- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 8 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
صوم يوم عاشوراء
عـاشـوراء عـلـى وزن فـاعـولاء, مـختومة بالالف الممدودة , وتصح بالالف المقصورة بلاهمزة (عـاشـورى ), «1» فـهي صفة مؤنثة لليلة العاشرة من الشهر القمري العربي , وغلبت على الليلة الـعـاشـرة من اول الشهور القمرية العربية (المحرم الحرام ), ولذلك لا يوصف بها اليوم , فلا يقال : اليوم العاشوراء, وانما يقال : يوم عاشوراء بنحو الاضافة , بحذف الليلة , والتقدير: يوم ليلة عاشوراء, والموصوف ـ الليلة ـ محذوف .
و لا ريـب في استعمال الكلمة واشتهارها في ليلة العاشر من محرم الحرام , ذكرى شهادة الامام سيد الـشهداء ابي عبد اللّه الحسين بن علي (ع ), وقد نص اللغويون على انها «اسم اسلامي » «2» , «ولم يعرف في الجاهلية ».«3»
وعليه فكيف نفسر ما جاء في الخبر:
1 ـ عـن عـائشة قالت : كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية , وكان رسول اللّه يصومه في الـجـاهـلية , فلما قدم المدينة صامه وامر بصيامه , فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء, فمن شاء صامه ومن شاء تركه .«4»
2 ـ عـنها قالت : كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية , وكان النبي يصومه , فلماقدم المدينة صـامـه وامر بصيامه , فلما نزل رمضان , كان رمضان الفريضة , وترك عاشوراء, فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه .«5»
وكانها عللت صومهم فيه في خبر آخر:
3 ـ عـنها قالت : كانوا يصومون عاشوراء, قبل ان يفرض رمضان , وكان يوما تستر فيه الكعبة , فلما فـرض اللّه رمـضـان , قـال رسـول اللّه :«مـن شـاء ان يـصـومـه فـلـيصمه , ومن شاءان يتركه فليتركه ».«6»
فـكيف التوفيق بين هذا وبين ما مر من نص اللغويين على ان اسم عاشوراء اسم اسلامي لم يعرف في الـجـاهـلـية ؟ واذا كانوا يصومونه لانه كان يوما تستر فيه الكعبة ,فلماذا اءضيف الى وصف الليلة (عـاشوراء) كما مر؟ ولم تكن الكعبة تستر في الليل طبعا قطعا.
ام هل وصفوا اليوم المذكر بصفة التانيث ؟ فالعجب من العرب كيف غاب عنهم هذا؟ والجاهلية هي عهد ما قبل الاسلام , فاذا كان النبي يصوم يوم عاشوراء في الجاهلية فلماذا تركه بعد الاسلام ؟ فلو كان تركه لمخالفة المشركين فلماذا رجع اليه بعد الهجرة ؟هذا ما روي عن عائشة , وتلك هي التساؤلات التي تفرض نفسها بلا جواب شاف كاف .
وجاء في مجموعة ثانية :
1 ـ عن ابن عباس قال : قدم النبي فراى اليهود تصوم يوم عاشوراء, فقال : «ما هذا»؟قالوا: هذا يوم صـالح , يوم نجى اللّه بني اسرائيل من عدوهم فصامه موسى (ع ).
قال :«انا احق بموسى منكم ». فصامه وامر بصيامه .«7»
2 ـ عـنـه ان الـنـبـي لما قدم المدينة وجدهم يصومون يوما (يعني يوم عاشوراء), فقالوا:هذا يوم عظيم , وهو يوم نجى اللّه فيه موسى واغرق آل فرعون , فصام موسى شاكراللّه .
فقال : «انا اولى بموسى منهم ». فصامه وامر بصيامه .«8»
3 ـ عـنه قال : لما قدم النبي المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء, فسئلوا عن ذلك فقالوا: هذا هو اليوم الذي اظهر اللّه فيه موسى وبني اسرائيل على فرعون , ونحن نصومه تعظيما له , فقال رسول اللّه (ص ): «ونحن اولى بموسى منكم » فامر بصومه «9» .
