- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 5 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
لم تكن نهضة الإمام الحسين (ع) بالحدث العابر في حياة الأمة الإسلامية، وهذه النهضة المباركة التي كانت ضد الظلم والفساد والإبتعاد عن القيم والمبادئ الإلهية التي جاء بها الإسلام والتي ضحى من أجلها النبي (ص) والمسلمون المخلصون الأوائل، ولم تكن تضحية الحسين (ع) بنفسه واهل بيته وانصاره وما رافق ذلك من سبي نسائه بالذي يمكن ان ينسى من ذاكرة الأمة ولم يكن له ذكر الا في بطون كتب التـاريخ، بل تفاعلت الأمة الإسلامية مع هذا الحدث بحضور جماهيري واسع، بل لم يحصل اي حدث تـاريخي على حضور جماهيري وتفاعل وجداني كالذي حصلت عليه نهضة الحسين (ع) وثورته، وكلما تقدمت الليالي والأيام كلما زاد هذا التفاعل رسوخاً في حياة الأمة وتجذراً في نفوسها وتعمقا في روحها ووجدانها، وكيف لا يكون ذلك ولقد احدثت هذه الثورة هزة في ضمير الأمة الإسلامية وصرخة مدوية في سماء كيانها لا يعرف لصوتها الأخفات، وكيف لا يكون لها هذا التأثير وقد جاءت لتوقض الأمة من نومها وسباتها وتقطع عليها غفلتها وجمودها وتقهقرهـا نحو الجاهلية والتي تخلصت منها منذ عقود من الزمن.
هناك عوامل كثيرة جعلت لهذه الثورة المباركة كل هذه التفاعل والأثر والتأثير على حياة الأمة وكيانها ومن جملتها.
أولاً: شخصية الحسين (ع) الرسالية العظيمة الشأن عند الله عز وجل باعتباره يمثل الحجة الإلهية واحد اوصياء النبي (ص) وباعتباره وارث الأنبياء ولهذا ورد في زيارة وارث الواردة عن الإمام الصادق (ع) السلام عليك يا وارث ادم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث ابراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله، السلام عليك يا وارث امير المؤمنين عليه السلام، وهو اخر من بقي من اصحاب الكساء هذا من جهة ومن جهة اخرى هيبته ومنزلته العظيمة واحترامه من قبل الأمة الإسلامية، وكل ذلك جعل شهادته (ع) تقرح الأمة وتؤلمها وتهزها من اعماقها وتصحو من نومها وسباتها وغفلتها.
ثانياً: الجانب الاعلامي الذي سبق واقعة كربلاء وفي مرحلة نهضته وبعد واقعة كربلاء ويمكن تقسيم الإعلام في واقعة كربلاء إلى ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى: من ادم (ع) إلى قبل خروج الحسين (ع) من المدينة المنورة في أواخر رجب سنة ۶۰ من الهجرة.
المرحلة الثانية: من خروج الحسين (ع) من المدينة في نهاية رجب سنة ۶۰ هجرية الى يوم العاشر من المحرم سنة ۶۱ هجرية.
المرحلة الثالثة: ما بعد يوم العاشر من المحرم سنة ۶۱ هجرية.
نسلط الأضواء على هذه المراحل الثلاث:
المرحلة الأولى: بالإطلاع على موسوعات الأحاديث والروايات الواردة على النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع) نلاحظ ان واقعة كربلاء واستشهاد الحسين (ع) مع اهل بيته واصحابه مخطط لها ومبرمج منذ قديم الزمان وان اول اعلام لإستشهاد الحسين (ع) كان لآدم (ع) ومن ثم اخبر الله عزوجل انبياء اولي العزم نوح (ع) وإبراهيم (ع) وموسى (ع) وعيسى (ع) والنبي محمد (ص) والكل منهم عندما يسمع بالحادثة يلعن يزيد، واعتذر إلى القارئ الكريم عن عدم إيراد النصوص والروايات لأني بصدد كتابه مقالة وليس تحقيق لهذه الحادثة واحيل القارئ الكريم إلى الموسوعات التي كتبت حول واقعة كربلاء. فالنبي محمد (ص) عرّف اصحابه بقتل ولده الحسين (ع) واستشهاده وامرهم بنصرة الحسين (ع) حتى انه اعطى لزوجته أم سلمة تراب من البقعة التي يستشهد عليها الحسين (ع) وقال لها: إذا صار هذا التراب دماً عبيطا فاعلمي انه قد استشهد ولدي الحسين (ع). جبرائيل (ع) ينزل على النبي (ص) عدة مرات وفي أوقات مختلفة ويخبره باستشهاد ولده وان امته ستقتل ولده الحسين (ع). الإمام أمير المؤمنين (ع) يمر بكربلاء من خلال ذهابه إلى صفين ويخبر اصحابه بان هاهنا مصارع عشاقه يحشرهم الله عزوجل إلى الجنة بغير حساب ويأمر اصحابه بنصرة الحسين (ع) والوقوف إلى جانبه. الإمام الحسن (ع) وهو يتجرع مرارة السم وآلامه يقول لأخيه لا يوم كيومك يا أبا عبد الله.
