- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 6 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المبحث الثالث: أدلة اثبات قدرة الله تعالى
الدليل الأوّل :
إنّ “الفعل” كما يكشف عن وجود “الفاعل”، فإنّه يكشف أيضاً عن اتّصاف الفاعل بالقدرة التي مكّنته من أداء هذا الفعل.
ومن هذا المنطلق: فإنّنا كما نكتشف من خلال النظر في هذا العالم بأنّ لهذا العالم خالقاً. فإنّنا نكتشف أيضاً من خلال هذا النظر بأنّ خالق هذا العالم متّصف بالقدرة; لأنّ “الفعل لا يصح أن يصدر إلاّ من قادر”.(1)(2)
قال الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام): “العجب كلّ العجب للشاك في قدرة الله، وهو يرى خلق الله”(3).
الدليل الثاني :
فقدان “القدرة” يثبت “العجز”، و “العجز” نقص لا يليق بالذات الإلهية، والله تعالى مستجمع لجميع الصفات الكمالية، ومنزّه عن جميع النقائص والصفات الجلالية.
الدليل الثالث :
لو لم يكن الله قادراً، لكان محتاجاً إلى غيره، والله تعالى منزّه عن الاحتياج.
المبحث الرابع: خصائص قدرة الله تعالى
1 ـ “القدرة” من صفات الله الذاتية الكمالية.
والله تعالى قادر فيما لم يزل(4).
ولا يصحّ ـ في جميع الأحوال ـ سلب القدرة من الله، ونسبة “العجز” إليه تعالى; لأنّ هذا السلب يوجب احتياجه تعالى في الخلق إلى شيء غير ذاته، والله تعالى منزّه عن الاحتياج.
قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): “لم يزل الله عزّ وجلّ ربّنا… والقدرة ذاته ولا مقدور، فلمّا أحدث الأشياء … وقع … القدرة على المقدور … “(5).
سُئل الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): خلق الله الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة؟ فقال(عليه السلام): “لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة.
لأنّك إذا قلت: خلق الأشياء بالقدرة فكأنّك قد جعلت القدرة شيئاً غيره، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك.
وإذا قلت: خلق الأشياء بغير قدرة، فإنّما تصفه أنّه جعلها باقتدار عليها وقدرة، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره، بل هو سبحانه قادر لذاته لا بالقدرة”(6).
2- قدرة الله غير مقيّدة بالقوانين والأسباب الطبيعية، بل الله تعالى قادر على فعل الأشياء من دون توسّط هذه القوانين والأسباب، كما أنّه تعالى قادر على إلغاء هذه القوانين والأسباب والعمل بمشيئته وفق قوله تعالى: { إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } [ النحل: 40 ](7)
إذن: لا تنحصر قدرة الله في المجالات العادية، بل لله تعالى أن يجري الأمور من طرق أخرى كالإعجاز.
3- امتلاك “القدرة” على فعل شيء لا يعني لزوم فعل ذلك الشيء; لأنّ “القدرة” لا تؤثّر لوحدها، وإنّما يكون منها التأثير عند مقارنتها مع الإرادة.
فنستنتج بأنّ قدرة الله على جميع الممكنات لا يلزم وجود جميع هذه الكائنات، وإنّما تحقّق أيّ كائن يكون بعد إرادة الله تعالى له.
وبعبارة أخرى: إنّ الله تعالى قادر على كلّ الممكنات، ولكنّه غير مؤثّر في كلّها، وإنّما يؤثّر على بعضها وفق ما يريد(8).
4 ـ مفهوم “القدرة” أوسع من مفهوم “الإرادة”.
مثال ذلك: “القدرة” تتعلّق بالفعل والترك.
ولكن “الإرادة” لا تتعلّق إلاّ بواحدة من “الفعل” أو “الترك”.
توضيح ذلك: قدرة الله تتعلّق بأن “يفعل” وأن “لا يفعل”، ولهذا يكون نطاق قدرته تعالى واسع وشامل للفعل وترك الفعل.
ولكن إرادة الله لا تتعلّق إلاّ بواحد من “أن يفعل” أو أن “لا يفعل”، والله تعالى إمّا أن يريد الفعل وإمّا أن لا يريده.
ولا يمكن تعلّق الإرادة بالفعل والترك في آن واحد; لأنّ تعلّق الإرادة بكليهما مستحيل، ويلزم منه التناقض.
