- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 31 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
تبدأ مرحلة الطفولة المبكرة من عام الفطام إلى نهاية العام السادس أو السابع من عمر الطفل ، وهي من أهم المراحل التربوية في نمو الطفل اللغوي والعقلي والاجتماعي ، وهي مرحلة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحة النفسية والخلقية ، وتتطلب هذه المرحلة من الأبوين إبداء عناية خاصة في تربية الأطفال وإعدادهم ليكونوا عناصر فعالة في المحيط الاجتماعي ، وتتحدد معالم التربية في هذه المرحلة ضمن المنهج التربوي التالي :
أولا : تعليم الطفل معرفة الله تعالى
الطفل مجبول بفطرته على الايمان بالله تعالى ، حيث تبدأ تساؤلاته عن نشوء الكون وعن نشوئه ونشوء أبويه ونشوء من يحيط به ، وان تفكيره المحدود مهيأ لقبول فكرة الخالق والصانع فعلى الوالدين استثمار تساؤلاته لتعريفه بالله تعالى الخالق في الحدود التي يتقبلها تفكيره المحدود ، والايمان بالله تعالى كما يؤكده العلماء سواء كانوا علماء دين أو علماء نفس ( من أهم القيم التي يجب غرسها في الطفل . . مما سوف يعطيه الأمل في الحياة والاعتماد على الخالق ، ويوجد عنده الوازع الديني الذي يحميه من اقتراف المآثم ) ( 1 ) .
والتربية والتعليم في هذه المرحلة يفضل أن تكون بالتدريج ضمن منهج متسلسل متناسبا مع العمر العقلي للطفل ، ودرجات نضوجه اللغوي والعقلي ، وقد حدد الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) تسلسل المنهج قائلا :
” إذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له : قل لا إله إلا الله سبع مرات ، ثم يترك حتى تتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوما فيقال له : قل محمد رسول الله سبع مرات ، ويترك حتى يتم له أربع سنين ثم يقال له : قل سبع مرات صلى الله على محمد وآله ، ثم يترك حتى يتم له خمس سنين ثم يقال له : أيهما يمينك وأيهما شمالك ؟ فإذا عرف ذلك حول وجهه إلى القبلة ويقال له : اسجد ، ثم يترك حتى يتم له سبع سنين فإذا تم له سبع سنين قيل له اغسل وجهك وكفيك فإذا غسلهما قيل له صل ثم يترك ، حتى يتم له تسع سنين ، فإذا تمت له تسع سنين علم الوضوء وضرب عليه وأمر بالصلاة وضرب عليها فإذا تعلم الوضوء والصلاة غفر الله عز وجل له ولوالديه انشاء الله ” ( 2 ) .
وقد أثبت علم النفس الحديث صحة هذا المنهج ( 2 – 3 سنوات ، يكتسب كلام الطفل طابعا مترابطا مما يتيح له إمكانية التعبير عن فهمه لكثير من الأشياء والعلاقات . . . وفي نهاية السنة الثالثة يصبح الطفل قادرا على استخدام الكلام وفق قواعد نحوية ملحوظة وهذا يمكنه من صنع جمل أولية وصحيحة ) ( 3 ) . وتعميق الايمان بالله ضروري في تربية الطفل .
والطفل في هذه المرحلة يكون مقلدا لوالديه في كل شئ بما فيها الايمان بالله تعالى ، يقول الدكتور سپوك : ( إن الأساس الذي يؤمن به الابن بالله وحبه للخالق العظيم هو نفس الأساس الذي يحب به الوالدان الله ) .
ويقول : ( بين العمر الثالث والعمر السادس يحاول تقليد الأبوين في كل شئ فإذا حدثاه عن الله فإنه يؤمن بالصورة التي تحددها كلماتهما عن الله حرفيا ) ( 4 ) . والطفل في هذه المرحلة يميل دائما إلى علاقات المحبة والمودة والرقة واللين فيحب أو يفضل ( تأكيد الصفات الخاصة بالرحمة والحب والمغفرة إلى أقصى حد ممكن مع التقليل إلى أدنى حد من صفات العقاب والانتقام ) ( 5 ) .
فتكون الصورة التي يحملها الطفل في عقله عن الله تعالى صورة جميلة محببة له فيزداد تعلقه بالله تعالى ويرى انه مانح الحب والرحمة له .
وإذا أردنا ان نكون له صورة عن يوم القيامة فالأفضل ان نركز على نعيم الجنة بما يتناسب مع رغباته ، من أكل وشرب وألعاب وغير ذلك ، ونركز على أنه سيحصل عليها إن أصبح خلوقا ملتزما بالآداب الاسلامية ، ويحرم منها إن لم يلتزم ، ويؤجل التركيز على النار والعذاب إلى مرحلة متقدمة من عمره .
ثانيا : التركيز على حب النبي وأهل البيت(عليهم السلام)
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” أدبوا أولادكم على ثلاث خصال : حب نبيكم ، وحب أهل بيته ، وقراءة القرآن ” ( 6 ) .
في هذه المرحلة تنمو المشاعر والعواطف والأحاسيس عند الطفل ، من حب وبغض وانجذاب ونفور ، واندفاع وانكماش ، فيجب على الوالدين استثمار حالات الاستعداد العاطفي عند الطفل وتنمية مشاعره وعواطفه ، وتوجيهها نحو الارتباط بأرقى النماذج البشرية والمبادرة إلى تركيز حب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وحب أهل البيت ( عليهم السلام ) في خلجات نفسه ، والطريقة الأفضل في تركيز الحب هو إبراز مواقفهم وسلوكهم في المجتمع وخصوصا ما يتعلق برحمتهم وعطفهم وكرمهم ، ومعاناتهم وما تعرضوا له من حرمان واعتداء ، يجعل الطفل متعاطفا معهم محبا لهم ، مبغضا لمن آذاهم من مشركين ومنحرفين .
والتركيز على قراءة القرآن في الصغر يجعل الطفل منشدا إلى كتاب الله ، متطلعا على ما جاء فيه وخصوصا الآيات والسور التي يفهم الطفل معانيها ، وقد أثبت الواقع قدرة الطفل في هذه المرحلة على ترديد ما يسمعه ، وقدرته على الحفظ ، فينشأ الطفل وله جاذبية وشوق للقرآن الكريم ، وينعكس ما في القرآن من مفاهيم وقيم على عقله وسلوكه .
ثالثا : تربية الطفل على طاعة الوالدين
يلعب الوالدان الدور الأكبر في تربية الأطفال ، فالمسؤولية تقع على عاتقهما أولا وقبل كل شئ ، فهما اللذان يحددان شخصية الطفل المستقبلية ، وتلعب المدرسة والمحيط الاجتماعي دورا ثانويا في التربية .
والطفل إذا لم يتمرن على طاعة الوالدين فإنه لا يتقبل ما يصدر منهما من نصائح وارشادات وأوامر إصلاحية وتربوية ، فيخلق لنفسه ولهما وللمجتمع مشاكل عديدة ، فيكون متمردا على جميع القيم وعلى جميع القوانين والعادات والتقاليد الموضوعة من قبل الدولة ومن قبل المجتمع .
قال الإمام الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) : ” جرأة الولد على والده في صغره ، تدعو إلى العقوق في كبره ” ( 7 ) .
وقال الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) : ” . . . شر الأبناء من دعاه التقصير إلى العقوق ” ( 8 ) .
وتربية الطفل على طاعة الوالدين تتطلب جهدا متواصلا منهما على تمرينه على ذلك ، لأن الطفل في هذه المرحلة يروم إلى بناء ذاته وإلى الاستقلالية الذاتية ، فيحتاج إلى جهد إضافي من قبل الوالدين ، وأفضل الوسائل في التمرين على الطاعة هو إشعاره بالحب والحنان ، يقول الدكتور يسري عبد المحسن : ( أهم العوامل التي تساعد الطفل على الطاعة . . الحب والحنان الذي يشعر به الطفل من كل افراد الأسرة ) ( 9 ) .
ومن الوسائل التي تجعله مطيعا هي اشباع حاجاته الأساسية وهي ( الامن ، والمحبة ، والتقدير ، والحرية ، والحاجة إلى سلطة ضاغطة ) ( 10 ) .
ويرى الدكتور فاخر عاقل هذه الحاجات بالشكل التالي ( الحاجة إلى توكيد الذات ، أو المكانة ، ان يعترف به وبمكانته ، وان ينتبه إليه . .
