- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 17 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
(أوجه التشابه بين سيرة النبي المصطفى محمد بن عبد الله (ص) وسيرة نبي الله موسى (ع) ) هو عنوان أو مضمون البحث الذي ألقاه السيد سامي البدري في أحدى أمسيات شهر رمضان المبارك سنة (۱۴۳۰) هـ, في مقر دار الضيافة في العتبة العلوية المقدسة, كما جاء في مجلة (الولاية: ۷/ العدد ۳۴/ السنة الثالثة/ شوال ۱۴۳۰هـ ۲۰۰۹م).
وجاء في المجلة أن الباحث المذكور تطرق إلى وجه: الشبه في جعل الوصي لنبي الله موسى (ع) في أخيه هارون, وبالمقابل جعلها في وصي رسول الله محمد (ص) أخيه علي بن أبي طالب (ع), وكيف تشابهت السنن الإلهية بينهما, وكيف جرت الفتن عليهما. وكذلك تطرق سماحة السيد البدري إلى قضية وجود الأوصياء لكليم الله موسى بن عمران (ع) والبالغ عددهم أثنا عشر وصيا, ويضمنهم نبي الله عيسى بن مريم (ع) وهو آخرهم, مع وجود أوصياء للنبي الأكرم محمد (ص) بالعدد نفسه, وآخرهم الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف), مع الإشارة المهمة بين قضية غيبة نبي الله عيسى (ع) – من خلال رفعه إلى السماء – وغيبة الإمام المهدي (ع) للأسباب والدوافع نفسها, كما جاء نصا في المجلة المذكورة أعلاه.
الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية ديانات سماوية, شرعت وأنزل كتبها واختار الأنبياء الذين كلفوا بتبليغها إله واحد هو الله تعالى, لذا فالتشابه بين هذه الأديان وعقائدها وأحكامها وسيرة مبلغيها وقصصهم مع أقوامهم وما رافق ذلك من أحداث وصراعات وفتن, أمر طبيعي لا مفر منه, وقد أكد وجود هذا التشابه القرآن الكريم وأحاديث المعصومين (ع), وكان لابد من وجود الفروق والاختلاف في كل ذلك, وإلا لأصبح إرسال أكثر من رسول أو إنزال أكثر من كتاب أو تشريع أكثر من شريعة أو نسخ شريعة سابقة بشريعة لاحقة, أمرا لهوا وفعلا عبثيا, وهو ما تنزه عنه تعالى فقال عز وجل في كتابه العظيم:
لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ الأنبياء: ۱۷
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ المؤمنون: ۱۱۵
وزعت نسخ من الرد على محاضرة السيد البدري, التي ألقاها بتاريخ ۲۹/ ۴/ ۲۰۰۹ على قاعة كلية الآداب من جامعة الكوفة, ضمن كتيب, بعدما رفض المسئولون في الكلية السماح بإلقاء محاضرة للرد على السيد البدري, مصرين على مصادرة الرأي الآخر, فالظاهر أنهم عدوا محاضرة السيد البدري من الآراء المقدسة التي لا يجوز الطعن فيها والرد على ما قاله السيد البدري.
أطلعت على الكتيب الذي يحمل الرد المذكور وما نقل فيه عن السيد البدري, فرأيت أن يتم إجراء ما يلزم من تغيير على البحث الأصلي, وتغيير عنوانه من (المقارنة بين سيرتي النبيين محمد وموسى (ع)), الذي سلمت نسخ منه إلى السيد البدري والمجلة بهدف النشر, إلى العنوان الظاهر أعلاه, نظرا لوحدة الموضوع.
لا أعرف الهدف الذي من أجله كتب الباحث تفاصيل التشابه بين سيرة النبي موسى (ع) ومسيرة بني إسرائيل من جهة, وبين سيرة النبي محمد (ص) ومسيرة بني إسماعيل من جهة أخرى, ولم يتطرق إلى عقد مقارنة بينهما, وهو أمر تفرضه أصول البحث العلمي الرصين, وتلزمه أحكام الفكر الإسلامي المبين, وتقيده أقوال الرسول النبي الأمين (ص), الذي قال: إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه, فمن لم يفعل فعليه لعنة الله, (الأصول من الكافي/ المجلد الأول).
ولابد من إجراء مقارنة موضوعية بين أي سيرتين أو مسيرتين, لدراسة نقاط التشابه والاختلافات بينهما, دون الاكتفاء بنقاط التشابه فقط, وينبغي أن تعتمد المقارنة على أصول البحث العلمي الرصين, وشروط الفكر الإسلامي المبين, الذي جاء به القرآن الكريم وأوضحته الأقوال المعتمدة للمعصومين (ع), ومن أهمها:
رغم أن الله تعالى فضل بعض النبيين والرسل (ع) على البعض الآخر, إلا أن أمره عز وجل ألزم المسلمين بعدم التفريق بينهم, فقد قال سبحانه وتعالى في كتابه المجيد:
وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ … البقرة: ۱۳۶
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم البقرة: ۲۵۳
لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ البقرة: ۲۸۵
وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ آل عمران: ۸۴
وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا الإسراء: ۵۵
اعتماد عصمة الأنبياء والرسل (ع) عند المقارنة, وعدم الإساءة إلى أي منهم بتفسير بعض نصوص القرآن الكريم بما يسيء إليهم (ع), وقد فسر الإمام الرضا (ع) نصوص القرآن الذي يرى البعض بأنها تسيء إلى عصمة الأنبياء, بما لا يتناقض مع عصمتهم (ع), في جواب له (ع) على سؤال وجهه إليه المأمون العباسي, كما في (عيون أخبار الرضا) ونقلنا بعض ما جاء فيه ضمن عدة فصول من كتابنا (معجزات الأنبياء (ع) في القرآن الكريم والفكر الإسلامي).
