- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 9 دقیقة
- بواسطة : المشرف
- 0 تعليق
أحد الدلائل على إمامتهم عليهم السلام : ما ظهر منهم من العلوم التي تفرقت في فرق العالم ، فحصل في كل فرقة منهم فن منها ، فاجتمعت فنونها وسائر أنواعها في آل محمد عليهم السلام ، ألا ترى إلى ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في أبواب التوحيد ، والكلام الباهر المفيد من الخطب ، وعلوم الدين ، وأحكام الشريعة ، وتفسير القرآن ، وغير ذلك ما زاد على كلام جميع الخطباء والعلماء والفصحاء ، حتى أخذ عنه المتكلمون والفقهاء والمفسرون ، ونقل أهل العربية عنه أصول الاعراب ومعاني اللغات ، وقال في الطب ما استفادت منه الأطباء ، وفي الحكمة والوصايا والآداب ما أربى على كلام جميع الحكماء ، وفي النجوم وعلم الآثار ما استفاده من جهته جميع أهل الملك والآراء .
ثم قد نقلت الطوائف عمن ذكرناه من عترته وأبنائه عليهم السلام مثل ذلك من العلوم في جميع الأنحاء ، ولم يختلف في فضلهم وعلو درجتهم في ذلك من أهل العلم اثنان .
فقد ظهر عن الباقر والصادق عليهما السلام – لما تمكنا من الاظهار وزالت عنهما التقية التي كانت على سيد العابدين عليه السلام – من الفتاوى في الحلال والحرام ، والمسائل والاحكام ، وروى الناس عنهما من علوم الكلام ، وتفسير القرآن ، وقصص ا لأنبياء ، والمغازي ، والسير ، وأخبار العرب وملوك الأمم ما سمي أبو جعفر عليه السلام لأجله باقر العلم .
وروى عن الصادق عليه السلام في أبوابه من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان ، وصنف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب هي معروفة بكتب الأصول ، رواها أصحابه وأصحاب أبيه من قبله ، وأصحاب ابنه أبي الحسن موسى عليهم السلام ، ولم يبق فن من فنون العلم إلا روي عنه عليه السلام فيه أبواب .
وكذلك كانت حال ابنه موسى عليه السلام من بعده في إظهار العلوم ، إلى أن حبسه الرشيد ومنعه من ذلك .
وقد انتشر أيضا عن الرضا وابنه أبي جعفر عليهما السلام من ذلك ما شهرة جملته تغني عن تفصيله .
وكذلك كانت سبيل أبي الحسن وأبي محمد العسكريين عليهما السلام ، وإنما كانت الرواية عنهما أقل لأنهما كانا محبوسين في عسكر السلطان ، ممنوعين من الانبساط في الفتيا ، وأن يلقاهما كل أحد من الناس .
وإذا ثبت بما ذكرناه بينونة أئمتنا عليهم السلام – بما وصفناه – عن جميع الأنام ، ولم يمكن لاحد أن يدعي أنهم أخذوا العلم عن رجال العامة ، أو تلقوه من رواتهم وفقهائهم ، لأنهم لم يروا قط مختلفين إلى أحد من العلماء في تعلم شئ من العلوم ، ولأن ما اثر عنهم من العلوم أكثره لم يعرف إلا منهم ، ولم يظهر إلا عنهم ، وعلمنا أن هذه العلوم بأسرها قد انتشرت عنهم ، مع غناهم عن سائر الناس ، وتيقنا زيادتهم في ذلك على كافتهم ، ونقصان جميع العلماء عن رتبتهم ، ثبت أنهم أخذوها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ، وأنه قد أفردهم بها ليدل على إمامتهم بافتقار الناس إليهم فيما يحتاجون إليه ، وغناهم عنهم ، وليكونوا مفزعا لامت ، في الدين ، وملجأ لهم في الاحكام ، وجروا في هذا التخصيص مجرى النبي صلى عليه وآله وسلم في تخصيص الله تعالى بإعلامه أحوال الأمم السالفة ، وإفهامه ما في الكتب المتقدمة من غير أن يقرأ كتابا أو يلقى أحد من أهله .
