- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 30 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المولد والنشأة
ولد في مدينة سامراء بالعراق في منتصف الخمسينيات، ونشأ في عائلة تنتمي إلى المذهب الحنفي، لكنه لم يخضع للتميّز المذهبي ولم يتعصّب في الانتماء المذهبي، بل مال حيثما أملت عليه الأدلة والبراهين التي حصل عليها بالبحث، فتشيّع في منتصف العشرينيات من عمره بعد اتمامه للدراسة الجامعية، ثم هاجر إلى خارج العراق تخلّصاً من النظام البعثي المتسلّط على زمام الحكم، وهو حالياً مقيم في لندن.
سبيل معرفة العقيدة الحقة:
يرى الدكتور سعيد أن هناك طريقان لمعرفة العقيدة الحقة، أوّلها يوصل إليها والآخر قد يوهم بذلك.
أمّا الأول: فهو معرفته بعد اعمال الفكر وتدقيق النظر.
وأما الثاني: فهو بتقليد من تعتقد بعدالتهم. وهذا قد يوصلك إلى الحق إن كان من تتبع آراءهم وأحوالهم وأفعالهم على الحق، وقد يضلك إن كانوا غير ذلك، فإنك ستبقى على اعتقادك بأنك على الحق وهو التوهم، ويكون وصفك إذ ذاك على ما جاء به التنزيل (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (الكهف: ۱۰۴) (إلاّ أنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) (البقرة: ۱۲).
أما الأول فهو الذي وصفه علي أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما أجاب السائل عن الطائفة المحقة يوم الجمل، فلم يقل الامام “أنا على الحق” ولو قالها لكان صادقاً، بل قال: “اعرف الحق تعرف أهله”.
ويرى الدكتور سعيد بإن الانسان الباحث إذا كان من النوع الأول فإن مطالعته للكتب الصحيحة والحقه ستكون ذا فائدة، وأما إن كانت من الثاني وكان قبلُ من غير المؤمنين بما جاء به الكتاب الذي يطالعه، فسيجد نفسه مكتئبة وصدره ضيقاً حرجاً مما يقرأ، لأنه يقرأ عبارات تبيّن الحقائق ويقرأ نصوصاً جلية واضحة تلوي الأعناق، فإمّا أن يفزع إلى تكذيبها، وهذا ديدن الضعيف الذي بهت أمام الحق فلا يدري جواباً فيلوذ بالأوهام وأما أن يأخذ الله بيده فيمرّ بحالة الطفرة فيغيّر منهجه ويتغلّب على نفسه.
تحذيره من الوقوع ضحية الطائفية:
يرى الدكتور سعيد السامرائي أن الطائفية هي من أهم الموانع لمعرفة الحق وهي من أهم العقبات التي تحول دون توجه الانسان إلى البحث أو قبول الحق إذا تبيّن له.
ويصف الدكتور سعيد الطائفية بأنّها مشاعر في القلوب، اسست على تاريخ قوامه الزيف، وتعليم كلّه جهل وتجهيل، وتنشئة تقوم على الضغينة والنفاق، ودعم سياسي لحكام متسلّطين دافعها تفريق الأمة ليسهل قيادها.
وباللغة الواضحة: فإن الطائفية هي شعور السني، أي سني بالضغينة تجاه الشيعي، أي شيعي، لأن الأخير لا يحب أئمته وبدون سبب أو غير ذلك، أو هي شعور الشيعي بأنّ السني لا يحب أئمته وأنه يحب الظالمين وأنه عون للظالمين عليه، بلا تحقيق ولا تدقيق ولا تفريق بين من يقف مع الظالم ممن ثار عليه.
ويضيف الدكتور سعيد: الطائفي إذن، هو الشخص الذي يحمل بين جنباته تلك المشاعر المرّة المبنيّة على أسس واهية مبنية على جهل الأهل والمربين أو التوجيه الخبيث للحكام المتسلّطين أو كليهما. وبعده، فالطائفي هو الذي يقف مواقف غير صحيحة، إما بوعي أو بدون وعي بناءً على هذه المشاعر.
أهم اسباب اقتناعه بالتشيع:
توجه الدكتور سعيد من هذا المنطق الموضوعي والبنّاء إلى قراءة تراث الشيعة، فيقول في هذا الصدد: لم اعجب بقلم كإعجابي بقلم السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي العاملي رحمه الله، وعلى الرغم من أن كتبه كانت من أوائل الكتب التي قرأت في طريق التعرّف على مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، لم تترك بعدها أية بحوث أخرى فيّ ذلك التأثير الذي تركته بحوث السيد شرف الدين، ولئن كان قلمه الساحر يمثل جزءاً كبيراً من ذلك التأثير فإنّ التأثير الأكبر كان لمنهجه في البحث الذي يأخذ بالألباب ويشدّها أكثر فاكثر كلما تدرجت في القراءة التي لابد وأن تكون متصلة بلا توقف مهما كانت المشاغل!
ويضيف الدكتور سعيد: وقد عُرف عن السيد شرف الدين جهاده المتواصل من أجل التقريب بين اتباع الدين الواحد والمذاهب المتعددة، وكان منهجه في ذلك إثارة المشكلة وطرحها للبحث العلمي للوصول إلى الجواب الذي لا مفرّ منه ولا اشكال فيه، مما يزيل الأدران من القلوب ويحطّم ما يشاع هنا وهناك من مفتريات الغاية منها توسيع الفجوة بين المسلمين، وهذا المنهج، برأي خير ألف مرة من ذاك المنهج الذي يدعو إلى تناسي المشكلة وكأنها غير موجودة.
الانقلاب في الاعتقاد:
في نهاية مطاف بحث الدكتور سعيد فرضت الأدلة والبراهين نفسها عليه، فلم يجد بُداً سوى الاستسلام للأمر الواقع والإذعان للحق.
ويصف الدكتور سعيد حالة الانقلاب في الاعتقاد قائلا: إن الانقلاب في الاعتقاد حين يحدث يشير إلى عدة صفات، هي ولا فخر:
أولا: إن صاحبه لا يحمل الانحياز الناتج عن التعليم منذ الصغر والنشأة، لأنّ ما تعلمه أنذاك قد انقلب عليه، فما كان في قلبه بفعل التعليم والتنشئة قد زال.
ثانياً: أن صاحبه منفتح لقبول الرأي الآخر، ولولا ذاك ما انقلب على رأيه وقبل الرأي الآخر، وخصوصاً في موضوع العقيدة.
ثالثاً: أن صاحبه يبحث عن الحق، ولا يترك الأمر كما تربّى عليه دون تمحيص وتقليب.
رابعاً: أن صاحبه لا تعوزه الرغبة في خدمة الحق، إلاّ فأي فائدة دنيوية يحصل عليها من يتشيّع؟! ولا يتشيع أحد إلاّ ويكون قد اقتنع من خلال قراءاته وتنقيباته في بطون التاريخ، لأن الدنيا لم تزل مدبرة على الشيعة منذ القرن الأول الهجري، وأن الشيعة لا يزالون مرامي للنبال ومطاعن للرماح واجساداً للسجن والصلب والقتل والدفن أحياء والتشريد والتنكيل.
ويقول الدكتور سعيد حول اعتناقه لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) : أني لم اتشيّع في لندن أو باريس أو نيويورك والشيعي في مأمن، بل تشيّعت وأنا في بغداد معقل العفالقة وطاغوتهم صدام حيث لا يجد الشيعي غير السجن والتشريد والتهجير والقتل والملاحقة.
وأضيف أيضاً، بأني تشيعت في قمة الاضطهاد الصدامي للشيعة، وذلك في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، فلم يكن هناك في الحسبان دنيا، كما لم يكن هناك ترفاً فكرياً في الأمر.
مؤلفاته:
(۱) “حجج النهج، المختار من نهج البلاغة”:
صدر سنة ۱۴۰۷هـ ـ ۱۹۸۷م عن مؤسسة الفجر، بيروت.
يقول المؤلّف في المقدمة: “لقد قمت باختيار كل النصوص التي لها علاقة بموضوعين، أو بالاحرى طرفي موضوع واحد، أحدهما علة للآخر، فالأول هو تفضيل الإمام على معاصريه أجمعين والنص عليه والوصية إليه من قبل النبي(صلى الله عليه وآله)، وهذا سبّب أن يكون هو خليفة النبي(صلى الله عليه وآله) بعده مباشرة وهو الموضوع الثاني. لذا فانك قد تجد في المختار خطبة للامام في حرب صفين وتجد بعدها أو قبلها كلام له (عليه السلام) مع شخص سأله وهما جالسان في هدوء، وذلك لأنّ قاسمهما المشترك قد يكون ذكره الوصية في المقامين، أعني انه وصي رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهكذا في غيرها من النصوص المختارة، كما تضمن المختار ما هو أشمل من ذلك، وهو ذكر الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) الذين لا يمثل الامام علي (عليه السلام) إلا أولهم وإن كان عظيمهم…
يتألف الكتاب بعد المقدمة من أربعة أبواب:
الباب الأول: ماذا يجد من يقرأ نهج البلاغة.
الباب الثاني: المختار من الخطب والكتب والمواعظ والكلمات وشرحها والمواضيع ذات العلاقة.
الباب الثالث: ملحق المختار ويقع في فصول، منها: مناقب وصفات الامام، الوصية والنص والتفضيل، دفع الأمير (عليه السلام) عن حقّه في الخلافة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)بلا فصل، الشورى، عائشة واتباعها ويوم الجمل، معاوية وعمرو وصفين، المبغضون والمنحرفون.
الباب الرابع: مصادر المختار عن كتاب مصادر نهج البلاغة لعبدالله نعمة، ويقع في ثلاثة فصول، وهي تشتمل على مصادر بعض الخطب والكلام للمختار منها وبعض المختار من الكتب والرسائل وبعض المختار من أجوبة المسائل والكلام القصير.
(۲) “الطائفية في العراق، الواقع والحل”:
صدر سنة ۱۴۱۳هـ ـ ۱۹۹۳م عن مؤسسة الفجر، لندن.