4 ـ عـنـه قـال : قـدم الـنبي المدينة واليهود تصوم عاشوراء, فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون , فقال النبي لاصحابه : «انتم احق بموسى منهم , فصوموا».«10»
5 ـ عـنـه قال : لما قدم رسول اللّه المدينة واليهود تصوم عاشوراء, فسالهم , فقالوا: هذااليوم الذي ظهر فيه موسى على فرعون , فقال النبي : «نحن اولى بموسى منهم ».«11»
6 ـ عـن ابـي مـوسـى الاشـعـري قال : دخل النبي المدينة واذا اناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه , فقال النبي : «نحن احق بصومه ». فامر بصومه .«12»
7 ـ عنه قال : كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا, فقال النبي : «فصوموه انتم ».«13»
هـذا مـا روي عـن ابن عباس وابي موسى الاشعري , وليس فيه ان اليهود كانوا يسمونه عاشوراء, فـلـعـلـه كان صوم اليهود اذ ذاك موافقا لليوم العاشر من المحرم .
فما واقع الحال عند اليهود قديما واليوم ؟
جـاء فـي دوائر الـمـعـارف الـبـريـطـانـيـة والـفـرنـسية والالمانية , ان احتفال اليهود بنجاة موسى وبني اسرائيل يمتد سبعة ايام , لا يوما واحدا فقط.
امـا صوم اليهود فهو في اليوم العاشر, ولكنه ليس العاشر من المحرم , بل من شهرهم الاول : تشري ويـسمونه يوم كي?ور, اي يوم الكفارة , وهو اليوم الذي تلقى فيه الاسرائيليون اللوح الثاني من الواح الـشـريـعة العشر, ولم يكن ذلك يوم نجاتهم من فرعون , بل بعد نجاتهم من فرعون , وميقات موسى (ع ), وابـتـلائهـم بـعبادة العجل الهالهم , ورجوع موسى من الميقات اليهم , واعلان اشتراط قبول تـوبـتـهم بقتل بعضهم لبعض , وبحصولهم على العفو من رفقائهم , ولذلك فقد خصص اليوم الذي قبل كـيـ?ـوربتبادل العفو فيما بينهم , وخصص يوم كي?ور للصيام والصلاة والتامل , لاعتباره اقدس ايام اليهود.
والتقويم اليهودي المستعمل اليوم عندهم شهوره قمرية , ولذلك فعدد ايام السنة في السنوات العادية 353 او354 او355, ولكنهم جعلوا سنواتهم شمسية بشهور قمرية , ولـذلـك فـلهم سنوات كبيسة , ففي كل سنة كبيسة يضاف شهر بعد آذار الشهر السادس باسم آذار الـثـانـي فـيكون الشهر السابع , ويكون نيسان السابع الشهر الثامن , وعليه تكون ايام السنة الكبيسة 383 او384 او385 يوما.«14»
هـذا هـو الـتـقـويـم الـيـهودي المستعمل لديهم قديما واليوم , ولم ينقل عنهم اي تقويم غيره .
تلك احـتفالاتهم بنجاتهم من الفراعنة تمتد اسبوعا لا يوما واحدا فقط, وليس لهم فيه يوم صوم ولهم يوم صـوم هو يوم عيد كي?ور العاشر من شهرهم الاول تشري , ولكنه يوم كفارتهم وقبول توبتهم وليس يـوم نـجـاتـهم من الفراعنة .
ولا ننكر وقوع توافق بين تقويمين في زمان ما, ولكنه قد يقع في سنة واحدة فقط بعد عشرات بل مئات السنين ,وعلى فرض وقوع توافق بين يوم كي?ور العاشر من شهر تشري وبين يوم عاشوراءالعاشر من شهر المحرم الحرام , بعد تسعة اشهر من قدوم النبي (ص ) الى الـمـدينة , فلماذالم يذكر يوم كي?ور واءطلق عليه يوم عاشوراء؟ وما وجه اطلاق استحباب صوم يـوم عـاشـوراء العربي الاسلامي عوضا عن عيد كي?ور العبري اليهودي , مع القول بان النبي (ص ) والمسلمون اولى من اليهود بموسى (ع ), مع ان نجاته واياهم لم تكن , لا في عيدكي?ور ولا في يوم عاشوراء.
ويـلاحـظ عـلـى خـبـري ابي موسى الاشعري انه في الاول يقول : واذا اناس من اليهوديعظمون عـاشـوراء ويـصـومـونه , بلا ذكر لوجه تعظيمهم ليوم عاشوراء وصومه , ولا ذكرلوجه احقية المسلمين بصومه .
وفي الثاني يقول : كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا, فقال النبي : «فصوموه انتم », بلاذكر لوجه كـون يوم عاشوراء عيدا عندهم , ولا ذكر لوجه امره (ص ) بصومه , وكانه يقابل بين الامرين : بين صوم المسلمين فيه , وعده اليهود عيدا, دون الاولوية .
