- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 5 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
عندما يتأمل المتأمل في حياة الإملم موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام يجد بأن حياته كانت مليئة بالمحن وبالبلاءات التي بعضها بل جلها أعاقته عن مواصلة ريادة الدور الرسالي المباشر في الأمة حيث كانت تلك الفترة معتمة كاتمة نتيجة الظلم والإرهاب التي فرضته السلطة العباسية على الإمام وحركته الإسلامية الجهادية مما جعل الدور الحركي للإمام في توجيهه لشيعته وللمؤؤسات الشعبية التابعة لمذهبهم تخضع تحت رقابة شديدة وهذا الضغط السياسي أدى بهذه القواعد ألموالية أن تستخدم في طريقة عملها وارتباطها بالإمام المعصوم عليه السلام التقية المغلظة في كل الأعمال والخطوات وذلك مما ينم عن سلوك مماليك الإرهاب الذين كاانوا ولايزالوا يحملوا تلك العقلية المتشنجة المتصلبة ضد أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم وشيعتهم على مدى مختلف الأزأمنة والعصور..
شخصية الإمام الكاظم عليه السلام
اتصفت شخصية الإمام الكاظم عليه السلام بالحلم وكظم الغيظ وهي ملكة قل أن تجدها في أي شخصية تمارس ضدها الضغوط السياسية في أي عالم من العوالم حيث من المعهود أن الجبابرة والطغاة يمارسوا الإذلال المباشر وغير المباشر لإثارة المؤمن لكي يزلقوه في مزالق ومتاهات شيطانية وهذا الدور الشائن مارسه الطاغية هارون الرشيد مع الإمام الكاظم عليه السلام إلا أن شخصية الإمام لم تكترث ولم تتأثر بالإرهاب النفسي والضغط السياسي والممارسات اللاأخلاقية التي مارسها خصمه لأجل إثارته.
وهذا مما جعل الرشيد في فترة من الفترات يتعامل مع شخصية الإمام(ع) العملاقة القوية بنوع من الشفافية والجب والإغراء مما أخذ يطلق مسميات تلفت جلسائه والمقربين إليه في بلاطه لعظمة تلك الشخصية فمرة يقول عن الإمام العابد الصالح ومرة أخرى يقول فيه راهب آل محمد ورغم كل هذ المسميات التي كان يتحابى بها إلا أن كل محاولاته الشفافة الماكرة باءت بالفشل وهذا دليل واضح على أن الإمام موسى بن جعفر(ع) كانت شخصيته لاتثيرها ثائرة ولا تهزها الإغراءات والهزائز نتيجة لماكانت تتصف به من ملكة الإطمئنان النورانية وكظم الغيظ الذي هو سيد الأخلاق ..
فكان كظم الغيظ والحلم من خصائصه ومقوماته عليه السلام، وقد أجمع المؤرخون أنه كان يقابل الإساءة بالإحسان، والذنب بالعفو، شأنه في ذلك شأن جدّه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وقد قابل جميع ما لاقاه من سوء وأذى، ومكروه من الحاقدين عليه، بالصبر والصفح الجميل حتى لقب بالكاظم وكان ذلك من أشهر ألقابه.
ومن ظواهر شخصيته الكريمة هي السخاء، وإنه كان من أندى الناس كفاً، وأكثرهم عطاءً للمعوزين. لقد قام الإمام موسى (عليه السلام) بعد أبيه (عليه السلام) بإدارة شؤون جامعته العلمية التي تعتبر أول مؤسسة ثقافية في الإسلام، وأول معهد تخرجت منه كوكبة من العلماء وقد قامت بدور مهم في تطوير الحياة الفكرية، ونحو الحركة العلمية في ذلك العصر، وامتدت موجاتها إلى سائر العصور وهي تحمل روح الإسلام وهديه، وتبث رسالته الهادفة إلى الوعي المتحرّر واليقظة الفكرية، لقد كان الإمام موسى () من ألمع أئمة المسلمين في علمه، وسهره على نشر الثقافة الإسلامية وإبراز الواقع الإسلامي وحقيقته.
