- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 2 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
من الواضح أن للإنسان في إطلالته على الكون، نوافذ شتى يحسبها مجدية في صياغة الحياة دون غيرها، مع أنها نوافذ مغلقة ضيقة تبقيه خارج الكون والحياة وبعيداً عن الواقع والتاريخ، وفي هذا المجال تبرز قيمة الإسلام كنافذةٍ حقيقيةٍ واسعة يطلّ منها الإنسان المسلم على العالم لا من غيرها .
فالإسلام لم يترك المسلم يتخبط في بحثه العشوائي عن الموقف العملي المناسب الذي يتعيّن عليه أن يتخذه في حياته هذه، بل عيّن له الموقف الواقعي والسلوك المنطقي الصحيح، وطلب إليه أن يلتزمه ويعمل على أساسه، وذلك لأن العالم بالنسبة إلى المسلم من وجهة نظر الإسلام هو الميدان الرحب الذي يجب أن يمارس فيه الإنسان العملية التاريخية الكونية وفق مشيئة الله (عزّ وجلّ)، إذ الكون هو المجال الذي يشكّل ساحةً متّسعة جداً لتجليات الوعي البشري والحرية الإنسانية، وهو المجال الذي يعمل الوعي البشري في إطاره من أجل بناء الحياة والتاريخ، وكل عمل صغير أو كبير، جليل، أو حقير، يقوم به الإنسان المسلم وفق أحكام الإسلام وقوانينه، سيكون له دوره الخاص في عملية التاريخ .
ومن هنا اشتمل الإسلام الحنيف على المناهج والأسس الحيوية التي يجب أن تتبع في حركة بناء التاريخ وصياغة الحياة، وذلك لأن الإسلام ليس ديانة صوفية تحمل الإنسان على أن يتجرّد من الواقع ويرفضه ويتخلص منه، بل الإسلام ديانة ذات صلة حميمة بالواقع، وكذلك التاريخ بالنسبة إلى الإنسان فهو ليس منفصلاً عنه، بل هو متلاحم معه لأنه هو الذي يصنعه ويتحكّم في مجراه ويوجّهه الوجهة التي يريد، فالإنسان في الإسلام هو صانع التاريخ لأنه واعٍ وهو مسؤول عن توظيف وعيه، ولأنه حر وهو مسؤول عن حريته ..
وقد أثمرت هذه الحرية بناء الشخصية السوية العادلة التي قدّمها رسول الله(ص) في يوم الغدير، كأعظم عطية من عطاياه الخالدة للحياة والتاريخ، وهي عطية الإنسان الكامل في شخص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) الذي استحقّ شرف الإمامة والولاية على الأمة والتاريخ بوصفه الإنسان النموذجي الذي لم يمزقه الصراع بين مثله العليا وبين واقعه الحي كما تمزق الكثيرون، ولم يتوقف عن صنع التاريخ حين نُحّي عن مركزه القيادي كما توقف الآخرون ..
وأياً كانت طبيعة الظروف التي اكتنفت مأساة ما بعد علي والغدير إلا أن خصوصية الولاية في مفهوم علي ـ الوليّ ـ أنه استطاع أن يجر التاريخ إلى مشارق ولايته ليدور الحق معه كيفما دار .. وما ذلك إلا لأن ولاية علي(ع) ـ باختصار ـ كانت ولا تزال وستبقى أروع تجربةٍ بشريةٍ لتحقيق العدالة بين الناس ولتكوين مجتمع إنساني متعاونٍ، ولصوغ تاريخ إسلامي مضيء، ولتقديم نموذجٍ فريد لإنسان الحرية الذي يحرّك التاريخ ويصنعه على عين الله ورضاه .