اعتماد أحاديث المعصومين (ع) في المقارنة, مما لم يوجد في معناه نص في القرآن الكريم, بشرط عدم تعارضه مع نصوص القرآن الأخرى ولا يناقض عصمة الأنبياء (ع).
حديث المنزلة معروف ومشهور ومتواتر, إذ قال الرسول الأعظم محمد (ص) مخاطبا الإمام علي (ع): أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي, (تفسير الإمام أبي محمد الحسن العسكري (ع): ۳۰۰, ۳۸۰), ولكن عند قراءة سيرة كل منهما نجد أن هناك اختلاف بين السيرتين مع وجود هذا التشابه وغيره, ويمكن إيجاز المقارنة بين سيرتي موسى ومحمد (ص) ووصي وقوم كل منهما في النقاط التالية:
أولا:
هناك رد واضح على ما زعمه السيد البدري بأن المسيح عيسى بن مريم (ع) هو الوصي الثاني عشر للنبي موسى (ع), فالمسيح (ع) قد بعثه الله تعالى بديانة جديدة إلى البشر, ولا يمنع عموم رسالته وكون الديانة التي جاء بها جديدة, من أن تكون بداية التبليغ لبني إسرائيل, كما ابتدأ الرسول محمد (ص) بتبليغ رسالته لعشيرته الأقربين: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) – الشعراء: ۳۱۴- فالوصي لا يأتي بديانة جديدة:
وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ آل عمران: ۵۰
فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا النساء: ۱۶۰
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ الأنعام: ۱۴۶
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ الأعراف: ۱۵۷
فجعل الحرام حلالا والحلال حراما, تعني أن أحكاما تشريعية في ديانة سابقة تم نسخها بأحكام أخرى في ديانة لاحقة, فالنص من الآية (آل عمران: ۵۰) هو جزء من خطاب المسيح عيسى (ع) مع بني إسرائيل, وإن قوله (ع): (وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ) لا يعني أنه (ع) يأخذ أحكامه من التوراة فيحلل ما حللت ويحرم ما حرمت, ولم يقل (بين يديكم من التوراة) لأنه (ع) يعلم أن نسخة التوراة الموجودة لدى بني إسرائيل محرفة, لأنه (ع) يعد التوراة غير المحرفة كتابا سماويا لا يجوز الطعن فيه, كما يعد المسلمون التوراة والإنجيل غير المحرفين كتابين سماويين لا يجوز الطعن فيهما.
ويشير النص الأخير أعلاه إلى البشارة بظهور محمد (ص) في التوراة والإنجيل, وإن شريعته تنسخ أحكام التوراة والإنجيل, ولكن بنو إسرائيل بسبب رغبتهم في عدم نقل النبوة منهم إلى بني إسماعيل, قاموا بمحاولات فاشلة لقتل محمد (ص) قبل وبعد بعثته, في حين كان رهبان النصارى ينصحون عمه أبا طالب بحمايته من اليهود الذين يريدون قتله.
أما قوله (ع): (وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) فيؤكد نسخ بعض أحكام شريعة موسى (ع) التي خص الله تعالى بها بني إسرائيل, بأحكام أخرى, وهذا لا يكون ضمن ديانة واحدة, ولا يمكن أن يكون الذي يكلفه الله تعالى بنسخ الأحكام الشرعية وصيا لنبي سبقه.
ثانيا:
حديث المنزلة المذكور أعلاه, يشير إلى التشابه بين وصيي محمد وموسى (ع), أو ما يعرف حاليا بوكيل رئيس الدولة الأعلى أثناء غيابه, فقد تولى هارون (ع) خلافة موسى (ع) عندما ذهب إلى ميقات ربه:
وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ الأعراف: ۱۴۲
أما الإمام علي (ع) فقد أمره الرسول (ص) أن يبقى في المدينة قبل خروجه إلى تبوك, قائلا له حديث المنزلة أعلاه. فهذه نقطة التشابه, أما نقاط الاختلاف فتتمثل في أن هارون (ع) هو الأخ الأكبر لموسى (ع), وأنه مات قبل أخيه موسى (ع), فلم يكن هارون (ع) وصيا لموسى (ع) بعد وفاة الأخير, بينما كان الإمام علي (ع) أبن عم الرسول (ص) وزوج ابنته فاطمة (ع) ووالد سبطي الرسول (ص), وأصغر من الرسول (ص) بثلاثين سنة, وتولى الخلافة بعد الرسول (ص) وولد في الكعبة وقتل أثناء الصلاة في مسجد الكوفة, وورث علوم الرسول (ص) حصرا دون الصحابة.