ولهذا يكون نطاق تعلّق “القدرة” أوسع من نطاق تعلّق “الإرادة”.
5- لا يوجد في قبال قدرة الله قدرة مضاهية أو معارضة أو مانعة من نفوذها; لأنّ كلّ ما سوى الله فهو “ممكن الوجود” وكلّ “ممكن الوجود” لا “استقلالية” له بذاته في الوجود، بل هو مقهور له تعالى، فلهذا ليس بإمكان هذا الممكن أن يزاحم القدرة الإلهية أو يمنعها من نفوذها.
المبحث الخامس: سعة قدرة الله تعالى
قدرة الله تعالى قدرة مطلقة وشاملة وغير محدودة.
دليل ذلك : قدرة الله ـ كما ثبت في المبحث السابق ـ هي عين ذات الله، وبما أنّ الذات الإلهية مطلقة وغير متناهية، فنستنتج بأنّ القدرة الإلهية أيضاً غير متناهية، ولا تعرف حدّاً، ولا تقف عند نهاية.
ولهذا: لا تكون قدرة الله مختصّة ببعض المقدورات دون بعض، بل تكون هذه القدرة شاملة ومتعلّقة بكلّ ما هو ممكن ومقدور.
موارد تعلَّق القدرة الإلهية :
لا تتعلّق قدرة الله إلاّ بالأمور الممكنة والمقدورة.
ولا تتعلّق هذه القدرة أبداً بالأمور المستحيلة والممتنعة بالذات.
تنبيه : عدم تعلّق قدرة الله بالأمر المستحيل والممتنع بالذات ليس من جهة عجز أو قصور في قدرته تعالى، بل هو من جهة القصور في جانب الأمر المستحيل وعدم امتلاكه قابلية الإيجاد.
نماذج من الأمور المستحيلة عقلاً :
1- أن يخلق الله تعالى مثله.
2 ـ أن يفني الله تعالى نفسه.
3 ـ أن يوجد الله تعالى شيئاً لا يقدر على تحريكه أو إفنائه.
4- أن يجعل الله تعالى الشيء الكبير (مثل العالم) في الشيء الصغير (مثل البيضة) من دون أن يصغر حجم العالم أو تكبر البيضة.
فإذا سُئل: هل الله تعالى قادر على القيام بهذه الموارد؟
فالجواب: القدرة إنّما تتعلّق بالموارد التي يمكن وقوعها، وهذه الموارد يستحيل وقوعها; فلهذا لا تتعلّق القدرة بها.
والسؤال عن تعلّق القدرة بالموارد المستحيلة سؤال خاطىء.
ولهذا ورد في الحديث الشريف: سُئل الإمام علي(عليه السلام): هل يقدر ربّك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغّر الدنيا أو يكبّر البيضة؟!
قال(عليه السلام): “إنّ الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون”(9).
مثال توضيحي:
1 ـ إذا سألك شخص: هل تستطيع أن تجعل نتيجة 2 + 2 تساوي 5؟
فسيكون جوابك: من المستحيل أن تكون نتيجة 2 + 2 تساوي 5.
وعدم قدرتي على الحصول على هذه النتيجة ليس لعجزي وقصور قدرتي، بل لأنّ هذا المورد محال ولا يمكن تحقّقه.
والاستفسار عن امتلاك القدرة أو عدم امتلاكها لا يصح إلاّ في الموارد التي يصح وقوعها.
2- إذا سألك شخص: هل تستطيع أن تكون في وقت ومكان واحد موجوداً ومعدوماً؟
فسيكون جوابك: إنّ هذا الأمر مستحيل، ولا يمكن وقوعه أبداً; لأنّه من قبيل اجتماع النقيضين، والعقل يحكم باستحالة اجتماع النقيضين.
ولا يقال لمن لا يفعل المستحيل أنّه عاجز; لأنّ عدم وقوع المستحيل ليس لعدم استطاعته من القيام به، بل لعدم امتلاك ذلك الشيء المستحيل قابلة الإيجاد والتحقّق.
الفرق بين المستحيل العقلي والمستحيل العادي :
المستحيل الذي لا تتعلّق به قدرة الله هو المستحيل العقلي دون المستحيل العادي، وأمّا المستحيل العادي فهو ممّا تتعلّق به القدرة الإلهية.
توضيح ذلك: ينقسم المستحيل إلى قسمين:(10)
1 ـ المستحيل العقلي:
وهو الأمر الذي يحكم العقل بعدم إمكان وقوعه وتحقّقه أبداً.
