- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 11 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
الغرض من تدوين هذا المقال هو دراسة بعض الأدلة الروائية لأحد أدعياء النيابة، وهو «أحمد بن إسماعيل البصري»، والذي يدّعي أنه من أحفاد الإمام المهدي الحجة بن الحسن العسکري (عليهما السلام) والممهّد لظهوره، کما یدّعي خلافة الإمام بعد رحيله!
سعى احمد بن اسماعيل اثبات مزاعمه من خلال التمسك ببعض روايات المعصومين. ويرى اتباعه ان ما يطلقه من أدلة وبيانات إنما هي امتداد للعلم الإلهي ولا يمكن نقد أيّ منها. لكننا نجد بعد دراسة للأدلة المدعاة أن الرجل قد استند الى روايات غير معتبرة، وتمسك بمصادر غير علمية، وانتهج التقطيع وتحريف المعنى ودلالاته، وعمل على خداع مخاطبيه. وقد ساهمت حداثة مثل هذا التيار في إيران والحاجة الى تحليل علمي مستند الى ما تطرحه هذه المجموعة، أن نعمد الى نقد بعض الأدلة الروائية التي يطرحها الرجل فضلا عن التعريف بشخصيته ومناهجه في التبليغ.
وينتهج المقال طريقة تحليلية- توصيفية، وما حصل من نتائج، تثبت أن الرجل قد نسب الكذب الى الأئمة والتدليس على الاتباع لعدم اطلاعهم بعلم الحديث. كما بحث المقال بعض الادلة المدعاة لإبطال مدعاه خصوصا وأن وصي المهدي وخليفته ينبغي أن يمتاز بالعلم والعصمة.
* المقدمة
تعتبر قضية المهدوية من أهم القضايا الفكرية والروحية التي تحتاج الى بذل عناية خاصة، وأن الخوض في موضوعاتها يحتاج الى دراسة تحليلية دقيقة وإمعان نظر وخبرة تخصصية واعية في مستندات وأدلة ما يطرح على هذا الصعيد.
ومن الواضح أن فكرة المهدوية تركت انعكاسها الجلي على شتى مناحي حياة المجتمع الاسلامي عامة والشيعي خاصة، وكان لها اشراقتها الخاصة على أكثر من صعيد، وتمكنت من استقطاب الكثير من الاتباع والمؤمنين الراسخين بها. وقد ادرك- مبكرا- كل من المنحرفين والامويين والعباسيين مدى انعكاس نظرية المهدوية على إحياء الفكر الاسلامي وتعزيز الثقافة الشيعية ودعم مبدأ التصدي لمنطق الظلم وهيمنة المستبكرين مما يتعارض مع أهداف الحكّام ورغباتهم الدنيوية التي شيّدوا أساس حكمهم فوقها. من هنا- وبعد أن عجزوا عن القضاء على نظرية المهدوية مباشرة او بوسطة وكلائهم من العملاء- بذلوا وما زالوا قصارى جهدهم لتدمير هذه الثقافة وتشويه صورتها ومنع استمراريتها ودينامياتها.
وللأسف، فإن جهل بعض الاصدقاء والمقربين من أبناء الدين إسلامي ساعد في سكب الوقود في ماكنة الاعداء والخصوم وسهل لهم أمر مهتمهم التشويهية هذه.
ومن هنا يفرض الواقع الموضوعي على الباحثين والمهتمين بالشأن الاسلامي والإيماني دراسة أبعاد المهدوية دراسة حصيفة تستند الى الدليل المحكم والبرهان الناصع لايصاد الباب أمام تعكير صفوها، والوقوف بوجه عملية التشويه التي تطالها، والأضرار الناجمة عن الجهل وسوء معاملة المشعوذين والانتهازيين والإبقاء عل نقائها ناصعا في ضمير المؤمنين وجذوتها متقدة في نفوس الأحرار الطامحين بتحقيق غدٍ إنساني رغيد والإرساء بسفينة الإنسانية الى ساحل الأمن والخروج بها من ظلمات بحر الخرافة المتلاطم الى دائرة النور الإلهي.