أما الفرق الآخر, فقد غاب الرسول (ص) عن المدينة (۸۰) ليلة عندما ذهب إلى تبوك, بينما غاب موسى (ع) عن قومه (۴۰) ليلة, فقد قال رسول الله (ص) لقومه قبل أن يغادر المدينة إلى تبوك: إن موسى وعد قومه أربعين ليلة, وإني أعدكم ثمانين ليلة, أرجع سالما غانما ظافرا بلا حرب تكون, ولا أحد يستأسر من المؤمنين, (تفسير الإمام أبي محمد العسكري: ۳۷۸).
ثالثا:
إن الحديثين أو الخبرين المتواترين بهبوط أمين الوحي جبرائيل (ع) بعد ولادة سبطي الرسول (ص), كل من الإمامين الحسن والحسين (ع), وتسميتهما باسمي ولدي هارون (ع), شبر وشبير, وقول النبي (ص): إن لساني عربي, ثم تسمية كل منهما من قبل جبرائيل (ع) بالحسن والحسين, (نص الخبر وبعض مصادره: كتابنا تراث الرسول (ص): ۲۲۲- ۲۲۳) يؤكدان مفردة أخرى من التشابه بين وصيي موسى ومحمد (ص).
رابعا:
رغم أن البعض يراهن على قدسية العدد (۱۹), إلا أنه ينسى أو يتناسى قدسية العدد (۱۲) واشتراكه بين الأديان السماوية الثلاث, (لمزيد من التفاصيل كتابنا تراث الرسول (ص): ۳۳۴- ۳۳۵), ومن بين ذلك: عدد أولاد يعقوب (ع), عدد نقباء بني إسرائيل, عدد العيون التي فجرها موسى (ع), عدد حواري المسيح عيسى (ع), عدد أوصياء الرسول محمد (ص), كلها تشترك في العدد (۱۲), فلابد لهذا العدد من قدسية خاصة في كل هذه الأديان, ووجود إرادة عليا حققت هذا التشابه.
هذا التشابه في العدد (۱۲) يرافقه اختلاف رئيس في فضل المشمولين به, فأوصياء محمد (ص) لم يعيشوا ضمن مرحلة زمنية واحدة, كما هو حال أولاد يعقوب (ع), ويمثلون الجيل الأول لبني إسرائيل, وحال حواري عيسى (ع), لأن أوصياء محمد (ص) كانوا كلهم حجج الله على خلقه, فكلما مات واحد منهم تسلم الوصية اللاحق منهم, حتى انتهت إلى الوصي الثاني عشر منهم, الإمام الحجة بن الحسن (عجل) الذي أطال الله عز وجل عمره ليظهره في فترة لاحقة فيملك الأرض وينشر العدل الإلهي:
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ التوبة: ۳۳, الفتح:۲۸, الصف: ۹
خامسا:
قص علينا القرآن الكريم تفاصيل فتنة واحدة تعرض لها هارون (ع) أثناء غياب موسى (ع) لميقات ربه, بينما تعرض الإمام علي (ع) لعدة فتن أثناء حياة الرسول (ص) وبعد وفاته, تتشابه بعض مفرداتها (تفاصيلها) مع فتنة هارون (ع), ويمكن إيجاز بعض أوجه المقارنة في النقاط التالية:
كان موسى (ع) أثناء الفتنة في ميقات ربه وأخبره الله تعالى بفتنة قومه, وتعرض هارون (ع) إلى محاولة للقتل أثناء هذه الفتنة:
قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ طه: ۸۵
قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء الأعراف: ۱۵۰
كذلك أعلم الله تعالى رسوله الكريم (ص) بفتنة ليلة العقبة, ولكن قبل وقوعها, وذلك قبل ذهابه إلى تبوك, فقد بقى بعض المنافقين في المدينة, وذهب بعضهم الآخر مع الرسول (ص), لتنفذ كل فرقة ما خططوا له, فحاول من بقى في المدينة من المنافقين قتل الإمام علي (ع), وحاول القسم الآخر قتل الرسول (ص) أثناء توجهه إلى تبوك. أشار بعض أصحاب أمير المؤمنين (ع) بأن يكاتب رسول الله (ص) بتدبير ما نواه المنافقون بقتل الرسول (ص) ليحتاط للأمر فقال (ع): إن رسول الله إلى محمد رسوله (ص) أسرع, وكتابه إليه أسبق, فلا يهمنكم هذا, (تفسير الإمام العسكري (ع): ۳۰۰- ۳۰۲, بإيجاز).
بينما تعرض الإمام علي (ع) في فتنة لاحقة, وبعد وفاة الرسول (ص) إلى محاولة أخرى للقتل عندما أقدم البعض على جمع الحطب لإحراق بيته بمن فيه, وظن البعض عدم صحة هذه الحادثة, لأنه (ع) كان شجاعا ولا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي أمام أمثال هذه المحاولة, ولكن الإمام علي الهادي (ع) ضمن الزيارة المخصوصة لأمير المؤمنين (ع), في يوم الغدير (۱۸ ذي الحجة), كما في (مفاتيح الجنان المعرب) أوضح أسباب مواقف الإمام علي (ع) في مثل هذه الحالات بقوله:
وأشهد أنك ما اتقيت ضارعا, ولا أمسكت عن حقك جازعا, ولا أحجمت عن مجاهدة غاصبيك ناكلا, ولا أظهرت الرضا بخلاف ما يرضي الله مداهنا, ولا وهنت لما أصابك في سبيل الله, ولا ضعفت ولا استكنت عن طلب حقك مراقبا, معاذ الله أن تكون كذلك, بل إذ ظلمت احتسبت ربك وفوضت إليه أمرك, وذكرتهم فما اذكروا, ووعظتهم فما اتعظوا, وخوفتهم فما تخوفوا. وفي مكان آخر من نفس الزيارة قال (ع): وأشهد أنك ما أقدمت ولا أحجمت ولا نطقت ولا أمسكت, إلا بأمر من الله ورسوله.
