- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 4 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
هناك حكم شرعي يقول: لا يجوز للزوجة أن تخرج من بيت زوجها إلّا بإذن الزوج في ما يجب فيه الخروج عقلاً وشرعاً، وهذا المنع ليس متفرّعاً على وجوب التمكين، وإنّما هو تكليف مستقلّ وإن لم يستلزم من ذلك تفويت حقّ الزوج، وقد دلّ على هذا الحكم النصوص الصحيحة.
فهل يعتبر هذا الحكم مخالفاً لكون الزوجة سكناً ومعاشرة بالمعروف؟
وهل يكون هذا الحكم تقييداً للزوجة الإنسانة وحدّاً من حرّيتها؟
وهل يكون هذا الحكم مخالفاً لسلطنة المرأة الزوجة على نفسها وأفعالها؟
فنقول في الجواب:
أوّلاً: لابدّ من استثناء الخروج الواجب شرعاً وعقلاً من هذا الحكم، كمراجعة الطبيب، وأداء فريضة الحجّ، والخروج الضروري العقلي، كما لو احترق الدار، فلا يتوقّف مثل هذا الخروج على إذن الزوج.
ثانياً: لابدّ معرفة حدود هذا الحكم، فهل يشمل صورة تحكّم الزوج في منعه زوجته من الخروج من البيت؟
قال البعض: لا يجوز تحكّم الزوج في منع زوجته من الخروج، لأنّ ولايته عليها إنّما هو لتكميل نقص الزوجة، فيكون المنع دائماً في صالحها، وفي صورة التحكّم ليس المنع في صالحها، فتسقط ولاية الزوج عليها في منعها من الخروج من البيت.
ويرد عليه: إنّنا لا نعترف بنقص المرأة، بل هي كاملة في إنسانيّتها وخلقتها وعقلها، وفي أداء وظيفتها، ولو كانت الولاية لإكمال نقص في الزوجة لكان ذلك قبل الزواج للأب أو الأخ بأن يمنعوها من الخروج، بل الولاية جُعلت للزوج فقط، فيُفهم أنّ الولاية للزوج في منع زوجته من الخروج من البيت ليس لتكميل نقص المرأة المدّعى.
والجواب الصحيح أن نقول:
1ـ إنّ هذا الحكم محدود بحدود تبجيل واحترام وتعظيم الزوج، فهو حكم خاصّ بالزوج، ويكشف عن هذا الأمر الكلمات الموجودة في بعض الروايات، كعنوان الطاعة وعدم العصيان، فيكون اشتراط جواز خروجها بإذنه هو تعبير ثانٍ عن إطاعة الزوجة للزوج، وخروجها بدون إذنه يعدّ مخالفاً لاحترام الزوج، ولذا جاز لها الخروج لأداء واجب أو للضرورة، حيث يكون ذلك منسجماً مع احترام الزوج.
ويتفرّع على هذا أنّ الرضى الباطني من الزوج كافٍ لخروجها، بمعنى أنّ الزوجة لوكانت تعلم بأنّها لو سألت الزوج في خروجها لوافق على ذلك، فيجوز عندئذٍ أن تخرج لأنّه لا ينافي إحترامه، وكذا لو سافر الزوج سفراً طويلاً ولم يمكن الإتّصال به، ولم ينهها عن الخروج لزيارة صديقتها، فلا يتوقّف عندئذٍ جواز خروج الزوجة على إجازة الزوج، لأنّ الزوج محترم سواء خرجت لهذا الأمر أم لم تخرج.
وكذا لو نشز الزوج (كما إذا ترك الحقوق الواجبة للزوجة)، فهنا لا نقول باشتراط إجازة الزوج في خروج الزوجة لسقوط إحترامه بنشوزه.
وكذا لو كان منع الزوج إيّاها تحكّماً صارخاً وعناداً محضاً، لا يتوقّف جواز خروجها على إذنه، ثمّ إنّه إذا تحدّد خروج الزوجة بحدود الاحترام، فحينئذٍ لا نفرّق بين أن يكون تصرّفها منوطاً بإذن الزوج لها أو بمنع الزوج لها، فإنّ عدم الإذن أو المنع المعين إذا كان يجعل خروجها من البيت هتكاً للزوج، ومخالفاً لاحترامه فهما على حدّ سواء.
وكذا يتحدّد هذا الحكم في حدود الاحترام، فإن كان ظالماً في منعه أو عدم إذنه بالخروج أو متحكّماً أو مخالفاً للشرع، فلا يكون الخروج متوقّفاً على إذنه، أو عدم نهيه ومنعه، لأنّ مَن يظلم الآخرين ويتعدّى عليهم لا يُحترم أيضاً.
ولهذا ورد في روايات صحيحة: >لا يمين للزوجة مع زوجها<(1)، وهذا أيضاً محدود بحدود احترام الزوج، وأن لا يكون يمين الزوجة في مورد هتكاً للزوج، ومخالفاً لاحترامه، ونحن نتمكّن أن نقول: إذا لم يأذن الزوج في يمين، أو إذا نهى عن يمين معيّنة، فإنّ اليمين لا ينعقد للزوجة لكونه هتكاً للزوج فلا يجوز.
ولذا نتعدّى من اليمين إلى النذر والعهد، فإنّهما لا ينعقدان إذا كانا في هتك الزوج، ويكون كذلك عند عدم إذنه أو مع نهيه، لأنّ الروايات دلّت على وجوب احترامه هنا.