بالتأكيد أن تطور المنهج العلمي والمعرفي للمجتمع الاسلامي وعرض القضايا الدينية بموضوعية ومنطق سليم يستند الى قواعد واسس محكمة ومعايير علمية رصينة، وانتشار ثقافة الحوار والسؤال في الوسط الاجتماعي، كل ذلك سيؤدي في نهاية المطاف الى سحب البساط من تحت أقدام المخادعين والمشعوذين ومدعي المهدوية زورا، والحدّ من ظهورهم على الساحة بنحوٍ ما. هذا من جهة.
ومن جهة اخرى إن المسؤولية ملقاة على عاتق العلماء والمفكرين والمختصين بالشأن المهدي من أبناء المدرسة الشيعية بان يبذوا قصارى جهودهم لنشر الثقافة المهدوية الناصعة والبعيدة عن الخرافة والتجهيل وإزاحة غبار الفتنة عن عقول الجماهير الاسلامية (انظر: الكافي، ج 8، ص 55)، وأن على الجماهير اتباعهم والاخذ منهم معالم دينهم والانتهال من نمير علمهم الصافي في المعارف الالهية والدينية.(انظر: الطبرسي، ج 2، ص458).
نحاول في هذه المقالة وبعون الله تسليط الأضواء على زاوية من الأدلة التي ساقها أحد مدعي النيابة عن الإمام المهدي، المدعو أحمد البصري، علما أننا شهدنا أن بعض الدراسات النقدية لهذه الحركة وبسبب حداثة القضية وندرة المصادر التي تساعد في معرفة جميع أبعادها أدى في نهاية المطاف الى إعطاء نتائج عكسية وتوفير مادة جيدة لأتباع اليماني المذكور في تعزيز موقفهم وتوجيه سهام نقدهم الى تلك النقود الضعيفة، من هنا نرى من الضروري تسليط الاضواء- وباختصار- على هذه الشخصية وحركتها وطبيعة الداعمين والمؤدين لها.
* إطلالة على السيرة الذاتية لأحمد البصري (أحمد الحسن)
ولد أحمد بن إسماعيل في إحدى المناطق التابعة لمحافظة البصرة العراقية، وأنهى العقود الثلاثة الاولى من حياته في مسقط رأسه مواصلا دراسته الاكاديمة حيث نال شهادة البكلوريوس في الهندسة المدنية.
التحق أواخر عام 1999 م وهو في التاسعة والعشرين من عمره بالحوزة العلمية لدراسة العلوم الدينية بالنجف الاشرف بأمر من الإمام المهدي حسب زعمه. بعد الفراغ من الدراسة الأكاديمية، ولكنه صرّح أن التدريس في الحوزة في النجف يعيش خللا علميا ومنهجيا وأنّ التدريس متدنٍ، فهم يدرسون اللغة العربية والمنطق والفلسفة وأصول الفقه وعلم الكلام والفقه، ولكنّهم لا يدرسون القرآن الكريم أو السنة الشريفة أبداً ، وكذا فإنّهم لا يدرسون الأخلاق الإلهية التي يجب أن يتحلّى بها المؤمن، فقرر الاعتزال.
وعن ذهابه الى النجف يقول: إنّي رأيت رؤيا بالإمام المهدي، وأمرني فيها أن أذهب إلى الحوزة العلمية في النجف، وأخبرني في الرؤيا بما سيحصل لي، وحدث بالفعل كل ما أخبرني به في الرؤيا. في عام 1424 هـ ادعى بان الإمام المهدي أمره بالإعلان عن دعوته، وفي الثالث من شوال زعم أنه مأمور من قبل الإمام المهدي بإعلان الثورة على الظالمين، والإسراع بترتيب الامور وتنظيمها. (انظر لمزيد الاطلاع: قسم التحقيقات والبحوث… ، بدون تاريخ- (أ): 36؛ الزيادي، 1432: 131؛ البصري، 1431: ج 1- 3، 173)
أطلق عليه أتباعه ومريدوه اسم أحمد الحسن، مستندين في ذلك الى رواية جاء فيها: وَيُسَمِّيهِ بِاسْمِ جَدِّهِ رَسُولِ اللَّهِ وَيُكَنِّيهِ، وَيَنْسُبُهُ إِلَى أَبِيهِ الْحَسَنِ الْحَادِيَ عَشَرَ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. (الخصيبي، 1419: 397)، بادعاء ان ينتمي بنسبه الى الإمام الحسن العسكري ومنه الى الإمام الحسين (عليه السلام) (البصري، بدون تاريخ، ص 60) وهذا ما نتعرض لنقده لاحقا. وقد قام المدعو (أحمد الحسن) وأنصاره بإعداد شجرة نسب يؤكدون فيها ذلك، حيث ورد في شجرة النسب المزيفة له، أنه: «أحمد بن إسماعيل، بن صالح بن حسين بن سلمان، بن محمد (الإمام المهدي)، بن الحسن العسكري، بن علي بن محمد بن على بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي السجاد ابن الحسين بن علي بن أبي طالب».
