- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 12 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
لم يهتم رسول الله (ص) وائمة اهل البيت عليهم السلام بأمر، كاهتمامهم بقضية سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين السبط بن علي بن ابي طالب بن فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) واستشهاده في كربلاء في العاشر من المحرم عام ۶۱ للهجرة، على يد جيش البغي الذي بعثه الطاغية يزيد بن معاوية لمقاتلته والثلة الطاهرة من اهل بيته المنتجبين واصحابه الميامين.
فالحسين السبط هو المولود الوحيد الذي بكاه جده حزنا يوم مولده، بعد ان استبشر به ضاحكا مسرورا.
وهو الذي تحدث عن مستقبله جده رسول الله (ص) ما لم يتحدث عن اية قضية اخرى، وكانه كان يريد ان يرسم خارطة طريق الامة لحظة مولد حفيده الثاني مرورا بكل الحوادث المؤلمة التي ستمر عليها، وانتهاءا بمقتل السبط في كربلاء في عاشوراء.
فلقد امتلأت كتب التاريخ بالكثير جدا من الانباء عن واقعة عاشوراء قبل وقوعها، كما انها امتلأت بروايات عن رسول الله (ص) ينبئ فيها عن الواقعة، منها ما ذكره مستدرك الصحيحين وتاريخ ابن عساكر ومقتل الخوارزمي والطبري والبلاذري والطبراني وابن سعد والذهبي والهيثمي والعسقلاني وابن كثير ومجمع الزوائد والفصول المهمة والروض النضير والصواعق المحرقة وكنز العمال والخصائص الكبرى ومثير الاحزان واللهوف، وغيرها، بالاضافة الى عديد الروايات عن امير المؤمنين ينبئ فيها عن الحدث.
هذا قبل الواقعة، اما بعد الواقعة، فلقد استمر الاهتمام بالحدث من قبل ائمة اهل البيت (ع) ولعل من ابرز مصاديق هذا الاهتمام هو استحباب زيارة الحسين (ع) عند زيارة مراقد الائمة والمعصومين الباقين، وكانهم يريدون القول ان زيارة اي معصوم لن تكتمل وتظل ناقصة من دون زيارة السبط الشهيد.
انه محور السلسلة الذهبية لاهل البيت عليهم السلام، ولقد جاء في قول اكثر من معصوم {كلنا سفن النجاة، ولكن سفينة جدي الحسين اوسع، وفي لجج البحار اسرع}.
وليس في الامر عبث او غرابة، فلهذا الاهتمام سر وفلسفة، والا ففي تاريخ المسلمين الكثير جدا من الشهداء الابرار، كما ان في تاريخهم العديد من الايام العظيمة والحوادث الخطيرة، فلماذا الاهتمام بالحسين (ع) تحديدا؟ ولماذا الاهتمام بعاشوراء دون غيره من الايام؟ اوليس في الامر سر؟ وفي الاهتمام فلسفة؟.
ربما يمكن تلمس الجواب على هذه الاسئلة من خلال الانتباه الى ما اكد عليه اهل البيت (ع) عند حديثهم عن قضية الحسين السبط، فلقد تكررت عبارة (عارفا بحقه) في كل اقوالهم التي وردت على لسانهم لتوكيد سر الاهتمام بالامام الشهيد، كما في قول الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام {من زار الحسين عارفا بحقه} ما يعني ان جدية الاهتمام بعاشوراء وبكربلاء وبالحسين السبط تتجلى في معرفة الحق الذي كان عليه الامام، الحق في رفض البيعة للطاغية يزيد والحق في الخروج للسلطة والحق في التصدي للظلم والحق في رفض الاستسلام والحق في التغيير والاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والحق في سعيه للسير بسيرة جده رسول الله (ص) وابيه امير المؤمنين عليه السلام، والحق في كل خطوة خطاها عليه السلام منذ لحظة وصول خبر هلاك معاوية الى المدينة المنورة وحتى لحظة استشهاده في عاشوراء عام ۶۱ للهجرة.
بمعنى آخر فان من يشكك في كل ما فعله الامام الشهيد، فانما لم يكن عارفا بحقه، وبالتالي فسوف لن يكون قادرا الى الاهتمام بقضية الحسين عليه السلام باي شكل من الاشكال، وهؤلاء هم الشريحة التي تمر عليهم الذكرى مرور الكرام، وربما تمر عليهم من دون ان يشعروا بها.