من قبيل: ما يشتمل فرضه على التناقض (ويسمّى المستحيل ذاتاً).
ومثاله: أن يكون الشيء الواحد موجوداً ومعدوماً في وقت ومكان واحد.
ومن قبيل: ما يشتمل وجوده في الواقع الخارجي على التناقض (ويسمّى المستحيل وقوعاً).
ومثاله: وجود المعلول من دون علّته الخاصة في الواقع الخارجي.
2 ـ المستحيل العادي:
وهو أنّنا اعتدنا على تحقّق كلّ شيء في الواقع الخارجي من خلال علّة أو علل معيّنة، فإذا سُئلنا: هل يمكن تحقّق هذا الشيء من دون وجود علّته المتعارفة؟ فإنّنا سنقول: هذا الأمر مستحيل.
ولكن قد يكون لتحقّق هذا الشيء علّة أخرى نجهلها، فإذا أدّت العلّة إلى وقوع ذلك الشيء فإنّنا نتصوّر وقوع المستحيل.
تنبيه : تسمية هذا القسم الثاني “بالمستحيل” من باب التسامح، وهذا المستحيل ليس من قبيل المستحيل الذي يحكم العقل باستحالة وقوعه، وإنّما هو المستحيل الذي يحكم العرف والعادة بعدم تحقّقه.
مثال المستحيل العادي :(11)
لو سُئل أحد الأشخاص قبل اختراع الهاتف: هل تستطيع أن تتكلّم فيسمع صوتك من يبعد عنك آلاف الكيلومترات.
فإنّه سيجيب: هذا مستحيل.
وهذا المستحيل هو من قبيل المستحيل العادي، وليس من قبيل المستحيل العقلي.
ويحكم الإنسان باستحالة الشيء عادةً لعدم علمه بالأسباب، فإذا عرف الأسباب، وأصبح عنده إلمام بجهاز الهاتف، فإنّه سيدرك عدم استحالة ما حكم عليه بالاستحالة.
جميع المعاجز هي من قبيل اختراق المستحيل العادي، وهي ظواهر لا توجد عن طريق العلل العادية، وإنّما توجد عن طريق العلل غير العادية خارجة عن نطاق علمنا.
____________
1- الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الأوّل، الفصل الثاني، ص 53.
2- انظر: التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 9، ذيل ح 17، ص 129.
تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل التوحيد، مسألة في كونه تعالى قادراً، ص 73. كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة الأولى، ص 393.
3- المحاسن، أبو جعفر البرقي: ج 1، باب 23: باب جوامع من التوحيد، ح [831] 233.
4- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: وجوب كونه تعالى قادراً فيما لم يزل، ص63. تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل التوحيد، مسألة في كونه تعالى قادراً فيما لم يزل، ص 81 .
5- الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب صفات الذات، ح 1، ص 107.
6- عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، الشيخ الصدوق: ج 1، باب 11، ح 7، ص 108.
7- هذا بخلاف قدرة الإنسان التي مهما تعاظمت فإنّها تبقى في إطار الأسباب الطبيعية، وغاية ما يستطيع الإنسان فعله عبارة عن تسخير القوانين الطبيعية وتنفيذ إرادته في دائرة لا تتجاوز حدود هذه القوانين.
8- انظر: تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، مسألة: الله تعالى قادر على كلّ المقدورات…، ص 299.
9- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 9، ح 9، ص 126.
ورد في حديث آخر:
سُئل الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): هل يقدر ربّك أن يجعل السماوات والأرض وما بينهما في بيضة؟
قال(عليه السلام): “نعم، وفي أصغر من البيضة، قد جعلها في عينك، وهي أقل من البيضة، لأنّك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما، ولو شاء لأعماك عنها”.
التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 9، ح 11، ص 126.
ولا يخفى بأنّ إجابة الإمام الرضا(عليه السلام) في هذا المقام وبهذه الصورة كانت لأجل إزالة حالة شكّ السائل في قدرة الله تعالى، فكلّم الإمام(عليه السلام) السائل على قدر عقله، ولم يبيّن له استحالة ما سأله لئلا يشوش ذهنه، وأجابه بجواب يصرف ذهنه إلى عظمة قدرة الله تعالى.
10- انظر: معارف القرآن، محمّد تقي المصباح: 202 ـ 203.
11- انظر: المصدر السابق.
المصدر: التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) / الشيخ علاء الحسون