- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 6 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المبحث الأوّل: معنى اللطف
معنى اللطف (في اللغة)(1)
إنّ للّطف في الصعيد اللغوي عدّة معاني، منها: الرفق واللين والدنو.
فيقال: لطف به، أي: رفق به.
وألطف اللّه بالعبد، أي: أرفق به، وأوصل إليه ما ينفعه برفق، ووفّقه وعصمه، فهو لطيف.
ومن معاني اللطف في اللغة أيضاً: الدقّة والظرافة، فهو ضدّ الضخامة والكثافة.
والاسم: اللطافة.
فيقال: لطف الشيء، أي: صغر ودقّ.
ولطف اللّه بهذا المعنى، أي: دقّته وظرافته في خلق الأشياء.
معنى اللطف (في الاصطلاح العقائدي):
اللطف: مايدعو المكلَّف إلى فعل الطاعة وترك المعصية بحيث يجعله أقرب إلى امتثال أوامر اللّه تعالى وأبعد عن ارتكاب نواهيه(2).
الشرط الأساس في اللطف (بمعناه العقائدي)
إنّ الشرط الأساس في اللطف: أن لا يبلغ حدّ القهر والإلجاء، بل يكون المكلَّف مع وجود هذا اللطف مختاراً في فعل الطاعة وترك المعصية(3)(4).
دليل ذلك : إنّ “الاختيار” هو الشرط الأساس للتكليف، وبما أنّ بلوغ اللطف حدّ القهر والإلجاء ينافي الاختيار، فلهذا يشترط أن لا يبلغ اللطف حدّاً ينافي الاختيار(5).
تنبيه :
إنّ الهدف الأساس من اللطف هو:
1 ـ تقوية الدواعي إلى فعل الخير.
2 ـ تقوية الصوارف عن فعل الشر.
ولهذا يكون اللطف بمثابة :
1- التشجيع على فعل الخير، وإزاحة العقبات أمام الإنسان، ليكون أقرب إلى فعل الطاعة.
2- التنفير من فعل الشر، وجعل العقبات أمام الإنسان، ليكون أبعد عن فعل المعصية.
الصلة بين “اللطف” وبين “التوفيق” و”العصمة”(6) :
إنّ اللطف هو ما يبعث ويحفّز المكلَّف على فعل الطاعة ويزجره عن فعل المعصية: وفي هذه الحالة:
1 ـ إذا استجاب الإنسان لهذا البعث والتحفيز، واختار فعل الطاعة: فسيطلق على هذا “اللطف” اسم “التوفيق”.
لأنّ الإنسان استطاع في ظلّ هذا اللطف أن ينال التوفيق في فعل الطاعة.
2 ـ إذا استجاب الإنسان لهذا البعث والتحفيز، وترك فعل المعصية: فسيطلق على هذا “اللطف” اسم “العصمة”.
لأنّ الإنسان استطاع في ظلّ هذا اللطف أن يعصم نفسه من فعل المعصية.
توضيح ذلك :
1 ـ يُقال: “وفّق اللّه فلاناً على فعل الطاعة”.
أي: هيّأ اللّه له ما يبعثه ويحفّزه على فعل الطاعة، فاستجاب هذا الشخص باختياره لهذا البعث والتحفيز، وانتفع مما هيّأ اللّه تعالى له من أسباب، حتّى تمكّن بذلك أن يكون فعله موافقاً لطاعة اللّه تعالى.
2 ـ يقال: “عصم اللّه فلاناً من فعل المعصية”.
أي: هيّأ اللّه له ما يبعثه ويحفّزه على ترك المعصية، فاستجاب هذا الشخص باختياره لهذا البعث والتحفيز، وانتفع مما هيّأ اللّه تعالى له من أسباب، حتّى تمكّن بذلك أن يعصم نفسه ويمنعها من فعل المعصية.
المبحث الثاني: أقسام اللطف
ينقسم اللطف باعتبار فاعله إلى(7):
1 ـ ما يكون من فعل اللّه تعالى.
2 ـ ما يكون من فعل المكلَّف في حقّ نفسه.
3 ـ ما يكون من فعل المكلَّف في حقّ غيره.
أمثلة ذلك:
أولاً: أمثلة اللطف الذي يكون من فعل اللّه تعالى:
1- بعث الأنبياء ونصب الحجج ودعمهم بالمعاجز والكرامات وغيرها مما تجعل المكلَّفين أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية.
2 ـ جعل الشريعة سمحاء بعيدة عن التعقيد أو الغموض.