فيما يذهب شيروان الوائلي الوزير السابق للأمن الوطني العراقي وجماعة من كبار طوائف البصرة أن الرجل ينتهي نسبه الى بيت الهمبوشي أحد بيوت “البوسويلم” والتي لا تنتهي بحال من الاحوال الى السادة الاشراف. (انظر: الموقع الإلكتروني لصحيفة الشرق الاوسط، تقرير جاسم داخل: «التيار المهدوي، يقسم العراقيين بين رافض لطروحاته ومتفهم لها»).
* موقف العلماء من أحمد البصرى وردة فعله
بعد أن كشف البصري عن دعوته يساعده في ذلك طائفه من اتباعه بنشر ما يروج لهذه الدعوة من الكتب والكراريس مطالبين مراجع التقليد وعلماء العراق ومفكريه بمبايعته والسير تحت لوائه، عمد الاعلام الى رصد أدلة الرجل ومعرفة طبيعة مستنده الذي لا يقوم على أسس موضوعية فاعلنوا رفضهم وتفنيدهم لهذه الفرية من خلال الكتب والمقالات التي سلطت الاضواء على مكامن الخلل وبيّنت مراكز الانحراف لتلك الحركة المزيفة.
والجدير بالذكر أن انصار البصري لصقوا تهمة العمالة لأمريكا بسماحة آية الله العظمى السيد السيستاني الذي يقود سفينة التشيع في العراق في هذا البحر المتلاطم من المشاكل والامواج العاتية التي تحيط بهذه السفينة!!!
كذلك اعتمد اليماني المزعوم المنهج الوهابي في تخريب وتفكيك عُرى البيت الشيعي والحوزات العلمية التابعة لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام). ومما يثير العجب أن الرجل واتباعه اعتبروا تجاهل كبار الطائفة لهم وعدم اعتنائهم بهذه الحركة المشبوهة دليل حقانيتها في مغالطة يعرفها أدنى من سبر البحث العلمي وخاض في قواعد وأصول المعرفة.
* نشاط أتباعه ومريدية
قام أتباعه الذين يسمون أنفسهم “بأنصار الإمام المهدي” بنشاطات واسعة لنشر دعوته والتبليغ لافكاره مستخدمين الفضاء الإلكتروني وشبكات الإنترنت، ومن خلال إنتاج برامج ترويجية كالافلام الوثائقية “الظهور”، ونشر الكتب والمقالات التي تدعو للحركة والتي تكفلت بنشرها دور نشر تابعة لأحمد بن الحسن المعروفة “باصدارات الإمام المهدي”، فضلا عن التبليغ المباشر في المحافل الخاصة والعامة، بما في ذلك المدارس والشوارع والساحات العامة والجامعات، والمشاركة في معارض الكتاب في فرانكفورت وبغداد في عام 2012م، وإنشاء مؤسسة إذاعية (راديو)، ونشر مجلة شهرية (الصراط المستقيم) تعنى بالترويج للحركة فضلا عن اسبوعية المنجي الالكترونية.
* نماذج من مزاعم البصري
1ـ ادعاء انتهاء نسبه وبأربع وسائط الى الإمام المهدي الحجّة بن الحسن العسكري عليهما السلام.
2ـ ادعاء انه اليماني وأنه الممهد لظهور الإمام عليه السلام.
3ـ أنه أول الممهديين الاثني عشر الذين يستلمون الحكم بعد الإمام المهدي الحجّة بن الحسن العسكري (عليهما السلام).
4ـ ادعى لنفسه العصمة والعلم ووراثة أهل البيت عليهم السلام (انظر: قسم التحقيقات…، (أ): 30).