هذا وقد ثبت في العقول أن الأعلم الأفضل أولى بالإمامة من المفضول ، وقد بين الله سبحانه ذلك بقوله : ( أفمن يهدي إلى الحق ألحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى ) ( 1 ) .
وقوله : ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) ( 2 ) .
ودل بقوله سبحانه في قصة طالوت : ( وزاده بسطة في العلم والجسم ) ( 3 ) أن التقدم في العلم والشجاعة موجب للتقدم في الرئاسة . فإذا كان أئمتنا عليهم السلام أعلم الأمة بما ذكرناه ، فقد ثبت أنهم أئمة الاسلام الذين استحقوا الرئاسة على الأنام على ما قلناه .
دلالة أخرى :
ومما يدل على إمامتهم عليهم السلام أيضا : إجماع الأمة على طهارتهم ، وظاهر عدالتهم ، وعدم التعلق عليهم أو على أحد منهم بشئ يشينه في ديانته ، مع اجتهاد أعدائهم وملوك أزمنتهم في الغض منهم ، والوضع من أقدارهم ، والتطلب لعثراتهم ، حتى أنهم كانوا يقربون من يظهر عداوتهم ، ويقصون بل يجفون وينفون ويقتلون من يتحقق بولايتهم ، وهذا أمر ظاهر عند من سمع أخبار الناس ، فلولا أنهم عليهم السلام كانوا على صفات الكمال من العصمة والتأييد من الله تعالى بمكان ، وأنه سبحانه منع بلطفه كل أحد من أن يتخرص عليهم باطلا ، أو يتقول فيهم زورا ، لما سلموا عليهم السلام من ذلك على الحد الذي شرحناه ، لا سيما وقد ثبت أنهم لم يكونوا ممن لا يؤبه بهم ، وممن لا يدعو الداعي إلى البحث عن أخبارهم لخمولهم وانقطاع آثارهم ، بل كانوا على أعلى مرتبة من تعظيم الخلق إياهم ، وفي الدرجة ( 4 ) الرفيعة التي يحسدهم عليها الملوك ، ويتمنونها لأنفسهم ، لان شيعتهم مع كثرتها في الخلق ، وغلبتها على أكثر البلاد ، اعتقدت فيهم الإمامة التي تشارك النبوة ، وادعت عليهم الآيات المعجزات ، والعصمة عن الزلات ، حتى أن الغلاة قد اعتقدت فيهم النبوة والإلهية ، وكان أحد أسباب اعتقادهم ذلك فيهم حسن آثارهم ، وعلو أحوالهم ، وكمالهم في صفاتهم ، وقد جرت العادة فيمن حصل له جزء من هذه النباهة أن لا يسلم من ألسنة أعدائه ، ونسبتهم إياه إلى بعض العيوب القادحة في الديانة أو الأخلاق .
فإذا ثبت أن أئمتنا عليهم السلام نزههم الله عن ذلك ، ثبت أنه سبحانه هو المتولي لجميع الخلائق على ذلك بلطفه وجميل صنعه ، ليدل على أنهم حججه على عباده ، والسفراء بينه وبين خلقه ، والأركان لدينه ، والحفظة لشرعه . وهذا واضح لمن تأمله .
دلالة أخرى : ومما يدل أيضا على إمامتهم عليهم السلام ما حصل من الاتفاق على برهم وعدالتهم ، وعلو قدرهم وطهارتهم ، وقد ثبت بلا شك معرفتهم عليهم السلام بكثير ممن يعتقد إمامتهم في أيامهم ، ويدين الله تعالى بعصمتهم والنص عليهم ، ويشهد بالمعجز لهم .
ووضح أيضا اختصاص هؤلاء بهم ، وملازمتهم إياهم ، ونقلهم الاحكام والعلوم عنهم ، وحملهم الزكوات والأخماس إليهم ، ومن أنكر هذا أو دفع كان مكابرا دافعا للعيان ، بعيدا عن معرفة أخبارهم .
