- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 11 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
هناك مسؤولية كبيرة يتحمّل أثقالها ويحمل أعباءها حجة الله على أرضه الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع)، إذ يرى نفسه أمام حكام فجرة وأناس جهلة، وعليه في بلاد الشام أن يؤدّي رسالة دم شهداء كربلاء وعلى رأسهم أبيه سيد الشهداء الإمام الحسين (ع).
السيدة زينب الكبرى تُعرّف قائد المسيرة
أن السيدة زينب الكبرى (س) حينما واجهها يزيد وسألهـا بقوله «تكلميني؟» أشارت إلى ابن أخيها الإمام السجاد (ع) وقالت: «هو المتكلم»، أرادت بذلك أن تُعرّف قائد المسيرة المظفرة.
الإمام زين العابدين (ع) يُعرّف أهل البيت من خلال القرآن
لقد مضت فترة طويلة من الزمان وكتابة أحاديث فضل أهل البيت ونشرها ممنوعة ـ فكيف بفهمها واستيعابها؟! – فقد منع من تدوين الأحاديث بعد رحيل الرسول الأعظم (ص)، بذريعة عدم التهاء الناس به عن القرآن!.
وأعجب من ذلك أنه منعت الحكومات عن فهم القرآن! وأصرت على قراءة ظاهر آياته دون السؤال عن تأويلها! كما منع معاوية ابن عباس عن ذلك.
وهكذا كان على الإمام (ع) أن ينتهز كل فرصة لبثّ الروح في أجساد هذه الأمة الميتة ويرشدهم إلى حقائق القرآن الكريم، ويهديهم إلى معرفة المقصود منه.
خطبة الإمام زين العابدين (ع)
وقف الإمام (ع) موقفاً حازماً أمام الطاغية، وواجهه بكل صلابة، وكلّمه بكل شجاعة، ولم يكتفِ بذلك أيضاً، بل أخذ بزمام الكلام، وخاطب الجمهور، وكشف القناع عما ستر فترة طويلة، وذلك بعدما قام الخطيب الشامي وتكلّم بما اشترى به رضا المخلوق بسخط الخالق.
قال الخوارزمي:
وروي أن يزيد أمر بمنبر وخطيب ليذكر للناس مساوئ للحسين وأبيه علي (ع)، فصعد الخطيب المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد، فصاح به عليّ بن الحسين:
ويلك أيها الخاطب، اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق، فتبوأ مقعدك من النار.
ثم قال (ع): يا يزيد! ائذن لي حتى أصعد هذه الأعواد، فأتكلّم بكلمات فيهنَّ لله رضا ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب.
فأبى يزيد، فقال الناس يا أمير المؤمنين، ائذن له ليصعد فلعلّنا نسمع منه شيئاً. فقال لهم: إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفیان.
فقالوا: وما قدر ما يُحسن هذا؟
فقال: إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقاً.
ولم يزالوا به حتى أذن له بالصعود، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب، فقال فيها:
«أيها الناس، أعطينا ستاً وفضلنا بسبع، أُعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة فى قلوب المؤمنين، وفضلنا بأنّ منا النبي المختار محمّداً صلى الله عليه وآله وسلّم، ومنا الصديق، ومنا الطيار ومنا أسد الله وأسد الرسول ومنا سيدة نساء العالمين، فاطمة البتول، ومنّا سبطا هذه الأمة وسيدا شباب أهل الجنة.
فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي.
أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفاء، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، (أنا) ابن خير من حج ولبّى، أنا ابن من حمل على البراق في الهواء، أنا ابن من أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان من أسرى.
أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلى فكان من ربه قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن مـن أوحى إليـه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمد المصطفى.
أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا الله، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وصلّى القبلتين، وقاتل ببدر وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين.
أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكائين، وأصبر الصابرين وأفضل القائمين من آل ياسين [و] رسول ربّ العالمين.
أنا ابن المؤيد بجبرائيل، والمنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمجاهد أعداءه الناصبين، وأفخر من مشى من قريش أجمعين، وأول من أجاب واستجاب الله من المؤمنين، وأقدم السابقين، وقاصم المعتدين، ومبير المشركين، وسهم من مرامي الله على المنافقين، ولسان حكمة العابدين، ناصر دين الله، وولي أمر الله، وبستان حكمة الله، وعيبة علم الله.
