- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 11 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
ثلاثة مطالب نتطرق إليها حول عالم البرزخ وتصوره ومدّته وضغطة القبر وثواب وعقاب البرزخ، وكذا عن النفخ في الصور وكيفيته، ومواقف يوم القيامة، ومن المواقف الصعبة فيه موقف أهل البيت والصلاة وحق الناس وعن حوض الكوثر وأن الساقي عليه هو الإمام علي (ع).
المطلب الأول: عالم البرزخ
البرزخ لغةً يعني الحاجز والحد بين شيئين. وقد اصطلح على ما بين الموت والقيامة. وعالم البرزخ عالم بين «الدنيا» و «الآخرة». والقبر هو أول منازل عالم البرزخ.
البرزخ في بعض الآيات القرآنية
حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[1].
وفي سورة (يس) بعد نقل حادثة انطاكية جاء أن المعاندين بعد أن قتلوا حبيب النجار، قال له تعالى ادخل الجنة: قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ[2].
من الواضح أن «الجنّة» المقصودة هنا هي (جنة) عالم البرزخ، والتي عبرت عنها الرواية بـ (روضة من رياض الجنّة). وهو ما تشهد عليه الآيات التالية:
فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ[3].
فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ[4].
وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ اليَقِينِ[5].
ورغم أن عذاب البرزخ للروح لكنه يؤثر في الجسم أيضاً، لشدته.
تصور عالم البرزخ
إدراك حقيقة عالم البرزخ والحياة بعد الموت، غير ممكنة لنا، كما الجنين في رحم أمه لا يمكنه إدراك حقيقة الدنيا. وكل ما عندنا عن البرزخ هو الآيات القرآنية وروايات أهل البيت (ع).
ولتقريب معناه إلى الذهن نستعين بالتشبيه، فنشبه «عالم البرزخ» بـ «عالم النوم» رغم بعد الشبه، فروح الإنسان تلتذ بما يشاهده في منامه من مناظر جميلة، فالحلم في النوم شأن الروح، تسري هذه اللذة الروحية إلى الجسم فيلتذ بدوره. وهكذا لما يكون حلم الإنسان مخيفاً يرتعد الجسم بعد ارتعاب الروح.
فيحدث أن يلاحظ الإنسان حين يرى في المنام آخر يضربه أو حيواناً كاسراً يُطارده، ينهض من نومه وقد ابتل جسمه عرقاً، وفرائصه ترتعد خوفاً، في وقت كانت الروح – لا الجسم – تتلقى الضربات أو يطاردها الحيوان الكاسر.
المنزل الأول للبرزخ
ملك الموت ينزع الروح من البدن، ويأخذها عند الحضرة الربوبية، ثم يعود بها إلى القبر، وهي المرحلة الأولى لهذه المنزلة من منازل البرزخ، وهي ما عرفت عرفاً بـ (ليلة القبر الأولى) وقد أكدت الروايات بأن القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران.
القبر إما حفرة من حفر النيران أو روضة من رياض الجنة.
سؤال منكر ونكير
وبعد عودة الإنسان من الحضرة الربوبية، يأتيه ملكان اسمهما (منكر) و (نكير) يسألانه عن التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد. وهما للكفار مرعبان، فكما تصورهما الروايات، أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، وجاء في بعض الروايات أن الأمير (ع) يحضر أيضاً.
ضغطة القبر
من الأمور المسلمة الأخرى (ضغطة القبر) وجاء في الروايات أن عذابها يشمل النمام وسيء الخلق وكثير الكلام والمتهاون في أمر الطهارة. وما دمنا مبتلين بهذه الأعمال السيئة، فلا مفر من ضغطة القبر التي تضعف وتشتد تبعاً الضعف وشدة ذنوبنا.
ثواب وعقاب البرزخ
تبين أن من يجيب على أسئلة (منكر ونكير) سيحيى في «الجنة البرزخية» حتى قيام الساعة. أما المذنب فسينعقد لسانه، وستنسيه أعماله السيئة كلمة: «لا إله إلا الله» وسيضرب بالسياط كما أشرنا ويصبح قبره حفرة من حفر النار ويبقى يذوق العذاب البرزخي حتى يوم القيامة.