5ـ أنه شبيه عيسى (عليه السلام) الذي فداه من الصلب فقتل دونه. وانه كان مع جميع الانبياء الماضيين. (البصري، 2010 (أ): ج 1- 4، 299).
6ـ أنه دابة الأرض التي تكلم الناس في آخر الزمان، مدعيا بأنه المصداق الثاني لـ”دابة الارض” المذكورة في الآية المباركة، وان مصداقها الاول الإمام علي (عليه السلام) كما صرحت بذلك الاحاديث المروية، والتي تظهر عند الرجعة، فيما يخرج هو في آخر الزمان وقبل رجوع الإمام علي (عليه السلام). (نفس المصدر: 235).
7ـ ادعى أنّه من الثلاثمئة والثلاثة عشر من أنصار الإمام المهدي (عليه السلام).
8ـ أنه صاحب راية رسول الله مستدلا على ذلك بانه مكتوب على رايته “البيعة لله”. قسم التحقيقات- (أ): 25).
9ـ يرى بان دراسة كل من اصول الفقه، الفلسفة، المنطق، الرجال ودراية الحديث بدعة. (نفس المصدر: ص 37)
10ـ حرّم تقليد المراجع وانه هو المرجع الذي يجب تقليده حصرا. (البصري، 2010 (أ): ج 1، 101).
11ـ يحترم من المراجع الإمام الخميني والشهيد محمد محمد صادق الصدر صاحب موسوعة الإمام المهدي، الأمر الذي لم يهضمه مريدوه ولم يذكروا سببه. (البصري، 1431: ج 1- 3، 48،76، 315).
12ـ يدّعي في حق نفسه مقامات ومراتب يبرهن عليها بالرؤى والأحلام، ويطلب من الآخرين الاستخارة من أجل الايمان به وتصديقه.(المصدر نفسه: ص 9)
13ـ وقوع الرجعة بعد حكومة المهديين الإثني عشر وأنه أول هؤلاء المهديين.
14ـ أعلن تاييده لما جاء في اصدارات انصار الإمام المهدي والموقع الرسمي المعروف بالأنصار، وان كل ذلك يمثل ملاك دعوته. البصري، 2010 (باء): 29؛ نفس المصدر، 2010 ج: 25؛ نفس المصدر، 1431: ج 4- 6، 527 و 583).
* نقد وتحليل ما يسوقه أحمد الحسن واتباعه من أدلة
شهدت الساحة العلمية العديد من الكتب والكلمات الناقدة لهذه الحركة يقع في مقدمتها كتاب “دعوة أحمد الحسن بين الحق والباطل”، والجدير بالذكر أن نقد ما يستند اليه هذا الرجل في تعزيز مدعاه يتمّ إما من خلال استعراض جميع الأدلة التي ساقها هو أو أتباعه ووضعها على طاولة النقد والتحليل، وإما أن يصار الى اختيار نماذج من تلك الادلة لتحليلها ونقدها، وهذا ما نختاره في هذه المقالة لعدة اسباب موضوعية؛ بما فيها أن الهذر من القول طريقة اعتادها مدّعو الانتماءات الكاذبة والأفكار المنحرفة، وخلط الغث بالسمين والتحليق مع الخيال وبناء هيكل من الأفكار الموهومة لإثبات مدعاهم.
ومن هنا على الناقد الحيطة والإمساك بأدوات النقد العلمي واعتماد سبل الحوار الصحيحة لكي لا يقع في شراك هؤلاء الدجّالين، ولا ينفق سنيّ حياته في رصد أدلة هؤلاء المشتتة، ومن جهة أخرى هناك الكثير من الأعلام ممن تابع أدلتهم وناقش مستندهم الامر الذي أغنانا عن متابعة جميع ما طروحه من أدلة والخوض في غمار أبحاث لا نرى جدوى من التعرض لها من قبيل شرعيّة إعطاء الخمس الى الفقهاء في زمن الغيبة، وحقّانية البحث السنديّ للروايات واعتماد قول علماء الرجال، والخوض في شرعية بعض العلوم كالمنطق والفسلفة، ومباحث الرجعة و… .