جاء في تعريف هذا الكتاب بقلم المؤلف:
“لما كنت معتقداً ومقتنعاً بأن أغلب أهل السنّة ما وقفوا هذا الموقف المؤسف إلاّ بسبب العقد الطائفية التي تربّوا عليها ونشأوا تحت ضغطها، فإن الواجب تجاه العراق أولا، والعراقيين بشكل عام ثانياً، والسنّة المحكومين بهذه العقد ثالثاً، والشيعة العراقيين المظلومين رابعاً، هو الذي دفعني لأن أصنف هذا الكتاب عسى أن يكون فيه تبياناً للسّنّي حقيقة الموقف المؤسف الذي وقفه، والموقف الصحيح الذي يجب أن يكون عليه، وتبياناً للشيعي حقيقة الدوافع وراء هذا الموقف الذي يقفه سنّة العراق عموماً، وواجبه تجاه ذلك”.
وينقسم هذا الكتاب إلى مقدمة وأربعة أبواب، وفي كل باب بضعة مقالات وخلاصة. وهذه الأبواب هي عبارة عن: ۱ ـ هل في العراق مشكلة طائفية؟
۲ ـ العقد الطائفية.
۳ ـ على طريق الحل.
۴ ـ الاسلاميون داخل مثلث المبادىء وحضور الماضي والواقع المفروض.
(۳) “صدام وشيعة العراق”:
صدر سنة ۱۹۹۱م عن مؤسسة الفجر، لندن.
يتألف الكتاب من مقدّمة وسبعة فصول وخاتمة، وتدور محاور الفصول حول بعض المواضيع منها: عروبة الشيعة والتشيع أصلا وكياناً وتاريخاً، الموقف الايراني من العراق والعرب، من هم الفاسدون و…
وقفة مع كتابه: “الطائفية في العراق، الواقع والحل”
يتناول الكاتب في كتابه هذا موضوعاً حساساً ومهماً في الوقت نفسه، فالطائفية بلاء ابتلت به الديانات السماوية فضاعت فيه أهدافها الرسالية الشريفة، وهو أيضاً بلاء تمزقت به المجتمعات التي يفترض فيها أن تكون واحدة، فتسلط قوم على قوم ودفعوهم عن مراكز القدرة والثروة، ثم اضطهدوهم وحاربوهم في أرزاقهم بل وحياتهم.
وقد استغل ذلك الحكام والمستعمرون فدقوا على أوتار الطائفية لتدوم أيام تسلطهم على الشعوب المستضعفة، وتستمر معها أيام شهواتهم وملذاتهم ومطامعهم واستيلائهم على الثروات واستئثارهم بها.
وقد تناول الكاتب موضوع الطائفية في حالة خاصة، وفي مكان وزمان معينين، وقد جرى في هذه الحالة الكثير من الظلم والعدوان وهتك الحرمات والاعتداء على أرواح ومقدسات الناس، لكن كتابه لم يخلُ من طرح عام لأصل المشاكل الطائفية، وكيفية نشوئها في تاريخ المسلمين بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله)، وما تسببه من ويلات ودمار في أي مجتمع اسلامي تنفذ فيه، وفي أي زمان ومكان يكون ظرفاً لموجاتها الهوجاء.
ونحن هنا نستعرض أهم ما أورده في موضوع الطائفية بشكل عام دون الخوض في التفاصيل الخاصة قدر الامكان.
الطائفية:
ليست الطائفية حزباً لوجود أحزاب مؤلفة من أفراد من طوائف مختلفة..
وليست شعاراً لأن الطائفي يخجل من رفعها شعاراً، بل هو ينفي وجودها عنده..
كما أنا ليست طريقة حياة، لأن الطائفي وضحية طائفيته يعيشون في بيوت متجاورة في منطقة واحدة ويلبسون ملابس متشابهة، ويذهبون إلى أعمال متشابهة، وفي نفس أماكن العمل، ويذهب أولادهم إلى نفس المدارس، بل ويدعو بعضهم بعضاً في مناسبات دينية كإفطار رمضان وغداء العيد مع أن الطائفية أسست أصلا في إطار ديني ـ سياسي، ومع أن هذه المناسبات تعني أن الجميع ينتمون إلى دين واحد أمر بالوحدة ونهى عن التفرق..
الطائفية هي مشاعر في القلوب، أسست على تاريخ قوامه الزيف، وتعليم كله جهل وتجهيل، وتنشئة تقوم على الضغينة والنفاق، ودعم سياسي لحكام متسلطين دافعه تفريق الامة ليسهل قيادها.
وتصل مشاعر الطائفي إلى نقطة اللاعودة عندما يحكم على الآخرين بالخسران المبين، ولا يعود هناك في نظره فائدة، ولا أجر أو ثواب من الانفتاح عليهم والتواصل معهم، اللهم إلاّ في المستوى الخارجي المنافق وحسب ما تقتضيه مصالحه التجارية أو الوظيفية أو غيرها. كيف لا والتعليم الطائفي يصل بالناس إلى درجات سافلة جداً من التفكير حتى يظن السنّي بأن الشيعة يمسخون إلى خنازير (أو ثعالب حسب قول جدتي رحمها الله)! وهذا ليس من قبيل المزاح لأنه مؤسس على تعليم وتنشئة، ولمن لا يصدق أسوق إليه قول المدعو “محمد بن عبدالوهاب” الذي ابتدع الوهابية. قال ـ جزاه الله بما قال ـ وهو يذكر مشابهة الشيعة لليهود (!) ما نصه: “ومنها أن اليهود مسخوا
قردة وخنازير وقد نقل أنّه وقع ذلك لبعض الرافضة ـ يعني الشيعة ـ في المدينة المنورة وغيرها، بل قد قيل إنهم تمسخ صورهم ووجوههم عند الموت والله أعلم”!!(۱) وسبحان واهب العقول!
ولعل هذا هو السبب الذي يجعل بعض الإسلاميين السّنّة يتجنبون لقاء نظرائهم من الشيعة، لأن المسلم الحقيقي يتقرّب إلى الله تعالى بمعاداة أعدائه والبراءة منهم، ولما كان الشيعة بنظر البعض أعداء لله ورسوله(صلى الله عليه وآله)، فإن مفارقتهم وعدم اللقاء بهم يرجى منه الأجر والثواب، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم.
الطائفي:
فالطائفي إذاً، هو الشخص الذي يحمل بين جنباته تلك المشاعر المرّة المبنيّة على أسس واهية مبنية على جهل الأهل والمربين أو التوجيه الخبيث للحكام المتسلطين، أو كليهما، ويحمل هذه المشاعر تجاه أخيه المسلم، مع أنه يضحك في وجهه صباح مساء، ويشاركه أفراحه وأتراحه، ويشاركه في التجارة والسفر والعمل بسبب الجيرة أو زمالة العمل أو مقاعد الدراسة، وقد يتصاهر معه مع ما يعني ذلك من التحام العائلتين فيما بينهما.
وبعد، فالطائفي هو الذي يقف مواقف غير صحيحة، إما بوعي أو بدون وعي، بناءً على هذه المشاعر.
أما أقصى درجات الطائفية فهي ـ برأيي ـ التي لا يعرف بوجودها من يحملها، فهذا الإنسان لن يكون بمقدرته التفريق بين المواقف التي يتخذها: أيها على أساس طائفي وأيها على أساس آخر. والمؤلم هنا هو أن معظم الطائفيين، استقراءاً من الواقع المعاش، ينتمون إلى هذه الفئة، ومصابون بأقصى درجات الطائفية.
الدولة الطائفية:
الدولة الطائفية هي الدولة التي تميز بين رعاياها في التوظيف والمكافأة وإعطاء المسؤولية وتوزيع الحقوق والواجبات على اختلافها، لا على أساس المساواة كأصل، ثم الكفاءة ودرجة العطاء بعد ذلك، وإنما على أساس الانتماء الطائفي.
وتكون درجة طائفية الدولة أكثر أو أقل حسب الحكومة القائمة، والظروف الداخلية والخارجية للبلاد. فمثلا عندما يكون قادة الدولة ذوي مشاعر طائفية عميقة أصلا فإن الدولة تصعد درجة طائفيتها حتى وإن كانت الأوضاع الداخلية والخارجية ليست سيئة كثيراً.
إن التعامل على أساس طائفي لا يؤذي الفرد ضحية الطائفية ولكنه يؤذي البلاد، لأنه سيكون من غير الممكن أن يكون ذلك الرجل المناسب في المكان المناسب لأن الكفاءة لا تكون هي المعيار، كما أن ضحايا الطائفية سيتصرفون بشكل غير متوازن: إما بتفان شديد كي يثبتوا إخلاصهم وحسن نياتهم، وإما ببرود ولا إبالية لأن النتيجة واحدة ولن يحصلوا على التقييم لجهودهم.
وتكبر هذه العقدة، وتخرج من إطارها الضيق بين الموظف والمواطن صاحب المعاملة، الى عائلتيهما وأصدقائهما وزملائهما لتخدم كإثبات جديد على وجود المشكلة.
وتصبح المفارقة مدهشة مع أشخاص مثلي ممن نقلهم الدهر من صفوف الطائفة الحاكمة إلى صفوف الطائفة المحكومة. ففي ليلة وضحاها يصبح التعامل مع نفس الشخص مختلفاً، وما تغيرت كفاءته وما تبدل إخلاصه لوطنه وعمله، وما تغيرت أخلاقه وسلوكياته ومزاجه. هذا، في حين يجب أن يكون التغيير حاصلا في علاقتي شخصياً بالممارسات الدينية مثلا.
وأخيراً، فإن الدولة الطائفية تجعل النسيج الاجتماعي يتهرأ وخيوطه تنقطع، وكلما زاد التمييز والاضطهاد الطائفي كلما ضعف النسيج الاجتماعي، وهو ما حصل في فترات معينة من تاريخ العراق الحديث.
هل الطائفية نتاج الاستعمار الغربي، أم سببها صراع المسلمين السياسي في الماضي؟:
يبسّط البعض أسباب المشاكل الاجتماعية والسياسية وغيرها بسبب قلة المعرفة، أو ضيق الأفق أو حتى الرغبة في قلب الحقائق، فبعضنا يشتم الغير كثيراً ويتهمه في مصائبنا أكثر من اللازم، في حين يتهم البعض الآخر أنفسهم ولا يحمل الغير أي مسؤولية تذكر.