مدة البرزخ
مدة البرزخ والبقاء في القبر تبدو مريحة وقصيرة للمؤمنين. لكنها تبدو طويلة جداً ومصحوبة بالعذاب لغير المؤمنين. وهو ما يستفاد من الرواية المنقولة عن عيسى (ع). فقد أحيا (ع) بإذن الله شاباً كان قد مات للتو. إلا أن الشاب لما ظهر عليه من تعب وانكسار وبدى وكأنه توسد التراب منذ سنوات. فسأله المسيح (ع) عن زمان وفاته، فأجابه: قبل آلاف السنين. ثم سأله (ع) عما جرى له بعد موته، فقال: بعد أن أدخلوني القبر جاءني منكر ونكير ووجها إليَّ أسئلة عجزت في الإجابة عنها، فبدأت تنهال علي السياط واشتعلت النيران في قبري وما زلت أحترق حتى الآن.
ثم أحيا (ع) بإذن الله أيضاً شيخاً فارق الحياة قبل سنوات طويلة، واندثر قبره ولم يعد له أثر. فعاد شاباً نشطاً جميلاً. فسأله عيسى (ع) منذ متى وأنت تتوسد التراب؟ فأجاب الشيخ، للتو. وحين أودعت القبر جاءني (منكر ونكير) فأجبت على الأسئلة التي وجهوها لي فأصبحت في روضة من رياض الجنة، وقد كنت هناك حين احضرتني.
تقريب نسبة المدة البرزخية إلى الذهن
طالما لاحظتم أن المريض يحس بطول فترة معاناته للألم الشديد، كأن يشعر بطول مدة الليل حتى انجلاء الصبح وفي المقابل نجد الإنسان المسرور الذي أصابه خير وفرح يحس بقصر المدة وكأن الزمن يمر عليه بسرعة. فتصبح الأيام لديه لحظات، وهذا ما يشير إليه المثل العربي المعروف: لحظة الفراق سنة وسنة الوصال لحظة.
فائدة «الصبر» في عالم البرزخ
للصبر في الدنيا ثماره في عالم البرزخ، حيث نقرأ في الروايات أن أعمال الإنسان كالصلاة والصوم والخمس والصبر والإحسان للناس ستأتي إلى قبره.
فينتظر الصبر جانباً ليرى ما يمكن لباقي الأعمال أن تقدمه لصاحبها في قبره، وهل ستنجيه أم لا؟ وحين يأتي (منكر ونكير) يقول الصبر لباقي الأعمال: (دونكم صاحبكما). فإن لم تستطيعوا حفظه اتركوه لي.
وللصبر مصاديق كثيرة منها: الصبر على الفقر، تحمل رفيق السوء، الصبر على المعصية والصبر على العبادات صبر كل من الرجل والمرأة على أخلاق الزوج السيئة. وأكثرها فعالية في البرزخ هو الصبر على المعصية. قال تعالى بحق الصابرين:
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ[6].
الصبر على المعصية يكون حينما تتهيأ مقدمات الذنب وتميل النفس إليه، فيصبر الإنسان ولا يرتكب الذنب. ويستعين بالله تعالى منه.
عالم البرزخ وحق الناس
حق الناس من الأمور الخطرة جداً والمسببة للعذاب الشديد في القبر وعالم البرزخ. ففي أول ليالي القبر يأتي كل ذنب ليسبب للإنسان عذاباً متناسباً معه. جاء في كتاب «دار السلام» للمرحوم النوري أستاذ المرحوم الحاج الشيخ عباس القمي:
إن أحد العلماء رأى في المنام والده بعد الموت وهو غير مرتاح، فاستفسر منه عن السبب وهو العالم الذي خدم الإسلام فقال أبوه: نعم المكان الذي أنا فيه، لكن الويل من حق الناس. فسبب عدم راحتي هو دين عشرة تومانات لفلان، يقول الابن ذهبت إلى الدائن وسألته هل كان أبي مدين لك؟ قال: نعم، قلت: فلماذا لم تأت تطلب حقك؟ قال: خشيت أن تتهمني بالكذب، إلا أني غير راض عن أبيك لأنه لم يـوص بذلك.
المطلب الثاني: النفخ في الصور
ورد في القرآن الكريم أن « إسرافيل» ينفخ في الصور فيموت كل من في السموات والأرض إلا من شاء الله تعالى، وبعد مدة لا يعلم مقدارها، ينفخ في الصور مرة أخرى فإذا هم قائمون من قبورهم ينتظرون في صف المحشر.