فقد علم كل محصل نظر في الاخبار أن هشام بن الحكم ، وأبا بصير ، وزرارة بن أبي أعين ، وحمران وبكير ابني أعين ، ومحمد بن النعمان الذي يلقبه العامة شيطان الطاق ، وبريد بن معاوية العجلي ، وأبان بن تغلب ، ومحمد ابن مسلم الثقفي ، ومعاوية بن عمار الدهني ، وغير هؤلاء ممن بلغوا الجمع الكثير ، والجم الغفير ، من أهل العراق والحجاز وخراسان وفارس ، كانوا في وقت الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام رؤساء الشيعة في الفقه ورواية الحديث والكلام ، وقد صنفوا الكتب ، وجمعوا المسائل والروايات ، وأضافوا أكثر ما اعتمدوه من الرواية إليه ، والباقي إليه وإلى أبيه محمد عليهما السلام ، وكان لكل إنسان منهم أتباع وتلامذة في المعنى الذي يتفرد به ، وإنهم كانوا يرحلون من العراق إلى الحجاز في كل عام أو أكثر أو أقل ، ثم يرجعون ويحكون عنه الأقوال ، ويسندون إليه الدلالات ، وكانت حالهم في وقت الكاظم والرضا عليهما السلام على هذه الصفة ، وكذلك إلى وفاة أبي محمد العسكري عليه السلام ، وحصل العلم باختصاص هؤلاء بأئمتنا عليهم السلام ، كما نعلم اختصاص أبي يوسف ومحمد بن الحسن بابي حنيفة ، وكما نعلم اختصاص المزني والربيع بالشافعي ، واختصاص النظام بابي الهذيل ، والجاحظ والأسواري بالنظام .
ولا فرق بين من دفع الامامية عمن ذكرناه ، ومن دفع من سميناه عمن وصفناه في الجهل بالاخبار ، والعناد والانكار .
وإذا كان الامر على ما ذكرناه لم تخل الامامية في شهادتها بإمامة هؤلاء عليهم السلام من أحد أمرين : إما أن تكون محقة في ذلك صادقة ، أو مبطلة في شهادتها كاذبة . فإن كانت محقة صادقة في نقل النص عنهم على خلفائهم عليهم السلام ، مصيبة فيما اعتقدته فيهم من العصمة والكمال ، فقد ثبتت إمامتهم على ما قلناه ، وإن كانت كاذبة في شهادتها ، مبطلة في عقيدتها ، فلن يكون كذلك إلا ومن سميناهم من أئمة الهدى عليهم السلام ضالون برضاهم بذلك ، فاسقون بترك النكير عليهم ، مستحقون البراءة من حيث تولوا الكذابين ، مضلون للأمة لتقريبهم إياهم ، واختصاصهم بهم من بين الفرق كلها ، ظالمون في أخذ الزكوات والأخماس عنهم ، وهذا ما لا يطلقه مسلم فيمن نقول بإمامته ، وإذا كان الاجماع المقدم ذكره حاصلا على طهارتهم وعدالتهم ، ووجوب ولايتهم ، ثبتت إمامتهم بتصديقهم لمن أثبت ذلك ، وبما ذكرناه من اختصاصهم بهم ، وهذا واضح ، والمنة لله .
دلالة أخرى : ومما يدل أيضا على إمامتهم عليهم السلام وأنهم أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ما نجده من تسخير الله تعالى الولي لهم في التعظيم لمنزلتهم ، والعدو لهم في الاجلال لمرتبتهم ، وإلهامه سبحانه جميع القلوب إعلاء شأنهم ، ورفع مكانهم ، على تباين مذاهبهم وآرائهم ، واختلاف نحلهم وأهوائهم .
فقد علم كل من سمع الاخبار ، وتتبع الآثار ، أن جميع المتغلبين عليهم ، المظهرين لاستحقاق الامر دونهم ، لم يعدلوا قط عن تبجيلهم ، وإجلال قدرهم ، ولا أنكروا فضلهم ، وإن كان بعض أعدائهم قد بارز بعضهم بالعداوة لدواع دعتهم إلى ذلك .
ألا ترى أن المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام قد أظهروا من تقديمه وتعظيم ولديه الحسن والحسين عليهما السلام في زمان إمامتهم على الأمة ، وكذلك الناكثون لبيعته لم يتمكنوا مع ذلك من إنكار فضله ، ولا امتنعوا من الشهادة له بفضله ، ولا فسقوه في فعله .