وفيما يخص مصائب العرب والمسلمين ترى كثيراً من الناس يتهم الغرب والشرق وأعداء الأمة في كل المصائب والمشاكل، في حين يتهم البعض الآخر الأمة نفسها وخلافات زعاماتها في ذلك.
خطأ التسبيب الأحادي:
وهذه الأحادية في التسبيب غير صحيحة، لأن الخلافات بين الدول العربية والإسلامية ليست كلها من صميم واقع الأمة، وإنما ساهم الاستعمار في قسم كبير منها، ولعل المشاكل الحدودية خير مثال على ذلك. أفما كان في مقدور الإنجليز والفرنسيين، وهم المنتصرون في الحرب الأولى أن يرتبوا حدود العراق بحيث لا تعود هناك مشكلة مع إيران والكويت والسعودية؟
أما كان بمقدورهم أن يمنحوا الأكراد دولة في المثلث العراقي ـ التركي ـ الإيراني ويجنبوا هذه الشعوب ما جرى؟
أما كان بمقدور الإنجليز أن يجمعوا إمارات الخليج في دولة واحدة؟
لماذا جمعت الجزيرة العربية لآل سعود في دولة واحدة وفرقت أطرافها في خمس دول؟
وحتى لو فعلوا ذلك، فماذا عن إسرائيل؟
نعم، كان بمقدورهم ولكن لم يكن في مصلحتهم. فإنه لمنطقي جداً أن يعمد من يريد أن يمتص دماء الشعوب إلى تفريقها ليسهل عليه قيادها عن طريق خلافاتها ومواطن ضعفها.
ولكن، أما كانت الأمة تستطيع أن تواجه هذا المخطط التخريبي التقسيمي؟
كان يمكن للأمة أن تواجه هذا المخطط وتهزمه لو أنها اجتمعت على ذلك، ولو أن جماهيرها اختارت، وأصرت على اختيار قادتها الحقيقيين.
نخلص من هذا إلى أن الإنجليز لم يخترعوا الطائفية، بل وجدوها موجودة في المجتمع العراقي العشائري والمدني فاستخدموها لتأسيس الواقع المثالي لمصالحهم.
ولما كانت الطائفة الشيعية هي التي ثارت عليهم فإنه من المنطقي أن يتم إقصاؤهم عن الحكم وتسليمه للطائفة التي لم تثر، وترتيب الحكم لكي تستمر هذه المعادلة كيلا يعود الشيعة فيطردوا بريطانيا من الشباك أيضاً بعد أن اضطرت إلى أن تخرج من الباب بثورة الشيعة وتضحياتهم.
بداية الخلاف ونشأة الطائفيّة:
بدأ الخلاف بين المسلمين أول ما بدأ عقيب وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) مباشرة حيث تنازع المهاجرون والأنصار من جهة وقريش وبنو هاشم من جهة في موضوع الخلافة. إلاّ أن الافتراق الحقيقي لم يتم إلاّ بعد مقتل الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) في أول عام ۶۱هـ، إذ أن بعدها أصبح إهراق الدماء المقدسة أمراً طبيعياً عند الحكام وأزلامهم وكما أخبرهم الإمام الحسين (عليه السلام) نفسه بأنهم لن يتورعوا بعده عن قتل أي إنسان، كيف لا وقد قتلوه مع معرفتهم بأنه سيد شباب أهل الجنة وأنه ريحانة رسول الله(صلى الله عليه وآله) مع غيرها من الصفات الكثيرة التي يفترض أن يمتنع عن قتله لأجلها أعتى المجرمين، وكما قال الشريف الرضي:
قتلوهُ بعدَ عِلم منهمُ ***** أنّهُ خامس أصحابِ الكِسَا
فكان أن تفرعن الأمويون وولاتهم كالحجاج الثقفي، وكان على الشيعة أن يلجأوا إلى السرّ حتى في اتصالهم بأئمتهم (عليهم السلام) ، ثم يثوروا على الظلم والواقع غير الإسلامي للأمة بين حين وآخر. في نفس الوقت أخذ الفقهاء الذين تصدوا للمناصب الشرعية بعد الغياب القسري لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن هذه المناصب في إفتاء المسلمين ليس فقط بجواز طاعة الإمام الظالم بل بوجوب طاعته وحرمة الخروج عليه.
وهكذا صار المسلمين فرقتين كبيرتين: الشيعة والسّنّة، لأن الخوارج اضمحل تأثيرهم وضعفوا بعد الفترة التي زعزعوا فيها أركان الدولة الأموية بثوراتهم العديدة. وحدث أن كانت الخلافة الأساسية هي للسّنّة بما في ذلك الدولة العباسية التي قامت بحجة الانتصار لأهل البيت (عليهم السلام) .
تجهيل السنة وإثارتهم ضد الشيعة:
في حملتهم المستمرة لمحاصرة الشيعة والتشيع، فإن الحكام المختلفين على مختلف العصور لجأوا إلى سياسة التعليم الخاطىء لأهل السنّة، أو تجهيلهم في الواقع في كل ما يخص الشيعة وعقائدهم كي تبدو وكأنّها ليس فقط إحدى الانحرافات عن الإسلام والتي حدثت طوال التاريخ، وإنما الانحراف الأخطر والذي أريد به هدم الإسلام. إن الطريقة الوحيدة لرد الانبهار الذي لابدّ وأن يحصل عند البعض من جهاد الشيعة وتضحياتهم وثباتهم على المبادىء، بغض النظر عن الاختلاف معهم، هذا الانبهار الذي قد يؤدي إلى الانفتاح على الشيعة وعقائدهم وبالتالي التحول إلى صفوفهم أو على الأقل للتعاون معهم ضد الظالمين، هي أن تُهاجَم عقائد الشيعة ويخلص إلى أنها ضد الإسلام ويُهاجَم الشيعة أنفسهم ويُنبَزوا بمختلف الأوصاف التي يكرهها الآخرون، لكي تجعل الناس تشمئز منها ومنهم فتتوقف عن الانفتاح عليهم.
وعلى العكس مما يعتقد البعض(۲) من أن الفقهاء الأقدمين لم يكونوا طرفاً في المشكلة الطائفية وإثارة السنّيين على الشيعة. فلقد نقل التاريخ أقوال وأفعال العديد من الفقهاء السنّيين التي كانت تصم الشيعة بالكفر أو الفسق أو الانحراف إما كجزء من المخطط السلطوي لمحاصرة التشيع كون بعض هؤلاء الفقهاء كانوا من فقهاء البلاد ـ وعاظ السلاطين ـ أو كواجب ديني يعتقد الفقيه أنه يجب أن يقوم به لكشف الانحراف وتحذير الناس منه.
لقد كتب بعض هؤلاء الفقهاء والمحدثين عن الشيعة ووصفوهم بما لم يصفوا به اليهود والنصارى والمجوس. بل صرّح البعض بعدائه لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنفسهم فكيف إذاً بالشيعة. وها هو ابن خلدون يقول في مقدمته الشهيرة: وشذّ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وَفِقْه انفردوا به، بنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح(۳)، وعلى قولهم بعصمة الأئمة… وكلها أصول واهية ثم قال: وشذ بمثل ذلك الخوارج، ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم!!
فكيف لا ينشأ السني على عداوة الشيعة وكرههم وعلماؤه الكبار يعلمونه أنهم يتبعون أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم مارقون كالخوارج، وانهم مبتدعة، وأنهم يكرهون الصحابة ويقدحون فيهم؟
[وإليك مثالا آخر من تجربة العراق]:
في عام ۱۹۲۶ ـ ۱۹۲۷ ثارت ضجة حول كتاب “الدولة الأموية في الشام” وضعه شخص سوري كان يعمل مدرساً في العراق اسمه أنيس زكريا النصولي بسبب كون الكتاب الذي وضعه ليكون مادة دراسة للمدارس الثانوية، كان في بني أمية وتاريخهم الأسود الذي صيّره النصولي شيئاً آخر، وخصوصاً بسبب ما ذكره بخصوص الثوار الشيعة ضد العهد الأموي، وكذلك قضية الإمام الحسين (عليه السلام) وصراعه مع الأمويين.
قال في كلمة الإهداء: “من أحق بتاريخ بني أمية من أبناء أميّة، ومن أحق بتاريخ معاوية والوليد من أبناء معاوية والوليد، فاقبلوا يا أبناء سورية الباسلة المتحدة والمستقلة هذه الثمرة الصغيرة”.
قال: “إن هذا الضعف في زعماء آل البيت كان من أكبر المصائب على الإسلام، إذ جعل لأحزابهم وأصحاب النفوذ والمطامع من رجالاتهم الفرص الكافية لادعاء مبادىء باسمهم لم يفكروا بها ولم تخطر لهم على بال!!”.
وعلى هذا فزعماء أهل البيت (عليهم السلام) كانوا مصائب أصيبت بها الأمة ـ والعياذ بالله من هذا القول ـ وأن التشيع الذي تعتنقه الشيعة مخترع من عندياتهم.
وقال: “.. وإنّ الذين يسعون في الخلاف عليها هم الكفرة الفجرة، ولا غرابة في ذلك، فالعاهل الأموي كان خليفة رسول الله، ومن يخرج على الخليفة فإنما يخرج على رسول الله، ومن يخرج على رسول الله فإنما يخرج على الله، ومقره جهنم وساءت مصيراً!!”.
وعلى هذا، فالإمام الحسين (عليه السلام) من الكفرة الفجرة ومقره جهنم وساءت مصيراً، نعوذ بالله من هذا القول.
وقال: “تلك هي إصلاحات بني أمية وكلها ترمي إلى العدل وإعلاء كلمة الحق!!”.
وعلى هذا، فقتل الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، وسبي بنات الوحي، ورمي الكعبة بالمنجنيق، واستباحة المدينة المنورة وهتك أعراض بناتها، مع غيرها من الموبقات، كانت إصلاحات ترمي إلى العدل وإعلاء كلمة الحق.
وقال: “كان زعماء آل البيت ضعافاً فظلوا تحت تأثير المورفين الفارسي والأفكار الفارسية!!”.
وقال: “.. ارتياب الحسين في حقه بالخلافة واعترافه اعترافاً صريحاً ليزيد بإمارة المؤمنين!!”.