دورالقدوة في حياته عليه السلام
كان في المدينة يحمل الذهب والفضة، والتمر في كل ليلة، ويمر بها على بيوت المساكين، وهم لا يعرفونه (عليه السلام).. وهذا ديدن الأئمة جميعا، فرغم عطائهم العلمي، وانشغالهم في جوف الليل بعبادتهم، التي لا نعلمها نحن، كانوا لا يتركون أمر الأمة.. بل كانوا يغذونهم: علما، وعملا، وطعاما ، وغير ذلك .. فقد كان بإمكانه أن يكلف خادمه بحمل التمر والخبز، ولكن أبى إلا أن يحملها بنفسه.. لكي يضع سنّة في مواليه وأحبائه: أنه من صفات المؤمن الموالي أن يفكر في شؤون الأمة، والمستضعفين، والفقراء، والمساكين.. ويباشر بنفسه تمويلهم.
كان يلقب بزين المجتهدين في المدينة، وكان أحفظهم لكتاب الله الكريم.. فمن أراد أن يكون جعفريا وموسويا بصدق، عليه أن يقتدي بموسى بن جعفر(عليه السلام) ، وعليه أن يتأسى بفعله وعمله وجهاده ومقاومته للظلم وللظالمين وأن يجتهد في أن يقتبس من صبره على الطاعة والعبادة الهادفة …
الإمام (ع) يؤثر ولا يتأثر
ومما يروى إن هارون الرشيد أنفذ إلى الكاظم جارية حصيفة، لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجن او لكي تغريه وتوقعه في الريبة ، وإذا بها تتحول إلى عابدة، ترتمي على الأرض ساجدة وهي تقول: (قدوس سبحانك سبحانك)!.. فما زالت كذلك حتى ماتت وكانت قد سئلت: ما شأنك؟.. فقالت: نعم، هكذا رأيت العبد الصالح.. إن وجوده أثر في هذه الجارية، فحولها إلى عابدة تلهج بذكر الله تعالى.. فإذن، إن أحدنا، يجب أن يكون له دور تغيري في نفوس من حوله، في هذا المجتمع الذي يعيش فيه حيث أن الفاعلية والهدفية تقتضي أن المؤمن إذا كان في أجواء فاسدة أو مغرية المطلوب منه أن يؤثر ولا يتأثر من التيارات المنحرفة والفاسدة وها الدرس العملي نتعلمه من حياة الإمام الكاظم عليه السلام ..
ومثال آخر يدلنا على قوة تأثير الإمام عليه السلام على رموز التيار المنحرف هي قصة بشر الحافي التي فيها نقاط جميلة يجدر أن تعرض بشيئ تحليلي يسير منها ولك لأخذ العظة والعبرة:
أولا: لقب بشر بالحافي، لأنه تبع الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) حافيا عندما تاب.
ثانيا: ويقال بأنه سمي بذلك، لأنه كان يستحي أن يمشي على بساط ربه منتعلا.. فالله تعالى يقول: (َاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا)
ثالثا: إن الإمام (عليه السلام) لم يواجه بِشرا، ولم يتكلم معه، ولم يتجلى لبِشر كما تجلى للجارية في السجن.. ومع ذلك فقد أثرت الكلمة أثرها، بحيث قُلب بِشر إلى رمز في الزهد في تاريخ المسلمين.. فالإمام لم يذكره بجهنم، ولم يرغبه بالجنة.. بل قال له: أنت عبد لله عز وجل، وعلى العبد أن يمتثل أمر المولى، إلا أن ينكر مولوية المولى..
ومن هنا فقد علّمنا الإمام (عليه السلام) درسا، وهو: أنه علينا أن نحارب المنكر محاربة جوهرية.. والله تعالى يبارك في كلام الصادقين، فالإمام موسى (عليه السلام) إمام صادق، لذا فإن فعله غيّر الجارية بالمباشرة، وقوله بالوساطة غيّر بِشرا.. والمؤمن كذلك إن كان صادقا عليه أن يتصف بهذه الصفة الجوهرية وهي التمسك بكلمة المعروف ويصدع بها في موقعها المناسب وفي ظرف الزمان والمكان الذي يؤهل ويشجع الطرف الشاذ والمنحرف على التغيير وهذا هو جوهر القضية وخلاصة ثمرة الجهد والجهاد في سبيل إسناد المسيرة الإصلاحية في الأمة .
