- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 5 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
يتطرق الكاتب في كتابه إلى نماذج من شعر الإمام الحسين (ع) فيقول:
وعرضت مصادر التاريخ والأدب العربي إلى بعض ما نظمه الإمام الحسين ( ع ) من الشعر وما استشهد به في بعض المناسبات ، وإن كان بعضها – فيما نحسب – لا يخلو من الانتحال ، وهذه بعضها :
1 – دخل اعرابي مسجد الرسول الأعظم ( ص ) فوقف على الحسين ابن علي وحوله حلقة مجتمعة من الناس فسأل عنه ، فقيل له إنه الحسن ابن علي ، فقال : إياه أردت بلغتي أنهم يتكلمون فيعربون في كلامهم ، واني قطعت بوادي ، وقفارا ، وأودية ، وجبالا ، وجئت لا طارحة الكلام وأسأله عن عويص العربية ، فقال له أحد جلساء الامام : ان كنت جئت لهذا فابدأ بذلك الشاب ، وأومأ إلى الحسين ، فبادر إليه ، ووقف فسلم عليه فرد الإمام عليه السلام ، فقال له :
– ما حاجتك ؟
– جئتك من الهرقل والجعلل والاينم ، والهمهم .
فتبسم الإمام الحسين ، وقال له : يا اعرابي لقد تكلمت بكلام ما يعقله الا العالمون ، فقال الأعرابي : وأقول : أكثر من هذا ، فهل أنت مجيبي على قدر كلامي ؟
فقال له الحسين :
– قل ما شئت فاني مجيبك .
– إني بدوي ، وأكثر مقالي الشعر ، وهو ديوان العرب .
– قل ما شئت فاني مجيبك .
وأنشأ الأعرابي يقول :
هفا قلبي إلى اللهو * وقد ودع شرخيه
وقد كان أنيقا * عصر تجراري ذيليه
عيالات ولذات * فيا سقيا لعصريه
فلما عمم الشيب * من الرأس نطاقيه
وأمسى قد عناني * منه تجديد خضابيه
تسليت عن اللهو * وألقيت قناعيه
وفي الدهر أعاجيب * لمن يلبس حاليه
فلو يعمل ذو رأي * أصيل فيه رأييه
لالفى عبرة منه * له في كر عصريهه
فأجابه الإمام الحسين ( ع ) ارتجالا :
فما رسم شجاني قد * محت آيات رسميه
سفور درجت ذيلين * في بوغاء قاعيه ( 1 )
هتوف حرجف تترى * على تلبيد ثوبيه ( 2 )
وولاج من المزن * دنا نوء سماكيه
أتى مثغنجر الورق * بجود من خلاليه
وقد أحمد برقاه * فلا ذم لبرقيه
وقد جلل رعداه * فلا ذم لرعديه
ثجيج الرعد ثجاج * إذا أرخى نطاقيه
فاضحي دارسا قفرا * لبينونة أهليه
فلما سمع الأعرابي ذلك بهر وانطلق يقول : ما رأيت كاليوم أحسن من هذا الغلام كلاما وأذرب لسانا ، ولا أفصح منه نطقا ، فقال له الإمام الحسن ( ع ) يا اعرابي :
غلام كرم الرحمن * بالتطهير جديه
كساه القمر القمقام * من نور سنائيه
وقد أرصنت من شعري * وقومت عروضيه
فلما سمع الأعرابي قول الإمام الحسن ( ع ) انبرى يقول : بارك الله عليكما ، مثلكما تجلهما الرجال فجزاكما الله خيرا وانصرف ( 3 ) ودلت هذه البادرة على مدى ما يتمتع به الإمام ( ع ) من قوة العارضة في الشعر ، ومقدرته الفائقة في الارتجال والابداع ، إلا أن بعض فصول هذه القصة – فيما نحسب – لا يخلو من الانتحال ، وهو مجئ الأعرابي من بلد نائي قد تحمل عناء السفر وشدته من أجل اختبار الامام ومعرفة مقدراته الأدبية
2 – نسبت له هذه الأبيات الحكمية :
إذا ما عضك الدهر * فلا تجنح إلى الخلق
ولا تسأل سوى الله * تعالى قاسم الرزق
فلو عشت وطوفت * من الغرب إلى الشرق
لما صادفت من يقد * ر أن يسعد أو يشقى ( 4 )
وحث هذا الشعر على القناعة واباء النفس ، وعدم الخنوع للغير ، وأهاب بالانسان أن يسأل أحدا إلا ربه الذي بيده مجريات الاحداث .
3 – قال ( ع ) :
اغن عن المخلوق بالخالق * تغن عن الكاذب والصادق
واسترزق الرحمن من فضله * فليس غير الله من رازق
من ظن أن الناس يغنونه * فليس بالرحمن بالواثق
أو ظن أن المال من كسبه * زلت به النعلان من حالق ( 5 )
وفي هذه الأبيات دعوة إلى الالتجاء إلى الله خالق الكون وواهب الحياة ، والاستغناء عمن سواه فان من ركن لغيره فقد خاب سعيه وحاد عن الصواب .
4 – زار الإمام الحسين ( ع ) مقابر الشهداء بالبقيع فانبرى يقول :
ناديت سكان القبور فاسكتوا * فأجابني عن صمتهم ترب الحشا
قالت : أتدري ما صنعت بساكني * مزقت لحمهم وخرقت الكسا
وحشوت أعينهم ترابا بعدما * كانت تأذى باليسير من القذا
أما العظام فإنني مزقتها * حتى تباينت المفاصل والشوى
قطعت ذا من ذا ومن هذا كذا * فتركتها مما يطول بها البلى ( 6 )
وحفلت هذه الأبيات بالدعوة إلى الاعتبار والعظة بمصير الانسان وأنه حينما يودع في بطن الأرض لم يلبث أن يتلاشى وتذهب نضارته ويعود بعد قليل كتلة من التراب المهين .
