتع الخضرة(3) أرق جلوداً”(4) .
5- إنّ اللذائذ والشهوات ـ بصورة عامة ـ توجب غفلة الإنسان ، وتؤدّي إلى ابتعاده عن القيم الأخلاقية والكمالات المعنوية، وإنّ البلايا والمصائب والمحن تكون بمنزلة المنبّهات التي توقظ الإنسان وتخفّف من غفلته وطغيانه ، ولهذا قال تعالى: {وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَة مِنْ نَبِيّ إِلاّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } [ الأعراف: 94 ]
{ وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْص مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }[ الأعراف: 130 ]
{ وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاء عَرِيض } [ فصّلت: 51 ]
{ وَلَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَر ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ }[ الشورى: 27 ]
{ وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ }[ المؤمنون: 75 ]
6- إنّ البلايا والمصائب خير وسيلة لإيقاف الإنسان العاصي على نتائج عتوّه وعصيانه ، وهي أدعى لأهل السوء إلى ترك العناد، وأشدّ زجراً لنفوسهم عن الميل إلى الهوى وحبّ الفساد، وهي تتضمّن التحذير لهم ، وتحثّهم على إصلاح نفوسهم .
قال تعالى: { ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الروم: 41 ]
قال الإمام الصادق(عليه السلام): “إنّ اللّه إذا أراد(5) بعبد خيراً فأذنب ذنباً، أتبعه بنقمة، ويذكّره الاستغفار”(6) .
7- إنّ كون البلاء نعمة أو نقمة يرتبط بنوع ردّ فعل الإنسان ، لأنّ الموضوع الواحد قد يختلف وصفه بالنسبة إلى شخصين .
توضيح : إنّ البلايا والمصائب وسيلة لاختبار الإنسان .
فإذا كان موقف الإنسان منها موقف المؤمن الصالح، فسيكون البلاء له خيراً، وسبيلا لوصوله إلى الكمال .
وإن كان موقف الإنسان منها موقف المعاند للحق ، فسيكون البلاء له شراً، وسبيلا لإيصاله إلى النقصان .
مثال : إنّ الفقر بصورة عامة شرّ ، ولكنه إذا كان سبباً في تقرّب الإنسان إلى اللّه تعالى فهو خير .
وإنّ الغنى بصورة عامة خير، ولكنه إذا كان سبباً في ابتعاد الإنسان عن اللّه تعالى فهو شر(7).
وقد قال تعالى: { وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا(8) إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ } [ آل عمران: 178 ]
النتيجة : يُنزّل اللّه تعالى ـ بحكمته ـ وحسب ما تقتضيه المصلحة النعمة والبلاء على الناس .
فمن شكر إزاء النعم وصبر إزاء البلاء فهو من أهل السعادة.
ومن كفر إزاء النعم ولم يصبر إزاء البلاء فهو من أهل الشقاء .
8- إنّ الحكمة من بعض البلايا هو اختبار العباد وتشخيص مستوى استعانتهم بالصبر ، وقد ورد في النصوص الدينية :
قال تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْء مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْص مِنَ الأَمْوالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ } [ البقرة: 155 ]
قال الإمام الصادق(عليه السلام): “إنّ العبد ليكون له عند اللّه الدرجة لا يبلغها بعمله ، فيبتليه اللّه في جسده ، أو يصاب بماله ، أو يصاب في ولده ، فإن هو صبر بلّغه اللّه إيّاها”(9).
9- إنّ بعض الشرور قد تكون لمعاقبة العصاة والمذنبين ، وهي مصائب بما كسبت أيدي الناس ، وقد ورد هذا المعنى في العديد من الآيات القرآنية، منها :
{ أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْن مَكَّنّاهُمْ فِي الأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } [ الأنعام: 6]
{ وَما كُنّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ } [ القصص: 59 ]
{ وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى: 30 ]
{ فَكُلاًّ (من الأمم التي أنزلنا عليها العذاب) أَخَذْنا بِذَنْبِهِ … وَما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ العنكبوت: 40 ]
{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكات مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ } [ الأعراف: 96 ]
تنبيه : إنّ العذاب الذي أباد اللّه تعالى به بعض الأُمم السابقة بما كسبت أيديهم أهلك الظالمين لظلمهم، وأهلك غيرهم لعدم أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر .
ولهذا ورد في القرآن والسنة :
قال تعالى: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } [ الأنفال:25 ]
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): “لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليعمّنكم عذاب اللّه”(10) .
10- إنّ اللّه سبحانه وتعالى يبتلي بعض عباده بالمصائب ليطهّرهم من الأدران والشوائب التي علقت بهم خلال ارتكابهم للذنوب، فيكون ذلك سبيلا لتكفير خطاياهم .
قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): “ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا أذى ولا حزن ولا همّ .. إلاّ كفّر اللّه به خطاياه”(11).
11- إنّ الحكمة من نزول البلايا والمصائب على الأنبياء والأولياء والمخلصين هو تركهم الأولى أو رفع شأنهم ، وقد ورد في الأحاديث الشريفة:
قال الإمام علي(عليه السلام): “إنّ البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة، وللأولياء كرامة”(12).
قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): “إنّ اللّه يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب”(13).