ان اليقين باحقية الامام السبط عليه السلام، بداية التعبير عن الاهتمام بقضيته، اما الشك والريبة في اي حق من حقوقه فهو بداية تجاهل قضيته، ولذلك فان من يسعى لمحاربة الحسين (ع) من خلال التشكيك بنهجه او الاستهزاء والاستهتار بالشعائر الحسينية او حتى بمواقفه من البيعة للطاغية يزيد مثلا او ذهابه الى الكوفة او ما اشبه، وقول البعض من ان السبط قتل بسيف جده لانه خرج على (امام) زمانه، ان كل ذلك انما الهدف منه هو بث الشك والريبة والتردد في نفوس الناس لابعادهم عن عاشوراء، والا فكيف للمرء ان يهتم بكربلاء اذا كان شاكا في مواقف السبط؟ وكيف يمكنه ان يهتم بعاشوراء وقيمها واهدافها وعظمة هذا اليوم اذا كان شاكا في اهداف الحسين عليه السلام؟ او كان جاهلا في امره؟ او مترددا في الاعتقاد بنهجه؟.
لقد ارتايت ان اقرا فلسفة الاهتمام هذه وسرها من خلال نصوص الزيارات الماثورة عن اهل البيت (ع).
بمعنى آخر، ساحاول ان اقرا معالم مدرسة كربلاء التي خطها الحسين السبط (ع) بدمه الطاهر في عاشوراء، مع الثلة المؤمنة من اهل بيته واصحابه الميامين، وفيهم عدد كبير من صحابة رسول الله (ص) قتلهم الطاغية يزيد بلا اكتراث، من خلال نصوص الزيارات الماثورة.
وقبل ذلك اود التنبيه الى ما يلي:
اولا: ان قصة الحسين السبط هي قصة الاسلام، بما تحمل من تفاصيل الجهاد في سبيل الله من اجل صيانة حقوق الانسان الذي خلقه الله تعالى وكرمه كما في قوله تعالى {ولقد كرمنا بني آدم} ومن اجل تحريره من الجبت والطاغوت الذي يصادر ارادته، خاصة ارادة الاختيار التي بها يحاسبه الله تعالى يوم القيامة، اذ اعتبره مخيرا قادرا على تحديد مساراته في الحياة الدنيا بعقله وارادته وحريته، بعد ان هداه النجدين، من دون ان يجبره على احدهما، فقال عز من قائل {انا هديناه النجدين، اما شاكرا واما كفورا} فـ {لا اكراه في الدين}.
ثانيا: ان قصة الحسين السبط هي قصة رسول الله (ص) وقصة خليفته الامام علي (ع) ولذلك فان من يستشكل بقوله لماذا كل هذا الاهتمام بيوم عاشوراء، وعدم الاهتمام بذات الدرجة بيوم استشهاد رسول الله (ص)؟ او بيوم استشهاد امير المؤمنين في محراب الكوفة؟ اوليس رسول الله (ص) اعظم من الحسين السبط؟ اوليس الامام علي اعظم منه؟ فلماذا كل هذا التحيز للحسين على حساب رسول الله وعلي؟.
ان وراء مثل هذه الاشكالات والشكوك يد خفية يحركها الشيطان، فـ:
الف: ومن قال ان رسول الله (ص) وعلي بن ابي طالب ليسا باعظم من الحسين السبط؟.
لا يختلف اثنان على هذه الحقيقة ابدا، فالرسول الكريم هو اعظم من خلق الله تعالى من البشر، كما ان منزلة امير المؤمنين عليه السلام لا تضاهيها منزلة الحسين السبط ابدا.
ثانيا: انما وقع الاختلاف بين الناس على مكانة وعظمة الحسين السبط وعظمة عاشوراء، فهو ما اختلف فيه الناس، لدرجة ان بعضهم يساوي بين السبط وبين الطاغية الارعن يزيد، او انه لا زال يسعى لتبرير جريمة الامويين وحادثة كربلاء، او انهم يسعون لتبرئة يزيد الطاغية من دم الحسين السبط من خلال تحميل اي انسان في هذا العالم المسؤولية الا يزيد.
ان مثل هذه التساؤلات هي محاولة للتعامل مع عاشوراء كاي حدث في التاريخ، وبالتالي فهي محاولات لافراغ الحدث من محتواه العظيم الذي ميز بين جبهتين، جبهة الحق وجبهة الباطل، وللتقليل من خطر الجريمة النكراء التي ارتكبها الامويون بحق الاسلام بقتلهم الحسين السبط عليه السلام.
