- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 3 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
مقدّمة
كانت الكوفة بعد واقعة كربلاء تتحسّس أكثر من غيرها ثقل الذنب ومرارة الندم، باعتبارها طرفاً مباشراً ومسؤولاً في قضية الإمام الحسين(عليه السلام).
فهي التي ألحّت عليه بالخروج إلى أرض الثورة التي تتعطّش إلى قائدها المنتظر، ثمّ تقاعست في أحرج الظروف عن الالتزام بما وعدت به والوفاء بالعهد الذي قطعته على نفسها.
وإذا كانت الأحداث التي تلاحقت بصورة مفاجئة بُعَيد تحرّكه(عليه السلام) من الحجاز قد حالت دون القيام بواجبها وتنفيذ مخطّطها المرسوم، فإنّ ذلك لم يكن ليُخفِّف عنها عمق المأساة؛ لأنّها افتقدت بمصرعه(عليه السلام) الشخصية الأكثر جدارة التي وضعت فيها الشيعة كلّ آمالها وطموحها للوصول إلى الحكم.
تشكيل الثورة
أخذ أنصار الثورة الحسينية، يجتمعون بعد مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) مباشرة في إطار من السرِّية التامّة، وعند الاجتماع يعقدون مناقشات أشبه ما تكون بالنقد الذاتي، وذلك لمحاسبة أنفسهم على التقصير الذي أظهروه إزاء الحسين(عليه السلام)، والتشاور على كيفية التكفير عن الذنب وغسل العار الذي لحق بهم نتيجة هذا التخاذل.
فتزعّم التحرّك الشيعي حينئذٍ خمسة من كبار الزعماء الكوفيين المتقدّمين في السنّ، الذين ارتبطوا تاريخياً بالحركة الشيعية، وهم:
۱ـ سليمان بن صُرد الخزاعي، صحابي جليل كان اسمه يسار، وسمّاه رسول الله(صلى الله عليه وآله) سليمان، وهو من أصحاب الإمام علي(عليه السلام)، شارك معه في حروبه.
۲ـ المُسَيّب بن نجبه الفزاري.
۳ـ عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي.
۴ـ عبد الله بن وال التميمي.
۵ـ رفاعة بن شدّاد البجلي.
وكلّهم من صحابة الإمام علي(عليه السلام) ومن المؤيِّدين له.
فبدؤوا يمارسون نشاطهم في الخفاء، ويبشِّرون بدعوتهم الانتقامية في أوساط الشيعة، بعيداً عن مراقبة السلطة وجواسيسها المنتشرين في كلّ مكان.
وشكّلوا منظمة سرّية نواتها نحو مائة معارض، ولم تلبث حتّى تحوّلت إلى معارضة شيعية كبرى تحمل اسم (التوّابين).
وقد صارت هذه التسمية هي الغالبة على حركة سليمان ورفاقه، منبثقة من الآية الكريمة التي أصبحت شعارهم: )فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقَتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيْمُ((۱).
وكان الاجتماع الأوّل الذي ضمّ هؤلاء قد عُقد في منزل سليمان بن صُرد، وكان أوّل المتكلّمين في الاجتماع المُسيّب بن نجبه، وبعد أن أنهى كلامه بتشديده على توحيد الصفوف، تكلّم بعدئذٍ زعيم آخر هو رفاعة بن شدّاد، فأثنى على ما جاء في خُطبةِ المسيّب، وأوصى باتِّخاذ سليمان بن صُرد زعيماً للثورة.
أهداف الثورة
يمكن تلخيص أهداف ثورة التوّابين بالنقاط التالية:
۱ـ إزاحة الأُمويّين من السلطة في الكوفة وتحويلها إلى قاعدة للحكم الشيعي الذي ينبغي أن يسود في مختلف أقاليم الدولة.
۲ـ أخذ القصاص من المسؤولين ومن قتلة الإمام الحسين(عليه السلام)، سواء الأُمويّين أم المتواطئين معهم.
۳ـ تجسيد فكرة الاستشهاد، وذلك بالتنازل عن الأملاك واعتزال النساء.
۴ـ الإلحاح في طلب التوبة عن طريق التضحية بالنفس.
وانتهى الاجتماع بهذه المقرّرات الحاسمة، واختيار سليمان بن صُرد زعيماً لهم؛ وذلك لسبقه في الإسلام وصحبة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)، وأوثقهم علاقة بالإمام علي وأبنائه(عليهم السلام)، وأرفعهم شأناً في مكانته القبلية.