وقال: “قضت الدولة على حركة التوابين في عين الوردة ولكنها لم تقض على الأحقاد المتأصلة في نفوس الشيعة!!”.
إن أي إنسان، وإن كان جاهلا أو لا يشعر بالمسؤولية، يعرف أن مثل هذا الكلام إنما هو إساءة إلى الشيعة، بل إلى الإسلام، وأنه في العراق يعتبر بمثابة إعلان ثورة على مشاعر وعقائد أغلبية الشعب العراقي الشيعية والكثير غيرهم من السنّيين. ولكن كان لساطع الحصري المسؤول عن وضع المناهج التعليمية لأولاد العراقيين رأي آخر هو:
“استطيع أن أقول أن أغلاط الكتاب العلمية ـ ومحاذيره السياسية ـ تنحصر في عبارات الإهداء التي تصدرت الملزمة المضافة إلى الكتاب أخيراً، ولذلك رأيت أن أحسن الطرق لمعالجة القضية هي أن يطلب إلى المؤلف أن يعيد طبع الملزمة المذكورة على أساس تجريدها من كلمات الإهداء!!”.
وقال عن متون الكتاب: “عندما قرأتها بكل اهتمام لم أجد فيها ما يمس عواطف طائفة من الطوائف الدينية!!”(۴).
عقدة الصحابة:
تشكل قضية الصحابة الحجر الأساس في جدار البغضاء الطائفي حيث لا يرى السنّيّ أيّ مبرر لهذا الموقف السلبي للشيعة من الصحابة المقدسين عنده، ولست ألوم السنّيّ الذي لم يطلع على التاريخ وشيء من التحليل الموضوعي الواعي، لأن شعوره شعور طبيعي يتولد عند كل إنسان، كائناً ما كانت عقيدته، تجاه من يقف موقفاً سلبياً ممن يقدّس.
وأنت ترى هذه الحقيقة عند قراءة أي كتاب من الكتب التي دفعها الپترودولار لشتم عقائد الشيعة. فقضية الصحابة تقف ليس فقط في أوّل الإشكالات، ولكنها هي المشكلة الحقيقة لمن دقق في هذه الكتب، ولمن استمع إلى شكاوى السنّة من عقائد الشيعة.
ولقد استعملت هذه القضية لإثبات أعجمية الشيعة، وأنهم جمعية سرية أسسها الفرس لتدمير الإسلام، وذلك لأن انتقاد الصحابة وتجريح بعضهم يعني ـ كما يقولون ـ تهديد قدسية السنّة النبوية المنقولة عن طريقهم، وبذا تنجح مؤامرة الفرس بإلباس الحق بالباطل وضياع السنن المنقولة عن الصحابة. وهذا الكلام يقال ـ بالطبع ـ لإقناع العوام من السنّة ليس فقط بفساد عقيدة الشيعة، بل بتآمرهم بشكل مماثل للجمعيات الماسونية والهيئات التبشيريّة، ضد الإسلام.
ولكن المؤسف هو أن هذا الكلام يردد من قبل بعض حملة العلم وأدعيائه، فهؤلاء يعرفون أن الشيعة ليسوا جماعة تريد أن تهدم دين المسلمين، بل هي جماعة لديها خزين كبير من الأحاديث الشريفة المنقول عن النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) ، وذلك عن طريق بعض صحابة الرسول(صلى الله عليه وآله) وبعص صحابة الأئمة (عليهم السلام) . وليست أحاديث الأئمة (عليهم السلام) اجتهاداً من عندهم، بل هي نصوص تلقاها كل إمام عن الإمام الذي قبله وصولا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، لذلك كانوا (عليهم السلام) كثيراً ما يبدأون رواياتهم بكلمة: “حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)..” وذلك تأكيداً لهذا المعنى.
من الناحية الأخرى فإن الشيعة يفخرون بأنهم لا يوالون أي أحد إلاّ بعد التثبت من حسن سيرته وحسن خاتمته، فلا يمكن عندهم أن يوضع عبدالله بن مسعود الذي كان ممدوح السيرة دائماً ولم يغير أو يبدل أو يفعل ما يؤذي المسلمين، حتى قضى على الحال التي فارق عليها رسول الله(صلى الله عليه وآله)، في منزلة بعض الصحابة الذين لم يتركوا هذه الدنيا إلاّ وقد أثاروها فتنة عمياء وخرجوا على علي بن أبي طالب الإمام المبايع من قبل المسلمين ـ دع عنك النص الذي يتحدث عنه الشيعة ـ وسلّوا سيوفهم ضد المسلمين فأشعلوا أوار أول الحروب فيما بين المسلمين أنفسهم، والتي أدت إلى مقتل الألوف منهم على أرض العراق بلا سبب سوى التنازع على الملك، كما لا يمكن أن يثقوا بروايات رواها أشخاص غشوا المسلمين وقتلوهم دون حق وسلبوهم وساروا فيهم بسيرة فرعون وهامان وقارون.
إلاّ أن الدول التي تسلطت على المسلمين لما رأت المقاومة من الشيعة لحكمهم غير الشرعي كان لابد لها أن تزيف التاريخ وتفتعل الروايات المضادة لعقائد الشيعة في الأشخاص والأحداث، والتي تصبح حقّاً بعد غسيل الدماغ بها لقرون من الزمان، خصوصاً وأن المعارضة الشيعية بقيادة أئمة الهدى (عليهم السلام) كانت محرومة من وسائل الإعلام، وفي ذلك الزمن المتخلف بالنسبة لزمننا الحاضر في وسائل الاتصال والإعلام.
وإننا نعاصر، ونحن في هذا الزمن الذي يفترض أن ينقل فيه كل شيء كما هو بسبب وجود التلفزيون والفيديو والقمر الصناعي والتلفون والتلكس والفاكس والكمبيوتر، نعاصر تشويه الأحداث بشكل يومي، وتعتيم على أحداث مهمة، وتضخيم واهتمام بأحداث تافهة، فكيف في ذلك الزمان الذي لم تكن وسائل الإعلام والاتصالات كما هي في عصرنا الحاضر، بل ولا واحد من الألف منها.
والمشكلة جدّ عويصة، وذلك لأنّ من يقف الشيعة منهم موقفاً سلبياً واضحاً، أبا بكر وعمر وعائشة أم المؤمنين، هم أكثر الناس تقديساً عند أهل السنّة، ولقد كان الشيعة غير متساهلين مطلقاً في المواقف التي اتخذها هؤلاء الصحابة الثلاثة لأنهم عدّوها خروجاً أساسياً على نصوص مقدسة لا مجال لتجاوزها كما في تجاوز أبي بكر وعمر لحق عليّ في الحكم نصّاً عليه من الرسول(صلى الله عليه وآله) ومنع فاطمة(عليها السلام) حقها في ميراث أبيها(صلى الله عليه وآله)، وخروج عائشة من بيتها الذي أمرت أن تقرّ فيه بنص القرآن، وقيادتها الجيوش التي حاربت بها المسلمين الذين يقاتلون تحت راية الخليفة الشرعي المبايع، فالمسألة فيها إراقة دماء حرام وخلافة المسلمين وهي أخطر مركز في الإسلام.
وبما أن الشيعي يعتقد بأن أخاه السنّيّ لا يعرف الكثير من الحقائق بسبب عمل الحكام في الماضي على تشويه الحقائق بصرف الأموال لوضع الأحاديث الكاذبة التي تبرر كثيراً من الأفعال التي لا يقرّها الشرع أو التي تجاوز أصحابها على نصوص قرآنية أو حديثية لا يمكن تجاوزها بإجماع المسلمين أو برفع شأن أناس وخفض آخرين، إذاً فعليه أن يعذر أخاه السنّيّ حتى يبين له الحق لأن (كُلُّ حِزْبِم بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (الروم: ۳۲)، وفي نفس الوقت على السنّي أن يسمع له ويناقشه إذا لم يعتقد بما يرى.
عقدة عدم الفهم للعقائد والشعائر الخاصة بالشيعة:
يعترض السّنّي العراقي (وغيره في هذا المجال) على بعض العقائد والشعائر الشيعية.
وكما قلنا سابقاً فإن التعليم والإعلام المسيطر عليه من قبل الدولة الطائفية لا يتيح لعقائد الشيعة أن تعرض على الملأ، دع عنك توضيحها وشرحها وشرح أبعادها وتبيان عدم مخالفتها للإسلام، لذلك فإن الفرد السنّيّ لا يفكر بأنه قد يكون مخطئاً في اعتقاده وقد يكون الشيعي هو صاحب الحق، لأن الفرد العادي لم يأته الوحي من السماء ليكون واثقاً تماماً من معتقداته وأنها في صلب العقيدة الإسلامية أو لا تتصادم معها.
ومن هذه العقائد عقيدة المهدي المنتظر الذي يعتقد الشيعة أنه موجود حي غائب عن أعين الحكام وينتظر الأمر الإلهي بتحقق الشروط لظهوره لتأسيس الدولة العالمية الإسلامية محقّقاً وعد جده رسول الله(صلى الله عليه وآله): “يملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً”.
ومنها صلاتهم على تربة مأخوذة من طين من منطقة قبر الحسين (عليه السلام) في كربلاء، فالسنّة يرون أن هذا نشاز لمجرد أنهم لا يصلون على مثلها(۵).
ومنها الشهادة لعلي بن أبي طالب بالولاية في الأذان والتي يعترض عليها السنّة بل ويشمئز بعضهم من سماعها. هذا، مع أن السنّة يضيفون كلمة “الصلاة خير من النوم” في أذان صلاة الفجر ويعترفون أن هذه لم تكن وقت النبي(صلى الله عليه وآله) وإنما أضيفت بعده.
ومنها الالتزام بصفة العدالة فيما يخص الأمور الشرعية مما يؤدي إلى سوء فهم لدى السنّيين. وصفة العدالة تأتي في مقدمات صفات إمامة المسلمين وإمامة الحج وإمامة الصلاة وغيرها. إن إمامة المسلمين هي التي من شأنها رفض الشيعة الحكام الزمنيين، ورُفِضَ الشيعة رداً على ذلك.