ويلاحظ على الخبرين امران آخران ايضا:
الاول : قال في الاول : واذا اناس من اليهود يعظمون عاشوراء, وقال في الثاني : كان يوم عاشوراء تعده الـيـهـود عـيدا, فعلق وصف العيد وتعظيم اليهود على يوم عاشوراء, ولاوجه لذلك , وقد مر نص الـلـغـويين على انه اسم اسلامي لم يعرف في الجاهلية , اي قبل الاسلام , وعليه فكيف عرف اليهود عاشوراء قبل الاسلام ؟
الـثـانـي : انه قال في الثاني : قال النبي : «فصوموه انتم », وقال في الاول : فقال النبي : «نحن احق بصومه ».
فامر بصومه وجوبا ام استحبابا؟ وظاهر الامر الوجوب كما قالوا, وعليه فيخلو الخبر عن ذكر مدى هذا الامر الى متى كان او يكون ؟ وكذلك تخلو منه اخبار ابن عباس .
وذكـرت الـمـدى اخـبـار عـائشة : فلما فرض اللّه رمضان قال رسول اللّه : «من شاء ان يصومه فليصمه , ومن شاء ان يتركه فليتركه ».
وقد ذكروا بلا خلاف ان فرض اللّه صيام شهر رمضان بنزول القرآن الكريم به في منتصف السنة الثانية للهجرة , اي انه لم يكن بين هجرته وبين نزول القرآن بفرض رمضان غير عاشوراء واحدة , واذا كـان قد امر بصيامه مواساة لموسى (ع ) شكرالنجاته , على قول يهود المدينة له بعد هجرته , جـوابا عن سؤاله عن صومهم يوم عاشوراء, اذن فعاشوراء الاولى قد مضت ولم تات الثانية ليصوموا يـومـهـا, حـتـى نـزل الـقرآن بفرض رمضان , فما معنى كانوا يصومون عاشوراء قبل ان يفرض رمـضان ؟وكذلك ما عن عائشة ايضا قالت : كان عاشوراء يصام قبل رمضان , فلما نزل رمضان من شاء صام ومن شاء افطر.«15»
وعـنـهـا قـالت : كان رسول اللّه امر بصيام عاشوراء, فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء افطر, «16» وكانه امر بالصيام فقط ولم يصوموه .
وهـناك خبر آخر عن حميد بن عبد الرحمن انه سمع معاوية بن ابي سفيان على منبر يوم عاشوراء عـام حج يقول : يا اهل المدينة , اين علماؤكم ؟ سمعت رسول اللّه يقول : هذايوم عاشوراء, ولم يكتب اللّه عليكم صيامه , وانا صائم , فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر.«17»
فـهذا يتضمن تنكرا لصيام قريش في الجاهلية , وليصام اليهود كذلك , وينص من اول يوم على الندب والاستحباب دون الوجوب , ولكن يلاحظ عليه امران :
الاول : انه يتضمن اعترافا بعدم علم علماء اهل المدينة بالحديث عن رسول اللّه (ص ).
الثاني : افكان هذا قبل الهجرة ؟ ام بعدها؟ ام بعد فتح مكة ؟ فمتى سمعه معاوية ؟ واذا كان لليهود تقويم عبري يخصهم يختلف تمام الاختلاف عن التاريخ العربي القمري , واذا لم يكن يوم عاشوراء يوم نجاة موسى (ع ) وبني اسرائيل من فرعون , فلايصح ما جاء في بعض كتب الحديث مما نسب الى رسول اللّه (ص ) من اخبار في عاشوراء, تتضمن انه يوم نجاة موسى وبني اسرائيل من الـفـراعـنة , فهو يوم عيدالخلاص , والى جانبه ذكريات اخرى , منها انه يوم خلق الارض والجنة وآدم (ع ), فهوعيد الخلق , وهو يوم نجاة نوح من الغرق , ونجاة ابراهيم من الحرق .
هـذا, وقد روى الشيخ الفقيه ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي , بسنده عـن نـصـر بـن مـزاحـم المنقري ( م 212 ه) عن عمر بن سعد, عن ارطاة بن حبيب , عن فضيل الرسان , عن جبلة المكية قالت : سمعت ميثما التمار (رض ) يقول :واللّه لتقتلن هذه الامة ابن نبيها في الـمحرم لعشر مضين منه , وليتخذن اعداء اللّه ذلك اليوم يوم بركة , وان ذلك لكائن قد سبق في علم اللّه تعالى ذكره .