تنبيهان :
1- إنّ بعض مصاديق الخير والشر واضحة عند الإنسان ، والبعض الآخر مبهمة بحيث لا يستطيع الإنسان التمييز بين كونها خيراً أو شراً له ، من قبيل الأُمور المرتبطة بعالم الغيب، وهنا ينبغي للإنسان الرجوع إلى الدين والشريعة الحقّة ليعرف ما هو خير له وما هو شر له .
2- إنّ الإنسان قد ينطلق في تقييمه للشرور والبلاء من رؤية غير شمولية، فيجعل المصالح الآنية مقياساً للتقييم ، وهو غافل عن مصلحته الكلية .
ولهذا قال تعالى: { وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [ البقرة: 216 ]
المبحث الخامس: إيلام غير المكلَّفين
إنّ أسباب الآلام التي تصيب غير المكلّفين (من قبيل الأطفال وذوي العقول القاصرة والبهائم و …) تنقسم إلى قسمين :
الأوّل: يكون المسبّب للألم غير اللّه، من قبيل الذوات العاقلة التي تمتلك الاختيار في الفعل ، فتكون هذه الذوات هي المتحملّة لتبعات إلحاقها الألم بغيرها (فيما لو كان في ذلك تجاوزٌ لحدود العدل) .
الثانية: يعود سبب الألم إلى اللّه تعالى ، وبما أ نّه تعالى عادل وحكيم ، فهو لا يفعل إلاّ ما فيه العدل والحكمة(14) .
أضف إلى ذلك :
1- قد يكون الغرض والحكمة من إلحاق اللّه الألم بغير المكلّفين هو اعتبار واتّعاظ المكلّفين ، وبهذا يخرج هذا الألم عن كونه عبثاً .
2- سيعوّض اللّه تعالى هؤلاء غير المكلّفين في يوم القيامة إزاء هذه الآلام ، وبهذا يخرج الألم عن كونه ظلماً(15) .
تنبيه : ليس في موت الأطفال بصورة مبكّرة ماينافي العدل الإلهي، لأنّ الإبقاء ليس واجباً عليه تعالى ليكون في تركه خلاف العدل ، كما أنّ هؤلاء الأطفال سيجتازون مرحلة التكليف يوم القيامة، وسيتم تحديد مصيرهم هناك من خلال اختيارهم لسبيل السعادة أو الشقاء(16).
وجه حسن إيلامه تعالى للبهائم :
إنّ اللّه تعالى أباح للإنسان ذبح البهائم من أجل الانتفاع بها .
ويكون الغرض الذي يخرج به هذا الإيلام من العبث: انتفاع الإنسان من لحومها وجلودها و … ويكون الأمر الذي يخرج به هذا الإيلام من الظلم: أ نّه تعالى تكفّل أعطاء العوض لهذه البهائم في يوم القيامة(17).
____________
1- للمزيد راجع في هذا الكتاب: الفصل الثامن: التكليف ، المبحث السابع .
2- انظر: هداية الأمة إلى معارف الأئمة ، محمّد جواد الخراساني: ص783 .
3-نهج البلاغة ، الشريف الرضي، رسالة 31، ص541 .
4- الشجرية البرّية: التي تنبت في البرّ الذي لا ماء فيه .
5- الرواتع الخضرة: الأشجار والأعشاب الغضة الناعمة التي تنبت في الأرض الندية .
6- نهج البلاغة ، الشريف الرضي: رسالة 45 (كتاب له(عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري) ، ص575 .
7- إنّ إرادة اللّه تعالى ليست عشوائية، وإنّ منشأها في هذا المقام عمل الإنسان نفسه .
8- الكافي ، الكليني: ج2 ، كتاب الإيمان والكفر، باب الاستدراج ، ح1، ص452 .
9- انظر: اُصول العقائد في الإسلام ، مجتبى الموسوي اللاري: ج1، الأصل الثاني، بحث: تحليل حول الشرور في العالم، ص 181 ـ 182 .
10- إنّ اللام في (لِيَزْدادُوا) ليست للغرض ، لأ نّه تعالى عدل حكيم، ولا يكون الإثم غرضاً لفعله تعالى ، بل اللام هي لام العاقبة والنتيجة، أي: إنّ الإنسان مختار في أفعاله، فإذا اختار الشر، فستكون نتيجته الوقوع في المزيد من الإثم .
11- بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج71، كتاب الإيمان والكفر ، باب 62، ح50، ص94 .
12- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي: ج16 ، كتاب الأمر بالمعروف و …، باب 3، ح[ 21173 ]12 ، ص135 .
13- بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج81 ، كتاب الطهارة ، باب 44، ح45، ص188 .
14- المصدر السابق: ج67، كتاب الإيمان والكفر، باب 12 ، ح54، ص235 .
15- الكافي ، الشيخ الكليني: ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب في تفسير الذنوب، باب نادر، ح2، ص450 .
16- إنّ اللّه تعالى حكيم، وهو منزّه عن الظلم والأفعال القبيحة، وكما أشرنا فيما سبق فإنّ عدم الإلمام بحكمة إيلامه تعالى للأطفال والبهائم لا يعني عدم وجود حكمة في هذا المجال ، بل يعني ذلك عدم علمنا بها .
17- للمزيد راجع في هذا الكتاب: الفصل الخامس: العوض .
المصدر: العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) / الشيخ علاء الحسون