فالشيعي يرى في مرجع التقليد إماماً له (كونه نائباً للإمام وحسب أمر الإمام المعصوم) في جميع أموره. من هذه الأمور تعيين رؤية الأهلة والتي تصبح قضية خلاف في بداية شهر رمضان المبارك وشهر شوال وشهر ذي الحجة، حيث يحرم الإفطار في أول رمضان وآخره، ويحرم الصوم في يوم العيد، وحيث مناسك الحج والتضحية في عيد الأضحى.
ويعتقد غالبية أهل السنّة بأن الشيعة تصوم وتفطر بعدهم بيوم واحد عادة لأنهم يريدون أن يخالفوهم فحسب! هذا، في حين أن الشيعة ينتظرون الأخبار من المراجع والعلماء في العراق والكويت والمدينة المنورة وإيران ولبنان عادة، والذين يستندون إلى شهادة العدول في رؤية الهلال(۶).
ومنها الزيارات الشيعية للأئمة والصالحين وما يقرأ فيها، حيث لا يعتقد علماء السنّة ولا الكثير من السنّة العوام إمكانية أن يزار الميت ويتكلم معه وكأنّه حيّ وما الفائدة من ذلك. إلاّ أن هذا الأمر ليس بقضية ذات شأن لأن الكثير من السنّيين في العراق وغيره يقومون بمراسيم الزيارة وطلب شفاعة الميّت في الحاجات عند الله تعالى، على الرغم من الحرب التي تشنها الوهابية السعودية ضد هذه الشعائر في كافة أرجاء العالم الإسلامي ومنها مصر بتأثيرها على بعض الجماعات الإسلامية وبعض “العلماء”.
وأخيراً، كنت أتصور أن ما يتهم به السنّة الشيعة من أنهم يفضلون علياً، ويعتقدون بأن النبوة كان يجب أن تكون لعليّ قد أصبح شيئاً من مخلفات الماضي، إلاّ أنني وجدت أنّ البعض لا يزال يحمل هذه الأفكار السخيفة عن الشيعة، وعندما كنت أعدد هذه الافتراءات على الشيعة لأحد أقربائي قاطعني بأنه لا يشك في أن بعض الشيعة يعتقد أن علياً هو الذي كان من المفروض أن يكون النبي وليس محمداً(صلى الله عليه وآله)!! وعندما أوضحت أنه لا يوجد مثل هذا الشيء في الطائفة الشيعية الإمامية الاثنا عشرية لا في عالمهم ولا في جاهلهم أصرّ على رأيه بشكل ملفت للنظر وبقي على اعتقاده!!
أكثر من ذلك يصل الحد الى اتهام الشيعة بأنهم لا يحبون النبي(صلى الله عليه وآله) كما أقسمت إحداهن!!!
ولا نريد هنا أن نرد على هذه الترهات والافتراءات كأن نسأل عن السبب الذي من أجله لا يحب الشيعة محمداً(صلى الله عليه وآله)، أو عن السبب الذي حدا بجبرئيل (عليه السلام) أن يخطىء فلا ينزل بالوحي إلى علي (عليه السلام) ابن العشر سنين وينزل به إلى محمد(صلى الله عليه وآله)ابن الأربعين سنة!! ولا عن إمكانية حدوث ذلك من الملائكة المعصومين المرسلين من رب العالمين، أو عن السبب الذي يجعل جبرئيل يخون الأمانة كما يفتري البعض، أن هذا من اعتقادات الشيعة أو بعضهم، وكيف يخون روح القدس الموصوف من قبل الله تعالى في القرآن بالأمين (إنّها لمهزلة حقّاً أن يضيع الوقت والجهد والورق في مثل هذه السخافات)، ولكن أريد أن أستغل هذه الفرصة لأقول لمن يريد أن يسمع بأنّ الشيعة تضع رسول الله محمد بن عبدالله(صلى الله عليه وآله) في منزلة أعلى بكثير من المنزلة التي يضعه(صلى الله عليه وآله) فيها السنّيون، فهم يعتقدون بعصمته ليس فقط بالتبليغ عن الله، بل بعصمته في كل حال ومقال، وفي طول عمره الشريف أي منذ اليوم الذي ولدته أمه وحتى يوم قبضه الله إليه.
كما وينزهونه ليس فقط عن الخطأ والسهو في التبليغ، بل وفي كل قول وفعل وفي كل عمره. وفي حين أن غيرهم يعتقد فيه أنه كان يأخذ آراء الصحابة ويقرّر على أساسها، فإن الشيعة تعتقد أنه(صلى الله عليه وآله) لم يكن يحتاج إلى أحد وإنّما كان يشاورهم لتطييب قلوبهم أولا، وليعلم الناس أنّ الحاكم يشاور الرعية ثانياً.
ولا يعتقدون كما يعتقد غيرهم أنّه ينسى الآيات القرآنية فيتذكرها بعد أن يسمعها من أعمى يقرأها، أو أنه سُحِر وأثّر فيه السحر بحيث لم يعد يدري فيما إذا أتى النساء أو لا (كما ورد في صحيح البخاري(۷) الذي يعتقد السنّيون بصحة كل ما جاء فيه)، وأنّه نام حتى سمعوا غطيطه ثم استيقظ فصلّى بدون وضوء(۸)، لأن الشيعة تعتقد أن ذلك من شأنه أن يعرضه للخطأ في التبليغ والنسيان مما سيضل الأمة لأنها لن تعلم في أي حال قال أو فعل(صلى الله عليه وآله) ما وصلها عنه، أفي حال العصمة والصحو والانتباه أم في حال النسيان والخطأ والسحر نعوذ بالله وبه نستجير من هذا الاعتقاد.
ونقول لمن يريد أن يسمع بأنّ الشيعة ترى أن الرسول(صلى الله عليه وآله) خير خلق الله أجمعين، ومن حباه بعلوم الأولين والآخرين، وجعله على خلق عظيم، وآتاه ما لم يؤت أحداً من العالمين من الفضائل والمزايا، فلا يدانيه أحد في مرتبة أو يصل إلى مقامه المقدس.
أما اعتقادهم بعليّ (عليه السلام) فإنه عبدالله وأخو رسوله(صلى الله عليه وآله) آخاه معه في الدنيا والآخرة بأمر الله، وزوّجه ابنته الزهراء(عليها السلام) بأمر الله، وجعله منه بمنزلة هارون من موسى(عليهما السلام)، وهي تعني منازل الخلافة في قومه والتبليغ وغيرها فيما عدا النبوة التي ختمت بمحمد(صلى الله عليه وآله)، بعد أن علمه ما شاء الله وذلك بأمر الله، ونصبه للإمامة والخلافة بعده(صلى الله عليه وآله)مباشرة في مناسبات عديدة آخرها بعد حجة الوداع في غدير خم الواقع بين مكة والمدينة وذلك بأمر الله، ونصب أولاده الأحد عشر بدءاً بالأخوين الطاهرين الحسن والحسين(عليهما السلام) وانتهاءاً بالمهدي (عليه السلام) أئمة على الناس أجمعين سواءً رضي الناس أم لم يرضوا (كما في قوله(صلى الله عليه وآله): “الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا” أي بالخلافة المبسوطة اليد على الناس) وذلك بأمر الله تعالى، وقوله(صلى الله عليه وآله): “يكون اثنا عشر أميراً كلهم من قريش”(۹)، والتي لا تنطبق مطلقاً إلاّ على معتقد الشيعة الإمامية الاثنى عشرية في أئمتهم الاثنى عشر بدءاً من الإمام عليّ وانتهاءً بالمهدي.
فالأمر هو اختيار إلهي لهؤلاء الصفوة أن يخلفوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) وليس رغبة من الرسول أن يرفع أهله على الناس أو رغبة منهم (عليهم السلام) أن يصعدوا على كراسي الحكم، فلقد كان(صلى الله عليه وآله) وكانوا (عليهم السلام) أزهد الناس بالدنيا وما فيها. قال تعالى: (وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَـنَ اللَّهِ وَ تَعَــلَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(القصص: ۶۸)، وقال: (قُلْ إِنَّ الاَْمْرَ كُلَّهُو لِلَّهِ) (آل عمران: ۱۵۴)، ولا أدري ما هو أعظم من اختيار أمناء للإسلام الذي لا يزال غضاً بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولا يزال المشركون في الجزيرة والمنافقون في مكة والمدينة وعقائد الجاهلية لا تزال قلوبهم مشربة بها، ولا تزال عقائد العنصرية والطبقية وغيرها متمكنة من قلوب الكثيرين إلى اليوم، فكيف يومئذ والأكاسرة والقياصرة متأهبون بعد أن عرفوا بهذا الدين من رسائل الرسول(صلى الله عليه وآله) التي دعاهم فيها للإسلام ومن غارات المسلمين على أطراف الجزيرة.
وليس ذنب الشيعة أن الأمور لم تسر وفق ما أراده الله تعالى من خير للبشرية، وإنما هي المسؤولية على من رفض ذلك وأقبل على ما يرضاه هواه. إلاّ أن الذي حدث هو أن الناس لما رأوا أنهم هم الأكثرية ظنوا أن الشيعة هم على باطل كونهم هم الأقلية، والحق لا يعرف أكثرية أو أقلية، فإنّ من يتخذ غير الإسلام ديناً هم الأكثرية، وقد ذم الله الأكثرية في مواضع كثيرة من التنزيل (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) (الأنعام: ۳۷)، (وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) (المؤمنون: ۷۰)، (وَ مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلاَّ وَ هُم مُّشْرِكُونَ ) (يوسف: ۱۰۶)، ومدح الأقلية (وَ قَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ ) (سبأ: ۱۳).
ولكن الذي حدث هو أن السنّيين رأوا أنّ الشيعة يرفعون من مقام علي وأولاده (عليهم السلام) أكثر مما ينبغي حسب رأيهم، بل أن أكثرهم لا يعرف هؤلاء الرجال الذين تقدسهم الشيعة بهذا الشكل، كما أنهم لا يعرفون في عقائدهم شيئاً اسمه الإمام أو الوصاية مما جعلهم يظنون أن الشيعة إنما هي جماعة منحرفة عن الدين الصحيح.