وكذلك معاوية – وإن كان قد أظهر عداوته ، وبنى أكثر أموره على العناد – لم ينكر جميع حقوقه ، ولا دفع عظيم منزلته في الدين ، بل قفا أثر طلحة والزبير في التعلل بطلب دم عثمان ، وكان يظهر القناعة منه بأن يقره على ولايته التي ولاه إياها من كان قبله ، فيكف عن خلافه ، ويصير إلى طاعته ، ولم يمكنه الدفع لكونه عليه السلام الأفضل في الاسلام والشرف والوصلة بالنبي عليه السلام والعلم والزهد ، ولا الانكار لشئ من ذلك ، ولا الادعاء لنفسه مساواته فيه ، أو مقارنته ومداناته ، وقد كان يحضره الجماعة كالحسن بن علي وابن عباس وسعد بن مالك فيحتجون عليه بفضل أمير المؤمنين عليه السلام على جميع الصحابة ، فلا يقدم على الانكار عليهم ، مع إظهاره في الظاهر البراءة منه ، والخلاف عليه . وكان تقدم عليه وفود أهل العراق من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام فيجرعونه السم الذعاف من مدح إمام الهدى صلوات الله عليه ، وذمه في أثناء ذلك ، فلا يكذبهم ولا يناقض احتجاجاتهم ، وكان من أمر الوافدات عليه في هذا المعنى ما هو مشهور ، مدون في كتب الآثار مسطور .
ثم قد كان من أمر ابنه يزيد لعنه الله مع الحسين عليه السلام ما كان من القتل والسبي والتنكيل ، ومع ذلك فلم يحفظ عنه ذمه بما يوجب إخراجه عن موجب التعظيم ، بل قد أظهر الندم ( 5 ) على ذلك ، ولم يزل يعظم سيد العابدين عليه السلام بعده ، ويوصي به ، حتى أنه آمنه من بين أهل المدينة كلهم في وقعة الحرة ، وأمر مسلم بن عقبة بإكرامه ، ورفع محله ، وأمانه مع أهل بيته ومواليه . ومثل ذلك كانت حال من بعده من بني مروان أيضا مع علي ابن الحسين عليهما السلام ، حتى أنه كان أجل أهل الزمان عندهم .
وكذلك كانت حال الباقر عليه السلام مع بقية بني مروان ، ومع أبي العباس السفاح ، وحال الصادق عليه السلام مع أبي جعفر المنصور ، وحال أبي الحسن موسى عليه السلام مع الهادي والرشيد ، حتى أن هارون الرشيد لما قتله تبرأ من قتله ، وأحضر الشهود ليشهدوا بوفاته على السلامة وإن كان الامر على خلافه .
وكان من المأمون مع الرضا عليه السلام ما هو مشهور ، وكذلك حال ابنه أبي جعفر عليه السلام على صغر سنه ، وحلوكة لونه من التعظيم والمبالغة في رفع القدر ، حتى أنه زوجه ابنته أم الفضل ، ورفعه في المجلس على سائر بني العباس والقضاة .
وكذلك كان المتوكل يعظم علي بن محمد عليه السلام مع ظهور عداوته لأمير المؤمنين عليه السلام ، ومقته له ، وطعنه على آل أبي طالب .
وكذلك حال المعتمد مع أبي محمد عليه السلام في إكرامه والمبالغة فيه .
هذا ، وهؤلاء الأئمة عليهم السلام في قبضة من عددناه من الملوك على الظاهر ، وتحت طاعتهم ، وقد اجتهدوا كل الاجتهاد في أن يعثروا على عيب يتعلقون به في الحط من منازلهم ، وامعنوا في البحث عن أسرارهم وأحوالهم في خلواتهم لذلك فعجزوا عنه ، فعلمنا أن تعظيمهم إياهم مع ظاهر عداوتهم لهم وشدة محبتهم للغض منهم ، وإجماعهم على ضد مرادهم فيهم من التبجيل والاكرام تسخير من الله سبحانه لهم ، ليدل بذلك على اختصاصهم منه – جلت قدرته – بالمعنى الذي يوجب طاعتهم على جميع الأنام ، وما هذا إلا كالأمور غير المألوفة والأشياء الخارقة للعادة .