3- الوعد والوعيد واستخدام اسلوب الترغيب والترهيب من أجل إثارة رغبة المكلَّف إلى فعل الطاعة وإثارة الرهبة إزاء فعل المعصية.
4- التدخّل الإلهي لإزالة العوائق والحواجز الموجودة في طريق الطاعة وجعل الموانع في طريق المعصية.
5- الآلام التي جعلها اللّه تعالى في بعض الأحيان وسيلة لاستيقاظ الغافلين وعودتهم إلى الإيمان بعد الابتعاد عنه.
الثاني: أمثلة اللطف الذي يكون من فعل المكلَّف في حقّ نفسه:
1- تعلّم الأحكام الشرعية وغيرها من الأمور التي يبيّنها اللّه تعالى للمكلَّفين، ليكونوا أقرب إلى امتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه.
2- توفير الإنسان لنفسه الأرضية والأجواء المناسبة التي تحفّزه على فعل الطاعة وترك المعصية.
الثالث: أمثلة اللطف الذي يكون من فعل المكلَّف في حقّ غيره:
1- تبليغ الأنبياء للرسالة الإلهية، وبذلهم المزيد من الجهد من أجل دعوة الناس إلى الهداية وسبيل الحقّ.
2- قيام بعض الناس بمهمّة تلقّي العلوم والمعارف الإلهية من أجل توعية الناس ورفع مستواهم الديني، وهذه المهمّة هي الملقاة على عاتق العلماء والدعاة.
3- فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أوجبها اللّه تعالى على جميع المكلَّفين، ليكونوا في ظلّها أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية.
4- المبادرة إلى أي عمل يؤدّي إلى توفير الأجواء المناسبة لامتثال الأوامر الإلهية والابتعاد عن نواهيه، من قبيل: بناء الأماكن التي تقرّب العباد إلى اللّه تعالى ، أو دعم المشاريع التي تهيّىء الأرضية لفعل الطاعات وترك المعاصي.
المبحث الثالث: وجوب اللطف
إنّ حكمة اللّه تعالى وجوده وكرمه تقتضي منه اللطف بالعباد.
دليل وجوب اللطف :
إنّ غرض اللّه تعالى من تكليف العباد هو أن يبلغوا الكمال عن طريق فعل الطاعة وترك المعصية.
فإذا كان هناك شيء يؤدّي فعله إلى:
1 ـ أن يختار المكلَّف فعل الطاعة ويترك فعل المعصية.
2 ـ أن يكون المكلَّف أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية.
فإنّ الحكمة الإلهية تقتضي فعل ذلك الشيء.
لأنّ عدم فعله يستلزم نقض الغرض من تكليف العباد.
ونقض الغرض قبيح ومناف للحكمة.
واللّه تعالى منزّه عن ذلك.
فنستنتج بأنّ الحكمة الإلهية تقتضي فعل اللطف(8).
مثال ذلك: إذا دعا أحد الأشخاص غيره إلى ضيافته.
وكان غرض صاحب الدعوة أن يأتي ذلك الشخص المدعو إلى هذه الضيافة.
وعلم صاحب الدعوة بأنّ المدعو لا يأتيه إلاّ إذا استعمل معه أسلوباً معيّناً .
فإذا لم يستعمل صاحب الدعوة هذا الأسلوب مع المدعو.
فإنّه سيكون ناقضاً لغرضه(9).
تنبيه :
ذهب الشيخ المفيد إلى أنّ وجوب اللطف على اللّه تعالى يكون من جهة اقتضاء جوده وكرمه.
وليس هذا الوجوب من جهة اقتضاء عدله تعالى.
ولهذا فإنّ امتناع اللّه تعالى عن اللطف لا يكون ظلماً.
وإنّما يكون منافياً للجود والكرم الإلهي(10).
المبحث الرابع: أثر اللطف
ليس اللطف الإلهي علّة تامّة تجبر المكلَّفين على فعل الطاعة وترك المعصية.
بل اللطف عبارة عن “بعث” و”تحفيز” فقط.
فإذا لم يستجب بعض المكلّفين لهذا اللطف.
فإنّهم سيحرمون أنفسهم من هذا اللطف نتيجةً لسوء اختيارهم(11).
تفريعات ذلك :
أولاً: إنّ عدم تأثير اللطف الإلهي على الكافر لا يعني: “عدم وجود هذا اللطف بذريعة أنّه لو كان لترك أثره”
لأنّ اللطف الإلهي مجرّد “بعث” و”تحفيز” منه تعالى بحيث يجعل المكلَّف أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية.