سمح سخي، بهلول زكي أبطحي، رضي مرضي، مقدام همام، صابر صوّام، مهذب قوام، شجاع قمقام، قاطع الأصلاب، ومفرق الأحزاب، أربطهم جناناً، وأطبقهم عناناً، وأجرأهم لساناً، وأمضاهم عزيمة، وأشدهم شكيمة، أسد باسل، وغيث هاطل، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنة وقربت الأعنة، طحن الرحى، ويذروهم ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز، وصاحب الإعجاز، وكبش العراق، الإمام بالنص والاستحقاق.
مكي مدني، أبطحي تهامي، خيفي عقبي، بدري أُحديّ، شجري مهاجري من العرب سيّدها، ومن الوغى ليثها، وارث المشعرين، وأبو السبطين الحسن والحسين، مظهر العجائب، ومفرّق الكتائب، والشهاب الثاقب، والنور العاقب أسد الله الغالب مطلوب كل طالب، غالب كل غالب، ذاك جدي علي بن أبي طالب.
أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيدة النساء، أنا ابن الطهر البتول، أنا ابن بضعة الرسول.
قال: ولم يزل يقول: أنا أنا حتى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذن أن يؤذن فقطع عليه الكلام وسكت.
فلما قال المؤذن: «الله أكبر» قال علي بن الحسين:
كبرت كبيراً لا يقاس ولا يدرك بالحواس، لا شيء أكبر من الله.
فلما قال: «أشهد أن لا إله إلا الله» قال علي (ع):
شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعظمي.
فلما قال: «أشهد أن محمداً رسول الله» التفت علي من أعلى المنبر إلى يزيد وقال:
یا یزید، محمّد هذا جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت، وإن قلت؛ إنّه جدّي فلِمَ قتلت عترته؟
قال: وفرغ المؤذن من الأذان والإقامة، فتقدّم يزيد وصلى صلاة الظهر.
روى الخطبة أرباب السير والتاريخ فمنهم من ذكرها تفصيلاً كابن أعثم[1] والخوارزمي[2] ومحمد بن أبي طالب[3] ومنهم من ذكر معظمها كابن شهر آشوب[4] والمجلسي[5] ومنهم من ذكر بعضها مثل أبي الفرج الإصفهاني[6] ومنهم من أشار إليها واكتفى بذكر مقدّماتها مثل ابن نما والسيد ابن طاووس[7].
نظرة خاطفة في الخطبة وصداها
لقد اقتصر الإمام السجاد (ع) في هذه الخطبة على التعريف بأسرته ونفسه ولم يتعرّض لشيء آخر – فيما وصل إلينا من خطبته الشريفة ـ ولعل السر في ذلك الحقائق
أنه لما كان يعلم أن المجتمع الشامي لا يعرف عن أهل البيت ومنزلتهم الرفيعة شيئاً، لكونه تربى في أحضان سلطة الطغاة من بني أمية التي أخفت – وغذتهم بالولاء لأبناء الشجرة الملعونة – بني أُمية ـ والحقد على آل بيت رسول الله (ص)، اكتفى (ع) بذلك.
ومن هذا المنطلق نرى أن الإمام (ع) يعالج المسألة عاطفياً، لأن تأثيره ـ في هذه المرحلة – أكثر من أي أداة، ومضمون الخطبة يرشدنا إلى أن المخاطبين كانوا من جمهور الناس، لا الأشراف والأعيان منهم فحسب، فجوّ المجلس يختلف عن جو مجلس يزيد العام الذي كان محشوّاً بالأعيان والأشراف وكبار رجال أهل الكتاب وبعض ممثلي الدول الكبار آنذاك.