في معركة الجمل, شبه الإمام علي (ع) الجمل الذي اتخذه أصحابه علما ورمزا لهم, بعجل السامري, وأن نتيجة المعركة ونهايتها مرتبطة بقتل الجمل, وفعلا تم ذلك فانتهت المعركة, كما انتهت فتنة هارون (ع) بحرق العجل وإلقائه في اليم.
شبه الإمام علي الهادي (ع), ضمن الزيارة المخصوصة في يوم الغدير, محنة الإمام علي (ع) في معركة صفين بمحنة هارون (ع) مع قومه, وذلك قوله (ع):
فأشبهت محنتك بهما محن الأنبياء عليهم السلام عند الوحدة وعدم الأنصار, وأشبهت في البيات على الفراش الذبيح عليه السلام, إذ أجبت كما أجاب وأطعت كما أطاع إسماعيل صابرا محتسبا إذ قال له:
يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ الصافات: ۱۰۲
وكذلك أنت لما أباتك النبي صلى الله عليه وآله وأمرك أن تضجع في مرقده واقيا له بنفسك, أسرعت إلى إجابته مطيعا, ولنفسك على القتل موطنا, فشكر الله تعالى طاعتك وأبان عن جميل فعلك بقوله جل ذكره:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ البقرة: ۲۰۷
ثم محنتك يوم صفين, وقد رفعت المصاحف حيلة ومكرا, فأعرض الشك وعزف الحق وأتبع الظن أشبهت محنة هارون إذ أمره موسى على قومه فتفرقوا عنه, وهارون ينادي بهم ويقول:
يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى طه: ۹۰- ۹۱
وكذلك أنت لما رفعت المصاحف, قلت يا قوم إنما فتنتم بها وخدعتم, فعصوك وخالفوا عليك واستدعوا نصب الحكمين, فأبيت عليهم وتبرأت إلى الله من فعلهم وفوضته إليهم, فلما أسفر الحق وسفه المنكر واعترفوا بالزلل والجور عن القصد …. الخ.
سادسا:
كانت فتنة هارون (ع) فتنة شرك بالله تعالى, وبقت فتنة هارون (ع) حتى رجع موسى (ع) فحلها بحرق عجل ألسامري وألقاه في اليم:
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ طه: ۸۸
وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا طه: ۹۷
وتعرض موسى (ع) أثناء حياته إلى عدة محن مع قومه, تشير إلى ارتداد بني إسرائيل أو بقاء ميولهم أو رغبتهم في عقيدة الشرك والضلال, وعدم قناعتهم بعقيدة التوحيد الخالصة:
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ الأعراف: ۱۳۸
بينما كانت الفتن التي تعرض لها الإمام علي (ع) تتعلق بمنصب الخلافة, باستثناء حكام بني أمية ومن أيدهم من أنصارهم وشيعتهم ومن اللاحقين, الذين أنكروا رسالة السماء ونبوة محمد (ص) وذلك على لسان أبي سفيان ومعاوية ويزيد. وقد حل الإمام علي (ع) بنفسه الفتنة, وأصر على قتل الجمل الذي شبهه بعجل ألسامري فقتل فانتهت الفتنة, وإن بقت آثارها لحد الآن موجودة.
في (نهج البلاغة: ۶۷۰/ الحكمة ۳۰۸): وقال له بعض اليهود: ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه! فقال (ع) له: إنما اختلفنا عنه لا فيه, ولكنكم ما جفت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم: اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
سابعا:
أحد أوجه التشابه بين الأنبياء (ع) هو صبرهم على المحن والبلاء:
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ الأحقاف: ۳۵
وفي بعض الأخبار, أن الرسول الأكرم محمد (ص) كان أكثر الأنبياء والرسل(ع) والخلق أجمعين, تعرضا للبلاء فأكثرهم صبرا, ولاقى من قومه من الأذى ما لم يلاقيه غيره, ولكن المؤمنين برسالته كانوا أكثر عددا.
ثامنا:
الوحي الإلهي للأنبياء والرسل (ع) هو أحد أوجه التشابه المهمة, وهناك وحي عام بهدف مشترك لهم جميعا, ومن بين ذلك:
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا النساء: ۱۶۳
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ الزمر:۶۵
كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الشورى: ۳
شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ الشورى: ۱۳
وهناك وحي خاص أوحي لأحد الأنبياء دون غيره, فقد خص موسى (ع) بوحي خاص:
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ الأعراف: ۱۱۷
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى طه: ۷۷
أما الوحي الإلهي الخاص بالرسول الأكرم محمد (ص) فكثير جدا, لعل من بينه الوحي الخاص بقصص الأنبياء والرسل (ع) مع أقوامهم التي سميت بأنباء الغيب:
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ آل عمران: ۴۴, يوسف: ۱۰۲
تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ هود:۴۹
تاسعا:
لم يكن مع هارون (ع) أحد من قومه يسانده أثناء الفتنة, بينما كان مع علي (ع) أفراد جيشه الذين كان لهم دور كبير في القضاء على المحن والفتن التي تعرض لها أثناء خلافته, ومنها حروبه الثلاثة.