والجدير بالملاحظة هنا أنه من السهل اثارة الشبهة في القضايا الدينية وغيرها، الا ان ازالتها والاجابة عن الاسئلة المثارة ومحو آثارها العالقة في ذهن المخاطب تحتاج الى رصيد علمي وممارسة حوارية وفكرية جيدة واعتماد خطوات منهجية قائمة على أسس علمية رصينة، الامر الذي يحتاج الى متسع كبير من الكبير لا يمكن استيعابه في هكذا مقالة محدودة. من هنا نحيل القارئ الكريم الى الكتب والمصنفات التي دونت حول هذا الموضوع (انظر على سبيل المثال: ترابي، 1387: 35؛ الحسيني القزويني، 1430: ج 1، 371 و ج 2، 580).
المبرر الآخر لاعتماد المنهج الثاني، هو أن أحمد الحسن لما زعم بأنه معصوم من الخطأ وأنه يملك علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المصون من أي زيف أو زلل، فما هنا يكفي تفنيد بعض ما يسوقه من أدلة وبيان الكذب فيها، لاثبات زيف هذه المزعمة وقلع جذورها بلا حاجة الى استعراض كافة الادلة التي استند اليها.
ويمكن للمتابع لطبيعة الادلة التي يستند اليها هو واتباعه يجد أنهم يعتمدون مجموعة من الادوات في خداع الآخرين يمكن توزيعها على ثلاثة محاور: إعتماد الروايات الضعيفة والموضوعة، تقطع النصوص، وتحريف المعنى، وسنشير الى نماذج من ذلك من خلال مطاوي البحث.
إعتماد الروايات الضعيفة والموضوعة
واحدة من المشاكل في مجال الموضوعات وجود كم من الروايات التي دستها يد الجعل والوضع لتحقيق مصالح مذهبية، ووجود روايات ظهرت في المصنفات المتأخرة، حيث يجد الباحث الكثير من تلك الروايات التي لا تفتقد الى المستند الشرعي والعلمي لاثبات حقانيتها وحسب بل الشواهد قائمة على كذبها وأنها من نتاج يد الوضع والتزوير. الّا أن هذه الروايات والاحاديث المبثوثة في التراث الاسلامي أصبحت مادة خصبة ومنهلا ثريا للكذابين والمحرفين وأصحاب البدع ومدعي المهدوية زيفا، فعلى سبيل المثال نجد الدعاة الاسماعيليين ولتعزيز ونشر بدعة مهدوية عبيد اللة المهدي في أفريقيا قاموا واستنادا الى بعض الروايات المنسوبة الى أهل البيت (عليهم السلام) المبشرة بظهور المهدي في المغرب العربي، بوضع العديد من الروايات والاحاديث التي تؤيد هذا المدعى، مبشرين بظهوره في الفترة التي هيمن فيها الفاطميون على شمال أفريقيا، من قبيل ما نسبوه الى الإمام الهادي (عليه السلام) أنه بشر بأنه مفرّجٌ عنهم بعد أربعين سنة وسيصرف الله عنهم البلاء.
وقد عمد المبشرون الاسماعيلون لجذب البربر والبدو الى المهدوية، لوضع العديد من الأحاديث المبشرة بظهور المهدي في الوسط الشيعي، والتي يؤكد أكثرها على ظهوره في المناطق النائية وفي أطراف العالم الاسلامية كالزاب في أفريقيا والسوس في المغرب. (انظر: عرفان، 1388: 145؛ وانظر: جعفريان، 1391: 30 و 39).
ولم يتخلف أحمد البصري عن هذه القافلة حيث وجد في هذا الصنف من الموضعات ضالته المنشودة لتعزيز دعوته، رغم وهن تلك الاحاديث وهشاشة قيمتها العلمية، منها:
ألف) الحديث النبوي المؤشر للملك فهد بن عبد العزيز
نقلوا عن مسند أحمد عن النبي: يحكم الحجاز رجل اسمـه علی اسم حيوان إذا رأيته حسبت في عينه الحول من البعيد وإذا اقتربت منه لا تری في عينه شيئاً، يخلفه له أخ اسمـه عبد الله، ويل لشيعتنا منه -أعادها ثلاثاً- بشروني بموته أبشركم بظهور الحجة. (الطباطبائي الحسني، 1429: 137).