والحاجة إلى الأمان والحاجة إلى المحبة والحاجة إلى الاستقلال ) ( 11 ) .
فإذا شعر الطفل بالحب والحنان والتقدير من قبل والديه ، فإنه يحاول المحافظة على ذلك بإرضاء والديه وأهم مصاديق الارضاء هو طاعتهما .
فالوالدان هما الأساس في تربية الطفل على الطاعة ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” رحم الله والدين أعانا ولدهما على برهما ” ( 12 ) .
وأسلوب الإعانة كما حدده رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” رحم الله عبدا أعان ولده على بره بالاحسان إليه ، والتألف له ، وتعليمه وتأديبه ” ( 13 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” رحم الله من أعان ولده على بره ، وهو أن يعفو عن سيئته ، ويدعو له فيما بينه وبين الله ” ( 14 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” رحم الله من أعان ولده على بره . . . يقبل ميسوره ، ويتجاوز عن معسوره ، ولا يرهقه ولا يخرق به . . . ” ( 15 ) .
وحب الأطفال للوالدين رد فعل لحب الوالدين لهما ( 16 ) .
فإذا كان الحب هو السائد في العلاقة بين الطفل ووالديه ، فإن الطاعة لهما ستكون متحققة الوقوع ، وعلى الوالدين أن يصدرا الأوامر برفق ولين بصورة نصح وإرشاد فان الطفل سيستجيب لهما ، أما استخدام التأنيب والتعنيف فإنه سيؤدي إلى نتائج عكسية ، ولذا أكد علماء النفس والتربية على التقليل من التعنيف كما جاء في قول أنور الجندي : ( يقتصد في التعنيف عند وقوع الذنب ، لان كثرة العقاب تهون عليه سماع الملامة وتخفف وقع الكلام في نفسه ) ( 17 ) .
وإطاعة الأوامر لا يجد فيها الطفل الذي حصل على المحبة والتقدير أية غضاضة على حبه للاستقلال ، وبالمحبة التي يشعرها تتعمق في نفسه القابلية على تقليد سلوك من يحبهم وهما الوالدين ، فينعكس سلوكهما عليه ، ويستجيب لهما ، فإنه إذا عومل كإنسان ناضج وله مكانة فإنه يستريح إلى ذلك ويتصرف بنضج وبصورة لا تسئ إلى والديه ، فيتمرن على الطاعة لوالديه ، ومن ثم الطاعة لجميع القيم التي يتلقاها من والديه أو من المدرسة أو من المجتمع .
رابعا : الإحسان إلى الطفل وتكريمه
الطفل في هذه المرحلة بحاجة إلى المحبة والتقدير من قبل الوالدين وبحاجة إلى الاعتراف به وبمكانته في الأسرة وفي المجتمع ، وان تسلط الأضواء عليه ، وكلما أحس بأنه محبوب ، وأن والديه أو المجتمع يشعر بمكانته وذاته فإنه سينمو ( متكيفا تكيفا حسنا وكينونته راشدا صالحا يتوقف على ما إذا كان الطفل محبوبا مقبولا شاعرا بالاطمئنان في البيت ) ( 18 ) .
والحب والتقدير الذي يحس به الطفل له تأثير كبير على جميع جوانب حياته ، فيكتمل نموه اللغوي والعقلي والعاطفي والاجتماعي ، والطفل يقلد من يحبه ، ويتقبل التعليمات والأوامر والنصائح ممن يحبه ، فيتعلم قواعد السلوك الصالحة من أبويه وتنعكس على سلوكه إذا كان يشعر بالمحبة والتقدير من قبلهما .
وقد وردت عدة روايات تؤكد على ضرورة محبة الطفل وتكريمه .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم ” ( 19 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” رحم الله عبدا أعان ولده على بره بالإحسان إليه والتألف له وتعليمه وتأديبه ” ( 20 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” نظر الوالد إلى ولده حبا له عبادة ” ( 21 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” أحبوا الصبيان وارحموهم ، فإذا وعدتموهم فوفوا لهم ، فإنهم لا يرون إلا انكم ترزقونهم ” ( 22 ) .
ومن مصاديق محبة الطفل واشعاره بمكانته التشجيع له ومدحه على ما ينجزه من أعمال وإن كانت يسيرة والتجاوز عن بعض الهفوات ، وعدم تسفيه أقواله أو أعماله وعدم حمله على مالا يطيق كما جاء في قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” رحم الله من أعان ولده على بره . . . يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره ولا يرهقه ولا يخرق به . . . ” ( 23 ) .
وتقبيل الطفل من أفضل الوسائل لإشعاره بالحب والحنان ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” أكثروا من قبلة أولادكم ، فان لكم بكل قبلة درجة في الجنة ” ( 24 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” من قبل ولده كان له حسنة ، ومن فرحه فرحه الله يوم القيامة . . . ” ( 25 ) .
وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ” بروا آباءكم يبركم أبناؤكم ” ( 26 ) .
ومن مصاديق إشعار الطفل بأنه محبوب إسماعه كلمات الحب والود ففي رواية ( جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخذ أحدهما فضمه إلى إبطه ، وأخذ الآخر فضمه إلى إبطه الآخر وقال : ” هذان ريحانتاي من الدنيا ” ) ( 27 ) .
ومن أجل إشعار الطفل بمكانته الاجتماعية لتتعمق الثقة بنفسه كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يسلم على الصغير والكبير كما جاء في الخبر إنه : ( مر على صبيان فسلم عليهم ) ( 28 ) .
وتعامل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع الحسن والحسين تعاملا خاصا ، فقد ( بايع الحسن والحسين وهما صبيان ) ( 29 ) .
وإشعار الطفل بالحب والحنان من أهم العوامل التي تساعده على الطاعة والانقياد للوالدين ( 30 ) .
والأفضل أن يكون إشعار الطفل بأنه محبوب مرافقا له في كل الأوضاع والأحوال حتى وإن أخطأ أو ارتكب ما يوجب التأنيب أو العقاب ، والأفضل أن نجعل الطفل مميزا بين الحب له وعدم كراهيته في حالة خطئه أو ذنبه ، يقول الدكتور سپوك : ( اننا كآباء يجب أن لا نجعل الطفل يشعر في أي مرحلة من مراحل عمره بأنه منبوذ ولو حتى بمجرد نظرة عين ، ان الطفل لا يستطيع ان يفرق بين كراهية والديه لسلوكه وبين كراهيتهما له ) ( 31 ) .
ولكن بالتدريب وتكرار العمل يمكننا أن نقنع الطفل بأن العمل الخاطئ الذي يرتكبه مبغوضا من قبل والديه ، أو من قبل المجتمع مع بقاء المحبوبية له ، ونحاول إقناعه بالاقلاع عن الاعمال الخاطئة وإشعاره بأن الحب والحنان سيصل إلى أعلى درجاته في هذه الحالة .
خامسا : التوازن بين اللين والشدة
تكريم الطفل والإحسان إليه وإشعاره بالحب والحنان وإشعاره بمكانته الاجتماعية وبانه مقبول عند والديه وعند المجتمع ، يجب أن لا يتعدى الحدود إلى درجة الافراط في كل ذلك ، وأن لا تترك له الحرية المطلقة في أن يعمل ما يشاء ، فلابد من وضع منهج متوازن في التصرف معه من قبل الوالدين ، فلا يتساهلا معه إلى أقصى حدود التساهل ، ولا أن يعنف على كل شئ يرتكبه ، فلا بد أن يكون اللين وتكون الشدة في حدودهما ، ويكون الاعتدال بينهما هو الحاكم على الموقف منه حتى يجتاز مرحلة الطفولة بسلام واطمئنان ، يميز بين السلوك المحبوب والسلوك المنبوذ ، لان السنين الخمسة الأولى أو الستة من الحياة هي التي تكون نمط شخصيته .
وقد أكدت الروايات على الاعتدال في التعامل مع الطفل فلا إفراط ولا تفريط .
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ” شر الآباء من دعاه البر إلى الإفراط . . ” ( 32 ) .
وفي حالة ارتكاب الطفل لبعض المخالفات السلوكية ، على الوالدين أن يشعرا الطفل بأضرار هذه المخالفة وإقناعه بالاقلاع عنها ، فإذا لم ينفع الاقناع واللين يأتي دور التأنيب أو العقاب المعنوي دون البدني ، والعقوبة العاطفية خير من العقوبة البدنية كما أجاب الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) حينما سئل عن كيفية التعامل مع الطفل فقال : ” لا تضربه واهجره . . . ولا تطل ” ( 33 ) .