عاشرا:
كان علم موسى (ع) محصورا بما يؤهله لكي يكون نبيا لبني إسرائيل, ولم يؤت علما يؤهله لكي يقوم بما قام به العالم الذي قابله, كما في سورة الكهف, فعلم أخيه هارون (ع) لا يمكن أن يزيد عن علم موسى (ع) إذا لم ينقص عنه. بينما ورث رسولنا محمد (ص) علوم الأولين والآخرين ومنها علوم الغيب الذي خص بجزء منها العالم الذي قابله موسى (ع), وقد أورث الرسول (ص) علومه عليا (ع) حصرا, ومن بعده بقية الأوصياء الأئمة الهداة (ع) إماما بعد إمام, حتى وصلت إلى خاتمهم الإمام المهدي المنتظر (عجل).
حادي عشر:
جمع الله تعالى لخاتم الأنبياء محمد (ص) وأوصيائه (ع) من المعجزات والكرامات والفضائل والعلوم ما فاق ما أؤتي بقية الأنبياء (ع) مجتمعين, فحصة موسى وهارون (ع) منها حتما أقل مما أؤتي محمد (ص) وأوصياؤه (ع), كما في (الاحتجاج) للطبرسي.
ثاني عشر:
كذلك القول بفضل أمة محمد (الفرقة الناجية من المسلمين) على بقية الأمم ومنهم بنو إسرائيل, ومن بين أهم ذلك:
وصف أول جيل من بني إسرائيل (أبناء النبي يعقوب (ع) وهو إسرائيل) أباهم بالضلال: إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (يوسف: ۸), وجاءوا إلى أبيهم بدم كذب على قميص يوسف (ع) (يوسف: ۱۸) بعدما ألقوا أخاهم يوسف في غيابت الجب, واتهموا أخاهم يوسف (ع) بالسرقة وهم يعرفون أنه برئ (يوسف: ۷۷), ووصف بعض عائلة (أهل بيت) يعقوب (ع) بأنه (ع) ما زال في ضلاله القديم (يوسف: ۹۵). بينما لم يحصل ما يشبه ذلك من قبل أهل بيت (عائلة) وذرية رسولنا الأعظم محمد (ص) والمؤمنين, فلم يسيء أحد منهم ولا من المؤمنين إليه (ص).
ثالث عشر:
ذبح بنو إسرائيل يحيى بن نبيهم زكريا (ع), وذبح المسلمون الإمام الحسين (ع) أبن بنت نبيهم محمد (ص), ولكن يحيى (ع) لم ينصره أو يدافع عنه أي فرد بعد قتله وحتى الآن, فأنتقم الله تعالى منهم فسلط عليهم شرار خلقه فخرب بيت المقدس وقتل الكثير وأسر الباقي, بينما نصر ودافع عن الإمام الحسين (ع) أفراد جيشه المتكون من بعض أهل بيته وأقربائه وغيرهم من المسلمين, فدافعوا عنه حتى قتلوا جميعا, عدا من كان مريضا عاجزا عن القتال ومن جرح أثناء المعركة فعجز عن الاستمرار بالقتال, وقام اللاحقون بالانتقام من قاتلي إمامهم, وما زال الصراع الفكري والانتقام قائما حتى الآن.
رابع عشر:
أفرد القرآن ذكر إفساد بني إسرائيل وعلوهم في الأرض مرتين, ضمن آيات (الإسراء: ۴- ۸) وفي المرة الثانية وعد بإمدادهم بأموال وبنين ثم خيرهم بين الإحسان لأنفسهم (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ) أو الإساءة لها (وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا) بأن يبعث عليهم عبادا له أولي بأس شديد ليقضوا على دولتهم (إسرائيل) ويقتلونهم, وربما تكون نهايتهم فيها فيرتاح العالم من جرائمهم.
بينما وعد الله عز وجل المسلمين أن تكون للمؤمنين منهم قيادة دولة العدل الإلهي في الأرض ولا تكون بعدهم دولة لغيرهم, فأئمة أهل البيت (ع) هم آخر قادة الأرض.
خامس عشر:
قاد طالوت جيشا من بني إسرائيل (الآيات البقرة: ۲۴۶- ۲۵۱) بأمر نبي لهم متكون من (۳۱۳) فردا, وكان عدد المسلمين الذين شاركوا في معركة بدر (۳۱۳) فردا, وسيكون عدد قادة جيش الإمام المهدي (عجل) الذي يظهر أمرا من الرسول محمد (ص) بالقتال أيضا (۳۱۳) قائدا, وسيكونون الولاة أو الأمراء على البلدان بعد سيطرة جيش الإمام (عج) على كل أنحاء العالم.