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ[7].
وهناك الكثير من نظائر هذه الآية في القرآن الكريم، مثلاً في سورة (يس) عُبر عن (النفخ في الصور) بـ «صيحة واحدة».
معنى النفخ في الصور
يظهر من الآيات والروايات أن (إسرافيل) الموكل بالنفخ في الصور، سينفخ فيه ليموت كل الأحياء، ثم ينفخ فيه أخرى فيبعثوا من جديد. ولكن ربما كان للنفخ في الصور معنى كنائي. فيكون النفخ في الصور كناية عن الإيقاظ وطلب التهيؤ والاستعداد. فمن المتعارف عليه استخدام البوق والطبل لهذه الأمور، ولعل معناه خطاب إسرافيل للخلائق بقوله: (موتوا)، فيموتون بإذن الله. ثم يقول مرة أخرى: (قوموا) فيقومون. أي يمكن أن يكون المراد من النفخ القول[8].
كيفية النفخ
يستفاد من الآيات وروايات أهل البيت (ع) أن النفخ في الصور من مسلمات الإسلام. هناك رواية في تفسير علي بن إبراهيم (رض) نقلها العلامة المجلسي عليه الرحمة أيضاً في المجلد السادس من كتاب «البحار».
يقول الراوي: حين تشرفت بزيارة الإمام الرابع (ع) أشار إلى أن الله تعالى يأمر إسرافيل حين تحين الساعة بالنفخ في الصور، فينفخ فيه ويموت كل ما في عالم الوجود إلا إسرافيل نفسه ثم يطلب منه الله تعالى تسليم روحه إلى خالقها، بعد ذلك لا يبقى في الوجود غير الله تعالى فيقول سبحانه:
ِّمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ[9].
ثم يُحيي الله تعالى إسرافيل ويأمره بالنفخ مرة أخرى… فتقوم الخلائق كلها، وقد قامت القيامة وجاءت الخلائق للحساب في الحضرة الربوبية.
يقول الراوي: لما وصل الكلام إلى هنا شرع الإمام (ع ) بالبكاء.
إحياء الموتى
قلنا أنه يتم إحياء الموتى في النفخة الثانية في الصور ولعل الآية الشريفة: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ…[10].
تشير إلى هذا المعنى وهو أن الإماتة الأولى انتقال من الدنيا إلى عالم البرزخ، والإحياء الأول يكون للبرزخ، والإماتة الثانية تحدث عند نفخة الصور الأولى، والإحياء الثاني يحدث عند نفخة الصور الثانية حيث يفهم من القرآن الكريم أنه يتم إحياء العالم أي عالم الوجود بعد هذه النفخة.
… إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ[11].
يوم الحشر في الآيات القرآنية
نقرأ في القرآن الكريم:
يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا[12].
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ[13].
وهو يوم عسير على غير المؤمنين.
فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ[14].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ[15].
وجاء في القرآن أن مدة يوم المحشر خمسين ألف سنة: تَعْرُجُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ الفَ سَنَةٍ[16].
لكنه كما أوضحنا سابقاً عن نسبية طول وقصر المدة، كذلك يوم القيامة لا يبدو طويلاً للمؤمنين، وهو ما نستفيده مما نقله صاحب مجمع البيان في ذيل الآية الشريفة، حيث سُئل الرسول (ص) عن طول يوم المحشر،
فبين (ص) أنه للمؤمنين بمقدار إقامة صلاة واحدة.
مواقف يوم القيامة
يستفاد من القرآن الكريم والروايات الشريفة أن هناك مواقف كثيرة تنتظرنا يوم القيامة. فقد جاء في القرآن الكريم ذكر خمسين موقفاً، وتقول بعض الروايات سبعين ألف سنة موقفاً.
أولياء الله يبكون خوفاً من المواقف
يقول «علي بن حاتم ذهبت عند معاوية بعد استشهاد أمير المؤمنين (ع)، فسألني معاوية: أين أبناءك؟ قلت: استعدوا مع علي (ع) في معركة صفين، فقال: لم يُنصفك، حيث بقي أولاده ومات أولادك! فبكيت وقلت: أنا لم أنصف مولاي علي (ع)، لأنه استشهد وبقيت أنا حياً.