فالإمام لا يدعو إلى اللين والتساهل مع الطفل في حالة تكرار الأخطاء ، كما لا يدعو إلى استمرار العقوبة العاطفية وهي الهجر ، وإنما يدعو إلى الاعتدال والتوازن بين اللين والشدة .
والإفراط أو التفريط يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الطفل من جميع الجوانب العقلية والعاطفية والخلقية .
ويجب في ضوء المنهج التربوي السليم أن يحدث التوازن بين المدح والتأنيب ، فالمدح الزائد كالتأنيب الزائد يؤثر على التوازن الانفعالي للطفل ، ويجعله مضطربا قلقا ، فالطفل ( الناشئ في ظل الرأفة الزائدة لا يطيق المقاومة أمام تقلبات الحياة ، ولا يستطيع الصراع معها ) ( 34 ) .
ويتأخر النضوج العاطفي عند الطفل المدلل ، ( وتطول فترة الطفولة لديه ) ( 35 ) . فيبقى محتاجا لوالديه في كل المواقف التي تواجهه وتستمر هذه الحالة معه حتى في كبره ، فنجد في واقعنا الاجتماعي أطفالا أو كبارا ينتظرون من المجتمع ان يلبي مطالبهم أو يؤيد آرائهم ، أو يمدحهم ويثني عليهم ، فهم لا يستطيعون مواجهة المشاكل التي تقف في طريق تلبية طموحاتهم ، ونفس الكلام يأتي في سلوك الطفل المنبوذ أو المتعرض للإهانات أو التأنيب الزائد من قبل والديه ومحاسبته على كل شئ يصدر منه ، كما قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ” الافراط في الملامة يشب نيران اللجاج ” ( 36 ) .
ولذا نجد في المجتمع أن الأحداث المنحرفين المتصفين بصفات عدوانية اتجاه الآخرين كانوا معرضين للإهانات والعقوبات المستمرة .
وعلى الوالدين أن يضعوا للأطفال برنامجا يوضحون لهم المحبوب والمذموم من الاعمال ، ويكون المدح أو التأنيب منصبا على العمل المرتكب ، لكي نزرع في قلوبهم حب الأعمال الصالحة وبغض الاعمال غير الصالحة ، وأن تعمل على تقوية الضمير في نفس الطفل في هذه المرحلة حتى يكون صماما له في المستقبل فنزرع في قلبه الخوف من ارتكاب العمل غير الصالح والشوق إلى العمل الصالح ، بدلا من الخوف من العقوبة أو الشوق إلى المدح والاطراء ، وعلى الوالدين أن يجعلوا المدح أو التأنيب خالصا من أجل تربية الأطفال ، وان لا يعكسوا أوضاعهم النفسية في التربية ، كمن يواجه مشكلة فيصب غضبه على الطفل دون أي مبرر .
وفي هذا الصدد ( نهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن الأدب عند الغضب ) ( 37 ) .
وهنالك بعض الحالات يجب على الوالدين الانتباه إليها لكي لا تأتي على عقل الطفل وعواطفه بآثار عكسية ، فمثلا يقوم الطفل بكسر شئ ثمين فيصيبه الفرح لأنه يرى نفسه قد أقدم على شئ جميل بأن حول هذا الشئ إلى شيئين عن طريق عملية الكسر ، فهو يحتاج في نظره إلى مدح وثناء ، وهنا تأتي بدلا من المدح العقوبة فيتفاجأ الطفل ، وتكون للعقوبة تأثيراتها النفسية عليه .
وفي حالات أخرى يكون الطفل بحاجة إلى التأنيب أو الذم أو الهجران أو العقوبة البدنية أحيانا كما يقول الدكتور سپوك : ( إن الأطفال في معظم الأحوال يفرحون لأن الوالد قد وضع حدا لوقاحتهم ) ( 38 ) .
والطفل في حالة مرضه بحاجة إلى الرعاية المتوازنة فلا إفراط ولا تفريط ، فلا اهتمام زائد ولا عدم اهتمام ، والتوازن أفضل ، وهو اشعاره بالاهتمام في حدوده المعقولة لان ( طريقة المبالغة التي تتبعها الأمهات عندما يصاب أطفالهن بالمرض تؤثر على نفسية الطفل في الكبر . . . يخلق منه طفلا مكتئبا كثير الشكوى سريع الانفعال ) ( 39 ) .
ويجب مراعاة وحدة الأسلوب التربوي من قبل الوالدين ، والاتفاق على منهج واحد من أجل أن يتعرف الطفل على الصواب والخطأ في سلوكه ، فلو استخدم الأب التأنيب مع الطفل لخطأ معين ، فعلى الأم ان لا تخالف الأب في ذلك ، وكذا الحال في المدح لأن ( الاضطرابات السلوكية والأمراض النفسية التي تصيب الطفل في حداثته والرجل في مستقبله تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للأبوين . . . كتناقضات أسلوب المعاملة ، كالتذبذب بين التسامح والشدة . . . والتدليل والاهمال ، وتكون نتيجة هذه التطورات إما خلق روح العدوان والجنوح وبرود العاطفة والاحباط والوسواس من ناحية أو المغالاة في الاعتماد على الغير والسلوك المدلل وضعف الشخصية من ناحية أخرى ) ( 40 ) .
سادسا : العدالة بين الأطفال
الطفل الأول في الأسرة يكون موضع حب وحنان وعناية من قبل والديه لأنه الطفل الأول والطفل الوحيد ، فيمنح الاهتمام الزائد ، والرأفة الزائدة ، وتلبى كثيرا من حاجاته المادية والنفسية ، فنجد الوالدين يسعيان إلى إرضائه بمختلف الوسائل ويوفرون له ما يحتاجه من ملابس وألعاب وغير ذلك من الحاجات ، ويكون مصاحبا لوالديه في أغلب الأوقات سواء مع الأم أو مع الأب أو مع كليهما وبعبارة أخرى يلقى دلالا واهتماما استثنائيا ، ومثل هذا الطفل وبهذه العناية والاهتمام ، سيواجه مشكلة صعبة عليه في حالة ولادة الطفل الثاني ، وتبدأ مخاوفه من الطفل الثاني ، لأنه سيكون منافسا له في كل شئ ، ينافسه في حب الوالدين ورعايتهم له ، وينافسه في منصبه باعتباره الطفل الوحيد سابقا ، وينافسه في ألعابه ، وتبدأ بوادر الغيرة عليه منذ أول يوم الولادة ، إذ ينشغل الوالدان بالوضع الطارئ الجديد وسلامة الوالدة والطفل ، فإذا لم ينتبه الوالدان إلى هذه الظاهرة ، فان غيرة الطفل الأول ستتحول بالتدريج إلى عداء وكراهية للطفل الجديد ، وينعكس هذا العداء على أوضاعه النفسية والعاطفية ، ويزداد كلما انصب الاهتمام بالطفل الجديد وأخرج الطفل الأول عن دائرة الاهتمام ، فيجب على الوالدين الالتفات إلى ذلك والوقاية من هذه الظاهرة الجديدة ، وابقاء الطفل الأول على التمتع بنفس الاهتمام والرعاية واشعاره بالحب والحنان ، وتحبيبه للطفل الثاني ، واقناعه بأنه سيصبح أخا أو أختا له يسليه ويتعاون معه ، وانه ليس منافسا له في الحب والاهتمام ، ويجب عليهما تصديق هذا الاقناع في الواقع بأن تقوم الأم باحتضانه وتقبيله ويقوم الأب بتلبية حاجاته أو شراء ألعاب جديدة له ، إلى غير ذلك من وسائل الاهتمام والرعاية الواقعية ، والحل الأمثل هو العدالة والمساواة بين الطفل الأول والثاني فإنها وقاية وعلاج للغيرة والكراهية والعداء وتتأكد أهمية العدالة والمساواة كلما تقدم الطفلان في العمر ، إذ تنمو مشاعرهما وعواطفها ونضوجهم العقلي واللغوي بالتدريج يجعلهما يفهمان معنى العدالة ومعنى المساواة ، ويشخصان مصاديقها في الواقع العملي ، وقد وردت الروايات المتظافرة لتؤكد على إشاعة العدالة بين الأطفال ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” اعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف ” ( 41 ) .