زيارة قبر الحسين(عليه السلام)
جمع الصحابي الجليل سليمان بن صرد الخزاعي ـ الذي سُمّي أمير التوّابين ـ أنصاره في منطقة النخيلة، في الخامس من ربيع الثاني ۶۵ﻫ، ثمّ سار بهم إلى قبر الإمام الحسين(عليه السلام)، وكان عددهم يقارب أربعة آلاف رجل، فما أن وصلوا إلى القبر الشريف، حتّى صاحوا صيحة واحدة، وازدحموا حول القبر أكثر من ازدحام الحُجّاج على الحجر الأسود عند لثمه، فما رؤي أكثر باكياً من ذلك اليوم، فترحّموا عليه، وتابوا عنده من خذلانه وترك القتال، وتجديد العهد معه(عليه السلام).
معركة عين الوردة
تحرّك القائد سليمان بن صرد ـ بعد زيارة قبر الإمام الحسين(عليه السلام)، وتجديد العهد معه ـ مع جنده قاصدين الشام، فوصلوا إلى الأنبار، ومنها إلى القيارة وهيت، ثمّ إلى قرقيسيا ـ وهي بلدة على مصبّ نهر الخابور في الفرات ـ وبعدها منطقة عين الوردة.
وفي الثاني والعشرين من جمادى الأُولى ۶۵ﻫ، دارت في منطقة عين الوردة رحى الحرب بينهم وبين جند الشام، وأبلى التوّابون بلاءً حسناً، فكان لهم النصر أوّل الأمر، غير أنّ ابن زياد سرعان ما أمدّ جيش الشام باثني عشر ألفاً بقيادة الحصين بن نمير، ثمّ بثمانية آلاف بقيادة شرحبيل بن ذي الكلاع، فأحاطوا بالتوّابين من كلّ جانب، فلمّا رأى سليمان ما يلقى أصحابه من شدّة، ترجّل عن فرسه ـ وهو يومئذٍ في الثالثة والتسعين من عمره ـ وكسر جفن سيفه وصاح بأصحابه: يا عباد الله، من أراد البكور إلى ربّه والتوبة من ذنبه والوفاء بعهده، فليأت إليَّ.
فاستجاب له الكثيرون، وحذوا حذوه، وكسروا جفون سيوفهم، وقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة، حتّى أُصيب زعيمهم سليمان بسهم، فوثب ووقع، وهو يقول: فزت وربّ الكعبة، وحمل الراية بعده المسيّب بن نجبه، فقاتل بها حتّى استشهد، بعد جهود مستمية، وتبعه بقية القوّاد وعدد كبير من المقاتلين، باستثناء رفاعة بن شداد الذي اعترف بالهزيمة وأدرك عدم جدوى القتال، وكانت القيادة قد انتقلت إليه، فأصدر أوامره سرّاً إلى البقية الباقية من التوّابين بالانسحاب والتراجع.
وتمّت عملية التراجع بنجاحٍ تام، وابتعد التوّابون المنسحبون عن ميدان المعركة، وأصبحوا في منأىً عن مطاردة الجيش الأُموي المنتصر، الذي استنكف عن محاولة اللحاق بهم.
وانتهت المعركة إلى جانب أهل الشام، بعد أن ترك التوّابون أمثلة رائعة للبطولة والفداء، التي استمدّت روحها من مواقف الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه(عليهم السلام)، والتي لها صداها في النفوس، وأثرها القوي في التاريخ الإنساني كلّه.
وأخيراً
لا يمكن أن نقول بأنّ هذه الثورة انهزمت أو فشلت عسكرياً؛ لأنّ الفشل والإخفاق لم يكن أمراً مفاجئاً بالنسبة لها.
لذلك توجّه قادتها وأنصارها إلى المعركة، وهم يشعرون في قَرارة أنفسهم أنّهم متّجهين إلى نهايتهم المحتومة، ومحاولين التكفير عن ذنوبهم بالانتقام من قتلة الإمام الحسين(عليه السلام)، أو الموت في سبيل ذلك، فحقّقوا بذلك أهدافهم المرسومة، وكان لهم من النتائج ما أرادوا(۲).
—————————–
۱ـ البقرة: ۵۴٫
۲ـ اُنظر: التوّابون: ۹۵٫
بقلم: محمد أمين نجف