وان من يثير مثل هذه التساؤلات من اجل تحقيق هذه الاهداف، هو نفسه الذي يسعى دائما الى التقليل من اهمية كل آية قرآنية نزلت بحق امير المؤمنين عليه السلام او رواية قيلت بحقه على لسان رسول الله (ص) او كل حدث عظيم كان فيه الامام علي دون غيره رجل الموقف، وكل ذلك من اجل تضييع الحق وتمييع الموقف الرسالي التاريخي، من جهة، ومن اجل ترك ظلال داكنة من الشك والريبة لتبرير مواقف الاخرين المخجلة التي لو كان لهم معشار ما لابي الحسن عليه السلام لاقاموا الدنيا ولم يقعدوها، وصدق الخطيب المبدع ورائد المنبر الحسيني المرحوم الدكتور احمد الوائلي عندما قال ذات مرة وهو يتحدث عن نوايا من يشكك باسلام ابو طالب عليه السلام والد الامام امير المؤمنين عليه السلام:
لو ان ابا طالب كان ابا لمعاوية او لعمرو بن العاص لاقاموا الدنيا ولم يقعدوها، ولكان ابو طالب، عندها، اول القوم اسلاما واقدمهم ايمانا، ولكنه ابا علي، ولذلك انهال كل هذا التشكيك باسلامه.
جيم: واخيرا، فان اي حديث عن الحسين (ع) هو حديث عن رسول الله (ص) الذي قال بحقه {حسين مني وانا من حسين} و {احب الله من احب حسينا} وان اي حديث عن عاشوراء هو حديث عن كل ايام رسول الله (ص) التي جاهد فيها الكفار والمشركين من اجل اعلاء كلمة الله تعالى ونصرة المظلومين والمستضعفين، وان اي حديث عن جريمة الطاغية يزيد بقتله الامام، هو حديث عن جرائم اسلافه من آبائه واجداده وجداته الذين قاتلوا جده رسول الله (ص) في مواطن كثيرة، ومن بعده قاتلوا ابيه في مواطن عدة.
ان الحديث عن الحسين وعن عاشوراء وعن كربلاء هي مناسبة مستمرة للحديث عن رسول الله (ص) وعن مكة واالمدينة وعن ايام الجهاد والقتال التي قاد فيها رسول الله (ص) جيوش المسلمين ضد جيوش بني امية وباقي زعماء قريش المشركين والمعاندين، من اجل اعلاء كلمة الله تعالى ونصرة المظلومين، ولذلك فعندما سال الحسين السبط عليه السلام جيش الضلال الذي بعثه الطاغية يزيد لقتاله في كربلاء عن سبب مقاتلته له والدافع الذي يحرضهم على قتله، وهو الذي لم يقتل منهم احدا ولم يات ببدعة في دين جده رسول الله (ص) ولم يرتكب جرما او ياكل حق احد؟ اجابوه بقولهم: بغضا لابيك، ما يعني انهم كانوا بموقفهم يلخصون موقف السلف الطالح الذي قاتل جده رسول الله (ص) واباه امير المؤمنين (ع).
ان عاشوراء لخصت كل تاريخ الاسلام والمسلمين خلال نصف قرن من الزمن، فلقد تجلت فيها كل القيم الرسالية والمناقب السماوية ومكارم الاخلاق التي بعث رسول الله (ص) ليتممها والمثل والطهر والايمان والاخلاص والتضحية في سبيل الله تعالى، والتي مثلتها جبهة الحق التي قادها الحسين السبط، فيما تجلى الكفر والفسق والضلال والانحطاط الاخلاقي والدونية وحب الدنيا والاستخفاف بالعقول والتهتك وهتك الحرمات في جبهة الباطل التي قادها الطاغية يزيد حفيد آكلة الاكباد هند لعنهما الله تعالى.
وان اول خلق الهي عظيم تجلى في عاشوراء هو (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر} الذي يقول عنه رسول الله (ص) انه من خلق الله تعالى، ولذلك نقرا في اكثر من نص في الزيارات قولنا نخاطب السبط الشهيد {وامرت بالمعروف ونهيت عن المنكر}.
وتتكرر العبارة عند زيارة الشهداء السعداء الذي استشهدوا بين يدي الحسين السبط سواء من اهل بيته او من الاصحاب، فضلا عن تكرار النص عند زيارة اخ الحسين السبط وصاحب رايته في عاشوراء العباس بن علي بن ابي طالب، ابا الفضل وقمر بني هاشم عليه السلام.
ولا نجانب الحقيقة اذا قلنا بان عاشوراء احيت الاسلام من جديد بهذا المبدا، الذي يقول عنه رسول الله (ص) {انما هلك من كان قبلكم لانهم لم يكونوا يامرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر} او قوله {من امر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في الارض، وخليفة رسوله}.
ولذلك ثبته الحسين السبط في وصيته التي تركها في المدينة عند اخيه محمد بن الحنفية كاحد ابرز اهدافه العظيمة التي خرج من اجل تحقيقها، معرضا حياته وحياة اهل بيته واصحابه للخطر من اجلها.