والعدالة بين الأطفال مطلقة وشاملة لكل الجوانب الحياتية التي تحيط بالأطفال في جانبها المادي والمعنوي ، أي في إشباع حاجاتهما المادية وحاجاتهما المعنوية للحب والتقدير والاهتمام جاء عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
( أنه نظر إلى رجل له ابنان فقبل أحدهما وترك الآخر ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” فهلا ساويت بينهما ” ) ( 42 ) . وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إن الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القبل ” ( 43 ) .
وأكد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على العدالة في العطاء والهدية سواء في الأكل والشرب والثياب والألعاب إلى غير ذلك كما جاء في قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” ساووا بين أولادكم في العطية ، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء ” ( 44 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف ” ( 45 ) .
والعدالة لا تعني عدم التفضيل بين الأطفال ، فبعض الأطفال يكونون أكثر جاذبية من بعض من قبل الوالدين ، فعن رفاعة الأسدي قال : ( سألت أبا الحسن – موسى بن جعفر ( عليه السلام ) – عن الرجل يكون له بنون وأمهم ليست بواحدة ، أيفضل أحدهم على الآخر ؟ قال ( عليه السلام ) : ” نعم ، لا بأس به ، قد كان أبي ( عليه السلام ) يفضلني على أخي عبد الله ” ) ( 46 ) .
والتفضيل يجب أن يكون مستورا لا يظهره أمامهما ويحتفظ به في مشاعره القلبية ، أما في الواقع فلا يعمل إلا بالعدالة والمساواة ، كما قال الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) : ” قال والدي : والله لأصانع بعض ولدي وأجلسه على فخذي وأكثر له المحبة ، وأكثر له الشكر ، وان الحق لغيره من ولدي ، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره لئلا يصنعوا به ما فعل بيوسف اخوته ” ( 47 ) ، لأن عدم العدالة له تأثيره السلبي على نفسية الأطفال تؤدي إلى زرع روح الكراهة والبغضاء بينهم وتؤدي بهم في النتيجة إلى العداء المستحكم ، واتخاذ الموقف غير السليم كما فعل اخوة يوسف به حينما ألقوه في البئر .
وقد كانت السيرة قائمة على أساس إشاعة العدالة بين الأطفال سواء كانوا أخوة أو أرحام ، فعن عبد الله بن عباس قال : ( كنت عند النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي ، وهو تارة يقبل هذا وتارة يقبل هذا ) ( 48 ) .
فإبراهيم ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والحسين ابن بنته ، ومع كل هذه الاختلافات في الروابط فإنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يفرق في المعاملة بينهما .
وفي رواية ( كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصلي فجاء الحسن والحسين فارتدفاه ، فلما رفع رأسه أخذهما أخذا رفيقا فلما عاد عادا ، فلما انصرف أجلس هذا على فخذه الأيمن وهذا على فخذه الأيسر ) ( 49 ) .
وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يخطب على المنبر فجاء الحسن والحسين يمشيان ويعثران ( فنزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ) ( 50 ) .
ومن مصاديق العدالة والمساواة هو عدم إقامة المقارنة بين الأطفال ، في صفاتهم الجسمية والمعنوية والنفسية ، فلا يصح ان يقال فلان أجمل من فلان ، أو أذكى منه أو أكثر خلقا منه لأنها ستكون منبعا للحقد ، لان المقارنة بين الأطفال تؤدي إلى ( الغيرة من بعضهم وإلى التنافس ) ( 51 ) .
والمقارنة تؤدي إلى فقدان الثقة بين الأشقاء والعكس صحيح ( عدم التفرقة في المعاملة هو أكبر دعامة لخلق جو من الثقة المتبادلة بينه وبين سائر أفراد العائلة ) ( 52 ) .
ونلاحظ عند كثير من الآباء مواقف غير مقصودة بأن يقول : ان ابني فلان يشبهني ، وفلان لا يشبهني ، فحتى هذه المقارنة تعمل عملها في الغيرة والتنافس ، والأفضل اجتنابها .
ومن العدالة هو عدم التمييز بين الولد والبنت ، لان التميز يؤثر تأثيرا سلبيا على نفسية البنت ، وعلى زرع العداوة والحقد بين الأخت وأخيها ، وهذه ظاهرة شائعة في أغلب البلدان ، حيث يميل الأبوين إلى الابن أكثر من ميلهما إلى البنت ، ويلبيان مطاليب الولد أكثر من مطاليب البنت ، ولغرض التقليل من شأن هذه الظاهرة جاءت الروايات لتعطي للبنت عناية استثنائية وتمرن الأبوين عليها كما جاء عن ابن عباس عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج ، وليبدأ بالإناث قبل الذكور . . ” ( 53 ) .
والبدء بالإناث لا يولد أي تأثير سلبي على الطفل الابن ، لأنه يراه أمرا طبيعيا فلابد من تقديم أحدهم ، وغالبا ما يسكت الطفل ولا يلتفت إلى التمييز إن حصل على عطاء والديه ، سواء كان العطاء أولا أو ثانيا .
والعدالة بين الأطفال لا تعني ان لا نتخذ أسلوبا للتشجيع بان تخصص هدية إضافية لمن يعمل عملا صالحا ، فان ذلك ضروري لتشجيع الطفل على السلوك الصالح ، وقد ينفع في إقامة المنافسة المشروعة بين الأطفال لا تؤثر على نفسياتهم بصورة سلبية ، بل يجدونها أمرا مشروعا وحقا طبيعيا ، وعلى الوالدين التعامل بحذر في مثل هذه الحالة بالتعرف على نفسية أطفالهم ، وابتكار الأساليب الناجحة في التشجيع المنسجمة مع حالاتهم النفسية التي لا تؤدي إلى الشعور بعدم العدالة .
ومهما تحققت العدالة والمساواة بين الأطفال فإنها لا تستطيع إنهاء بعض المظاهر السلبية كالشجار والصراع بين الأطفال ، وهي ظاهرة طبيعية تحدث بين الأطفال في كل أو أغلب الأسر ، فتحدث حالات من النقاش الحاد أو الاشتباك بالأيدي بين الأطفال ، ويتهم أحد الأطفال أخاه أو أخته بأنه المقصر في حقه أو البادئ في العدوان عليه ، وفي مثل هذه الحالة على الوالدين ان يدرسا المشكلة دراسة موضوعية وان ينظرا إلى الشجار والصراع بأنه حالة طبيعية ، فإذا كان سهلا وبسيطا ومحدودا ، فالأفضل عدم التدخل في إنهائه ، وان يترك الأطفال يعالجون أمورهم بأنفسهم لانهاء الشجار ، وليس صحيحا ان يدخل الوالدان أو أحدهما كقاضي في الحكم بينهما ، لان الحكم لأحد الأطفال دون الآخر لا ينسجم مع مبدأ تطبيق العدالة والمساواة مع الأطفال ، اما إذا تكرر الشجار والصراع عدة مرات أو كان مستمرا طول النهار ، أو كان قاسيا وخطرا على الأطفال ، يأتي دور الأبوين في التدخل لانهائه ، باصدار الأوامر لكليهما بالتوقف السريع عن الاستمرار به ، أو إلفات نظرهم إلى موضوع آخر ، واشغالهم به ، أو التدخل لابعاد أحدهم عن الآخر ، وإذا تطلب الأمر استخدام التأنيب أو العقوبة المعنوية فالأفضل أن تكون موجهة لكليهما انسجاما مع تطبيق العدالة بين الأطفال .
سابعا : الحرية في اللعب
اللعب استعداد فطري عند الطفل يتم من خلاله التخلص من الطاقة الزائدة وهو مقدمة للعمل الجدي الهادف ، وفيه يشعر الطفل بقدرته على التعامل مع الآخرين ، وبمقدرته اللغوية والعقلية والجسدية ، ومن خلاله يكتسب الطفل المعرفة الدقيقة بخصائص الأشياء التي تحيط به ، فللعب فوائد متعددة للطفل وهو ضروري للطفل في هذه المرحلة والمرحلة التي تليها ، فالطفل ( يتعلم عن طريق اللعب عادات التحكم في الذات والتعاون والثقة بالنفس . . . والألعاب تضفي على نفسيته البهجة والسرور وتنمي مواهبه وقدرته على الخلق والابداع ) ( 54 ) .
ومن خلال اللعب يتحقق ( النمو النفسي والعقلي والاجتماعي والانفعالي للطفل . . . ويتعلم الطفل من خلاله المعايير الاجتماعية ، وضبط الانفعالات والنظام والتعاون . . . ويشبع حاجات الطفل مثل حب التملك . . .