5 – ونسب الأعشى هذه الأبيات للإمام الحسين ( ع ) :
كلما زيد صاحب المال مالا * زيد في همه وفي الاشتغال
قد عرفناك يا منغصة العيش * ويا دار كل فان وبال
ليس يصفو لزاهد طلب * الزهد إذا كان مثقلا بالعيال ( 7 )
وتحدث الامام بهذه الأبيات عن ظاهرة خاصة من ظواهر الحياة وهي أن الانسان كلما اتسع نطاقه المادي ازدادت آلامه وهمومه ، وازداد جهدا وعناءا في تصريف شؤون أمواله ، وزيادة أرباحه ، كما تحدث الامام عمن يرغب في الزهد في الحياة فإنه لا يجد سبيلا إلى ذلك ما دام مثقلا بالعيال فان شغله بذلك يمنعه عن الزهد في الدنيا .
6 – روى الأربلي أن الإمام قال هذه الأبيات في ذم البغي :
ذهب الذين أحبهم * وبقيت فيمن لا أحبه
في من أراه يسبني * ظهر المغيب ولا أسبه
يبغي فسادي ما استطاع * وأمره مما أربه ( 8 )
حنقا يدب لي الضراء * وذاك مما لا أدبه
ويرى ذباب الشر من * حولي يطن ولا يذبه
وإذا خبا ( 9 ) وغر الصدور * فلا يزال به يشبه
أفلا يعيج بعقله ( 10 ) * أفلا يثوب إليه لبه ( 11 )
أفلا يرى من فعله * ما قد يسور إليه غبه ( 12 )
حسبي بربي كافيا * ما أختشي والبغي حسبه
ولقل من يبغي عليه * فما كفاه الله ربه ( 13 )
وتحدث الإمام ( ع ) بهذه الأبيات عن إحدى النزعات الشريرة في الانسان وهي البغي فان من يتلوث به يسعى دوما إلى سب أخيه والاعتداء عليه وافساده أمره ، وانه إذا سكن وغر الصدور فإنه يسعى لاثارتها انطلاقا منه في البغي والاعتداء ، وقد وجه ( ع ) إليه النصح فإنه إذا رجع عقله وفكر في أمره فان غيه على حيه يرجع إليه ، وتلحقه أضراره وآثامه ومن الطبيعي انه إذا أطال التفكير في ذلك فإنه يقلع عن نفسه هذه الصفة الشريرة حسب ما نص عليه علماء الأخلاق .
7 – وزعم أبو الفرج الأصبهاني ان الإمام الحسين ( ع ) قال : هذين البيتين في بنته سكينة وأمها الرباب :
لعمرك أنني لأحب دارا * تكون بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل جل مالي * وليس لعاتب عندي عتاب ( 14 )
وزاد غيره هذا البيت : فلست لهم وان غابوا مضيعا * حياتي أو يغيبني التراب ( 15 )
وهذه الأبيات فيما نحسب من المنتحلات والموضوعات فان الإمام الحسين عليه السلام أجل شأنا وأرفع قدرا من أن يذيع حبه لزوجته وابنته بين الناس ، فليس هذا من خلقه ، ولا يليق به ، ان ذلك – من دون شك – من المفتريات التي تعمد وضعها للحط من شأن أهل البيت ( ع ) .
8 – ومما قاله :
الله يعلم أن ما * بيدي يزيد لغيره
وبأنه لم يكتسبه * بخيره وبميره
لو انصف النفس الخؤون * لقصرت من سيره
ولكان ذلك منه أدنى * شره من خيره ( 16 )
وبهذا ينتهي بنا المطاف عن بعض مثل الإمام الحسين ( ع ) ونزعاته التي كان بها فذا من أفذاذ العقل الانساني ومثلا رائعا من أمثلة الرسالة الاسلامية بجميع قيمها ومكوناتها .
الهوامش
( 1 ) سفور : مأخوذ من سفرت الريح التراب أو الورق أزالتهما وذهبت بهما كل مذهب ، درجت من نعوت الريح ، البوغاء التراب .
( 2 ) الهتوف : الريح ذات الصوت ، والحرجف : الريح الباردة .
التلبيد : التداخل .
( 3 ) مطالب السؤل في مناقب آل الرسول .
( 4 ) كشف الغمة 2 / 246 الفصول المهمة .
( 5 ) تاريخ ابن عساكر 4 / 324
( 6 ) البداية والنهاية 8 / 208 .
( 7 ) تاريخ ابن عساكر 4 / 324
( 8 ) أربه : أصلحه .
( 9 ) خبا : سكن .
( 10 ) يعيج : ينتفع .
( 11 ) اللب : العقل .
( 12 ) يسور : يرجع .
( 13 ) كشف الغمة . ريحانة الرسول ( ص 48 ) .
( 14 ) الأغاني .
( 15 ) ذكرى الحسين 1 / 139 ، البداية والنهاية 8 / 209 .
( 16 ) ريحانة الرسول ( ص 49 ) .
المصدر: حياة الإمام الحسين (ع) ج 1 / الشيخ باقر شريف القرشي
الخلاصة
إن الكاتب في كتابه يتطرق إلى نماذج من شعر الإمام الحسين (ع) ، فيذكر ثمانية موارد كشاهد لكلامه .