- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 10 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
أهل البيت (ع) هم عدل القرآن والثقل الثاني في هذه الاُمّة ومقتضى المعادلة التي ثبتها رسول الله (ص) في حديث الثقلين، وهم تراجمة القرآن ومستودع أسراره وعلومه، وهذه المعادلة تثبت أن أهل البيت (ع) هم المتخصصون في تفسيره وتأويله وبيان مراميه.
وقام الإمام الكاظم (ع) بأعباء الإمامة والهداية الكبرى بعد أبيه الإمام الصادق (ع) من خلال حفظ علوم الشريعة وتربية الجماعة المؤمنة وتغذيتها بالقرآن الكريم وفقهه وتفسيره وبتعاليم السنة النبوية الشريفة التي رواها هو وآباؤه الطاهرون عن جدهم رسول الله (ص)، وبارك الله تعالى بتلك الجهود الحثيثة والمتواصلة من اجل حفظ دينه فأنتجت مدرسة الإمام الكاظم مجمعة من العلماء والفقهاء والمحدثين الكبار الذين قاموا بأعباء الترويج والنشر لعلوم مدرسة أهل البيت (ع).
ولقد كان عصر الامام (ع) زاخراً بالتيارات والمدارس الفكرية والعقدية المختلفة، كما نمت في تلك الفترة المدارس الفقهية والاجتهادية المعاصرة لحركة الامام الصادق (ع) وإنشاء الصرح الكبير لعلوم أهل البيت (ع).
وفي تلك الحقبة تسرب الالحاد والزندقة ونشأت مدارس التحريف والتظليل والتصوف، كما دخلت علوم جديدة على عملية استنباط الاحكام الشرعية، مشفوعة بكم هائل من الاحاديث المزورة والمنحولة على السنة النبوية الشريفة!
ولا شك ان كل هذه المدارس والاتجاهات الفكرية المنحرفة تسبب في وهن الفكر الاسلامي وتشكل خطراً على الاسلام في الواقع التشريعي والعقائدي.
ففي هذه المرحلة تبرز الحاجة الملحة الى ترسيخ ثقافة القرآن الصحية ونشر الوعي الاسلامي وتبيان الصحيح من احاديث السنة وكشف المزيف والباطل ولا احد اجدر من الامام الكاظم (ع) ان يقوم بهذا الدور ويمارس مسؤوليته الفكرية والتثقيفية لتحصين الجو الاسلامي العام من الانزلاق وراء الشبهات والانحرافات العقائدية.
ورغم حراجة الموقف السياسية وسياسة الارهاب والقتل والسجن التي مارستها السلطة العباسية ضد ابناء الخط العلوي وبالخصوص ضد الامام الكاظم(ع) مركز الثقل الاكبر في الامة الاسلامية، الا ان هذا لم يمنع الامام(ع) من ممارسة الدور المكلف به بوصفه امام الامة وحصنها الفكري والاخلاقي والانساني.
وفي خضم هذه الصراعات الفكرية والعلمية لابد من الرجوع الى المصدر الاول في التشريع الاسلامي واستنطاقه في كل ما يحتاجه المسلم في غذائه الروحي والفكري والاجتماعي، فالقرآن مصدر الفكر ومصدر العلم ومصدر التشريع في الإسلام.
ومتى ما ابعد القرآن، فإن الظنون والاجتهادات والآراء الشخصية ستدخل في الدين، وسيصبح التشريع في دائرة المصالح والأهواء والانحرافات اللامحدودة.
ان مدرسة أهل البيت (ع) حرصت على توعية المسلمين بضرورة التمسك بمرجعية القرآن المطلقة في كل ما يخص شؤون حياتهم في دينهم ودنياهم والى جانب ذلك التمسك بالسنة النبوية الشريفة المبينة والشارحة للنصوص القرآنية المقدسة.
علاقة المسلم بالقرآن الكريم
الاهتمام بالقرآن الكريم وإبراز قداسته ومحوريته في حياة الإنسان المسلم من أهم الأهداف الإسلامية في صياغة الفرد والمجتمع، فالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أكدت على ضرورة إتباع القرآن والعمل بالتعاليم والسنن الإلهية التي جاءت فيه، ولا يتحقق ذلك إلا مع القراءة المتأنية وهي قراءة التدبر كما يصفها القرآن الكريم.
ولقد كان (ع) من أحسن الناس تلاوة للقران وأجودهم في الصوت فكان ليله تلاوة وقراءة في آيات الله، وكيف لا يكون كذلك وقد اذن الله ان يكون ذلك البيت محلاً لذكره وتلاوة آياته {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ *رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.