فلذلك نرى أن الإمام يعدّد مزايا آل البيت (ع)، ويخص بالذكر رجالاً منهم ليس لهم بديل ولا نظير، فيقول بأن منا النبي المختار، ومنا الصديق ـ يعني علي بن أبي طالب – ومنا الطيار – يقصد جعفر بن أبي طالب ـ ومنا أسد الله وأسد الرسول ـ يريد حمزة سيّد الشهداء (ع) – ومنا سيدة نساء العالمين ـ أي فاطمة البتول – ومنا سبطا هذه الأمة وسيدا شباب أهل الجنة – الحسنين (ع) – دون أن يصرح في البداية بالمقصود ممّن يذكرهم بهذه الأوصاف مثل الصديق، وسيدي شباب أهل الجنّة و… حتى يذكر أوصافاً متعددة لهم تكشف عن بعض زوايا حياتهم وفضائلهم، ليكون أوقع بالنفوس، كما كان ذلك بالفعل.
وبعد ذلك يذكر الإمام (ع) أصله وجذره نسباً وموطناً، حتى يعلم الجميع أنه فرع الشجرة النبوية والثمرة العلوية والجوهرة الفاطمية واللؤلؤة الحسينية، ومن قلب مكة والمدينة، فكيف شوّهت السلطة الباغية والحكومة الطاغية الواقع على الناس وأذاعت الكذب وعرفتهم للأمة بأنّهم الخوارج على أمير المؤمنين يزيد!
إن الإمام (ع) بعد تبيينه مختصات جده رسول الله (ص) من الوحي والمعراج و… يقوم ببيان خصائص جده المظلوم أسد الله الغالب الإمام علي بن أبي طالب، والمجتمع الشامي يسمع أوصافاً له يسمعها أول مرة.
فهو الذي ضرب بين يدي رسول الله بسيفين وطعن بر محين وهاجر الهجرتين وبايع البيعتين وصلّى القبلتين وقاتل ببدر وحنين ولم يكفر بالله طرفة عين.. وارث النبيين وقامع الملحدين ويعسوب المسلمين.. وتاج البكائين وأصبر الصابرين… المؤيد بجبرائيل والمنصور بميكائيل.. قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين…
ثم يذكر بعض خصائص جدته الصدِّيقة الكبرى الإنسية الحوراء فاطمة الزهراء حتى يصل إلى قمة كلامه بقوله: «أنا ابن المقتول ظلماً..» يقول ذلك والظالم – يزيد – جالس بين يديه في المجلس.
ويشير إلى بعض مأساة كربلاء فيقول: «أنا ابن المحزوز الرأس من القفا أنا ابن العطشان حتى قضى، أنا ابن طريح كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء».
وبذلك عرف الناس أن والده الحسين قد قتل مظلوماً، عطشاناً، واحتز رأسه الشريف من القفا، وطرح جسمه الطاهر بكربلاء وسلب عمامته ورداؤه.
فانقلب المجلس – وذلك تبعاً لانقلاب العالم – لقتل الحسين (ع)! كيف لا وقد قال الإمام: أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن من ناحت عليه الجن في الأرض والطير في الهواء….
هذا ما جرى في كربلاء، وهذا ما وقع في الكون بقتل الحسين، وأما الشيء الموجود حالياً بالشام الذي لابد أن يلتفت إليه هذا الجمهور الغافل الضائع فهو أن جسم الحسين الطاهر وإن كان في كربلاء ولكن رأسه الشريف وحرمه موجودان بالشام وبين أيديهم، ونبههم الإمام على ذلك بقوله: «أنا ابن من رأسه على السنان يُهدى، أنا ابن من حرمه من العراق إلى الشام تُسبى…
ولم يجد الطاغي ابن الباغي يزيد بن معاوية مفراً إلا أن يلتجئ إلى المؤذن بذريعة الأذان، وقد كان يعلم في البداية أن الإمام (ع) لو صعد المنبر يقلب الوضع عليه، وقد صرّح بأنه لو صعد المنبر لم ينزل إلا بفضيحته وفضيحة آل أبي سفيان، وأنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقاً، ولكن إصرار الناس غلبه على أمره، وأظن أنه ما كان يعلم أنه ينقلب الأمر عليه إلى هذه الدرجة، وإلا لما كان يرضى بذلك، وإن بلغ ما بلغ، وإنما رضي بذلك خوفاً من الناس وفراراً من حفيرة، ولكنه وقع في بئر حفره سوء عمله وخبث ضميره، وأوجبه كلام حق صدر من قلب طاهر على لسان صادق.