وفي معرض استدلالهم بالحديث قالوا: فهد اسم يطلق على أحد انواع السباع المعروفة، وقد توفي الملك فهد عام 2005 م فتسنم الحكم من بعد أخوه عبد الله وفقا للعرف السائد في الوسط السعودي من انتقال الحكم من الاخ الى أخيه خلافا للمتعارف في الحكومات الوراثية حيث تنتقل السلطة من الأب الى الابن، وفي الحديث إشارة- حسب المزعمة- الى مصداق واضح وبارز في الخليفة السابق بأن اسمـه علی اسم حيوان وإذا رأيته حسبت في عينه الحول من البعيد وإذا اقتربت منه لا تری في عينه شيئاً، يخلفه له أخ اسمـه عبد الله. (انظر قسم التحقيق…، بلا تاريخ، (أ): 11).
وقد اعتمد أحمد البصري على هذه الرواية للتيرويج لفكرة كوننا في مشارف عصر الظهور وأننا نعيش إرهاصات ظهور المنجي، فلا بد من أن يكون ظهور المهدي أو وصيّه أو رسوله قد شارف على الاقتراب، أو ظهر أمره. (الزيادي، 1432: 18؛ قسم التحقيقات… – (باء): 16)، وقد صرح الشيخ حيدر الزيادي بان الرواية المذكورة تشير الى تحقق علامات ظهور أحمد البصري وبدوّ ارهاصات تحقق ظهور الإمام المهدي. (الزيادي: ص 17).
مصدر الرواية:
الملاحظ من خلال استعراض مؤلفات مريدي واتباع أحمد البصري أن أول مصدر ظهرت فيه الرواية هو كتاب “مائتان وخمسون علامة حتى ظهور الإمام المهدي” لـ محمد علي الطباطبائي الحسني، وأنك لا تجد أثرا للرواية في مسند أحمد بن حنبل وسائر المتون الحديثية الشيعية والسنية، ولم يشر اليها أحد من الباحثين والمحققين من قبل، حتى أن الطباطبائي الحسني نفسه الذي دونها في كتابه اعترف هو الآخر بانه لم يعثر على مصدر ذكرت فيه الرواية، ومصرحا بانه لم يتثبت من نسبتها الى مسند أحمد بن حنبل، حيث قال: هذا الخبر نقله إليّ احد الفضلاء المطلعين!!!.(الطباطبائي الحسني، ص 137).
والعجيب أن الخديعة انطلت على أحمد البصري صاحب العلم الالهي المزعوم والمتبحر بعلوم أهل البيت، وانه لم يدرك أنها من المجعولات التي الصقت بالنبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن لا أثر لها في مسند أحمد وغيرها من المصادر الروائية.
وأما وجودها في كتاب “مائتان وخمسون علامة حتى ظهور الإمام المهدي” فلا يضفي عليها شيئا من الاعتبار، وذلك ان الكتاب نفسه لم يعد من المصادر الروائية المعتبرة فحسب، بل هناك قرائن ومؤشرات تشي بهزالته وان صاحبه لم يعتمد فيه أسس ومقومات البحث الموضوعي والعلمي الرصين، من قبيل نزعته التطبيقية المفرطة، وان كانت على نحو الاحتمال من قبيل تطبيق حديث ” الجهجاه” على محمد رضا البهلوي، مبررا ذلك بان الكلمة جهجاه هي في الحقيقة اشارة الى شاهنشاه قائلا بان الجيم بالنقاط الثلاث تعني شاهنشاه التي تعني ملك الملوك. ومن مؤشرات الضعف العلمي للكتاب تحديده الاحتمالي لزمن ظهور الإمام (نفس المصدر: 205).
وطرح بعض الكلمات والخطب وتسويقها على انها احاديث والتي لا يوجد ما يناظرها في المصادر الحديثية ولم ترد في اي مصدر قبل عصر المشروطة الساخن بالتطبيقات على عصر الظهور حسب تعبير الشيخ رسول جعفريان (خبرآنلاين، رسول جعفريان: «بازار گرم تطبيق علايم ظهور در مشروطه [السوق الحار لتطبيق علائم الظهور في زمن المشروطة]»)، ومنها اعتماد مفردة ” طهران” والاشارة الى خصائص قصور طهران والنساء الطهرانيات الواردة في رواية منسوبة الى الإمام الصادق عليه السلام (المصدر: ص 146)، فضلا عن استناده الى مصادر غير معتبرة في الشأن المهدوي من قبيل كتاب نوائب الدهور، بيان الائمة للسيد مهدي النجفي، وقائد الإمامية للسيد إبراهيم الزنجاني و….(انظر: العاملي، ص 1424).