وقد ساهم في هذا التعقيد ما يكتبه الشيعة دفاعاً عن أئمتهم وينشرون عقائدهم فيها، فظن الآخرون أن الشيعة إنما تقدس هؤلاء أكثر من رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وبالتأكيد لم يكن هناك خلاف حول رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فكان تركيز الشيعة في الدفاع عن عقائدهم ضد الهجمات الظالمة قديماً وحديثاً هو على الأئمة (عليهم السلام) فظن الناس أنّهم يبالغون أو يغالون في تقديسهم (عليهم السلام) .
إحياء أمرهم (عليهم السلام) والطائفية:
أمرنا الأئمة (عليهم السلام) بدعوة الناس إلى منهجم وطريقتهم، ودعوا الله تعالى أن ينشر رحمته على من يقوم بذلك، وذلك بقولهم: “أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا”. ولكن كيف يمكن إحياء أمرهم، أي دعوة الناس إلى اتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) والذي عليه الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، بدون الدخول بادىء ذي بدء في إثبات حق الأئمة (عليهم السلام) في الولاية العامة على المسلمين، ثم تحليل ما جرى بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) من أمور تناقض ما تدعيه الشيعة (وتثبت صحته بوضوح من كتب السنّة أنفسهم) من تخطيط الرسول(صلى الله عليه وآله) للأمة بناءً على أوامر الله تعالى؟
كيف يمكن تجنب التعرف للصحابة الذين منعوا أهل البيت (عليهم السلام) من أن يتبوؤا مناصبهم حسبما أراد الله ورسوله(صلى الله عليه وآله)، والذين ساهموا في ذلك، والذين قعدوا عن نصرتهم (عليهم السلام) حينما ادّعوا ذلك لأنفسهم؟
وإذا كان بالإمكان عمل ذلك بأن يشرح الداعية حقيقة أهل البيت (عليهم السلام) ووصية الرسول(صلى الله عليه وآله) بهم وإليهم، ويلقي الضوء على شخصياتهم المقدسة من خلال حياتهم الشريفة، ثم لا يتعرض إلى أسباب عدم صعودهم إلى سدّة الحكم، فبماذا سيجب من سيسأل متعجباً من هذا التناقض العجيب بين أوامر الرسول(صلى الله عليه وآله) وواقع الحال؟
وإذا تمسك الداعية بعدم الجواب ملتجئاً إلى الآية الكريمة ۱۴۱ من سورة البقرة: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَ لَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَ لاَ تُسْـَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (البقرة: ۱۳۴)، فبماذا سيجيب السائل الذي يدعوه إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عن الافتراءات التي في الكتب التي تطبعها الوهابية كل ساعة لتكرّه الناس هذا المذهب وتبعدهم عنه؟
لابد وأن يأتي الظرف الذي لابد من التعرض فيه إلى هذه الإشكالات الناشئة مما وقع بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله). وهنا، سيتهم من يتعرض لها بالطائفية لأنه يتعرض للأشخاص الذين يقدسهم أهل السنّة، وتبدأ موجة جديدة من الاتهامات.
في البدء الهجوم على الشيعة بسبب عقائدهم المنحرفة، كما يفترون، وعندما يدافعون عن أنفسهم ضد هذا الهجوم يبدأ الهجوم عليهم بسبب طائفيتهم لأنّهم دافعوا عن أنفسهم!!!
إن دعوة الناس إلى أهل البيت (عليهم السلام) ليست دعوة طائفية وذلك:
۱ ـ لأن الدعوة إلى فكر وعقيدة ليست كذلك، إنما هي محاولة اقناع آخرين بوجهة النظر لنيل مكسب دنيوي أو أخروي أو الاثنين معاً.
وفي حالة التشيع بالذات فإن الكسب الدنيوي يكاد ينعدم، لأن الدنيا لم تزل مدبرة على الشيعة منذ أن رحل رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإلى يوم الناس هذا. أما الأخروي فمضمون بدعاء الإمام “رحم الله من أحيا أمرنا”. فهل يزهد عاقل في نيل الرحمة الإلهية لأجل شبهات يثيرها الطائفيون أو الجاهلون؟ وما قيمة كل هذه الأمور الدنيوية في قبالة هذه الرحمة التي قد ترفع صاحبها إلى جنان الخلد؟
۲ ـ ليست هذه الدعوة طائفية لأن الذين يُحيي أمرهم هم أصحاب منهج أبعد ما يكون عن الطائفية، وأقرب ما يكون إلى التقريب بين المسلمين، خذ مثلا نهج علي (عليه السلام) مع الصحابة الذين منعوه من تسليم مقاليد الحكم بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله)، وما زالوا يمنعونه منه وهو يقيم عليهم الحجة كي لا يضيع الحق من جانب، ويقف منهم موقف الناصح والأخ المخلص الذي لا يتأخر عن نصيحة أو يتلكأ عن مبادرة لإحقاق حق أو إزهاق باطل من جانب آخر. ولقد كان (عليه السلام) كذلك في مواقف كثيرة نذكر منها:
أ ـ يوم السقيفة حين بويع أبو بكر ورسول الله(صلى الله عليه وآله) لما يزل مسجى بين أهله وبعض أصحابه، فما كان من علي (عليه السلام) ، وبعد أن أقام الحجة على المسلمين، سواء مباشرة حينما طاف عليهم ليلا يذكّرهم ببيعته قبل أقل من ثلاثة أشهر في يوم الغدير، وبممانعته للبيعة في أول الأمر، أو بشكل غير مباشر وذلك عن طريق الزهراء(عليها السلام) في خطبتيها المشهورتين اللتين خاطبت بأولاهما أبا بكر خاصة ومن معه عامة(۱۰)، وثانيتهما التي خاطبت بها الأنصار(۱۱).
بعدها، وبعد وفاة الزهراء(عليها السلام) بايع علي (عليه السلام) أبا بكر بعد أن مضت مدة تكفي لأن توصل للمسلمين على مر الأجيال أن علياً (عليه السلام) كان يرى أنه صاحب الأمر بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) مباشرة. كذلك فقد كان يصعب على أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يبايع أبا بكر في حياة الزهراء(عليها السلام) بعد أن جرى لها ما جرى وبعد أن قاطعت أبا بكر ولم ترض أن تكلمه إلى غير ذلك من أحداث مؤلمة ليس ههنا مكان ذكرها.
ب ـ يوم جاء أبو سفيان، عدو الله ورسوله(صلى الله عليه وآله) يحث علياً والعباس أن يتمردا على الخليفة المبايع وهو يعدهم النصرة بما يستطيع ـ وقد كان بإمكان مدّعي الإسلام هذا أن يجمع الكثرة الكاثرة من المنافقين ـ فما كان من علي (عليه السلام) وقد عرف مقصده أن رده وجبهه بدخيلة نفسه، وأنه لا يريد سوى الوقيعة بين المسلمين وشق صفوفهم بعيد الهزة العظمى التي حصلت لهم بوفاة قائدهم رسول الله(صلى الله عليه وآله). وكان علي (عليه السلام) ، لو كان ذا دعوة طائفية، سيرضى بأبي سفيان ومن معه كي يعيد الأمر إلى نصابه بغض النظر عما يحل في المسلمين، أو على الأقل في تحليل الاعتماد على المنافقين وضعيفي الإيمان.
ج ـ يوم نص أبو بكر على عمر فقال عمار بن ياسر لعمر: “يا عمر: أمّرته عام أول وقد أمّرك اليوم”، وهذه لم تكن سوى زفرة من عمار، وإلاّ فإن علياً (عليه السلام) كان قد أمر أصحابه بالصبر، وصبر هو وماشى عمراً في خلافته التي امتدت عشر سنوات لم يبخل عليه بالنصيحة، بل وبإنقاذ في أحيان كثيرة لم يُعرف فيها الحكم الصحيح، فكان علي (عليه السلام) المرجع فيها، مما جعل الخليفة يقول في مناسبات عديدة قولته المشهورة: “لولا عليّ لهلك عُمر”.
أكثر من ذلك، عندما أراد عمر أن يذهب بنفسه لفتح العراق وفارس أشار عليه علي (عليه السلام) بألا يذهب بل يبقى في المدينة، ولو كان غير علي (عليه السلام) لفرح بخلو الجو له في المدينة حيث يستطيع أن يتمرد، أو يأمل بالبيعة بعد وفاة عمر المحتملة إذا ما ذهب للحرب.
د ـ يوم الشورى التي أمر بها عمر قبيل وفاته، وجعل فيها الأمر لعبد الرحمن بن عوف إن كان أصحاب الشورى ثلاثة وثلاثة، فكان ذلك وبويع عثمان بن عفان لأنه وافق على شرط عبدالرحمن بأن يحكم بكتاب الله وسنّة رسوله(صلى الله عليه وآله)وسيرة أبي بكر عمر، في حين رفض الإمام علي (عليه السلام) أن يسير بغير الكتاب والسنة واجتهاد رأيه لأنه يعتقد أنه أعلم من أبي بكر وعمر، ولأنه يعتقد بعدم حجية سيرة أبي بكر وعمر وعدم إلزامها له.
هنا أيضاً، لو كان ذا منهج فئوي ضيق وينظر إلى مصلحته الذاتية ومصلحة الأمة الآنية دون مراعاة القيم التي يعدّها خطأ والتي ستتأسس على موافقته على شروط لا يقرها ثم لا يفي بها، كان يمكنه أن يوافق على الشرط ثم يسير حسبما يريد بعد أن يُبايَع.
هـ ـ موقفه من عثمان يوم أن حاصره المسلمون يطلبون النَصَف من وُلاته، ومن ثم أرادوه أن يخلع نفسه من الخلافة. حيث كان (عليه السلام) نِعم الناصح والسفير بينهم وبين عثمان حتى خاف سلام الله عليه من الإثم كما قال (عليه السلام) . هذا مع أنه كان نفسه ينقم على عثمان الكثير من الأحداث، ومنها ما تعرض له أكابر شيعته كعمار وابن مسعود وأبي ذر.