ويشعر الطفل بالمتعة ويعيش طفولته ) ( 55 ) .
فاللعب حاجة ضرورية للطفل ، فلا يمكن أن نتصور أو نرى طفلا لا يلعب ، وحتى الأنبياء والصالحين فإنهم مروا في مرحلة اللعب وان اختلفوا عن الآخرين في طريقة وأسلوب اللعب ، ولذا جاءت الروايات لتؤكد على اشباع هذه الحاجة قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ” دع ابنك يلعب سبع سنين . . . ” ( 56 ) .
ووردت رواية عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتعبير آخر ” الولد سيد سبع سنين . . . ” ( 57 ) .
وعن أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) : ” يرخى الصبي سبعا . . . ” ( 58 ) .
فالروايات تؤكد على أن مرحلة ما قبل الثامنة من العمر هي مرحلة اللعب ، وعلى الوالدين ان يمنحا الطفل الحرية في اللعب دون ضغط أو إكراه ، باستثناء الألعاب الخطرة التي يجب إبعادها عن الطفل أو ابعاده عنها .
والحرية في اللعب تعني عدم تدخل الوالدين في اختيار وقت اللعب أو نوعه أو أسلوبه ، ما دام اللعب لا ينافي الأخلاق العامة ولا خطورة فيه على الطفل أو على الآخرين ، والطفل في هذه المرحلة لا يحبذ تدخل الوالدين في شؤونه ، ولا يحبذ كثرة الأوامر الصادرة اليه .
وأفضل اللعب عند الطفل هو اللعب الذي يختاره ، أو يصنعه بنفسه ، أو يكتشف بنفسه طريقة جديدة للعب ، أو طريقة خاصة لاستعمال اللعب ، ومن الأفضل للطفل أن يقوم الوالدان بتوفير اللعبة التي يحتاجها الطفل ، وتكون منسجمة مع رغباته يقول الدكتور سپوك : ( اننا يجب ان نترك للأطفال إدارة شؤون ألعابهم حتى يستطيعوا التعلم منها . . . لابد ان نترك له قيادة الامر بنفسه ، وان يتبع ما يقوله له خياله ، بهذا فقط تصبح اللعبة مفيدة ، انها يجب أن تكون معلمة له ، ولابد ان يخضعها لأفكاره ، وعندما يجد نفسه في حاجة إلى مساعدة أحد الوالدين لإدارة الكمية من المشاكل الطارئة مع لعبته ، فلابد أن يساعده الوالدان ) ( 59 ) .
ويؤكد جميع علماء النفس والتربية على حرية الأطفال في اللعب ( إذا حاول الأطفال رسم برنامج خاص لهم في أعمالهم فلا تمنعوهم من ذلك ، لان مواصلة تطبيق خطة مرسومة دون وقوف العوائق في طريق ذلك عامل فعال في تكون الشخصية عندهم ) ( 60 ) .
وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يشجع الحسن والحسين على المصارعة بينهما فإنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دخل ذات ليلة بيت فاطمة ( عليها السلام ) ومعه الحسن والحسين ( عليهما السلام ) فقال لهما : ” قوما فاصطرعا . . . ” ( 61 ) .
وعن صفوان الجمال قال : ( . . . اقبل أبو الحسن موسى ، وهو صغير ومعه عناق مكية ، وهو يقول لها : اسجدي لربك ، فأخذه أبو عبد الله ( عليه السلام ) وضمه إليه . . ) ( 62 ) .
وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يمنح الحرية الكاملة للحسن والحسين في التعامل معه ، فكان الحسن والحسين أحيانا ( يركبان ظهر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويقولان : حل حل ، فيقول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : نعم الجمل جملكما ) ( 63 ) .
ومثل هذه العملية تتكرر في علاقة الطفل مع أبيه إذ يقوم الأطفال بالركوب على ظهر أحد الوالدين في الصلاة ، ولذا يجب على الوالدين عدم تعنيف الطفل على ذلك وترك الحرية له ، فإنه سيتركها بمرور الزمن .
وقد يفهم من بعض الروايات إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يسهل مثل هذه العملية وان كانت على مرأى المجتمع ، فعن عبد الله بن الزبير قال : ( انا أحدثكم بأشبه أهله إليه وأحبهم اليه الحسن بن علي ، رأيته يجئ وهو ساجد فيركب رقبته أو ظهره ، فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ، ولقد رأيته يجئ وهو راكع ، فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر ) ( 64 ) .
وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يشارك الحسن والحسين في فعلهما ، ومشاركته لا تعني التدخل في شؤونهما ، وانما يشارك متصرفا كأنه أحدهما ( فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يبرك للحسن والحسين ويخالف بين أيديهما وأرجلهما ، ويقول : ” نعم الجمل جملكما ” ) ( 65 ) .
ومشاركة الوالدين أو أحدهما للأطفال في اللعب ضروري جدا وهي من ( أهم العوامل لتنمية قدرات الطفل وأهمها ان يصبح مستقلا وقوي الشخصية ) ( 66 ) .
وأفضل طرق المشاركة في اللعب أن يتكلم الوالدان مع الأطفال بالكلمات والعبارات التي يفهمونها والمتناسبة مع مستواهم اللغوي والعقلي ، وبمعنى آخر أن يتصرف وكأنه طفل ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” من كان عنده صبي فليتصاب له ” ( 67 ) .
وقد أكد علماء التربية هذه الحقيقة ، يقول موريس تي يش : ( يجب أن تسلكوا مع أولادكم كأصدقاء ، أن تعملوا معهم ، أن تشاركوهم في اللعب . . . أن تتحدثوا معهم بعبارات الود والصداقة . . . إن الفرد يجب أن يعرف كيف يجعل نفسه بمستوى الأطفال ويتكلم بلغة يفهمونها ) ( 68 ) .
واللعب مع الأطفال يمنحهم الاحساس بالمكانة المرموقة ويدخل عليهم البهجة والسرور فيجب ( على الكبار الخضوع لرغبة الصغار إذا طلبوا منهم اللعب معهم ) ( 69 ) .
واللعب وسيلة من وسائل التربية والاعداد للعمل الجدي فهو ( وسيلة لفهم نفسيات الأطفال ، والوقوف على استعداداتهم ، ووسيلة لتعليمهم وتربيتهم اجتماعيا وخلقيا ) ( 70 ) .
ويعتبر لعب الأطفال تعبيرا حقيقيا عن سلوكهم السوي أو المضطرب ( فالطفل أثناء لعبه يعبر عن مشكلاته وصراعاته التي يعاني منها ، ويسقط ما بنفسه من انفعالات تجاه الكبار على لعبه ) ( 71 ) .
ومن هنا فعلى الوالدين مراقبة الأطفال في لعبهم دون أن يشعروا بالمراقبة ، فسيحصلون على معلومات متكاملة عن جميع الجوانب لدى الطفل ، في التفاعل الاجتماعي بينهم ، وملاحظة الأحاديث والانفعالات التي تصاحب اللعب ، وملاحظة أسلوب تعبير الطفل عن رغباته وحاجاته ومخاوفه ومشكلاته ، وخصوصا في حالة التكرار المتزايد ، وملاحظة سلوك الأطفال من حيث اللين والعنف ، والاضطرابات العاطفية ، وملاحظة آرائه بوالديه ، وخصوصا في حالة تمثيل الطفل لدور الأب أو دور الأم ، ومن خلال المراقبة والملاحظة يمكن التعرف على نموه اللغوي والعقلي والعاطفي ، ويأتي دور الوالدين بعد المراقبة في وضع منهج متكامل للتوجيه والتربية ينسجم مع حالة الطفل العاطفية والنفسية والعقلية .
والملاحظة والمراقبة غير المباشرة تجدي نفعا أكثر من الملاحظة والمراقبة المباشرة عن طريق المشاركة في اللعب ، لأن الطفل في هذه الحالة المباشرة يخفي كثيرا من عواطفه وآرائه وتصوراته خجلا من والديه أو خوفا منهم .