سادس عشر:
قتل موسى (ع) فردا من أهالي مصر فهاجر خائفا إلى مدين, وبعث أثناء عودته إلى مصر وهاجر بعد البعثة إلى الأرض المقدسة في فلسطين, بينما سافر الرسول (ص) إلى الشام للتجارة وبعث في مكة, وهاجر بعد البعثة خائفا إلى الطائف, ثم هاجر بعد البعثة إلى يثرب (المدينة), فأظهر الله تعالى في المدينة دعوته ورسالته للناس أجمعين.
سابع عشر:
تهرب بنو إسرائيل من القتال والاشتراك في المعارك حتى في معركة العودة إلى وطنهم, طالبين من نبيهم أن يقاتل وحده مع ربه:
قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ المائدة: ۲۴
بالرغم من أن اثنين منهم طلبوا منهم دخول الأرض المقدسة فيغلبوا العدو إن كانوا مؤمنين:
قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِنْ كُنتُم مُّؤْمِنِينَ المائدة: ۲۳
بينما شاور الرسول (ص) المسلمين في الخروج إلى بدر لقتال المشركين, فعارض البعض ذلك, ثم قال الصحابي المقداد بن عمرو: يا رسول الله امض لما أمرك الله, فنحن معك, والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى (ع): (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا, أنا معكما مقاتلون. فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد (يعني الحبشة) لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه. فرحب بقية المسلمين بذلك فخرجوا إلى المعركة, وكان عددهم (۳۱۳) مقاتلا.
ثامن عشر:
أما دعوى وجود (۱۲) وصيا للنبي موسى (ع) آخرهم المسيح عيسى بن مريم (ع) فأمر غريب لم يرد في أي من كتب الحديث نقلا عن معصوم, ولا أعرف من أين جاء بذلك, فأحاديث التشابه بين الإمام المهدي (عج) وبين بعض الأنبياء (ع) كثيرة في كتب الحديث, ولم يتضمن أي منها أن المسيح عيسى (ع) كان وصيا للنبي موسى (ع).
وقد علمت أن الباحث السيد البدري ربما اعتمد في ذلك على ما يترجمه من كتب باللغات القديمة, فالظاهر أن انشغاله بترجمة الكتب من اللغات القديمة قد أنساه أو شغله عن التأكد مما في تلك الكتب من معلومات ومقارنتها بما ورد في الفكر الإسلامي بمصدريه, وربما كان اليهود قد ذكروا ذلك في التوراة أو في غيرها تعظيما لموسى (ع), لأن كلا من موسى وعيسى (ع) من أنبياء بني إسرائيل.
أما الشيء الغريب الآخر الذي جاء به السيد البدري فهو قوله بانقسام أمة موسى (ع) إلى اليهود والنصارى مقابل انقسام أمة محمد (ص) إلى الشيعة والسنة (الفروق الواضحة: ۳۶).
لا أعرف ما هو موقف السيد البدري بالحديث المنقول عن الرسول الأكرم محمد (ص) بانقسام اليهود إلى (۷۱) فرقة وانقسام النصارى إلى (۷۲) فرقة وانقسام المسلمين إلى (۷۳) فرقة؟ أليس في ذلك دليل على أن هذه الأسماء الثلاثة هي ديانات وليست مذاهب أو فرق, وما هو رأيه بالنصوص التالية من القرآن الكريم:
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً للذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً للذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ المائدة: ۸۲
وهذا دليل آخر على أن اليهود والنصارى ليسوا فرقتين من ديانة واحدة, أو من أمة موسى
تاسع عشر:
استفاد بعض المفسرين من نصوص القرآن الكريم في المقارنة بين بني إسرائيل والعرب, فكتب الشيخ الطبرسي, مثلا في تفسيره قائلا بأن سبب كثرة معجزات بني إسرائيل بأنه كان فيهم من بلادة النفس وكلالة الحدس ما لم يمكن معه الاستدلال بالآيات الحقيقية. وكان في العرب وأمة نبينا (ص) من جودة القريحة وحدة الفطنة وذكاء الذهن وقوة الفهم ما كان يمكنهم معه الاستدلال بما يحتاج فيه إلى التأمل والتدبر والاستضاءة بنور العقل في التفكر فجاءت آياتهم متشاكلة لطباعهم المتوقدة ومجانسة لما ركب في أذهانهم من الدقة والحدة.
وهذا يعني أن معجزات موسى (ع) كانت مادية تبهر العقول, ظهرت لمن شاهدها آنيا فانتهت بعد وقوعها, فلم يراها الغائبون ولا اللاحقون, بينما كانت معجزة الرسول الأعظم محمد (ص) هي القرآن الكريم الذي يمثل معجزة خالدة على مرور الأيام و الأعوام والعصور, وفي كل مكان ولجميع الأقوام, وهي معجزة فكرية تثير العقول من أجل الإبداع, وله معجزات أخرى ولكنه (ص) لم يتخذها حجة على العباد.
عشرون:
أكد الباحث أكثر من مرة, ضمن دراسته (النجف مرسى سفينة نوح (ع)) بأن التراث المسماري يعد نتاجا بشريا خالصا لا علاقة له بالوحي, وأن التوراة تأثرت بالتراث المسماري, هذا موجز الاتجاه الأول كما سماه, أما الاتجاه الثاني فأنه يعد التراث المسماري في جانبه العقائدي والتشريعي وكثير من النصوص الأدبية تراثا نبويا تعرض للتحريف, وهو يرتبط بنبوة نوح وإبراهيم (ع).
