بعدما انتهت مراسم دفن جثمان السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وبعدما نفض الإمام علي (عليه السلام) يده من تراب القبر هاج به الحزن؛ لفقد بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وزوجته الودود التي عاشت معه الصفاء والطهارة والتضحية والإيثار، وتحمّلت من أجله الأهوال والصعاب، فأرسل دموعه على خدّيه، وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمّ قال:
(السلام عليك يا رسول الله عنّي، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلدي، إلاّ أنّ لي في التأسّي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري، بلى وفي كتاب الله لي أنعم القبول، إنا لله وإنا إليه راجعون.
قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، وأخلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله، أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، وهم لا يبرح من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرّق بيننا، وإلى الله أشكو.
وستنبئك ابنتك بتظافر أُمّتك على هضمها فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلا، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين.
سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين، واه واها والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاما معكوفا، ولا عولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تُدفن ابنتك سرّاً، وتهضم حقّها، وتمنع إرثها، ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر، وإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء، صلّى الله عليك وعليها السلام والرضوان)(۱).
————————
۱- الكافي ۱/ ۴۵۹.
إعداد: مركز آل البيت العالمي للمعلومات / قم المقدسة