فقد روي عنه (ع) انه روى عن آبائه (ع) قال: (سُئل رسول الله ـ (ص) ـ عن قوله تعالى: (وَرَتِّلِ القرآن تَرْتيلاً) قال: بيّنه تبياناً، ولا تنثره نثر الرمل، ولا تهذّه هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحرّكوا به القلوب، ولا يكون همّ أحدكم آخر السورة).
فقراءة القرآن الكريم ليست ممارسة هواية القراءة لأي كتاب آخر، بل انها عملية مركبة من مزيج من التفاعلات النفسية والمعنوية والفكرية لتكون مدخلاً للفهم والتعلم والاعتبار بما يمليه القرآن الكريم من الحكمة والمواعظ والتعاليم المؤسسة لسعادة الإنسان ورقيه الحضاري والإنساني.
وبهذه القراءة الواعية تتحق اهم وأعظم الفوائد المعنوية والروحية من خلال تلاوة كتاب الله والنظر فيه ومشكلتنا في هذا العصر أن قراءتنا للقرآن أصبحت مثل قراءة الجريدة او إسقاط الواجب كما يعبر الفقهاء.
ومن خلال هذا الحديث المبارك الذي يرويه لنا الامام الكاظم عن جده رسول الله (ص) يمكن لنا ان نحدد ملامح العلاقة المثالية بين كتاب الله والفرد المسلم.
المعيار في تلاوة القرآن
والتلاوة هي الخطوة الاولى في انفتاح المسلم والمؤمن على كتاب الهداية وآفاق النور الالهي العظيم، ولا ينبغي للمسلم ان يترك تلاوة القرآن والتزود من انواره وبركاته، وليكن من الواضح ان اشتداد الازمات والمشاكل والآلام التي يمر بها الإنسان على الصعيد الروحي والنفسي والاجتماعي لهي من اهم الدواعي والأسباب للرجوع الى كلام الله واستنطاقه والاستشفاء به، ولا ينبغي أن تكون تلك القراءة والتلاوة الا بحسب ما وصفها رسول (ص).
(بيّنه تبياناً، ولا تنثره نثر الرمل، ولا تهذّه هذّ الشعر) فالقراءة المفيدة والمنتجة هي ما كانت بحجم القرآن وبالهالة المقدسة التي تحيط بهذا الكتاب العظيم، فقارئ القرآن يتوجب عليه أن يراعي تلك القداسة وهذه المنزلة ولا بد ان ينعكس ذلك على تلاوته للقرآن فيبن الألفاظ لتكون المعاني أوضح وأجلى للقارئ، ولا يتلوه كما يتلو الشعر والقصيدة فإن عظمة القرآن تأبى أن يُقرأ بتلك الطريقة.
المعيار في الاستفادة من القرآن
اذا كان للسان والتلفظ دور في القراءة الموضوعية والملائمة مع القراءة الكريمة كمقدمة للاستفادة من القرآن والاتعاظ به، فإن فهم المعنى واقتناصه على مستوى التأثر الروحي والتفاعل الوجداني والفكري مع القرآن له شروطه وقوانينه، فقد تجد تالياً للقرآن متقناً لأحكام التلاوة فناناً في الاصوات والنغمات مجيداً في الترديد والترجيع لكنه في ضحالة من التفكير والوعي لمعاني القرآن ودلالاته وبياناته، ولكي لا نحرم من فقاهة الفهم ولذة الاتعاظ والاستفادة فإن الحديث الشريف ينبه إلى قانون القراءة الفكرية والمعنوية بعد ان أوضح قانون القراءة اللفظية والصوتية.
والمنهج الذي رسمه لنا النبي الاكرم (ص) في قراءة القرآن والتدبر في آياته يتمثل في خطوتين اساسيتين:
الخطوة الاولى: الوقوف عند عجائبه
لا شك عزيزي القارئ ان النبي الاكرم (ص) لا يعني العجائب والغرائب حسب منطق الاساطير والافكار الخرافية حسب المعنى الحرفي للكلمة في أكثر استعمالاتها.
كما ان النص النبوي الشريف ليس بصدد بيان الاعجاز اللفظي والبلاغي كما قد يتوهم البعض حيث قصروا مسألة الاعجاز القرآنية في دائرة الالفاظ وسحرها اللفظي والبلاغي كما هو دارج في لسان العرب؟
اذاً، ما هو المقصود في الوقوف عند عجائب القرآن؟
والجواب: ان عجائب القرآن هي كل آياته وتعاليمه والقيم التي تحدث عنها في حياة الانسان بأكملها، فمنها الجانب الاجتماعي وما سنه التشريع الالهي من الاحكام للعلاقات الاجتماعية، ومنها الجانب الاقتصادي وما شرعه الله في حفظ المال وتوزيعه وعمليه كسبه ومناشئ الحصول عليه.