فسألني معاوية: كم آلمك رحيل علي؟ قلت: كالأم التي يموت طفلها في حجرها. ولما رأى معاوية ثباتي (والحديث لعلي بن حاتم) قال: اذكر إحدى فضائل علي (ع) قلت: كان مولاي متواضعاً جداً لكنه عظيم الهيبة، فحين يجلس معنا تنعقد ألسنتنا وتنحبس أنفاسنا في صدورنا، بينما كان أمير المؤمنين (ع) يلتف على نفسه كالحية في منتصف الليل، متأوها من قلة الزاد ووحشة الطريق وطوله فيكثر في البكاء.
المواقف الصعبة
وردت أقوال كثيرة عن أسئلة المواقف، كما لم تبين كل المواقف في الروايات. لكن الواضح وجود ثلاث مواقف عظيمة إن اجتازها الإنسان بسلام تمكن من اجتياز باقي المواقف.
وهذه المواقف هي:
1ـ موقف أهل البيت (ع)
وهو أصعب المواقف، حيث يسأل الإنسان عن حبه لأهل البيت (ع) وولائه لهم. فإن أجاب عن الأسئلة نجح في الامتحان الأول.
لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وشبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وعن حبنا أهل البيت[17].
وقد نقل عن الزمخشري، وفخر الرازي وهما من كبار علماء أهل السنة في ذيل آية (المودة) في سورة الشورى هذه الأحاديث:
ألا ومن مات على بغض آل محمد (ص) مات كافراً[18].
ألا ومن مات على بغض آل محمد (ص) لا يشم فيه رائحة الجنة[19].
ألا ومن مات على حب آل محمد (ص) مات شهيداً. ألا ومن مات على حب آل محمد (ص) مات تائباً. ألا ومن مات على حب آل محمد (ص) بشره ملك الموت بالجنة[20].
۲- موقف الصلاة
جاء في الحديث الشريف: أول ما يحاسب به العبد الصلاة، إن قبلت قبل ما سواها وإن رُدَّت رُدَّ ما سواها[21].
لما حضرت الوفاة للإمام الصادق (ع) دعا جميع أهله وحدثهم بأمر مهم قائلاً: لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته، ولا يرد علي الحوض لا والله[22].
3- موقف حق الناس
ولعله الموقف الأكثر تعقيداً من الموقفين السابقين حيث يسأل فيه المرء عن «حق الناس». فقد فسر العلامة المجلسي (رض) في المجلد الثامن من (بحار الأنوار) الآية الشريفة إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ[23] كما يلي: المرصاد بمعنى الصراط وأن الله تعالى بالمرصاد يسأل عن حق الناس، ويقسم بعزته وجلاله أنه لو عفى عن كل شيء فلا يعفو عن حق الناس.
في جميع المواقف الأخرى تكون الملائكة هي التي تسأل، أما في هذا الموقف فإن الله القهار هو الذي يسأل عن حق الناس، وسيكون الحساب عسيراً جداً بحيث تُعوض أربعين صلاة مقبولة بدرهم واحد!!
المطلب الثالث: حوض الكوثر
حوض الكوثر من مسلّمات بحث المعاد والذي يعترف به جميع المسلمين شيعة وسنة على حد سواء.
وحسب الظاهر فإن سورة الكوثر تتحدث عن (حوض الكوثر) رغم أنها مؤولة للزهراء (ع)، حيث ذكرت لها معان أخرى.
رواية الثقلين
كان رسول الله (ص) يروي حديث الثقلين في المواقع المهمة والحساسة ومنها وقت ارتحاله (ص) إلى الرفيق الأعلى. وقد نقل المرحوم مير حامد صاحب کتاب «العبقات» هذه الرواية بأكثر من (٥٠٢) سند عن السنة والشيعة:
إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض[24].
تشير جملة حتى يردا علي الحوض إلى وجود نهر في المحشر باسم الكوثر، وهذا المعنى أشارت إليه روايات أئمة الدين (ع). و«الكوثر» صيغة مبالغة بمعنى الخير الكثير، فيكون المعنى حوضاً كثير الخير والبركة. ولهذا أطلق الكوثر على فاطمة الزهراء (ع)، فكلها خير وبركة.