ثامنا : التربية الجنسية وإبعاد الطفل عن الإثارة
التربية الجنسية من أصعب وأعقد أنواع التربية ، وهي من الظواهر التي تسبب إحراجا للوالدين ، وتتنوع طريقة التربية تبعا للمنهج الذي يتبناه الوالدان وتبعا للعادات والتقاليد الحاكمة على المجتمع ، وتبعا لدرجة الادراك والوعي التي يحملها الوالدان ، ولذا نجد إفراطا أو تفريطا في كثير من أساليب التربية الجنسية ، والطفل سواء كان ذكرا أم أنثى يبدأ بالتساؤل عن كثير من الأمور المتعلقة بالجنس ، فيتساءل عن كيفية خلقه في بطن أمه ، واختصاص الأم بالحمل دون الأب ، وكيفية الولادة ، ويتساءل عن عدم الحمل عند الطفلة الصغيرة أو المرأة غير المتزوجة ، ويتساءل عن الفرق بين الذكر والأنثى وعن سببه ، إضافة إلى العديد من الأسئلة ، ومن العقل والحصانة أن يعتبر الوالدان أن هذه الأسئلة طبيعية ، فلا يظهروا مخاوفهم منها ، والأفضل عدم منع الطفل من هذه الأسئلة لأنه سيبحث عن الإجابة من غير الوالدين فتسبب له اتعابا وانزعاجات وقلقا ان كانت إجابات غير شافية أو إجابات صريحة ، فعلى الوالدين ان يكونا على استعداد تام لمساعدة الطفل بإجابات معقولة مريحة تشبع فضولهم وتقطع تساؤلاتهم بعد الاقناع والوثوق بها ، على أن تكون منسجمة مع فهم الطفل وادراكه ودرجة تقبله ، وعلى سبيل المثال ان سأل عن الحمل فيكون الجواب ( ان الله تعالى يضع الطفل في بطن أمه ) ، وان سأل على الاختلاف بين الجنسين يكون الجواب ( أنت مثل والدك ، وأنت مثل والدتك ) أو يقال له : ( لقد خلق الله الأولاد مختلفين عن البنات ) ، وأن تكون الإجابة بشكل طبيعي بعيدا عن القلق والاضطراب بل بشكل هادئ لا يفهم الطفل من خلالها ان سؤاله والجواب عنه غير طبيعي لأنه يدفعه للبحث بنفسه عن الجواب .
وهنالك رغبات عند الأطفال يجب أن تعالج بصورة هادئة ومرنة دون تزمت باستخدام التأنيب أو الضرب ، ففي المرحلة التي تقع بين السنة الثالثة والخامسة أو السادسة من العمر يميل الأطفال إلى ( التلذذ بعرض أجسامهم من حين لآخر ) ( 72 ) .
وبعض الأطفال يعبثون باللعب بأعضائهم التناسلية ، فعلى الوالدين إبعادهم عن ذلك بالأسلوب الهادئ واشغالهم بشئ آخر ، وعليهم أن لا يتعروا أمام الأطفال ، فان معظم الأطباء النفسيين قرروا من واقع خبراتهم وتجاربهم ( ان عري الأبوين وكشفهم لما يجب أن يستر ، أمر مزعج للطفل ) ، ويعلق الدكتور سپوك على ذلك قائلا : ( اقترح على كل الآباء والأمهات ، ان يراعوا ذلك ويستروا ما يجب أن يستر إلى الحد المعقول في وجود الطفل دون أن يحيطوا الأمر بهالات الانزعاج العفوية التي تحدث في كل أسرة ) ( 73 ) .
وأغلب الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة من العام الرابع حتى السادس تصبح عندهم ( أعضاء التناسل منطقة مولدة للذة ) ثم تأتي بعدها مرحلة الكمون ( 74 ) .
ولهذا حذر أهل البيت ( عليهم السلام ) من إثارة الطفل الجنسية في هذه المرحلة ، وأفضل طريقة لابعادهم عن الإثارة الجنسية هو ابعاده عن رؤية المباشرة بين الوالد والوالدة ، فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) قال : ” قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : والذي نفسي بيده لو أن رجلا غشي امرأته ، وفي البيت
صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما أفلح أبدا إن كان غلاما كان زانيا ، أو جارية كانت زانية ” ( 75 ) .
وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) : ” لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته ، وفي البيت صبي فان ذلك مما يورث الزنا ” ( 76 ) .
والطفل في هذه المرحلة يحاكي سلوك الأبوين ويقلدهم ( فيعمل ما يعمله أبواه ) ( 77 ) .
وبما ان ( اللعبة المفضلة في تلك الأعمال هي لعبة العريس والعروسة ) ( 78 ) .
لذا فإن الأطفال سيمارسون في لعبهم ما شاهدوه من ممارسات جنسية من قبل الوالدين ، وقد يستمرون عليها في مراحل العمر المتقدمة .
فيجب على الوالدين التجنب عن ذلك ، والتجنب عن مقدماته كالتقبيل وغيره ومن الخطأ الفاحش الذي يقوم به بعض الوالدين هو التحدث عن أمور الجنس أمام الأطفال في بعض المناسبات ، فان ذلك يدفع الأطفال إلى زيادة فضولهم ، وعلى الوالدين ان يحتاطوا في إجراء المباشرة حتى في حالة نوم الطفل خوفا من استيقاظه فجأة ، فان ذلك يولد في أعماقه صدمة نفسية تبقى كامنة في اللاشعور .
وعلى الوالدين ان يراقبوا سلوك أبنائهم وطريقة ألعابهم ، وخصوصا في أماكن اختلائهم بعضهم بالبعض الآخر .
ويجب على الوالدين وقاية الأطفال من الإثارة الجنسية ، وهو التفريق بينهم في حالة المنام ، بان توضع فاصلة بينهم فلا ينامون تحت غطاء واحد بحيث يحتك جسم أحدهم بالآخر ، وقد وردت عدة روايات تؤكد هذه الوقاية قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” يفرق بين الصبيان في المضاجع لست سنين ” ( 79 ) .
وفي رواية أخرى عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” فرقوا بين أولادكم في المضاجع إذا بلغوا سبع سنين ” ( 80 ) .
والتفريق مطلق بين الذكور والذكور ، وبين الإناث والإناث ، وبين الذكور والإناث .
وفي وقتنا الحاضر وبعد انتشار أجهزة السينما والتلفزيون والفيديو تكون الحاجة شديدة إلى ابعاد الطفل عن الإثارة الجنسية ، ويجب على الوالدين في البلدان التي لا تتبنى الإسلام منهجا لها في الحياة ، وتعرض الأفلام المثيرة ، ان يقوما بجهد إضافي في مراقبة الأطفال ووقايتهم من النظر إلى هذه الأجهزة حذرا من مشاهدة الأفلام غير المحتشمة ، وفي الخصوص في البلدان التي ترى ان أفضل أسلوب لتحرير الأطفال من الكبت المستقبلي هو عرض الأفلام الجنسية ، وقد أثبت علماء النفس والتربية صحة النظرية الإسلامية في ذلك فالدكتور سپوك الأمريكي يقول :
( ان النسبة المعتدلة من التحريم التي فرضت علينا جميعا أثناء الطفولة والتي نقلناها نحن بدورنا إلى أبنائنا ، تلعب دورا ايجابيا ، في تحرير عقل الطفل في أثناء سنوات الدراسة للتفرغ لاهتمامات غير ذاتية مثل الكتابة والقراءة والحساب ) ( 81 ) .
ولذا نراه ينتقد الممارسات الخاطئة في أمريكا وهو عري الرجال وعري النساء على الشواطئ الأمريكية .
وخلاصة القول إن على الوالدين ان يجيبوا على أسئلة الأطفال حول مسائل الجنس بهدوء لا تزمت فيه ، وان يبعدوهم عن الإثارة الجنسية بمختلف ألوانها واشكالها وخصوصا في عصر السينما والتلفزيون والفيديو .
تاسعا : تنمية العواطف
العواطف من أهم دوافع الإنسان للعمل ، وتبدأ العواطف كما تقدم منذ الأيام الأولى في مرحلة الرضاعة ثم تنمو بالتدريج حينما يتقدم الطفل في العمر ، وحينما يتسع محيطه الاجتماعي ، ويتأثر نمو العواطف وتغيرها بالفكر الذي يؤمن به الطفل في حدود إدراكه العقلي ، فحينما يؤمن الطفل بان أداء العمل الفلاني يرضي والديه أو يرضي الله تعالى فإنه يندفع لأدائه ، والعكس صحيح ، ويمكن تقسيم العواطف إلى أربعة أقسام : الفردية ، والعالية ، والاجتماعية ، والخلقية .