ثم ان من عجائب القرآن الكريم هو بناء المنظومة العقائدية والدينية للإنسان وفق البيان العلمي والبرهاني العظيم ابتداءً بأصغر وأبسط الادلة على وجود الخالق وانتهاء بأهم البراهين والادلة الجلية على نظم الكون واتساق حركته ومسيره الوجودي.
ومن هذا عزيزي القارئ فإن معنى الوقوف عند عجائب القرآن هو وقوف العقل والفكر والنظر والوقوف على الشيء يعني الاشراف عليه والاطلاع على ما فيه، والنبي الاكرم(ص) يدعونا للعلم والمعرفة والتزود الفكري من الكتاب العظيم وهذا الوقوف هو حركة العقل واللب.
الخطوة الثانية: تحريك القلوب بالقرآن
واذا كان تحريك العقل هو البداية الموضوعية والصحيحة للمعرفة والعلم، فإن حركة القلب تمثل النتيجة والفائدة العملية من حركة العقل، فلا يكتفي العاقل في تحريك عقله وجولان فكره ما لم يتكون الى جانب هذا الفكر حس ووجدان وعاطفة، لأن العقل لا يصنع من الانسان مؤمناً لوحده اذا جرد عن حركة الروح والقلب، فالعقل قد يتحرك وقد يتمادى في الحركة لكنها تكون حركة سلبية او حركة ميكانيكية، فالعقل العلمي التكنلوجي الحديث تحرك في ميادين كثيرة واكتشف المجاهيل التي عجز عن الوصول إليها الانسان على حقب متمادية من تاريخه، لكن هذا العقل لوحده قاد الانسان لصناعة اكبر التعاسات والمآسي في تاريخ الانسانية عندما استعمله في صناعة الموت والدمار.
من هنا فإن القرآن الكريم ـ عند تلاوته بهذه الاوصاف ـ يدعونا الى سماع صوت القلب وتحريك ما جمد من العواطف والرأفة والرحمة في قلوبنا وأحاسيسنا، ولا دليل اوضح لهذا المعنى من اشتراط القرآن على الابتداء بذكر لفظ الجلالة الشريف واقترانه بصفتي الرحمن والرحيم، لتكون الرحمة والشفقة والعطف عنوان حركة المسلم ومنهج حياته.
القرآن مصدر اسقاط الشرعية عن السلطة السياسية
في أكثر من موقف للإمام (ع) مع الخليفة العباسي يحاول الإمام إبراز التشكيك والتساؤل حول شرعية السلطة العباسية وقيمتها من خلال القرآن الكريم، خصوصاً ان هذه السلطة بنت أمجادها على مفهوم وراثة النبي الأكرم وان أصحاب السلطة هم أهل بيته والأقربون من الناحية النسبية والعرقية ورتبوا على ذلك الحق المطلق لهم في قيادة الامة وتقلد منصب خلافة النبي الاكرم وتركيع الامة والهيمنة على ثرواتها ومقدراتها باسم الاسلام، ولهذا السبب فإن الامام (ع) اراد ان يفضح زيف هذه السلطة ودجل اصحابها عند استذكاره المتكرر للقرآن الكريم والآيات الالهية الشريفة في حواراته ولقاءاته مع هارون الرشيد.
وهذا مقطع من حوار الإمام مع الطاغية هارون الرشيد يرويه الإمام موسى الكاظم (ع).
(قال… ــ هارون الرشيد ــ : كيف قلتم أنا ذرية النبي والنبي لم يعقب، وإنما العقب الذكر لا الأنثى، وأنتم ولد الابنة ولا يكون ولدها عقباً له.
فقلت: (أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه، إلا أعفيتني عن هذه المسألة).
فقال: لا، أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي! وأنت يا موسى يعسوبهم، وإمام زمانهم، كذا أنهي إلي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، وأنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلا تأويله عندكم، واحتججتم بقوله عز وجل: {ما فرّطنا في الكتاب من شيء} واستغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.
فقلت: (تأذن لي في الجواب؟)
قال: هات.