۳ ـ هذه الدعوة ليست طائفية وذلك لأنها من قبل أناس أثبتوا على مرور الأزمان أنهم أبعد ما يكونون عن الطائفية، أو أن طائفية البعض منهم أقل بكثير من طائفية غيرهم من المسلمين، ولئن كان الماضي بحاجة إلى دليل فإن الحاضر المعاش يثبت بما لا يقبل الشك ما أقول. ولنضرب أمثلة على ذلك:
أ ـ تحتوي الدراسات الشيعية على أطروحات ومقارنات وإشارات إلى الفقه السنّيّ والفكر السنّي والآراء السنّيّة، في حين تخلو الدراسات السنّيّة خلواً تاماً من أيّة إشارة إلى الفكر أو الفقه الشيعي. وهذا يعم المجلات والصحف والكتب الدينية والإطروحات الجامعية وغيرها.
ب ـ تحتوي المكتبات الشيعية على كتب السنّة في حين لا تحتوي مكتبات السنّة على كتب الشيعة، وهذا يعمّ المكتبات الخاصة والعامة، وفي جميع بلاد المسلمين، ويعمّ جميع المواضيع من حديث وفقه وتاريخ وأدب وغيرها.
ج ـ تبيع محلات بيع الكتب الشيعية كتباً دينية وأشرطة كاسيت لوعاظ من السنّة في حين لا تبيع محلات الكتب السنّيّة الكتب الدينية الشيعية، وهذا يعمّ جميع المواضيع الدينية، وجميع بلاد المسلمين أكثر من ذلك، يتوقف أصحاب المكتبات الطائفيون عن التعامل مع الموزعين الذين يوزعون كتباً دينية شيعية، فلا يشترون منهم حتى الكتب الأخرى عقاباً لهم على نشر “الانحراف” الشيعي!!
ويصل الأمر إلى حدّ إحجام هؤلاء عن توزيع المصاحف الكريمة إن كانت مطبوعة في إيران في حين توزع المصاحف المطبوعة في أي مكان دون مراجعة!
د ـ تضم رفوف مكتبات الجوامع والمساجد والحسينيات والجمعيات الإسلامية الشيعية الكتب الدينية السنّيّة في حين لا تضم مكتبات الجوامع والمساجد والجمعيات الإسلامية السنّيّة كتب الشيعة.
هـ ـ تمد الجمعيات والجماعات الدينية الشيعية يدها بإخلاص دائماً للجماعات والجمعيات الدينية السنّيّة من أجل التعاون في شتى المجالات، في حين يحجم الآخرون عن فعل المثل، بل يعاملون الشيعة وكأنهم غير موجودين.
و ـ ينظر الشيعة إلى السنّيين على أنهم إخوان لهم يجهلون الحقيقة، وأن ذمتهم مبرأة باتباعهم مذاهبهم، وهم لذلك يطلقون عليهم لفظة “إخواننا” أو “الإخوة” كما سمعته بأذني مراراً من جلسات لا يحضرها غير شيعة. هذا على الرغم من أن الشيعة يعرفون أن الكثير من “إخوانهم” السنّيّن لا يبادلونهم نفس المشاعر، بل يعتبرونهم منحرفين عن الدين باختبارهم ولذا فهم من الخاسرين، كما ويعرفون الأضغان والأحقاد التي في قلوب البعض، والرمي بالأعجمية كما في حال شيعة العراق والخليج(۱۲) ولكن يحملوها على الجهل والتجهيل أيضاً.
أيها الإسلاميون: إجسلوا معاً ضرورة مناقشة الخلافات من الآن وجهاً لوجه:
إن الجلوس سوية لمناقشة الخلافات ضروري ولا غنى عنه وذلك على صعيد الأحزاب والعلماء والباحثين، لأن أفراد الناس الاعتياديين من الشيعة والسّنّة لم يجدوا أن المشاكل التاريخية والعقائدية تحول دون دخولهم في علاقات صداقة وتجارة وسفر، بل مصاهرة، وسائر الأنشطة الاجتماعية، إن الجلوس سوية يمكّن من معرفة حقيقة ما يعتقده الآخرون أولا، ومعرفة ما يظن الآخرون أنك تعتقده ثانياً، ومعرفة مدى استعداد الآخرين للوصول إلى حل لأي إشكال ثالثاً، ورابعاً، ولعله الأهم، يتيح الجلوس وجهاً لوجه للحواجز أن تتلاشى، وفي مقدمة ذلك الحواجز النفسية الناشئة من التعليم الخاطىء والتربية الناقصة وعمليات غسيل الدماغ.
جفاء بعض الإسلاميين السنّيين:
يقول الكاتب:
ولقد أثبت لي الواقع المشاهد بما لا يدع مجالا للشك بأن أغلبية الإخوة الإسلاميين السنّيين لا يبدون متحمسين لفكرة التقارب، ويغلب عليهم الجفاء والجفاف في التعامل مع الإسلاميين الشيعة. وعندي أمثلة على هذا تدل على أن الكثير من الإسلاميين السنّة غير راغبين في التقارب من الشيعة على الرغم من محاولات التقريب عن طريق الأشخاص، أو عن طريق المنهج الوحدوي الذي سلكته الحركة الإسلامية منذ اليوم الأول وحتى الآن.
وأني أعزو هذا الجفاء والجفاف عند الإخوة الإسلاميين السنّة إلى سببين رئيسيين، هما:
أولا ـ اعتبار الشيعة منحرفين عن الدين، وبالتالي فإن التفاهم معهم مرفوض شرعاً.
ثانياً ـ ضغط الجهات الدينية المرتبطة بالنظام السعودي الوهابي على هؤلاء الإسلاميين بشكل أو بآخر وذلك ضمن الحملة العالمية التي شنّتها الوهابية ضد الشيعة منذ تفجر الثورة الإسلامية في إيران والتي يعرفها الجميع، والناس عبيد الدنيا، وضغوط الحياة كثيرة خصوصاً لمن يقيم في المهجر، لذا يصبح تحقيق النجاح عن طريق الضغط المستمر أمراً ميسوراً.
والمشاهد من حال معظم أئمة المساجد والخطباء وبعض قادة الحركات الإسلامية السنّية يدل على أن الكثير منهم قد باع نفسه لقاء ريالات آل سعود التي يدفعونها عن طريق مؤسساتهم في الخارج، وبالخصوص رابطة العالم الإسلامي التي تنتشر فروعها في مختلف أنحاء العالم، وأيضاً مساجد الضرار التي يبنيها الوهابيون في أصقاع مختلفة من الأرض، والتي هي أبواق دعاية لآل سعود والوهابية والتي توجه سبابها وكلمات التكفير التي لا تجيد شيئاً كما تجيدها ضد الشيعة الإمامية.
الأمور الواجب طرحها للمناقشة
وأذكر الآن بعض الأمور التي لابد وأن تتم مناقشتها للوصول إلى صيغ للتعامل معها. أقول صيغاً وليس حلولا وذلك لأن معظم هذه الأمور لا يمكن حلّها إلاّ بالخروج عن المعتقد أو الخروج من المكابرة والعناد اللذين يصعب التغلب عليهما عند أكثر الناس، وستلاحظ أنني لم أذكر الحوار حول القضايا السياسية ـ التي ليست لها علاقة واضحة بالقضية الطائفية ـ لأنه قد بدأ فعلا بين الطرفين أولا، ولأن ليس عليه اعتراض، معلن على الأقل، ثانياً.
۱ ـ الخلاف العقائدي
يجب هنا طرح الخلافات العقائدية لا لأجل إقناع الخصم بوجهة النظر الأخرى، وإنما لكي يعرف الخصم الأساس الذي بنيت عليه هذه الاعتقادات، فلا يقع بعدها فريسة الدعايات المغرضة والإشاعات التي هدفها تفريق المسلمين بتنفير بعضهم من البعض الآخر من قبيل أن التشيّع قد أسسه اليهود أو الفرس لضرب الإسلام كما يشيعه أعداء الشيعة، أو من قبيل أن السنّة لا يحبّون أهل البيت (عليهم السلام) كما يظن بعض الشيعة.
۲ ـ الخلاف الفقهي
وفي هذا يجب الوصول إلى اتفاق بعدم تسخيف الأحكام الفقهية للطرف الآخر، وكما هو حاصل في الهجمة الشرسة ضد الشيعة، ويجب الاتفاق على ضرورة احترام كل طرف لفقه الطرف الآخر، كي لا يصعب التوصّل إلى اتفاق بشأنها مستقبلا إذا أذن الله تعالى أن يكون للإسلاميين صوت في حكم العراق.
يجب أن يتوقف تفكير البعض عن طريقة “ما عندي هو الصحيح وما عند غيري هو الخطأ، حتى وإن لم أفكر بالموضوع، ويجب على غيري أن يتبعني”. قال لي أحد الإخوة أن أصدقاءه (وهم إسلاميون سنّة كانوا في سفرة شبابية في بريطانيا) قالوا: “العجيب في أمر الشيعة أنهم يدققون كثيراً في مسألة اللحوم ويحرّمون أكل اللحوم التي تباع في محلات اللحوم التابعة لغير المسلمين، ولا يأكلون اللحوم ما لم تكن مذبوحة على الطريقة الإسلامية، في حين أنهم يأخذون قروض العقار التي تقدمها البنوك والتي هي حرام لأن أقساطها ربوية”.
أجبته: “وأنتم عجيب أمركم، تتحرجون في مسألة قروض العقار التي تقدمها البنوك وتحرّمون أخذها مع وجود التخريج الفقهي لها، في حين لا يهمّكم أن تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه من اللحوم التي يذبحها غير المسلمين وإنه لفسق!!”(۱۳).
نعم، في كل مسألة تحرمها وتعجب لأني أحللها، أنا أحللها وأعجب لأنك تحرمها.
هكذا يفكّر البعض: رأيه هو الصحيح والآخر على خطأ على الرغم من أنه لا يعرف من الفقه شيئاً، فلا هو من المتخصصين ولا من الذين يعرفون من أين جاءت الأحكام الفقهية.
يجب الاتفاق على أن المسلم بريء الذمة في عباداته ومعاملاته طالما هو يتبع مذهباً يدري لماذا اتبعه، وليس تقليداً للآباء والأجداد. والإسلام دين يسر، فيجب عدم إلزام الخصم بما لا يعترف الخصم به من فقه.