ونقصد بالعواطف الفردية هي العواطف التي تتعلق بذات الانسان كحب التملك وحب الاستقلال وحب التفوق على الآخرين ، وحب المكانة الاجتماعية واحترام الآخرين له ، وهي العواطف التي تجلب له المنفعة الشخصية والذاتية .
والعواطف العالية هي العواطف التي تسمو بالطفل في حدود إدراكه العقلي إلى المثل الأعلى فتحبب إليه الارتباط والتعلق بالمطلق وهو الله تعالى مصدر اللطف والانعام والرأفة والرحمة ، وتحبب اليه الحقيقة والخير ، وليس فيها تحصيل المنفعة الشخصية والذاتية .
والعواطف الاجتماعية هي العواطف التي تدفعه إلى الارتباط بالآخرين ابتداء بالوالدين والاخوة والأخوات والأقارب وانتهاء بالمجتمع والانسانية جمعاء .
والعواطف الخلقية هي العواطف التي تتعلق بالممنوع وغير الممنوع من أنواع السلوك ، كالتعلق بالصدق وترك الكذب ، وسائر الأخلاق الممدوحة والمذمومة .
وأفضل الطرق والوسائل لتنمية العواطف عند الطفل من قبل الوالدين ، إشعاره بالحب عن طريق إحاطته بالحنان والرأفة وإشباع حاجاته المادية والروحية ، فإذا استشعر الطفل بذلك فإنه يرتبط ارتباطا عاطفيا بمصدر الحب والحنان وهما الوالدان فتزداد ثقته بهما وتقليدهما ، والاستجابة أو الاقتناع بكل ما يطرحانه عليه من أفكار ومفاهيم ومثل ، ويكون مستعدا للاستجابة إلى أوامرهم وتنفيذ ما يطلبانه منه ، فتصبح لهما القدرة على الهيمنة على عواطفه ، وتوجيهها توجيها حسنا ، ومتابعة خبراته ونشاطاته وخصوصا أثناء اللعب ، فيتم لهما العمل على تنمية عواطفه وتهذيبها بالصورة المنسجمة مع المفاهيم والقيم الصالحة وخلق التوازن بين مختلف أنواع العواطف لديه ، وأهم العواطف التي يجب تنميتها هي العاطفة نحو الله تعالى ، فتنمو عنده مشاعر الحب والثقة بالله تعالى والتقديس له ، حينما يؤمن بان الله تعالى هو مصدر الانعام والرحمة والمغفرة ، وانه تعالى خلق النعيم الدائم في الجنة للصالحين والمطيعين ، ويجب على الوالدين تنمية عواطف الطفل اتجاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسائر الرسل والأنبياء وأهل البيت ( عليهم السلام ) وأفضل طريقة في هذا المجال هي طريق السرد القصصي الهادف ، والذي يحقق فائدتين :
الأولى : تعميق حبهم في قلبه .
والثانية : محاولة الاقتداء بهم بعد التعلق بسلوكهم في الحياة .
فتنمو في داخله العواطف المختلفة كحب الاخلاص وحب الكرامة وحب الشجاعة والكرم والايثار وحب القيم والسلوك الصالح ، والابتعاد عن كل ما ابتعدوا عنه ، وتنمو عواطف البغض والكره والنفور من الذين خالفوهم ووقفوا في مواجهتهم واجتناب سلوكهم في الحاضر أو في المستقبل .
ومن الأساليب الأخرى لتنمية العواطف هو الارشاد والتوجيه المستمرين ، حتى يفهم الطفل المسموح والممنوع من السلوك ، وكذلك التشجيع على الارتباط والتعلق بالقيم والأعمال الصالحة ، والتشجيع على ممارستها في الواقع ، فحينما يعطي شيئا من ألعابه لطفل آخر يتم تشجيعه على ذلك بالكلام الحسن ، وتعويضه بإهداء لعبة أخرى له ، وحينما يصدق في قوله ، أو يحترم الآخرين أو يرأف بالفقراء أو يساعد اخوانه أو والديه في أداء بعض الاعمال يشجع على ذلك بالمدح والثناء والاطراء أمامه وأمام الأسرة وأمام أقاربه وأصدقائه .
والتعامل مع الطفل كصديق يشجعه على التعبير عن عواطفه ومشاعره المكبوتة وهذا التعبير مفيد جدا في تحقيق التوازن العاطفي ، وتهذيب العواطف غير المرضية .
ونحن نجد من خلال التجربة أن الأسلوب القصصي من أفضل الأساليب في تنمية العواطف ، وخصوصا الأسلوب المنسجم مع إدراكه وقدرته العقلية ، فيمكن أن نقص عليه قصصا عن الطيور والحيوانات تتضمن القيم الصالحة والقيم الطالحة التي يتخذها الطير الفلاني أو الحيوان الفلاني فتنمو عنده العواطف اتجاه العدل أو التعاون أو الايثار أو القيم الأخلاقية الأخرى ، وتنمو عنده عاطفة حب المظلومين وبغض الظالمين . والقصص عن الطيور والحيوانات مرغوبة ومحببة لدى أطفال هذه المرحلة ، فيستمعون إليها بشوق وتلهف أكثر من القصص الواقعية ، وتتضمن أحداثا كثيرة تتوقف على خيال الوالدين في السرد القصصي ، وتكون شاملة لاظهار جميع أنواع وأقسام العواطف .
عاشرا : الاهتمام بالطفل اليتيم
اليتيم بعد فقد والده أو والدته أو كليهما يشعر بالحرمان المطلق ، حرمان من إشباع حاجاته العاطفية والروحية ، وحرمان من إشباع حاجاته المادية كالحاجة إلى المأكل والمشرب والملبس ، فتنتابه الهواجس والمخاوف ، ويخيم عليه القلق والاضطراب ، فالشعور بالحرمان من العطف والحنان له تأثيراتها السلبية على كيان الطفل وعلى بناء الشخصية ، ومن خلال متابعة الواقع الاجتماعي نجد ان أغلب الأيتام الذين لم يجدوا العناية والاهتمام من قبل الآخرين كانوا مضطربي الشخصية تنتابهم العقد النفسية وسوء التوافق مع المجتمع الذي حرمهم من العناية والاهتمام ، لذا أوصى الإسلام برعاية اليتيم رعاية خاصة لا تقل ان لم تزد على الرعاية الممنوحة للأطفال الآخرين ، فأكد على اشباع جميع حاجاتهم المادية والروحية ، وكانت الآيات القرآنية المختصة برعاية الأيتام أكثر من الآيات المختصة بعموم الأطفال .
وأول الحاجات التي أكد الإسلام على اشباعها هي الحاجات المادية .
قال سبحانه وتعالى : * ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا . . ) * ( 82 ) .
* ( . . . أو اطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة ) * ( 83 ) .
* ( . . . وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين ) * ( 84 ) .
وجعل الله تعالى لليتيم حقا في أموال المسلمين * ( واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين . . . ) * ( 85 ) .
وقال تعالى : * ( قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين ) * ( 86 ) .
ونهى تعالى عن التصرف بأموال اليتيم إلا بالصورة الأحسن التي تجدي له نفعا وربحا * ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ) * ( 87 ) .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” من عال يتيما حتى يستغني ، أوجب الله له بذلك الجنة ” ( 88 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” من كفل يتيما من المسلمين فأدخله إلى طعامه وشرابه ، أدخله الله الجنة البتة ، إلا أن يعمل ذنبا لا يغفر ” ( 89 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين – وهو يشير بإصبعيه ” ( 90 ) .
وراعى المنهج الإسلامي اشباع الحاجات المعنوية لليتيم كالاحسان إليه والعدل معه .
قال سبحانه وتعالى : * ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين احسانا وذوي القربى واليتامى والمساكين . . . ) * ( 91 ) .
وقال تعالى : * ( . . . وأن تقوموا لليتامى بالقسط ) * ( 92 ) .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” خير بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يساء اليه ” ( 93 ) .
وأوصى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على مداراة اليتيم والرفق به وتكريمه
فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” حث الله تعالى على بر اليتامى لانقطاعهم عن آبائهم ، فمن صانهم صانه الله تعالى ، ومن أكرمهم أكرمه الله تعالى ، ومن مسح يده برأس يتيم رفقا به جعل الله تعالى له في الجنة بكل شعرة مرت تحت يده قصرا أوسع من الدنيا وما فيها . . . ” ( 94 ) .