فقلت: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: {ومن ذرّيته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين} مَن أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟
فقال: ليس لعيسى أب. فقلت: إنما ألحقناه بذراري الأنبياء (ع) من طريق مريم عليها السلام وكذلك ألحقنا بذراري النبي (ص) من قبل اُمنا فاطمة، أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال: هات.
قلت: قول الله عز وجل: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} ولم يدع أحد أنه أدخله النبي (ص) تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلا علي بن أبي طالب (ع) وفاطمة، والحسن والحسين أبناءنا الحسن والحسين ونساءنا فاطمة، وأنفسنا علي بن أبي طالب (ع). على أن العلماء قد أجمعوا على أن جبرئيل قال يوم أحد: (يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي) قال: (لأنه مني وأنا منه).
فقال جبرئيل: (وأنا منكما يا رسول الله) ثم قال: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، فكان كما مدح الله عز وجل به خليله (ع) إذ يقول: {قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} إنا نفتخر بقول جبرئيل أنه منا.
فقال: أحسنت يا موسى إرفع إلينا حوائجك).
القرآن والقراءة الحرفية
مني الإسلام بتيارات ومذاهب منحرفة ومضللة سببت الكثير من الهنات للاُمة الإسلامية كما أنها مارست الإرهاب الفكري والعقائدي ضد الاُمة بأسرها.
وجاء أهل هذا الفكر بمفتريات وأكاذيب وأشانيع نسبوها للدين والإسلام فاثبتوا لله عيناً ويداً ورجلاً، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
كما انهم لم يتورعوا في نسبة الظلم والإكراه والإجبار على المعاصي من الله لعباده ثم معاقبتهم يوم القيامة، ونرى هذا التيار المتطرف والقراءة غير النزيهة والموضوعية الآيات القرآن الكريم، قد شاعت في زمان الإمام الكاظم (ع) وكثرت الشبهات والأضاليل.
شبهة الاستواء على العرش
ليس لهؤلاء المتطرفين والجهلاء عمل ولا مسؤولية إلا في البحث عن مكان تواجده وجلوس وكرسيه تعالى وتنزه عن ذلك، فقد فرغوا من كل المسؤوليات الشرعية والدينية ولم يبق الا البحث عن الصفات والاعضاء الجسمانية للباري تعالى، مع ان اصحاب هذا الاتجاه نأوا بعقولهم وانفسهم ان يبحثوا عن صفات الحاكم وشرعية سلطته وخلافته وتحكمه على رقاب المسلمين.
أفهل كان ذلك من شرع القرآن ومن كلام الله؟!
وهل اتاح القرآن ممارسة الظلم والقتل ام لا؟!
والجواب ان اتباع هذه القراءات المبتورة والمشوّهة هم اعوان الظلمة ومؤسّسي ثقافة الطاعة العمياء والاخلاص المطلق في تنفيذ ارادة الحاكم وليس إرادة رب العالمين.
ولقد كان هذا الاتجاه الفكري في تفسير القرآن من أخطر التوجهات عداءً لمنهج أهل البيت وأئمة الحق، ولكن هذا العداء لم يمنع الأئمة (ع) من ممارسة دورهم التثقيفي والفكري في تحصين الامة من هذه الشبهات والمفتريات العقائدية، ولذا، نجد ان الإمام الكاظم (ع) من خلال تفسيره لكمٍّ كبير من آيات الكتاب العظيم التي نقلها ودوّنها الرواة والمحدثون، يتناول الآية التي تمسك بها أصحاب الظاهر ومنهج الجمود على اللفظ في تبني نظرية الاستواء المادي والمكاني وهي قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}.
عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام): وسئل عن معنى قول الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فقال: (استولى على ما دق وجل).
مرجعية القرآن في بناء العقيدة
ولم يكتفِ الامام (ع) بتفسير آية او الاجابة على سؤال في تثبيت الرؤية المعرفية الصحيحة في بناء العقيدة الاسلامية، بل اسس لذلك قاعدةً وبناءً تحتانياً في هرم العقيدة والايمان الديني.
فقد روى صاحب المحاسن عن الفضل بن يحيى قال: سأل أبي أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن شيء من الصفة فقال: (لا تجاوز عما في القرآن).
قيمة العقل والمعرفة من خلال القرآن
العقل في المنظور الاسلامي حجر الزاوية للمعرفة الانسانية ويمثل الموهبة الالهية العظمى للإنسان، لأنه اداة الخير والشر، كما انه طريق الوصول للسعادة، وفي الخطاب القرآني والنبوي نجد التأكيد المتتابع على اكرام العقل والفهم والفكر ومن يتحلى من الناس بهذه الاوصاف العظيمة، فذكر الذين يعقلون والذين يتدبّرون والذين يتفكّرون، والمقصود من هذه التأكيدات بصيغ المضارعة، ما هو الا اشارة الى ان عظمة العقل وقيمة العاقل لا تكون الا من خلال حركة العقل في واقعه وحياته، ولا يكون ذلك الا من خلال تحرير العقل وتنويره.