نعم، إن يزيد لم يتمكن أن يقطع كلام الإمام إلا بالأذان، كما أن أباه ـ معاوية – لم يتمكن أن يهرب من سيف جده ـ علي بن أبي طالب – إلا برفعه المصاحف! ولكن الإمام واجه هذه الخدعة ببيان حقيقة الربوبية وواقع التوحيد ولب الرسالة، وواجه الطاغية يزيد بكلامه يا يزيد محمد هذا جدي أم جدك، فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت، وإن قلت إنّه جدّي فلم قتلت عترته؟
فطرح أمامه سؤالاً لم يحر يزيد جواباً له، وهو أن هذا محمداً رسول الله الذي تشهد برسالته فيما تزعم وتترأس رئاسة أمته، وتدعي خلافته ـ ظلماً وزوراً – فهل هو جدك أم جدّي؟ إذا كنت تدّعي أنّه جدّك فهذا كذب واضح، فالجميع يعلم أنك فرع الشجرة الملعونة، وإذا قلت إنّه جدّي فلماذا قتلت عترته وسبطه، وسبيت أهله.
قال بعض المؤرخين: لقد أثر خطاب الإمام تأثيراً بالغاً في أوساط المجتمع الشامي، فقد جعل بعضهم ينظر إلى بعض ويُسرّ بعضهم إلى بعض بما آلوا إليه من الخيبة والخسران، حتّى تغيرت أحوالهم مع يزيد، وأخذوا ينظرون إليه نظرة احتقار وازدراء.
الإمام زين العابدين (ع) مع مكحول صاحب رسول الله (ص)
ذكر الطبرسي – بعد نقله خطبة الإمام زين العابدين – قال: «فنزل ـ أي نزل علي بن الحسين (ع) عن المنبر – فأخذ ناحية باب المسجد، فلقيه مكحول صاحب رسول (ص)، فقال له: كيف أمسيت يابن رسول الله؟ قال:
أمسينا بينكم مثل بني إسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وفي ذلكم بـلاء من ربكم عظیم»[8].
الإمام زين العابدين (ع) مع منهال
روى المحدّث الجليل عليّ بن إبراهيم القمي بإسناده عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله (ع) قال: «لقي المنهال بن عمر علي بن الحسين بن علي (ع)، فقال له: كيف أصبحت يابن رسول الله؟ قال:
ويحك أما آن لك أن تعلم كيف أصبحت؟! أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبناءنا، ويستحيون نساءنا، وأصبح خير البرية بعد محمد يلعن على المنابر، وأصبح عدونا يُعطى المال والشرف، وأصبح مـن يـحبنا محقوراً منقوصاً حقه، وكذلك لم يزل المؤمنون.
وأصبحت العجم تعرف للعرب حقها بأنّ محمداً كان منها، وأصبحت قريش تفتخر على العرب بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحت العرب تعرف لقريش حقها بأن محمداً كان منها، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأنّ محمداً كان منها، وأصبحنا أهل البيت لا يُعرف لنا حق، فكهذا أصبحنا يا منهال»[9].
وقال ابن أعثم الكوفي: «وخرج علي بن الحسين ذات يوم، فجعل يمشي في أسواق دمشق، فاستقبله المنهال بن عمرو الطائي، فقال له: كيف أمسيت يابن رسول الله؟ قال:
أمسينا كبني إسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم يا منهال أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمداً عربي، وأمست قريش تفتخر عـلـى ســائر العرب بأنّ محمّداً منهم، وأمسينا أهل بيت محمد ونحن مغصوبون مظلومون مقهورون منقتلون مثبورون مطرودون فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أمسينا فيه يا منهال»[10].
ذكر هذه المحادثة عدة من أرباب الأخبار والسير بتفاوت يسير، منهم المحدث الجليل فرات الكوفي[11]، والخوارزمي[12]، وابن نما[13]، وابن شهر آشوب[14]، وابن طاووس[15].
ملاحظة
ذكر ابن شهر آشوب ما جرى بين الإمام السجاد وكلام السائل على نحو ما أورده فرات الكوفي في تفسيره، إلا أنه قال في بدايته: «فقام إليه رجل من شيعته يقال له المنهال بن عمرو الطائي، وفي رواية: مكحول صاحب رسول الله (ص)»[16].