علماً أن الطباطبائي الحسني يشير في مقدمة كتابه هذا الى أن الاحاديث الحاكية لأمور الغيبة الكبرى لا يشترط فيها الثبوت ولا الأسانيد الصحيحة لانها ليست بتكاليف وجوب ولاحرمة (انظر: مائتان علامة: ص 4)، ومن هنا تراه يذكر الاعاجيب المنسوبة الى اهل البيت عليهم السلام، ويختم كتابه بانه من انصار الإمام عليه السلام لرؤيا رأتها أمّه، وأنه سيدرك ظهور الإمام عليه السلام. (نفس المصدر: ص 202).
مضمون الحديث:
لن يجد المتأمل في متن الرواية أيّة اشارة الى ما يدعيه أحمد البصري، وليس فيها إلا عمومات تبشر- حسب الرواية- بظهور حجّة ما، ولكن ليس فيها ما يشير بحال من الاحوال إلى انطباقها على البصري وأتباعه.( انظر: خطاب، ص 34)، فما هو المبرر الموضوعي لتطبيق عنوان “الحجة” عليه!!، ومن جهة أخرى أن الرواية تقول (يخلفه له أخ اسمـه عبد الله، ويل لشيعتنا منه أعادها ثلاثاً بشروني بموته)، وهي صريحة الدلالة وفقا لقواعد اللغة العربية وعود الضمير الى اقرب الاسماء، بان الضمير يعود الى عبد الله ، وان البشارة تاتي بعد موته لا موت أخيه فهد. وهذا ما اشارت اليه رواية الشيخ الطوسي التي حصرت البشارة بموت عبد الله من دون اشارة الى شخص فهد.
وعليه لابد من الاشارة الى أن أحمد البصري يكون قد أعلن عن دعوته قبل تحقق موعدها وتوفر شرطها، وكان عليه – على فرض التسليم بالرواية- أن يصبر حتى ينقضي حكم الملك عبد الله.
ب) رواية خلع حاكم مصر
روي عن علي عليه السلام أنه قال: … صاحب مصر علامة العلامات و آيته عجب لها إمارات، قلبه حسن و رأسه محمد و يغير أسم الجد، إن خرج من الحكم فاعلم ان المهدي سيطرق أبوابكم، فقبل أن يقرعها طيروا اليه في قباب السحاب (الطائرات) أو أئتوه زحفاً و حبواً على الثلج؛ (داود، بدون تاريخ – الف: 412)
تدعي هذه الجماعة أن المعني بهذه الرواية هو الرئيس المصري “محمد حسني سيد المبارك)، الذي اسمه محمد ووسطه حسن ومع حذف اسم جده “سيد” يسمى محمد حسني مبارك، ومع خلعه من الحكم تكون العلامة قد تحققت وان الإمام المهدي على اعتاب الظهور وقد طرق ابوابكم وهو أحمد البصري. (قسم التحقيقات….، بدون تاريخ، (أ): 11)
مصدر الرواية:
ينسب اتباع البصري على صفحات مواقعهم الالكترونية ومصادرهم التبليغة الرواية الى كتاب “ماذا قال علي عن آخر الزمان” تأليف السيد علي عاشور، والحال أن أقدم مصدر تعرض للرواية هو كتاب ” المفاجأة، بشراك ياقدس” لمحمد عيسى داود. ويشترك المصدران في نقطة واحدة وهي انهما لم يشيرا الى المصدر الأم والمعتبر الذي استقيا منه الرواية، ومع الاخذ بنظر الاعتبار كون المؤلفين من المعاصرين وان الفاصلة الزمنية بينهما وبين أمير المؤمنين (عليه السلام) بعيدة جدا، وأنهما ينقلان عنه بالواسطة ومن خلال المصادر الاخرى، فان الموضوعية تقتضي الإشارة الى تلك المصادر لتكتسب الرواية قيمتها العلمية وحجيتها في الوسط المعرفي.
ـــــــــــــــــــــ