وشجع الإمام الصادق ( عليه السلام ) على التعامل مع اليتيم بحنان ورحمة فقال : ” ما من عبد يمسح يده على رأس يتيم ترحما له إلا أعطاه الله تعالى بكل شعرة نورا يوم القيامة ” ( 95 ) .
ومن رعاية اليتيم معالجة المشاكل التي تواجهه والتي تسبب له الألم والقلق والاضطراب ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إذا بكى اليتيم اهتز العرش على بكائه فيقول الله تعالى : يا ملائكتي اشهدوا علي أن من أسكته واسترضاه أرضيته في يوم القيامة ” ( 96 ) .
وعنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إذا بكى اليتيم في الأرض يقول الله من أبكى عبدي وأنا غيبت أباه في التراب فوعزتي وجلالي ان من أرضاه بشطر كلمة أدخلته الجنة ” ( 97 ) .
ومن الوصايا بشؤون اليتيم إدخال الفرح على قلبه بإشباع حاجاته المادية أو الروحية من احترام وتقدير ومحبة أو مدح وتشجيع إلى غير ذلك .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إن في الجنة دارا يقال لها دار الفرح لا يدخلها إلا من فرح يتامى المؤمنين ” ( 98 ) .
ومن الاهتمام والعناية باليتيم هو القيام بتربيته تربية صالحة وإعداده لان يكون عنصرا صالحا في المجتمع ، قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) : ” أدب اليتيم بما تؤدب منه ولدك . . . ” ( 99 ) .
فاليتيم الذي يحصل على العناية والرعاية والحب والحنان يشعر بالراحة والطمأنينة ويعيش سويا في عواطفه وفي شخصيته ، اما في حالة الحرمان فإنه لا يصبح سويا وقد يلتقطه بعض المنحرفين فيوجهه الوجهة غير الصالحة فيصبح عنصرا ضارا في المجتمع .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) قاموس الطفل الطبي : 294 .
( 2 ) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 1 : 182 / 3 باب الحد الذي يؤخذ فيه الصبيان بالصلاة – دار التعارف
للمطبوعات 1401 ه .
( 3 ) علم النفس التربوي ، للدكتور علي منصور 2 : 132 – 1407 ه .
( 4 ) مشاكل الاباء في تربية الأبناء : 248 .
( 5 ) مشاكل الاباء في تربية الأبناء : 251 .
( 6 ) كنز العمال 16 : 456 / 45409 .
( 7 ) تحف العقول : 368 .
( 8 ) تاريخ اليعقوبي 2 : 320 .
( 9 ) قاموس الطفل الطبي : 328 .
( 10 ) علم النفس ، لعبد العزيز القوصي : 264 .
( 11 ) علم النفس التربوي ، لفاخر عاقل : 100 – 101 .
( 12 ) مستدرك الوسائل 2 : 618 .
( 13 ) مستدرك الوسائل 2 : 626 .
( 14 ) عدة الداعي : 61 .
( 15 ) الكافي 6 : 50 / 6 بر الأولاد .
( 16 ) علم الاجتماع ، لنقولا الحداد : 252 – دار الرائد 1982 م ط 2 .
( 17 ) التربية وبناء الأجيال : 167 .
( 18 ) علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 111 – دار العلم للملايين 1985 ط 1 .
( 19 ) مستدرك الوسائل 2 : 625 .
( 20 ) مستدرك الوسائل 2 : 626 .
( 21 ) مستدرك الوسائل 2 : 626 .
( 22 ) مكارم الأخلاق : 219 .
( 23 ) الكافي 6 : 50 / 6 باب بر الأولاد .
( 24 ) مكارم الأخلاق : 220 .
( 25 ) عدة الداعي : 79 .
( 26 ) تحف العقول : 267 .
( 27 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور 7 : 14 – دار الفكر 1405 ه ط 1 .
( 28 ) مستدرك الوسائل 2 : 69 .
( 29 ) تحف العقول : 337 .
( 30 ) قاموس الطفل الطبي : 328 .
( 31 ) مشاكل الآباء : 141 .
( 32 ) تاريخ اليعقوبي 2 : 320
( 33 ) بحار الأنوار 23 : 114 .
( 34 ) الطفل بين الوراثة والتربية 2 : 180 عن كتاب نحن والأبناء 39 .
( 35 ) علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 535 .
( 36 ) تحف العقول : 84 .
( 37 ) بحار الأنوار 79 : 102 .
( 38 ) مشاكل الآباء : 75 .
( 40 ) قاموس الطفل الطبي : 278 .
( 41 ) أضواء على النفس البشرية ، للدكتور الزين عباس عمارة : 302 – دار الثقافة 1407 ه ط 1 .
( 42 ) مكارم الأخلاق : 220 .
( 43 ) مكارم الأخلاق : 221 .
( 44 ) كنز العمال 16 : 445 / 45350 .
( 45 ) كنز العمال 16 : 444 / 45346 .
( 46 ) كنز العمال 16 : 444 / 45347 .
( 47 ) مكارم الأخلاق : 221 .
( 48 ) مستدرك الوسائل 12 : 626 .
( 49 ) بحار الأنوار 43 : 261 .
( 50 ) بحار الأنوار 43 : 275 .
( 51 ) بحار الأنوار 43 : 284 .
( 52 ) حديث إلى الأمهات : 68 .
( 53 ) قاموس الطفل الطبي : 274 .
( 54 ) مكارم الأخلاق : 221 .
( 55 ) قاموس الطفل الطبي : 221 – 222 .
( 56 ) العلاج النفسي الجماعي للأطفال ، لكاميليا عبد الفتاح : 162 – مكتبة النهضة المصرية 1975 م .
( 57 ) مكارم الأخلاق : 222 .
( 58 ) مكارم الأخلاق : 222 .
( 59 ) مكارم الأخلاق : 223 .
( 60 ) مشاكل الآباء : 106 .
( 61 ) الطفل بين الوراثة والتربية 2 : 64 ، عن كتاب نحن والأبناء 56 .
( 62 ) بحار الأنوار 103 : 189 .
( 63 ) الكافي 1 : 311 / 15 باب 71 من كتاب الحجة .
( 64 ) بحار الأنوار 43 : 296 .
( 65 ) مختصر تاريخ دمشق 7 : 10 .
( 66 ) مستدرك الوسائل 2 : 626 .
( 67 ) قاموس الطفل الطبي : 222 .
( 68 ) من لا يحضره الفقيه 3 : 312 / 21 باب فضل الأولاد .
( 69 ) الطفل بين الوراثة والتربية 2 : 97 .
( 70 ) قاموس الطفل الطبي : 317 .
( 71 ) علم النفس أسسه وتطبيقاته التربوية ، للدكتور عبد العزيز القوصي : 239 – 1978 م ط 8 .
( 72 ) علم النفس العلاجي ، للدكتور اجلال سري : 152 – عالم الكتب 1990 ط 1 .
( 73 ) مشاكل الآباء : 282 .
( 74 ) مشاكل الآباء : 283 .
( 75 ) علم النفس العلاجي : 106 .
( 76 ) وسائل الشيعة 20 : 133 / 2 باب 67 .
( 77 ) وسائل الشيعة 20 : 134 / 7 باب 67 .
( 78 ) التربية وبناء الأجيال ، لانور الجندي : 166 – دار الكتاب بيروت 1975 م ط 1 .
( 79 ) مشاكل الآباء : 205 .
( 80 ) مكارم الأخلاق : 223 .
( 81 ) مكارم الأخلاق : 223 .
( 82 ) مشاكل الآباء : 284 .
( 83 ) الإنسان 76 : 8 .
( 84 ) البلد 90 : 14 – 15 .
( 85 ) البقرة 2 : 177 .
( 86 ) الأنفال 8 : 41 .
( 87 ) البقرة 2 : 215 .
( 88 ) الانعام 6 : 152 .
( 89 ) تحف العقول : 198 .
( 90 ) مستدرك الوسائل 1 : 148 .
( 91 ) المحجة البيضاء 3 : 403 .
( 92 ) البقرة 2 : 83 .
( 93 ) النساء 4 : 127 .
( 94 ) المحجة البيضاء 3 : 403 .
( 95 ) المحجة البيضاء 3 : 403 .
( 96 ) المحجة البيضاء 3 : 403 .
( 97 ) مستدرك الوسائل 2 : 623 .
( 98 ) مستدرك الوسائل 2 : 623 .
( 99 ) كنز العمال 3 : 170 / 6008 .
المصدر: مركز الرسالة