ولكن الظاهر تكرّر الواقعة والمحادثة لا وحدتها، خاصة وأن المروي كون محادثة مكحول عند ناحية المسجد، ومكالمة منهال في سوق دمشق، وليس بغريب أن يتكرر ويتقارب جواب في سؤال واحد.
وكيف كان فالإمام يتأوه ويسترجع على ما رأى بأم عينيه من المصائب والمآسي التي لم يتحملها أحد من الناس.
قال ابن نما والله در مهیار بقوله في العترة الطاهرة:
يعظمون له أعـواد منبره ** وتحت أرجلهم أولاده وضعوا
بأي حكم بتوه يتبعونكم ** وفخركم أنكم صحب له تبع[17]
مع الرأي العام المُضلَّل.. مرّة أُخرى
لقد اهتم الإمام (ع) بمسألة تنوير الأفكار وكشف الحقائق أكثر من أي شيء.
وهنا نذكر بعض الأسئلة التي طرحت على الإمام (ع)، ونرى كيف اهتم الإمام بالمسألة وذلك في ضمن أجوبته.
روى فرات بن إبراهيم الكوفي بإسناده عن يحيى بن مساور، قال: «أتى رجل من أهل الشام إلى علي بن الحسين، فقال له: أنت عليّ بن الحسين؟
قال: نعم.
قال: أبوك قتل المؤمنين!
فبكى علي بن الحسين ثم مسح وجهه وقال: ويلك! وبما قطعت على أبي أنه قتل المؤمنين؟
قال: بقوله إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم على بغيهم.
قال: أما تقرأ القرآن؟
قال: إنّي أقرأ.
قال: أما سمعت قوله: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً.. وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً.. وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً)![18]؟
قال: بلى.
قال: كان أخاهم في عشيرتهم أو في دينهم؟
قال: في عشيرتهم.
قال: فرجت عنّي فرج الله عنك»[19].
حبس الإمام زين العابدين (ع)
قال المدائني: «وموضع حبس زين العابدين هو اليوم مسجد»[20].
أقول: لعله هو المسجد الواقع في جنب مقام رأس الحسين في جوار المسجد الأموي حالياً.
قال ابن الحوراني: قال الكمال الدميري في حياة الحيوان الكبرى: قال ابن عساكر: ومسجد علي بن الحسين هو زين العابدين في جامع دمشق معروف.
قلت: هو في المسجد الشرقي الشمالي كان (ع) يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، وهو مسجد لطيف عليه جلالة وهيبة، يُزار ويتبرك به.
وروى الشيخ الصدوق عن فاطمة بنت علي (صلوات الله عليهما) قالت: «ثمّ إن يزيد (لعنه الله) أمر بنساء الحسين، فحبسن مع علي بن الحسين في محبس لا يكنهم من حرّ ولا قرّ حتى تقشرت وجوههم»[21].
محاولات اغتيال الإمام زين العابدين (ع)
وزين العابدين بقيد ذل ** وراموا قتله أهل الخؤونا[22]
لقد تعرّض الإمام السجاد (ع) للقتل والاغتيال في عدة مواطن، ولكن أبى الله ذلك؛ حفظاً لبقاء حججه على أرضه.
فمن تلك المواطن كربلاء، قال سبط ابن الجوزي: «وإنّما استبقوا علي بن الحسين لأنه لما قتل أبوه كان مريضاً، فمرّ به شمر فقال: اقتلوه، ثم جاء عمر بن سعد، فلما رآه قال: لا تتعرّضوا لهذا الغلام، ثمّ قال لشمر: ويحك! من للحرم؟!»[23].
ومنها في الكوفة: قال الطبرسي بعد ذكر ما جرى بين الإمام وابن زياد من الكلام: فغضب ابن زياد وقال: «لك جرأة على جوابي! وفيك بقية للردّ عليّ؟! اذهبوا واضربوا عنقه، فتعلقت به زینب….
ومنها في الشام، وذلك في عدة مواقف.