وقد انفتح اليهود أثناء أسرهم ببابل على الثقافة المسمارية البابلية وتأثروا بها. أحيا الله تعالى عزير فأعاد كتابة التوراة والسنن لبني إسرائيل, ولكن اليهود حرفوا كثيرا من الحقائق بعد السبي, وحرفت مرة أخرى بعد عيسى (ع) – بإيجاز ص۳۶, ۳۷ الدراسة أعلاه –
فكيف يمكن عد المعلومات الواردة في هذه المصادر تعبر عن الحقيقة دون مقارنتها بمصادر الفكر الإسلامي؟ فقد اعتمد السيد البدري كتب اليهود المحرفة (التوراة) وكتب الأقوام السابقة في تحديد موقع (مرسى) سفينة نوح (ع) وجعلها كلها تعني الكوفة أو النجف, كما قال بأن عمران, والد موسى وهارون (ع) قد تزوج من عمته, أخت أبيه, اعتمادا على التوراة (الفروق الواضحة: ۱۳).
القرآن الكريم أكد تحريف التوراة والإنجيل, وللسيد الخوئي (البيان: ۶۱- ۶۸) أمثلة منها في الإساءة للأنبياء (ع). وأكد القرآن عدم إمكانية تحريف القرآن, والنصوص في ذلك معروفة, وقد جرت محاولات كثيرة من قبل أعداء الإسلام لتحريف القرآن الكريم ولكنها كلها باءت بالفشل فتم كشفها ومنع تداول المصاحف المحرفة.
لم أجد ضمن ما اطلعت عليه وما سمعته من بعض أساتذة الحوزة في النجف ما يشير إلى زواج عمران, والد موسى (ع), ولكن الظاهر, كما قال البعض بأن الزواج بالعمة كان محرما منذ وقت مبكر قبل موسى (ع), وربما منذ وجود البشر على الأرض.
واحد وعشرون:
جعل الله تعالى رسالة الأنبياء أولي العزم الخمسة, نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (ص), عامة للناس أجمعين بدون استثناء, وجعل شريعة كل نبي لاحق منهم تنسخ شريعة النبي الذي سبقه, كما جعل الأنبياء المبعوثين بعد كل واحد منهم يحكم ويلتزم بما أنزله على النبي الذي سبقه من أنبياء أولي العزم.
فقد أنزل الله تعالى على موسى (ع) شريعة, التزم بما جاء فيها موسى والأنبياء (ع) الذين بعثوا بعده, فكانت هي السائدة والمهيمنة بين بعثتي موسى وعيسى (ع), ثم بعث الله تعالى عيسى (ع) فأنزل عليه شريعة نسخت شريعة موسى (ع), فلا يمكن للنبي عيسى (ع) أن يكون وصيا للنبي موسى (ع), فكانت شريعة عيسى (ع) هي السائدة والمهيمنة, والتزم بها عيسى والأنبياء (ع) الذين بعثوا بين عيسى ومحمد (ص), ثم بعث محمدا (ص) فنسخت شريعته شريعة عيسى (ع), فأصبحت هي المهيمنة على كل الأديان حتى يوم القيامة.
فالوصي يلتزم بأحكام وشريعة النبي الذي أوصى له, كما أكد ذلك الأئمة الهداة (ع) بأنهم أوصياء خاتم الرسل محمد (ص) وهم ملزمون بتبليغ الأحكام الشرعية التي تم منع نسخها أو تغييرها بعد وفاة الرسول (ص), فهم الأمناء الثقاة في تبليغ ما جاء به النبي محمد (ص), وهم غير مخولين بتغيير أي حكم شرعي.
ولا يمنع عدم قيام بني إسرائيل بنشر مبادئ وأحكام اليهودية والنصرانية بين الأقوام والقوميات الأخرى من أن تكون الديانتان عالمية التشريع بأمر إلهي, وأن يكون أتباعهما قد قصروا في واجبهم الشرعي, وأن يكونوا عنصريين ومغرورين ومستعمرين ويعملون من أجل مصالحهم الشخصية.
ثاني وعشرون:
وردت أحاديث كثيرة عن المعصومين (ع) تشير إلى أوجه الشبه بين الإمام المهدي الحجة بن الحسن (عج) وبين بعض الأنبياء (ع), في طول العمر والغيبة والظهور وخفاء الولادة مثلا, فلم أطلع على أي نص يشير إلى تشبيهه بالمسيح عيسى (ع) في أن كلا منهما هو الوصي الثاني عشر لأحد الأنبياء, رغم وجود أحاديث كثيرة تؤكد أن الله تعالى قد رفع المسيح عيسى (ع) إلى السماء وسوف ينزل خلال عصر الظهور فيصلي خلف الإمام المهدي (عج), ويختص المسيح (ع) بفتح بلاد أوربا لأن غالبية سكانها من نفس الدين الذي جاء به عيسى (ع), النصارى. وإن أم الإمام المهدي (عجل) من ذرية وصي المسيح عيسى (ع).
