قد جرت السيرة المطّردة من صدر الإسلام ـ منذ عصر الصحابة الأوّلين، والتابعين لهم بإحسان ـ على زيارة قبورٍ ضمنت في كنفها نبيّاً مرسلاً، أو إماماً طاهراً، أو وليّاً صالحاً، أو عظيماً من عظماء الدين، وفي مقدّمها قبر النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله).
وكانت الصلاة لديها، والدعاء عندها، والتقرّب إلى الله، وابتغاء الزلفة لديه بإتيان تلك المشاهد، من المتسالم عليه بين فرق المسلمين، من دون أيّ نكير من آحادهم، وأيّ غميزة من أحدٍ منهم على اختلاف مذاهبهم، حتّى ولد ابن تيمية الحرّاني، فأنكر تلكم السنّة الجارية، وخالف هاتيك السيرة المتبعة. فإذاً دليل جواز الصلاة عند القبور من سيرة المسلمين.
وأمّا حديث ابن عباس: «لعن رسولُ الله(صلى الله عليه وآله) زائرات القبور، والمتّخذين عليها المساجد والسُرُج»(۱)، فالظاهر والمتبادر من اتّخاذ المسجد على القبر هو السجود على نفس القبر، وهذا غير الصلاة عند القبر، هذا لو حملنا المساجد على المعنى اللغوي.
وأمّا لو حملناها على المعنى الاصطلاحي، فالمذموم اتّخاذ المسجد عند القبور، لا مجرّد إيقاع الصلاة، كما هو المتعارف بين المسلمين، فإنّهم لا يتّخذون المساجد على المراقد، فإنّ اتّخاذ المسجد ينافي الغرض في إعداد ما حول القبر إعانة للزوّار على الجلوس لتلاوة القرآن وذِكر الله والدعاء والاستغفار، بل يُصلّون عندها، كما يأتون بسائر العبادات هنالك.
____________________
۱ـ مسند أحمد ۱/ ۲۲۹، سنن أبي داود ۲/ ۸۷، الجامع الكبير ۱/ ۲۰۱، سنن النسائي ۴/ ۹۵٫
إعداد: مركز آل البيت العالمي للمعلومات / قم المقدسة