الصبر على الطاعة رغم البلاء
كان إمامنا الكاظم عليهالسلام بالرغم على ما ألمّ به من ظلم واضطهاد إلا أنه من أعظم الناس طاعة، وأكثرهم عبادة لله تعالى، حتى بهر هارون الرشيد بما رآه من تقوى هذا الإمام وكثرة عبادته فراح يبدي إعجابه قائلاً: (إنه من رهبان بني هاشم).
ولما سجن في بيت السندي بن شاهك، كانت عائلة السندي تطلّ عليه فترى هذه السيرة التي تحاكي سيرة الأنبياء، فاعتنقت شقيقة السندي فكرة الإمامة، وكان من آثار ذلك أن أصبح حفيد السندي من أعلام الشيعة في عصره.
إنها سيرة تملك القلوب والمشاعر فهي مترعة بجميع معاني السمو والنبل والزهد في الدنيا والإقبال على الله. لقد كانت سيرة الإمام موسى بن جعفر مناراً نستضيء بها حياتنا.
فالإمام الكاظم عليه السلام كان التعبد والخضوع والخشوع ديدنه ولم ينقطع عن الله طرفة عين حتى وهو سجين في تلك الطامورة المظلمة وكان(ع) إنموج عصره وفريد دهره وكان رغم الضنك والمحنة إلا أنه وطن نفسه على إحياء النافلة وصلاة الليل وكان صابرا محتسبا ..
وأغلب الروايات تتشير إلى أنه (ع) :كان يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ثمّ يعقّب حتى تطلع الشمس ويخرّ لله ساجداً، لا يرفع رأسه من الدعاء والتحميد حتى يقرب زوال الشمس.
وكان يدعو كثيراً فيقول:
«اللّهمّ إنّي أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب»، ويكرّر ذلك.
وكان من دعائه (ع) «عظم الذنب من عبدك ، فليحسن العفو من عندك
وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع.
حياة الإمام(ع) عبر ودروس
فحياة إمامنا الكاظم عليه السلام كلها عبر ودروس ينبغي أن نستفيد منها في حياتنا العملية منها مواقف أنسانية وأخلاقية ومنها مواقف جهادية وسياسية ومنها محطات تربوية روحانية عبادية هذه الشمولية الوافية الممنهجة في شخصية الإمام عليه السلام حري بكل مثقف طالب للحقيقة أن يعيها ويعرفها لكي يشخص ويميز من هو الظالم ومن هو المظلوم ومن هو الضحية ومن هو الجلاد وما هو الحق وما هو الباطل وحتى يكون البناء العقائدي والإيماني للفرد المسلم في منتهى الصلابة والواقعية لاكما يدور في أروقة الواقع اليوم من قلب الحقائق وتجاهل الأولياء الذين نصت على ولايتهم وبالتمسك بهم رسالة السماء وقد أمر الله ورسوله بمودتهم وولائهم والدفاع عن مذهبهم الحق الذي لاريبة ولا شبهة فيه ..
أيها المسلمون : لو حكمنا العقول وأزحنا غمام التطرف والعصبية قليلا وأنصفنا أهل البيت عليهم السلام لوجدنا الفارق الكبير مابين الإمام العابد الزاهد الإمام الكاظم (ع) وبين هارون العباسي فأين الثريا من الثرى أين كظم الغيظ والعفو والصفح عن الناس وأين الديكتاتورية والإرهاب وطوامير السجون والزنازين التي عجت بالآلاف المؤلفة من الأبرياء والأولياء والصالحين وهذا هو التأريخ أمامنا فلنتصفح سيرة الإمام الكاظم(ع) واستقامة شخصيته الشريفة وفي المقابل لنفتح إرشيف ملف هارون الرشيد التاريخي ونعيد النظر في شخصيته وسلوكه وكيف كانت سيرته يوم كان حاكما فهل حكم وفق ما أراده الله تعالى أم خلاف ذلك ؟؟ هذا السؤال أترك الإجابة عليه للمنصفين المثقفين من أحرار العالم الإسلامي …