لما حمل الإمام الباقر ( عليه السلام ) إلى الشام ، إلى هشام بن عبد الملك ، وصار ببابه ، قال هشام لأصحابه : إذا سكت من توبيخ محمّد بن علي فلتوبخوه ، ثمّ أمر أن يؤذن له ، فلمّا دخل عليه أبو جعفر ، قال بيده : ( السلام عليكم ) ، فعمّهم بالسلام جميعاً ، ثم جلس .
فازداد هشام عليه حقداً بتركه السلام عليه بالخلافة ، وجلوسه بغير إذن ، فقال : يا محمّد بن علي : لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين ، ودعا إلى نفسه ، وزعم أنّه الإمام سفهاً وقلّة علم ، وجعل يوبّخه ، فلمّا سكت أقبل القوم عليه رجل بعد رجل يوبّخونه .
فلمّا سكت القوم ، نهض ( عليه السلام ) قائماً ، ثمّ قال : ( أيّها الناس : أين تذهبون ؟ وأين يراد بكم ؟ بنا هدى الله أوّلكم ، وبنا ختم آخركم ، فإن يكن لكم ملك معجّل فإنّ لنا ملكاً مؤجّلاً ، وليس بعد ملكنا ملك ، لأنّا أهل العاقبة ، يقول الله عزّ وجل : ( والعاقبة للمتقين ) .
فأمر به إلى الحبس ، فلم يبق رجل إلاّ قام بخدمته وحسن عليه ، فجاء صاحب الحبس إلى هشام ، وأخبره بخبره ، فأمر به فحمل إلى البريد هو وأصحابه ، لكي يردّوا إلى المدينة المنوّرة .