- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 3 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
أضحى البحث والحديث في مسائل الفكر السياسي الإسلامي من الموضوعات الملتبسة التي أثارت زوبعة من الاختلاف والجدل ، ليس بسبب افتقار التراث الإسلامي لهذه المسائل وندرة الكتابات السياسية في تاريخ الفكر الإسلامي ، ولا لإبهامها وعدم تجلّي مفهوماتها ، وإنما لشيوع الأفكار السياسية الوافدة من الغرب وتشرّب وعي النخبة بها ، ثم إسقاط الدلالات العلمانية المعروفة لهذه الأفكار في أوروبا على المصطلحات والمفاهيم والقوانين المتداولة في التراث السياسي الإسلامي ، وإعادة تأويلها وقراءتها وصياغة معان أخرى لها ترتدّ إلى الفكر السياسي الغربي ، وان كانت تتوشّح بتسميات وألفاظ محلّية . فقد تعاطت طائفة من الباحثين القول بتفريغ الدين من الدولة والفصل بين الإسلام والسياسة ، وعملت على التبشير بهذه الدعوة وتثقيف الأمَّة عليها ، وكان لهذه الدعوة تأثير واضح بين المثقفين والأكاديميين في العالم الإسلامي ، وامتدت إلى بعض معاقل العلم الإسلامية التقليدية ، فطلع على الأمة الشيخ علي عبد الرازق بكتابه الذائع الصيت « الإسلام وأصول الحكم » والذي نصّ فيه على أنّ الإسلام « رسالة لا حكم ، ودين لا دولة » ، « وإن الشريعة الإسلامية شريعة روحية محضة لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ في أمور الدنيا »(۱) ، فأطلق رأيه هذا عاصفةً من الجدل والمحاكمات النقدية ، كان من أبرزها حكم « هيئة كبار العلماء في الجامع الأزهر » الذي قضى بإخراج الشيخ علي عبد الرازق من زمرة العلماء(۲) .
وكان القول بفصل الدين عن الدولة يترسّخ في وعي النخبة في ديار المسلمين كلما تنامى اهتمامهم بالثقافة الغربية وانحسر اطّلاعهم على التراث الإسلامي ، فابتعدوا بالتدريج عن المؤلفات الكثيرة التي تركها الفقهاء والمفكّرون المسلمون في هذا المضمار ، وانطمست صورة هذا التراث في أذهانهم ، وتعاملوا معه بأسلوب انتقائيّ يتجاهل المساحات الأهمّ فيه ، ويبتسر بعض الأفكار ، ويعتمد على عدد قليل من المؤلفات فيه ، فيما يقصي غيرها . حتى إنّ كتاب الشيخ علي عبد الرازق المارّ الذكر لم تتجاوز إحالاته المرجعية مصدرين ، هما « مقدمة ابن خلدون » و « العقد الفريد » لابن عبد ربه الأندلسي ، فاختزل الفكر السياسي الإسلامي في ما ورد في هذين المصدرين ، بالرغم من أنهما كتابان غيرُ مختصّين في الشأن السياسي ، وإنما هما من المصادر غير المباشرة لذلك .
أما الدكتور محمد أحمد خلف الله أحد أبرز المنظِّرين لمسألة نفي الدين عن السياسة والتي تكرّرت في كتاباته وعبّر عنها بوضوح ، فإنه لم يرجع إلى أي مصدر من مصادر التراث السياسي الإسلامي ، وهكذا دأب معظم الباحثين في السياسة الإسلامية ( فجميع من كتَب عن الفكر السياسي الإسلامي أو التراث السياسي الإسلامي أو إحدى ظواهره لم يطّلع على أكثر من ۶% من المصادر المباشرة لهذا التراث ، متجاوزاً بذلك أبسط قواعد المنهج العلمي; وأوّلها : قاعدة الاستقراء قبل التعميم التي أجمع عليها مفكّرو الشرق والغرب قديماً وحديثاً ، معتبرين أن التعميم دون مبرّر أو مسوّغ من استقراء وحصر ، تفكير غير علمي وغير منطقي ، فقد أطلقت تعميمات سلبية أو ايجابية على التراث السياسي الإسلامي من خلال الاطلاع على ما لا يزيد بأي حال عن ۶% من مجمل مصادره المباشرة(۳) .
مع العلم أنّ الإنتاج الفكري في موضوعات الإمامة والسياسة كان الأوفر حظّاً في حقول التأليف عند المسلمين ، لأنّ هذه الموضوعات تمازجت في علوم الفقه والكلام والفلسفة ، فبحثَها الفقهاء في أبواب الأحكام السلطانية ، والأموال ، والحسبة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد ، وصلاة الجمعة ، وإقامة الحدود وغير ذلك ، فيما بحثَها المتكلمون في أبواب الإمامة وما يتّصل بذلك ، أما الفلاسفة فبحثوها في أبواب الحكمة العملية وتدبير المجتمع . وتغلغلت موضوعات السياسة ونظم الدولة أيضاً في مدوّنات التاريخ عامة والتاريخ السياسي وتاريخ التمدّن الإسلامي خاصة ، بحيث بلغ عدد العناوين التي أحصتها إحدى المسارد الببليوغرافية في « الإمامة والسياسة » وباللغة العربية فقط مايقارب الأربعة آلاف عنواناً منذ مطلع القرن الثاني الهجري إلى اليوم(۴) .
وبغية التعريف بشيء من منجزات الفكر السياسي الإسلامي ، وتقويم الخطأ المنهجي الذي طبع الأعمّ الأغلب من الأبحاث التي استعارت المنظور الغربي وأصرّت على رؤية الذات بمنظار الآخر ، ولم تعترف بفكر سياسي لدى المسلمين ، أو قراءته قراءة إرجاعية فتأوّلت له أصولاً يونانية(۵) ، بادرت « قضايا إسلامية معاصرة » على تخصيص عددين لهذا المحور . وتأمل هذه المجلة عبر هذه التجربة وما تطمح به في قادم الأيام أن تظلّ نافذة للباحثين والدارسين القرّاء على الاشكاليات الراهنة بالفكر الاسلامى .
الهوامش
(۱) الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق . دراسة ووثائق : محمد عمارة . بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ۱۹۷۲م، ص ۷۳٫
(۲) ورد نصّ الحكم كما يلي : (حكمنا نحن شيخ الجامع الأزهر بإجماع أربعة وعشرين عالماً معنا من هيئة كبار العلماء بإخراج الشيخ علي عبد الرازق أحد علماء الجامع الازهر ، والقاضي الشرعي بمحكمة المنصورة الابتدائية الشرعية ومؤلف كتاب « الإسلام وأصول الحكم » من زمرة العلماء) . صدر هذا الحكم في يوم الأربعاء ۲۲ المحرم سنة ۱۳۴۴ هـ (۱۲ اغسطس سنة ۱۹۲۵ م) بتوقيع شيخ الأزهر . المصدر السابق ، ص ۹۱ .
(۳) في مصادر التراث السياسي الإسلامي . نصر محمد عارف . المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، ۱۴۱۵ هـ . ص ۳۹ ـ ۴۰ ، ۶۵ .
(۴)راجع: موسوعة مصادر النظام الإسلامي، الجزء الثامن : الامامة والسياسية . عبد الجبار الرفاعي . قم : مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، ۱۴۱۷ هـ .
(۵) راجع كنموذج : الأصول اليونانية للنظريات الإسلامية . د . عبد الرحمن بدوي القاهرة : مكتبة النهضة المصرية ، ۱۹۵۴ م
الکاتب: د. عبد الجبار الرفاعي