اعلم بذلك بعهد عهده الى مولاي امير المؤمنين (ع ).
قـالـت جـبـلة : فقلت : يا ميثم , وكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الذي يقتل فيه الحسين بن علي (ع ) يوم بركة ؟ فبكى ميثم , ثم قال : سيزعمون بحديث يضعونه انه اليوم الذي تاب اللّه فيه على آدم (ع ), وانما تاب اللّه عـلى آدم في ذي الحجة , ويزعمون انه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي , وانما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجة , ويـزعـمـون انـه الـيـوم الـذي فـلـق اللّه فـيـه الـبحر لبني اسرائيل , وانما كان ذلك في شهر ربـيـع الاول , «18» ويـزعـمـون انـه اليوم الذي قبل اللّه فيه توبة داود.
وانما قبل اللّه توبته في ذي الحجة , ويزعمون انه اليوم الذي اخرج اللّه فيه يونس من بطن الحوت .
وانمااخرجه اللّه من بطن الحوت في ذي القعدة .
ثـم قـال مـيـثم : يا جبلة , اذا نظرت الى الشمس حمراء كانها دم عبيط فاعلمي ان سيدك الحسين قد قتل .«19»
ثم ان اخبار ابن عباس وابي موسى الاشعري دلت على ان رسول اللّه (ص ) ساله اليهود عن صومهم ذلك اليوم , ثم قال : «انا ـ او نحن ـ او اولى ـ منكم ـ او منهم ـ فصامه وامر بصيامه .
وليس فيها انه افاد من وحي اللّه او من علمه الالهي , اي انه اعتمد على ماقاله اليهود هنا.
وقد قال اللّه تعالى : (لقد كان لكم في رسول اللّه اسوة حسنة ).«20»
فهنا سؤالان :
اولا: هل يجوز الفقهاء ان نتاسى برسول اللّه (ص ) ـ على زعم هذه الاخبار ـ فنعتمد على نقول اهل الكتاب ـ اليهود والنصارى والمجوس ـ عن انبيائهم ؟
ثانيا: ان نصوص هذه الاخبار تعلل صوم الرسول وامره بصوم ذلك اليوم باننا احق او اولى من اليهود بموسى (ع ), فهو حكم منصوص العلة كما يقول الفقهاء , وقياس الحكم المنصوص على علته يجوزه حتى من لا يجوز سائر اقسام القياس .
فهل يجوز لنا ان ناخذ بقياس هذه العلة المنصوصة هنا فنقول : كل ما كان في الشرائع السابقة فنحن احق او اولى به ان نفعله ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-راجع مجمع البحرين , مادة عشر.
2-النهاية في غريب الحديث والاثر 3:240.
3-الجمهرة في لغة العرب 4: 212.
4- صحيح البخاري , كتاب الصوم .
5-صحيح البخاري , كتاب تفسير القرآن , سورة البقرة .
6-صحيح البخاري , كتاب الحج , الباب 47.
7-صحيح البخاري , كتاب الصوم : 30.
8-صحيح البخاري , كتاب احاديث الانبياء: 60.
9-صحيح البخاري , كتاب مناقب الانصار, الباب 52.
10-صحيح البخاري , كتاب تفسير القرآن , سورة يونس .
11-صحيح البخاري , كتاب تفسير القرآن , سورة يونس .
12-صحيح البخاري , كتاب مناقب الانصار, الباب 52.
13-صحيح البخاري , كتاب الصوم : 30.
14-دوائرالمعارف البريطانية : الانجليزية والفرنسية والالمانية .
15-صحيح البخاري , كتاب تفسير القرآن , سورة البقرة .
16-صحيح البخاري , كتاب الصوم : 30.
17-صحيح البخاري , كتاب الصوم : 30.
18-و هـذا ينفق مع ظاهر اخبار ابن عباس وابي موسى الاشعري , من انه (ص ) لما قدم المدينة ـ وقـدمـهـا فـي ربـيـع الاول بلا خلاف ـ راى اليهود يصومون اليوم , ويقولون :انه يوم نجاة موسى وبني اسرائيل من فرعون والغرق , لا يوم عاشوراء.
19-امالي الشيخ الصدوق : 110, ط. بيروت .
20-الاحزاب : 21.
المصدر : مـجلة صوت الاسلام / العددالاول / السنة الاولى / محرم الحرام / 1420ه 1999م / بتصرف .
الكاتب: الشيخ محمد هادي اليوسفي