هناك تشابه في ولادة النبي موسى والإمام المهدي (ع), فقد أخفى الله تعالى حمل أم كل منهما لوجود خوف من السلطات الحاكمة في قتلهما, ولكن موسى (ع) تربى عند الحاكم الذي أراد قتله, وتربى الإمام الحجة (عجل) في بيت أبيه الحسن العسكري (ع).
ثالث وعشرون:
رغم كثرة الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله تعالى إلى بني إسرائيل, إلا أنهم استمروا في غيهم وطغيانهم واستكبارهم وقتلهم الأنبياء والمؤمنين والشعوب ظلما وعدوانا.
ولكن رغم عدم إرسال رسل إلى العرب, إلا أن فيهم من بقى على دين جدهم إبراهيم الخليل (ع), سموا بأهل الفترة, كما في (المفصل في تاريخ العرب) للدكتور جواد علي, ومنهم عبد المطلب وعبد الله وأبو طالب وآمنة بنت وهب وفاطمة بنت أسد.
ورغم وجود فرق ومذاهب بين المسلمين اشتركوا مع بني إسرائيل في غيهم وطغيانهم واستكبارهم وقتلهم المؤمنين والشعوب وكل من يختلف معهم في الرأي والعقيدة ظلما وعدوانا, إلا أن الكثرة من المسلمين, وأكثرهم من المؤمنين الملتزمين بأحكام الإسلام, لا يشتركون مع بني إسرائيل بذلك.
رابع وعشرون:
افتخر بنو إسرائيل بقتلهم المسيح عيسى (ع) وقتلوا الكثير من الأنبياء, ورضي الجميع بذلك, وقتل بعض الحكام المسلمين وأتباعهم, أوصياء الرسول (ص) والمؤمنين من شيعتهم, ولكنهم أخفوا ذلك عن الرأي العام أو تنصلوا عن المسؤولية بعد انكشاف أمرهم, كما فعل يزيد الأموي بعدما فضحه الأعلام الهاشمي في عقر داره أمام الذين خدعهم الأعلام الأموي, وذلك بسبب عدم وجود أنصار لأنبياء بني إسرائيل ووجود أنصار كثيرين لأئمة أهل بيت النبوة (ع):
فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ النساء:۱۵۵
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ النساء: ۱۵۷
جاء في كتيب (الفروق الواضحة: ۶- ۷) بأن إبراهيم (ع) قد ولد في مدينة أور من بلاد الحور شمال شرق العراق, استنادا إلى ما جاء في (النبي إبراهيم والتاريخ المجهول) للسيد محمود القمني, ولا نعرف مدى صحة ما ينقله من أحداث تاريخية, ومدى ارتباط ما يقوم به الأتراك حاليا من تقديس للمنطقة بالولادة.
قال الإمام أبو عبد الله الصادق (ع) بأن ولادة إبراهيم (ع) كانت بكوثي ربا, وكان أبوه من أهلها, (الروضة للكليني الرازي), وإن كوثي ربا قرية في العراق وبها مشهد إبراهيم (ع), كما في (مفتاح الكتب الأربعة), ونجد في (فيضانات بغداد في التاريخ: ۱۸۳) خارطة للمواقع الأثرية في وسط وجنوب العراق يظهر فيها موقع (ترس نمرود) جنوب مدينة الحلة.
في الهامش (فيضانات بغداد: ۱۵۴) نقرأ ما موجزه بأن جلجامش, صاحب الملحمة التي سميت باسمه, كان أحد ملوك (اورك) أو (ارك), وتعرف حاليا بالوركاء, وتقع شرق السماوة, وهي من أكبر وأقدم المدن الأثرية في العراق, ويرجع تاريخها إلى الألف الرابع قبل الميلاد.أما جلجامش, فإنه ينسب إلى السلالة الأولى, وحكمه فيها دام (۱۲۶) سنة, ويظهر اسمه كرابع ملك حكم بعد الطوفان.
في ملحمة جلجامش ورد اسم مدينة (شوريباك) الواقعة على شاطئ نهر الفرات (كما في الملحمة), وفي الهامش أنها المدينة التي عاش بها (اوتو نبشتم) وهو النبي نوح (ع) وتعرف أطلالها اليوم باسم (فارة) وتقع على مسافة (۵۰) كيلومترا شمال الوركاء. (فيضانات بغداد: ۱۵۷), وقد بنيت قبل الطوفان, (فيضانات بغداد: الهامش على ص ۱۶۲).
في مجلة (ينابيع: ۶۸- ۸۵/ العدد ۱۲/ حزيران- تموز ۲۰۰۶) استطلاع عن مقام إبراهيم (ع) وصرح نمرود في الحلة, في (ص ۷۵) نقرأ ما يلي: نصت أغلب كتب التاريخ والآثار والبلدان على أن مدينة (كوثي) هي محل ولادة النبي إبراهيم (ع) والتي تعرف اليوم بـ (قرية إبراهيم الخليل) والواقعة ضمنا تحت اسم (آثار برس).
هكذا يظهر واضحا وجود نقاط تشابه واختلاف في سيرة كل من النبيين محمد وموسى (ص), ومسيرة بني إسرائيل وبني إسماعيل, وما التوفيق إلا من عند الله عليه توكلت واليه أنيب.