وليس اللطف الإلهي إرادة حتمية منه تعالى ليترك أثره على المكلّف بصورة قهرية.
ثانياً: إنّ عدم تأثير اللطف الإلهي على الكافر لا يعني: “عجز اللّه عن هداية الكافر”.
لأ نّه تعالى شاء أن يكون الإنسان مختاراً في أفعاله العبادية.
واللطف الإلهي ـ في الواقع ـ مجرّد “بعث” و”تحفيز” منه تعالى بحيث يكون الإنسان معه أقرب إلى امتثال أوامر اللّه تعالى والانتهاء عن نواهيه.
وليس اللطف الإلهي إرادة حتمية وتكوينية منه تعالى ليكون عدم تأثيره دالاً على العجز الإلهي.
ثالثاً: لو كان اللطف الإلهي أمراً يجبر الإنسان على الإيمان ولو كان كافراً، فإنّ الكفّار سيحتجّون على اللّه تعالى بأنّهم لم يؤمنوا لأنّه تعالى حرمهم من لطفه.
ويكون بذلك للكفّار حجّة على اللّه تعالى.
ولكن الأمر ليس كذلك، وإنّما الحجّة البالغة للّه تعالى.
واللطف عبارة عن “باعث” و”محفّز” فقط.
ويبقى الإنسان هو المسؤول عن أفعاله الاختيارية(12).
____________
1- انظر: مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج3، تفسير آية 165 من سورة النساء ص218.
2- انظر: أقرب الموارد، المصباح المنير، المعجم الوسيط، المنجد في اللغة: مادة (لطف).
3- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: باب: الكلام في اللطف، ص186.
الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الرابع، ص130.
المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج1، القول في اللطف و…، ص297.
قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثالث، ص117.
مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الخامس، ص253.
كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة (12)، ص444.
إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، تحقيق حول قاعدة اللطف، ص276.
اللوامع الالهية، مقداد السيوري: اللامع التاسع، المقصد الرابع، النوع الثاني، ص227.
4- انظر: كتب المنقذ من التقليد، قواعد المرام، مناهج اليقين، إرشاد الطالبين واللوامع الإلهية المذكورة في المصدر السابق.
5- يخرج بهذا القيد “القدرة” و”الآلات” المطلوبة لأداء التكليف.
لأنّ المكلَّف لا يستطيع أداء التكليف من دون “القدرة” و”الآلات”، ولكنه يستطيع أداء التكليف من دون “اللطف”.
ويعود السبب إلى أنّ “اللطف” مجرّد “تحفيز” و”بعث” وليس له أي أثر في الصعيد الخارجي.
انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، المبحث الخامس، ص252.
إرشاد الطالبين، مقداد السيوري، مباحث العدل، تحقيق حول قاعدة اللطف، ص277.
6- انظر: كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة (12)، ص444.
إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، تحقيق حول قاعدة اللطف، ص277.
7- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: باب الكلام في اللطف، ص186 .
المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج1، القول في اللطف و…، ص306 .
إرشاد الطالبين ،العلاّمة الحلّي: مباحث العدل ، تحقيق حول قاعدة اللطف، ص277 .
8-انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الرابع، ص132.
المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج1، القول في اللطف و…، ص304.
قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثالث، ص118.
كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة (12)، ص445.
مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الخامس، ص254.
إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، تحقيق حول قاعدة اللطف، ص276.
اللوامع الالهية، مقداد السيوري: اللامع التاسع، المقصد الرابع، النوع الثاني، ص227.
9- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: باب الكلام في اللطف، ص194.
شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: حقيقة اللطف ووجوبه، ص107.
المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، المطلب الأوّل، ص102.
قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثالث، ص118.
كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة (12)، ص444.
مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الخامس، ص253.
إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، تحقيق حول قاعدة اللطف، ص276 ـ 288.
اللوامع الالهية، مقداد السيوري: اللامع التاسع، المقصد الرابع، النوع الثاني، ص227.
10- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثالث، ص118 .
كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة (12)، ص445 .
اللوامع الالهية، مقداد السيوري: اللامع التاسع، المقصد الرابع، النوع الثاني، ص227.
11- انظر: أوائل المقالات، الشيخ المفيد: القول: 28، القول في اللطف والأصلح، ص59 .
12- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، المبحث الخامس، ص254.
كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة (12)، ص446.
المصدر: العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) / الشيخ علاء الحسون