ويؤيد ما ذكرناه من تسخير الله سبحانه الخلق لتعظيمهم ما شاهدنا الطوائف المختلفة والفرق المتباينة في المذاهب والآراء أجمعوا على تعظيم قبورهم وفضل مشاهدهم ، حتى أنهم يقصدونها من البلاد الشاسعة ، ويلمون بها ، ويتقربون إلى الله سبحانه بزيارتها ، ويستنزلون عندها من الله الأرزاق ، ويستفتحون الاغلاق ، ويطلبون ببركتها الحاجات ، ويستدفعون الملمات ، وهذا هو المعجز الخارق للعادة ، وإلا فما الحامل للفرقة المنحازة عن هذه الجهة المخالفة لهذه الجنبة على ذلك ، ولم لم يفعلوا بعض ما ذكرناه بمن يعتقدون إمامته وفرض طاعته وهو في الدين موافق لهم ، مساعد غير مخالف معاند .
ألا ترى أن ملوك بني أمية وخلفاء بني العباس – مع كثرة شيعتهم وكونهم أضعاف اضعاف شيعة أئمتنا ، وكون الدنيا أو أكثرها لهم وفي أيديهم ، وما حصل لهم من تعظيم الجمهور في حياتهم ، والسلطنة على العالمين ، والخطبة فوق المنابر في شرق الأرض وغربها لهم بإمرة المؤمنين – لم يلم أحد من شيعتهم وأوليائهم – فضلا عن أعدائهم – بقبورهم بعد وفاتهم ، ولا قصد أحد تربة لهم متقربا بذلك إلى ربه ، ولا نشط لزيارتهم ، وهذا لطف من الله سبحانه لخلقه في الايضاح عن حقوق أئمتنا عليهم السلام ، ودلالة منه على علو منزلتهم منه جل اسمه ، لا سيما ودواعي الدنيا ورغباتها معدومة عند هذه الطائفة مفقودة ، وعند أولئك موجودة ، فمن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواع الدنيا ، ولا يمكن أيضا أن يكونوا فعلوه لتقية ، فإن التقية هي فيهم لا منهم ، ولا خوف من جهتهم بل هو عليهم ، فلم يبق إلا داعي الدين . وهذا هو الامر العجيب الذي لا تنفذ فيه إلا قدرة القادر ، وقهر ( 6 ) القاهر الذي يذلل الصعاب ، ويسبب الأسباب ، ليوقظ به الغافلين ، ويقطع عذر المتجاهلين .
وأيضا فقد شارك أئمتنا عليهم السلام غيرهم من أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حسبهم ونسبهم وقرابتهم ، وكان لكثير منهم عبادات ظاهرة ، وزهد وعلم ، ولم يحصل من الاجماع على تعظيمهم وزيارة قبورهم ما وجدناه قد حصل فيهم عليهم السلام ، فإن من عداهم من صلحاء العترة بين من يعظمه فريق من الأمة ويعرض عنه فريق ، ومن عظمه منهم لا يبلغ بهم في الاجلال والاعظام الغاية التي يبلغها فيمن ذكرناه ، وهذا يدل على أن الله تعالى خرق في أئمتنا عليهم السلام العادات ، وقلب الجبلات للإبانة عن علو درجتهم ، والتنبيه على شرف مرتبتهم ، والدلالة على إمامتهم صلوات الله عليهم أجمعين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) يونس 10 : 35 .
( 2 ) الزمر 39 : 9 .
( 3 ) البقرة 2 : 247 .
( 4 ) في نسخة ( ط ) الرتبة .
( 5 ) في نسختي ” ط ” و ” ق ” : الحزن
( 6 ) لم ترد في نسختي ” ط ” و ” ق ” ، وأثبتناها من نسخة ” م ” .
المصدر: إعلام الورى بأعلام الهدى ج2 / الشيخ الطبرسي