منها: ما روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «كان علي بن الحسين مقيداً مغلولاً، فقال يزيد لعنه الله: يا علي بن الحسين، الحمد لله الذي قتل أباك، فقال علي بن الحسين: لعنة الله على من قتل أبي»، قال: «فغضب يزيد وأمر ضرب عنقه، فقال علي بن الحسين: فإذا قتلتني فبنات رسول الله مـن يردّهم إلى منازلهم وليس لهم محرم غيري؟…».
الاستنتاج
كان للإمام زين العابدين (ع) دور مهم خلال تواجده في بلاد الشام، منها: خطبته (ع) أمام الطاغية يزيد وفي مجلسه العام، ولقاؤه (ع) مع مكحول صاحب رسول الله (ص)، ومع المنهال، وبيان لهما مظلومية الإمام الحسين (ع)، هذا وقد تعرض الإمام زين العابدين (ع) إلى عدة محاولات اغتيال في كربلاء والكوفة والشام.
الهوامش
[1] ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج2، ص185.
[2] الخوارزمي، مقتل الحسين، ج2، ص69.
[3] المجدي، تسلية المجالس، ج2، ص391.
[4] ابن شهرآشوب، المناقب، ج4، ص168.
[5] المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص161، ح6.
[6] الإصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص121.
[7] ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص102، ابن طاووس، اللهوف، ص19.
[8] الطبرسي، الاحتجاج، ج2، ص134.
[9] القمّي، تفسير القمّي، ج2، ص134.
[10] ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج2، ص187.
[11] فرات الكوفي، التفسير، ص149، ح187.
[12] الخوارزمي، مقتل الحسين (ع)، ج2، ص71.
[13] ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص105.
[14] ابن شهرآشوب، المناقب، ج4، ص169.
[15] ابن طاووس، اللهوف، ص222.
[16] ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج2، ص187.
[17] ابن طاووس، اللهوف، ص223.
[18] هود، ٥٠، و٨٤، و٦١.
[19] فرات الكوفي، التفسير، ص192، ح248.
[20] ابن شهرآشوب، المناقب، ج4، ص173.
[21] الصدوق، الأمالي، ص231، مجلس 31، ح243.
[22] من أشعار لأم كلثوم بنت الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قالتها حينما توجهت إلى المدينة، اُنظر: المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص198.
[23] ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص258.
مصادر البحث
1ـ ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح، تحقيق علي شيري، بيروت، دار الأضواء، الطبعة الأولى، 1411 ه.
2ـ ابن الجوزي، يوسف، تذكرة الخواص، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأولى، 1418 ه.
3ـ ابن شهرآشوب، محمّد، مناقب آل أبي طالب، النجف، المكتبة الحيدرية، طبعة 1376 ه..
4ـ ابن طاووس، علي، اللهوف في قتلى الطفوف، قم، أنوار الهدى، الطبعة الأولى، 1417 ه.
5ـ ابن نما الحلّي، محمّد، مثير الأحزان، النجف، منشورات المطبعة الحيدرية، طبعة 1369 ه.
6ـ الإصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين، قم، مؤسّسة دار الكتاب، الطبعة الثانية، 1385 ه.
7ـ الخوارزمي، الموفّق، مقتل الحسين (ع)، تحقيق محمّد السماوي، قم، أنوار الهدى، الطبعة الثانية، 1423 ه.
8ـ الصدوق، محمّد، الأمالي، قم، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، الطبعة الأولى، 1417 ه.
9ـ الطبرسي، أحمد، الاحتجاج، النجف، دار النعمان، طبعة 1386 ه.
10ـ فرات الكوفي، فرات، التفسير، تحقيق محمّد الكاظم، طهران، وزارة الثقافة والارشاد الإسلامي، الطبعة الأولى، 1410 ه.
11ـ القمّي، علي، تفسير القمّي، قم، مؤسّسة دار الكتاب، الطبعة الثالثة، 1404 ه.
12ـ المجدي، محمّد، تسلية المُجالس وزينة المَجالس، تحقيق فارس حسّون كريم، قم، مؤسّسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأُولى، 1418 ه.
13ـ المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه.
مصدر المقالة
الشاوي، علي، مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، قم، مركز الدراسات الإسلامية، طبعة 1421 ه.
مع تصرف بسيط