والمرحلة الثانية من الإعلام قام بها الحسين (ع) بنفسه وافتتحها بما دار من حوار بينه وبين والي المدينة الوليد بن عتبة حين طلب منه مبايعة يزيد بن معاوية فقال له الحسين (ع): ايها الأمير انا اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد رجل فاسق فاجر شارب الخمر قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله). هذا اول اعلان لثورة الحسين (ع) بيّن فيه للأمة عدم شرعية مبايعة مثل هذا الخليفة الذي يتصف بالفسق والفجور وشرب الخمر وقتل النفس المحترمة ثم الحسين (ع) يبين بنفسه الهدف من خروجه وحركته على الواقع المتردي للأمة الإسلامية حيث يقول (ع): (اني لم أخرج اشراً ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالماً واني خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي اريد ان أمر بالمعروف وانهى عن المنكر) وفي خطبة اخرى للإمام الحسين (ع) (ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السله والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون). ويعبر الإمام (ع) عن ثورته بانها فتح للأمة الإسلامية من خلال الرسالة التي بعثها إلى بني هاشم حيث يقول (ع): (ومن التحق بنا استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح). واكتفي بهذه النصوص لضيق المقام، والفت نظر القارئ الكريم الى نقطة مهمة وهي ان الخطب والأحاديث والكتب التي بعثها الإمام (ع) سواء التي كانت ابتداءً او اجوبة على رسائل هي وثائق مهمة لدراسة ثورته المباركة ومعرفة خصوصياتها ودقائقها فهي ثورة لا كالثورات التي سمعنا عنها او قرأناها فهي تتسم بالأخلاص لله تبارك وتعالى وبالهدى والرشاد للأمة الإسلامية.
والمرحلة الثالثة من الإعلام بدأت بعد استشهاد الإمام (ع) وبشكل عملي بواسطة ركب السبايا فنفس ركب السبايا بحد ذاتها وانتقالها من مدينة إلى اخرى هو اعلام للثورة ومحفز للناس للتفاعل معها والتأثر بها ولا ننسى دور العقيلة زينب ومواجهتها لابن زياد في الكوفة وليزيد في الشام بالإضافة إلى حديثها مع اهل الكوفة والقاء خطبة في الكوفة امام عبيد الله بن زياد وخطبة في الشام امام يزيد بيّنت فيها مظلومية اهل البيت واهداف ثورة الحسين وشرح ابعادها وأثرها في الأمة الإسلامية. وكذلك دور الإمام السجاد (ع) والقائه الخطب في كل من الكوفة امام عبيد الله بن زياد وخطبة امام يزيد بن معاوية وخاف يزيد ان يثور عليه عامة الناس عندما نظر التفاعل مع الإمام (ع) والبكاء والحزن الذي اظهره الجالسون فقطع على الإمام (ع) خطبته بواسطة الأذان. وبعد جاء دور الأئمة المعصومين (ع) وأولهم الإمام زين العابدين (ع) ومن بعده بقية الأئمة (ع)، فبالإضافة إلى بيان الأحكام الشرعية والعقائدية للمسلمين كذلك ربط الأمة الإسلامية بالحسين (ع) وأهداف ومبادئ الحسين (ع) وذلك من خلال اقامة مجالس العزاء وتشجيع الشعراء لإلقاء القصائد بحق الحسين (ع) وإقامة مجلس العزاء والرثاء والبكاء في بيوتهم حتى انهم يجعلون سترا ويُجلسون نسائهم من خلف الستر وترتفع اصوات البكاء من وراء الستر. وكذلك من وسائل الإعلام، لثورة الحسين (ع) والترويج لها ارشاد المؤمنين إلى زيارة الحسين (ع) وانصاره حتى وصفت بعض النصوص من لم يزر الحسين (ع) بالجفاء للحسين (ع). وإلى اليوم استمر هذا الإعلام لثورة الحسين (ع) بإقامة مجالس العزاء والرثاء وزيارة الحسين (ع) وانصاره فمسألة الإعلام لثورة الحسين (ع) دائم في حياة المسلمين.
ثالثاً: ومن العوامل التي ساعدت على تأثير هذه الثورة في كيان الأمة الإسلامية هي اخلاص وتفاني اصحاب الحسين (ع) في نصرة الدين ونصرة ابن بنت رسول الله (ص) ويصفهم الإمام الحسين (ع) (فأني لا اعلم اصحاباً اوفى ولا خير من اصحابي) نعم اصحاب الحسين (ع) قد سطروا صورا رائعة في الشجاعة والأقدام والتفاني والوفاء وختموا اخرها بالشهادة. ولو نقارن بين اصحاب الحسين (ع) واصحاب النبي (ص) واصحاب امير المؤمنين (ع) واصحاب الحسن (ع) فلاحظ ان اصحاب النبي (ص) هربوا عنه في معركة احد حتى كسرت رباعيته وشج رأسه وتمرد اصحاب امير المؤمنين (ع) في صفين وطالبوه بإيقاف الحرب مع معاوية قالوا: انهم لا يريدون ان يحاربوا القرآن وخان اصحاب الإمام الحسن (ع) الإمام (ع) وتعهدوا لمعاوية ان يسلموا الإمام الحسن (ع) مكتوفاً إذا حدثت الحرب، أما اصحاب الإمام الحسين (ع) فأذكر صورة واحدة من صور اصحابه واهل بيته، قال الإمام الحسين (ع) لأصحاب في ليلة العاشر : هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي فإن القوم يطلبوني. قام زهير ابن القين البجلي فقال : والله لوددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى اقتل كذا الف قتلة وان الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن انفس هؤلاء الفتية ومن اهل بيتك فهذه صورة وفاء احد اصحاب الحسين (ع) وجميع اصحابه على هذا النهج وهذه البصيرة.
هذه بعض الأسباب التي جعلت هذه الثورة المباركة في حياة الأمة الإسلامية.
السلام على الحسين بن علي المظلوم الشهيد قتيل العبرات واسير الكربات اشهد انك ومن قُتِل معك شهداء احياء عند ربكم ترزقون.