ونجد في وصية الإمام الكاظم (ع) لهشام بن الحكم يوضح بعض وظائف العقل وقسمته وأهميته من خلال القرآن الكريم والآيات الكريم التي انارت الفكر ونوّرت البصيرة بكشفها عن قدرات العقل وطاقاته الخلاّقة.
القرآن بشّر أهل العقول
(يا هشام إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: {فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب}.
إكمال الحجّة بالعقل
يا هشام إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول، ونصر النبيين بالبيان، ودلّهم على ربوبيّته بالأدلة، فقال: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم * إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيى به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}.
العقل دليل على الله
يا هشام قد جعل الله ذلك دليلاً على معرفته بأن لهم مدبّراً، فقال: {وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} وقال: {هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون}…
موعظة الله لأهل العقل في القرآن
… يا هشام ثم وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة فقال: {وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون}.
يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون عقابه فقال تعالى: {ثم دمرنا الآخرين وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون} وقال: {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون}).
النظرة المستقبلية من خلال القران
القرآن يدعونا لممارسة التغيير والاصلاح على مستوى الذات والآخر، والتغيير الذي يدعونا اليه القرآن الكريم لابد ان يكون ضمن نظام وتخطيط وعملية مبرمجة، وهذا ما يكون من خلال العمل والانتاج الذي نقوم به {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
وإن إغفال المستقبل في كل عمل هو نوع من التخلف والخسران لمشروع الإنسان، ومن هنا دعا الإخوة الاعزاء القائمون على هذا المشروع المبارك إلى التفكير بجدية ودراية بمستقبل الوليد الجديد ورعايته والسهر لانجاحه وتطوره.
وفي هذا الوقت بالذات الذي يسعى فيه أعداء الاُمة الإسلامية لتفتيتها وتمزيقها وتشويه هويتها الثقافية والدينية فإن واجب الاُمة بعمومها وواجب العلماء والفضلاء والمثقفين وخصوصاً المهتمين بالشأن القرآني وأصحاب المسؤولية بذل الجهود والوسع واستفراغ كل الطاقات من اجل ترسيخ مبادئ الهوية الدينية والثقافية للاُمة الإسلامية، والدفاع من اجل بناء الذات والمجتمع على أساس ثقافة الوحي والنبوة.
ولا يكون ذلك الا بعد الشعور بالمسؤولية الكبيرة امام كتاب الله والتضحية والهمة العالية، وفوق كل ذلك التوكل على الله وحده فهو مصدر القوة والكمال والتوفيق والنجاح للإنسان، وقد وعد الله تعالى المؤمنين والمضحين وأصحاب البذل والعطاء بمباركة أعمالهم وإنمائها {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
ولاشك عندنا أن التمسك والحفاظ على الهوية الإسلامية الأصيلة لا يكون إلا من خلال التمسك بكتاب الله والاستضاءة بنوره والسير على هديه الرباني المعصوم من الضلال والانحراف.
وما أدرانا، فلعل النبي الأكرم (ص) قد حذّرنا نحن أبناء هذا الزمن بالخصوص من أمواج الفتن الفكرية والاخلاقية والمجتمعية التي تهدد إيمان الانسان والتزامه بدينه وقيمه، فقد نقل عنه (ص) انه قال: (لا خير في العيش إلا لمستمع واع أو عالم ناطق. أيها الناس، إنكم في زمان هدنة، وإن السير بكم سريع، وقد رأيتم الليل والنهار يبليان كل جديد، ويقرّبان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فأعدوا الجهاد لبعد المضمار).
فقال المقداد: يا نبي الله ما الهدنة؟
وقال: (بلاء وانقطاع، فإذا التبست الاُمور عليكم كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفع، وماحل مصدق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه قاده إلى النار، وهو الدليل إلى خير سبيل، وهو الفصل ليس بالهزل، له ظهر وبطن، فظاهره حكم، وباطنه علم عميق، بحره لا تحصى عجائبه، ولا يشبع منه علماؤه، وهو حبل الله المتين، وهو الصراط المستقيم… فيه مصابيح الهدى، ومنار الحكمة، ودال على الحجة).