يفهم من الرواية المذكورة أن رسول الله (ص) يصل الكوثر قبل الجميع لأنه يقول: حتى يردا علي الحوض، أي أن كتاب الله تعالى وعترتي يأتياني عند الحوض. ومن روايات أهل البيت (ع)[25] نفهم أن الناس بعد أن يقوموا في نفخة الصور الثانية يتوجهون إلى المحشر بجماعات مختلفة.
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ[26].
في ذلك اليوم يرد أمير المؤمنين (ع) وأتباعه الحقيقيون صف المحشر يظللهم لواء يُسمى (لواء الحمد) فيردون على النبي محمد المصطفى (ص). وتفيد الروايات أنه النبي (ص) والأئمة الأطهار (ع) وشيعتهم ومحبيهم سيقفون على مكان مرتفع يشرف على صف المحشر يُسمى (الأعراف)[27] يرون منه من حشر.
وإن الشيعة يسقيهم الإمام علي بن أبي طالب (ع) (ساقي الكوثر) بيده المباركة من ماء ذلك الحوض، الذي يعيد الشيخ شاباً ويزيل الصفات غير الإلهية[28]. ويقفون على مكان عال جداً، تل من المسك، يملأ المحشر عبيراً، لا يمسهم فيه جوع ولا عطش ولا نصب، ولا يحسون بطول الزمن فكأن الخمسون ألف سنة يوماً واحداً.
الرسول الأكرم (ص) والإمام علي (ع) عند حوض الكوثر
يقول صعصعة، كنت عند أمير المؤمنين (ع ) في آخر لحظات عمره الشريف، وطلبت منه النصيحة، فذكر لي ساعة رحيل الرسول (ص) حين وضع يده بيده مشيراً (ص) إلى منبر النور الذي سيوضع يوم القيامة وسط المحشر بالقرب من حوض الكوثر، والذي أقف أنا في أعلى درجاته وأنت يا علي بعدي، فيعطيني خازن الجنة مفاتيحها وكذلك يفعل خازن جهنم، بعدها أعطيك يا علي أمر الجنة والنار، فمن شئت ادخله الجنة ومن شئت ادخله النار.
قسيم الجنة والنار
تذكر الروايات أن من يكون مع أمير المؤمنين (ع) عند حوض الكوثر سوف لن يحاسب ولن يمر على الصراط ولن … فهؤلاء لا يشعرون بالانتقال من نشأة الدنيا إلى عالم الآخرة.
الإمام علي (ع) ساقي الكوثر
نقرأ في بعض الروايات أن بعض الأفراد يسقون وقت احتضارهم ماء الكوثر من يد مولى الموحدين علي (ع). وهؤلاء ممن تحدثنا عنهم للتو. ولعل كلام علي الأكبر (ع)، حين شهادته يشير إلى هذا المعنى. حيث طلب من أبيه (ع) أن لا يحزن على عطشه فقد ارتوى من يد جده الذي هيأ لأبيه (ع) الكأس الآخر.
هناك فئة ثانية حين تطلب الماء وقت احتضارها يأتيها الشيطان بوعاء فيه ماء بارد يعرض مبادلته بإيمانها، فتستجيب له، فيسلب إيمانها ثم يسكب الماء على الأرض أمام أعينها.
يوم المحشر، يوم عسير جداً على الكافرين والظالمين والفاسقين والمنافقين. أما شيعة علي (ع ) المتمسكين بولايته فهؤلاء يشربون ماء الحياة من يد ساقي الكوثر أمير الولاية. والمقصود بالشيعة هم الموالون الحقيقيون لعلي (ع)، والمقتدون به والسائرون على نهجه.
كل فرد يحشر مع إمامه
في يوم القيامة يحشر كل فرد مع الذين من جنسه ويسير خلف إمامه.
فبعد نفخة الصور الثانية، يجد كل شخص أبناء جنسه. فالفاسق يلقى الفاسقين، ويجذب الكافر إلى الكافرين. ويلتحق الظالم المتفرعن بالظلمة المتفرعنين، وبصورة عامة تجد كل أمة إمامها فتحشر معه.
السائرون على خط علي (ع) سيكون هو إمامهم، والمذنبون الشيعة وكما جاء في الروايات – الذين لم يقتدوا بإمامهم، لا يردوا حوض الكوثر إنما يحاسبوا، فمن كان أهلاً لشفاعة أهل البيت (ع) نال شفاعتهم، ودخل الجنة ومن لم يكن أهلاً لها، ذهب إلى جهنم ليتطهر ثم يكون محلا للشفاعة.