2ـ توجد نكتة أُخرى ـ غير احترام الزوج ـ وهي: إنّ الإسلام رأى أنّ قيادة البيت إلى شاطئ الإمان وعدم الانحراف تكون بيد الزوج، والزوج قد يشكّ في قدرة زوجته على حفظ نفسها من غير المحارم، أو يشكّ في مدى قدرتها على عدم التميّع عند خروجها من البيت، أو قد يرى الزوج أنّ هذا الخروج يستوجب دخول بعض الأشخاص في العلاقات الشخصية لحياتهم الزوجية إلى غير ذلك من المحذورات.
ولكن حتّى مع هذه النكتة الإضافية لاحترام الزوج في ولايته، نقول: يخرج الزوج عن ولايته على زوجته تحكّماً، لأنّ التحكّم ينافي الاحترام.
ثمّ إنّ لزوم احترام الزوج على المرأة لا يلزم منه عدم احترام الزوج للزوجة، بل وردت روايات تحثّ الزوج على احترام الزوجة وتكريمها، بل تكريم المرأة وإن لم تكن زوجة، وهذه بعض الاشارات إلى ذلك الاحترام والتكريم:
1ـ الإنفاق والإحسان للنساء، فقد قال رسول الله(ص): >مَن كان له ثلاث بنات فأنفق عليهنّ وأحسن إليهنّ حتّى يغنيهن الله أوجب الله تعالى له الجنّة ألبتة، إلّا أن يعمل عملاً لا يغفر الله له<(2).
والإنفاق والإحسان نوع من احترام المرأة.
2ـ احترام المرأة مقياس للتفاضل، فقد ورد عن رسول الله(ص) أنّه قال: >خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي<(3).
وهذا من فورع التقوى الذي فيه التفاضل وهونوع احترام للمرأة.
3ـ إدخال الفرح على المرأة، فقد قال رسول الله(ص): >ما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلّا فرّحه الله يوم القيامة<(4).
وإدخال الفرح نوع احترام وتقدير.
4ـ سعة الصدر في المواقف المتشنّجة؛ فقد روي عن رسول الله(ص) أنّه قال: >مَن صبر على سوء خُلق إمرأته أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب على بلائه<(5).
وهذا نوع احترام وتقدير لها عند سوء خُلقها وعدم مقابلتها بالمثل.
5ـ تحريم أساليب القوّة المحرّمة، فقد قال رسول الله(ص): >مَن ضرب إمرأة بغير حقّ فأنا خصمه يوم القيامة، لا تضربوا نساءكم، فمَن ضربهنّ بغير حقّ فقد عصى الله ورسوله<(6).
6ـ حفظ سرّ المرأة؛ فقد قال رسول الله(ص): >إنّ أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى إمرأته وتفضي إليه، ثمّ يفشي سرّها<(7).
7ـ الوصايا بالنساء، فقد قال رسول الله(ص) في آخر وصية له: >الله الله في النساء، فإنّهن عوان عندكم وفي أيديكم، أخذتموهنّ بعهد الله<(8).
وهذه التوصية بها هو نوع احترام لها كما هو واضح.
وقال(ص): >ما أكرم النساء إلّا كريم، ولا أهانهنّ إلّا لئيم<(9).
وقال(ص): >أوصاني جبرائيل بالمرأة حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلّا من فاحشة مبيّنة<(10).
إذا اتّضح ما تقدّم فسيكون المفهوم هو أنّ احترام أقوى وأهم من احترام الزوجة، كالاحترام بين الأب والابن، فكلّ منهما محترم، إلّا أنّ احترام الأب أكثر وأقوى من احترام الابن، كما أنّ العطف على الابن والصغير والمرأة أقوى من العطف على الكبير والرجل والأب.
لهذا نرى الشارع جعل استحباب إطاعة الزوجة لزوجها في أُمور منها:
1ـ في التصرّف بماله في الصدقة والعتق والهبة والتدبير والنذر.
2ـ ليس لها أن تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه.
بما أنّ الزوج ليس له ولاية على أموال الزوجة وتصرّفاتها فيها، وليس له ولاية على أفعالها العبادية إذا لم تنافِ حقّ الاستمتاع، فهي ليست خادمة أو مملوكة للزوج، وعليه تكون أفعالها هذه إمّا مستحبّة أو جائزة أو واجبة أو محرمة أو مكروهة.
أمّا المحرّمة فلا يجوز أن تفعلها منع منها الزوج أو أجازها، وكذا الواجبة، كما لو حلفت بأذن الزوج أن تنفق على طفل معيّن، فيجب عليها الإنفاق سواء وافق على الإنفاق أم لا، بعد إذنه وجوازه بالنذر.
وأمّا اتّصاف أفعالها بالأحكام الثلاثة الباقية، فهي على القاعدة الأوّلية من الجواز، إلّا أنّ احترام الزوج إمّا واجب أو مستحب، فإن تعارض احترامه مع فعلها المتّصف بالأحكام الثلاثة يُقدّم احترامه، وإجازته على جواز فعلها بالمعنى الأعم الشامل للأحكام الثلاثة الباقية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 16، باب10، من كتاب الايمان، ح2.
2ـ سنن أبي داود 2: 630.
3ـ مجمع الزوائد 4: 303.
4ـ المحجّة البيضاء 3: 119.
5ـ مكارم الأخلاق: 245.
6ـ تحف العقول: 175.
7ـ صحيح مسلم 4: 175.
8ـ السيرة النبوية لابن هشام 2: 604.
9ـ مختصر تاريخ دمشق 7: 50.
10ـ وسائل الشيعة 14: 121، ح4.
الكاتب: الشيخ حسن الجواهري