۳ ـ الشعائر الدينية
يعترض بعض السنّيّين، من إسلاميين وغيرهم، على الشعائر الدينية للشيعة كإقامة مجالس العزاء في محرّم من كل عام، وكزيارة مراقد الأئمة (عليهم السلام) وغيرها، ويعترض الإسلاميون المتأثرون بالدعوة الوهابية التي ترفع شعار التوحيد على المسلمين جميعاً، سنة وشيعة، وفي مسألة إخراج النذور في مقامات الأولياء وفي زيارة المراقد للأئمة والأولياء والصالحين.
ولما كانت هذه الأمور لا يمكن الامتناع عن القيام بها لأنها بالنسبة لمن يقوم بها من شعائر الله القائل: (ذَلِكَ وَ مَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب) (الحج: ۳۲)، وبالتالي فسيثاب عليها من الله عزّوجلّ، فأصبح لازماً على من لا يرضى بهذه الشعائر أن يعرف الأساس الفقهي والتاريخي التي تقوم عليه، أو أن يوطّن نفسه على قبول القيام بها من قبل الآخرين الذين هم غالبية الشعب العراقي من شيعة وسنّة.
الشيعة أكثر انفتاحاً للنقاش والبحث:
يتابع الكاتب ملاحظاته ويقول:
ومن مشاهداتي الشخصية في العراق والكويت وبريطانيا، أجزم بأن الشيعة أكثر انفتاحاً للنقاش والبحث من إخوتهم السنّة بما لا يقاس، وهذا ليس بسبب عيب موجود في الشخصية السنّية، وإنما لأن السنّي ينشأ وهو ينتمي إلى أغلبية المسلمين مما يؤسس قناعة لديه بأنه على الحق لأن الأغلبية، وحسب الاعتقاد الخطأ السائد، لا يمكن أن تكون على الباطل، هذا أولا، أما ثانياً فلأن الشيوخ وأئمة المساجد والباحثين السنّيين لا يقيمون وزناً للشيعة ولا لأئمتهم (عليهم السلام) مما يؤدي إلى عدم اهتمام السنّي بهم، واعتبارهم، حتى وإن لم يعي ذلك، منحرفين أو شاذين لا يؤبه لهم ولعقائدهم.
وقد يكون هناك سبب ثالث وهو معرفة علماء السنّة بأن عند الشيعة أدلة قوية وحججاً يصعب ردّها من كتب أهل السنّة، وهذا يؤدي إلى إحجامهم عن المباحثة، وعدم فتح عيون أتباعهم على وجود رأي آخر له حججه وأدلته من كتبهم لئلا يؤدي ذلك إلى تشيع بعض السنّيين، وكما يحصل دائماً، خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وخروج العقيدة الشيعية من كونها عقيدة بعض المسلمين الذين لا يؤبه بهم، أو حتى أنهم من غير المسلمين إلى عقيدة نجحت في إسقاط نظام عميل كافر، وتحت راية الإسلام وشعاراته المتفق عليها (الله أكبر ولا إله إلاّ الله)، فتساءل الكثير من السنّيين عن العقيدة الشيعية التي يحملها قادة إيران وشعبها فأدى ذلك إلى تشيع بعضهم، بل أن بعضهم رووا بأنّهم قد تشيّعوا بعد قراءتهم لكتب الشيعة عقيب قراءتهم للكتب التي تهاجمهم وتكفرهم، فانقلب السحر على الساحر.
في المقابل، ينشأ الشيعي وهو يحمل هموم الإسلام الذي لم يسر مسيرته التي أرادها الله تعالى، حسب اعتقاده، وهموم وأحزان أهل البيت (عليهم السلام) ، فيصبح عنده أن يأخذ سنّي واحد بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) غاية ما يتمنى، أو خير من الدنيا وما فيها كما في الخبر. كما أن وجوده في دول تحكمها الأنظمة السنّية سواء كان الشيعة هم الأكثرية كما في العراق والبحرين أو هم الأقلية، يجبره على الاطلاع على ما عند الآخرين لأنه في متناول يده في التلفزيون أو الكتب أو الصحف والمجلات وغير ذلك، فهو ينفتح على السنّي وما يكتبه علماؤه وباحثوه بشكل أو بآخر.
ولقد كنت أرى الكتب السنّية من حديث وفقه وتفسير إلى جانب الكتب الشيعية في مساجد الشيعة ومكتباتهم العامة والخاصة، في حين لا يوجد شيء من كتب الشيعة في مساجد السنة ومكتباتهم. وهذا ينطبق على أشرطة التسجيل لأحاديث الوعظ وما شابه.
وهكذا يكون الكاتب قد عرض المشكلة الطائفية عند المسلمين من خلال تجربة خاصة، وقدم بعض الحلول الناجحة لها، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(۱) في كتابه “الردّ على الرافضة” أي الشيعة نشر دار طيبة ـ الرياض، في الصفحة: ۴۴٫
(۲) كحسن العلوي في كتابه “الشيعة والدولة القومية”: ۲۴۰٫
(۳) وهو المهم عند علماء السنّة، بل الأهم والسبب في عدائهم للشيعة. وأحب أن أنقل تعليق السيد عبدالحسين شرف الدين العاملي في ص۳۴۰ من كتابه “النص والاجتهاد” على قول ابن خلدون هذا، قال: ما أدري كيف تبني المذاهب الفقهية على تناول بعض الصحابة بالقدح، وما عرفت كيف تستنبط الأحكام الشرعية من تناول أحد من الناس، وإبن خلدون يعد من الفلاسفة، فما هذا الهذيان منه يا أولي الألباب!
(۴) راجع “مشكلة الحكم في العراق”: ۲۱۵ وما بعدها.
(۵) والحقيقة هي أن هذه التربة قد حملت أكثر مما تحتمل، ولكن لابد لكاتبي الكتب أن يملؤوها مقابل المال السحت الذي يدفع أجراً لهذه الكتب السامة.
(۶) والحقيقة هي أن الواجب على جميع المسلمين أن يصوموا ويفطروا بناءً على رؤية الهلال من قبل العدول. إلاّ أن اتباع كثير من البلدان الإسلامية للسعودية في ذلك، وكون السعودية تصوم وتفطر مبكراً دائماً، حتى قبل ولادة الهلال أحياناً كما أكد ذلك الباحثون والفلكيون وبمقارنة جداول ولادة القمر التي لا شك في صحتها، جعل السنّة في الكثير من البلدان الإسلامية ومنها العراق الذي يتبع السعودية أحياناً كثيرة، يصومون ويفطرون قبل الشيعة.
ولا أرى شخصياً أي حاجة لتوحيد الصيام والإفطار كما يطلب البعض مخلصاً، لأن المسلمين موزعون في أصقاع الأرض مما تصبح الرؤية الموحدة مستحيلة. كما أرى شخصياً أن هناك تفريطاً من جانب علماء السنة في عدم التثبت من الهلال ومتابعة السعودية، وتفريطاً من الناس عموماً في متابعة إعلانات الدولة بالرؤية وهي التي تستند إما على علماء غير ثقات من وعاظ السلاطين وإما على قرارات سياسية (كما حدث في الستينات في العراق حيث أعلنت الدولة أنه لم تثبت رؤية هلال شوال، ثم لما أعلنت النجف ثبوت الرؤية أعلن تلفزيون بغداد في ساعة متأخرة جداً من الليل ثبوت الرؤية).
(۷) صحيح البخاري: ۷ / ۲۹٫
(۸) صحيح البخاري: ۱ / ۳۷، ۴۴، ۱۷۱٫
(۹) صحيح البخاري، باب الاستخلاف: ۸ / ۱۲۷٫
(۱۰) والتي اعترضت فيها على قرار الخليفة منعها من التصرف بإرث أبيها رسول الله(صلى الله عليه وآله)استناداً إلى حديث رواه الخليفة أبو بكر يقول: “نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة”، في حين كانت ترى أنها ترث أباها(صلى الله عليه وآله) كما ترث أي بنت أباها استناداً على نصوص القرآن الذي لم يخصص آيات المواريث بسائر الناس دون الرسل (عليهم السلام) ، واستناداً إلى كونها لم تسمع حديث الرسول(صلى الله عليه وآله) الذي رواه أبو بكر، وأنه من المستحيل أن يتركها أبوها(صلى الله عليه وآله)جاهلة بهذا الحكم الشرعي فيعرضها للمطالبة بإرث ليس من حقها كما زعموا.
ويبدو أن بعض حكام المسلمين كانوا يوافقون الزهراء(عليها السلام) في طلبها لأنهم أعادوا الميراث، ومنه قرية “فدك” إلى ذريتها، كما فعل عمر عبدالعزيز الأموي والمهدي والمأمون العباسيان.
(۱۱) وهي تحثّهم على نصرتها في طلب حقوقها التي منعت منها لأن الرسول(صلى الله عليه وآله) كان قد قال: “المرء يحفظ في ولده” وأوصى الناس بأهل بيته كثيراً كقوله: “أذكركم الله في أهل بيتي”.
(۱۲) وإن كان المقصود بالرمي بالأعجمية هو الطرد من حق القرار السياسي العراقي إلاّ أنه صار يحمل صفة الشتم فأضحت الأعجمية بحد ذاتها سبّة.
(۱۳) ومن الأمور التي تثار كل عام ويعترض لأجلها كالتالي: لماذا لا تصومون وتفطرون معنا ولماذا تفطرون بعدنا بيوم واحد وما ذاك إلاّ حباً بمخالفتنا.
وأجيب: ولماذا لا تصومون أنتم وتفطرون معنا ولماذا تفطرون قبلنا بيوم واحد وكأنكم ترغبون بمخالفتنا فلا تتيقنوا من الهلال بل تتبعون إعلان الحكومات الظالمة والله يقول: “ولا تركنوا إلى الذين ظلموا” هود: ۱۱۳؟!
وبالمناسبة فإنه في هذا العام (۱۴۱۳هـ) أعلنت السعودية عن ثبوت رؤية هلال عيد الفطر المبارك ليلة الثلاثاء (مساء الإثنين) المصادف ۲۳ آذار ۱۹۹۳ في حين أن الهلال وُلِد يوم الثلاثاء، أي أن من شهد برؤية الهلال فعل ذلك قبل ولادة الهلال بعدة ساعات!! حدث الشيء ذاته عدة مرات في أهلة شهر رمضان وشوال.
المصدر: مركز الأبحاث العقائدية