من هنا لو أردنا السير تحت (لواء الحمد) وخلف أمير المؤمنين (ع) حتى ندخل الجنة، علينا القيام بتهذيب نفوسنا في الدنيا، وأن نتخلى عن الصفات غير الإلهية ونلتزم بالأحكام والآداب الشرعية المقدسة. حتى تنصقل قلوبنا فلا نحتاج لإزالة صدأها إلى النار.
فالشيعي المذنب الذي لم يهذب نفسه، ويزكيها في الدنيا سيحرق في النار آلاف السنين ليتهذب ويتأهل لدخول الجنة. فعلينا سلوك طريق أئمة أهل الهدى بشكل لا تنحرف عنه في الدنيا والآخرة. فاتباع نهج علي (ع) في الدنيا سيؤدي إلى السير خلفه في الآخرة وعندها تبتعد عن أهوال القيامة وصحراء المحشر ونار جهنم. لكن لو انحرفنا عن خط علي والأئمة (ع) في الدنيا، فلا مجال لتوقع الأمان من مصائب القبر والبرزخ والقيامة العظيمة.
الاستنتاج
أن هناك آيات قرآنية أثبت وجود عالم البرزخ، وأنه اشبه بعالم النوم، وأول منزل له هو القبر، وفيه سؤال منكر ونكير والضغطة، ومدته قصيرة للمؤمنين وطويلة لغيرهم، وأن النفخ في الصور لابد منه ودلت عليه آيات قرآنية، كما أن هناك مواقف يوم القيامة صعبة كموقف أهل البيت (ع)، وموقف الصلاة وموقف حق الناس، وأن الكوثر هو حوض ماء وأن الإمام علي (ع) هو الساقي عليه كما أنه قسيم الجنة والنار.
الهوامش
[1] المؤمنون، ۹۹ – ۱۰۰.
[2] يس، ٢٦ – ٢٧.
[3] الواقعة، ۸۳.
[4] الواقعة، 88 و ۸۹.
[5] الواقعة، ۹۲ – ۹۵.
[6] البقرة، ١٥٧.
[7] الزمر، ٦٨ .
[8] يطلق في الاصطلاح الفلسفي على المرحلة الثانية من النفخ في الصور بـ كن رحماني.
[9] غافر، ١٦.
[10] غافر، ۱۱.
[11] الشورى، ٥٣.
[12] النبأ، ۱۸.
[13] الزلزلة، ٦.
[14] المدثر، ۸ – ۱۰، وهو للمؤمنين يوم أمن وطمأنينة. مَن جَاء بِالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ، النمل، ٨٩.
[15] الحج، ۱ – ۲.
[16] المعارج، ٤.
[17] الصدوق، الخصال.
[18] الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج٢٧، ص١٦٦.
[19] الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج٢٧، ص١٦٦.
[20] الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج٢٧، ص١٦٦.
[21] المجلسي، بحار الأنوار، ج٨٣، ص٢٥.
[22] المجلسي، بحار الأنوار، ج٨٤، ص٢٤١، ح٢٧.
[23] الفجر، ١٤.
[24] نقل هذا الحديث عن الشيعة والسنة بطرق مختلفة، وهو محل قبول الفريقين وقد قام الشيخ محمد قوام الدين بتحقيقات رائعة جداً حول هذا الحديث حيث طبعت في جامعة الأزهر بمصر تحت عنوان (حديث الثقلين).
[25] جمع العلامة المجلسي هذه الروايات في المجلدين ٦ – ٧ من كتاب بحار الأنوار.
[26] الإسراء، ۷۱.
[27] الأعراف جمع عرفة، يطلق على المكان المرتفع.
[28] وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ، الأعراف، ٤٣.
مصادر البحث
1ـ الصدوق، محمّد، الخصال، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، طبعة 1403 ه.
2ـ فخر الرازي، محمّد، التفسير الكبير، الرازي، الطبعة الثالثة، 1420 ه.
3ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه.
مصدر المقالة (مع تصرف)
المظاهري، حسين، المعاد في القرآن، ترجمة وتحقيق لجنة الهدى، بيروت، دار ومكتبة الرسول الأكرم (ص)، الطبعة الأُولى، 1412 ه.