ولشد ما اهتم الاسلام بهذا المبدا من خلال توكيده في كل مصادره التشريعية بدءا من القران الكريم اذ قال الله تعالى في محكم آياته البينات:
ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر اولئك هم المفلحون.
كنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.
يا بني اقم الصلاة وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور.
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
ومن وصايا امير المؤمنين عليه السلام لولده محمد بن الحنفية قوله {وامر بالمعروف تكن من اهله، فان استتمام الامور عند الله تبارك وتعالى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر}.
ولتوكيد موقع هذا الخلق في المنظومة الجهادية يقول عليه السلام {ما اعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، الا كنفثة في بحر لجي} لانه يحقن الدماء ولا يدفع باتجاه الحروب والدمار ويساهم في الاصلاح السلمي غير العنفي والدموي، فهو كالوقاية من الظلم والفساد والطغيان، التي هي خير من العلاج.
وكذلك قوله عليه السلام {وان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لخلقان من خلق الله سبحانه، وانهما لا يقربان من اجل، ولا ينقصان من رزق}.
ويقول عليه السلام {فان الله سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين ايديكم الا لتركهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلعن الله السفهاء لركوب المعاصي والحلماء لترك التناهي}.
لقد شرع الله تعالى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كخلق اجتماعي يقوم، بتشديد الواو، المجتمع بما في ذلك السياسة وكل ما يتعلق بالشان العام، وما يتعلق بمصالح الناس، الا ان الامة، وللاسف الشديد، قلصت المفهوم لتحصره في اطر ضيقة لا تتعدى نهي البنت اذا ظهر شئ من شعر راسها، ليصب الناهي على راسها جام غضب الله تعالى الذي سيعلقها من شعر راسها منكوسة الى الاسفل في نار جهنم يوم القيامة، اما اذا بادر لصوص مسلحون لسرقة البلد في انقلاب عسكري في منتصف الليل فهذا ليس بمنكر ابدا، ولذلك ليس هناك من داع لانكاره، وفي احيان كثيرة لا يحق لاحد ان ينكره، والا فسيعرض نفسه للاعتقال وربما للقتل، اعتمادا على فتوى (دينية) تصدر عن فقهاء البلاط الذين يسخرهم اللصوص لشرعنة لصوصيتهم، كما يفعل النظام السياسي العربي الفاسد، خاصة الاسر الفاسدة الحاكمة في دول الخليج، وعلى راسها اسرة آل سعود واسرة آل خليفة ومن لف لفهما.
ان بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي يعني بلغة اليوم (المراقبة والمساءلة) تقام الحقوق.
انه اساس بناء نظام الشورى وضد التوريث، فاذا كانت الديمقراطية تعني ان يكون المجتمع مؤثرا في سياسات السلطة وخياراتها، فان مبدا الامر والنهي هو الذي يمنح الامة هذه القدرة على التاثير في السياسات العامة، ولو كان الخليفة الثالث قد قبل من الصحابي الجليل والعظيم ابي ذر الغفاري ممارسته حق الرقابة وحرية التعبير عن الراي، اي لو قبل منه ان يتمتع بحقه في ممارسة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لما وصلت امور الدولة الى ما وصلت اليه لتنتهي بقتل الخليفة واثارة تلك الفتنة العمياء في الامة.
وان من ابرز مصاديق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو حق الرعية في مراقبة مؤسسات الدولة والمسؤولين بغض النظر عن انتماءاتهم وولاءاتهم، وان قدرة الناس على عزل مسؤول ما بسبب فساد مثلا او فشل او لصوصية، لهو اكبر دليل على قرب النظام السياسي من النهج الحسيني ومن الديمقراطية وادواتها.
كذا الحال بالنسبة الى الاعلام، فاذا كان قادرا على ملاحقة الخطا والفساد والفشل الى عقر داره، ثم تمكن من فضحه وكشفه امام الراي العام، وبالتالي تمكن من وأده وعزل المسؤول المتسبب به، عندها سنكون قريبين جدا من النهج الحسيني والنظام الديمقراطي، اما اذا كان الاعلام بوقا من ابواق السلطة، يكرر ما تقوله ويكذب على الراي العام اذا اقتضت الضرورة لانقاذ مسؤول فاسد مثلا من العقاب، فهذا يعني اننا بعيدين عن نهج الحسين السبط وعن الديمقراطية مسافة طويلة جدا.
ولقد نجحت عدد من الشعوب العربية لحد الان في اسقاط الانظمة السياسية الاستبدادية الفاسدة، والتي كانت تكمم الافواه وتقمع الراي الحر وتصادر حق المواطن في التعبير عن نفسه، فهل انتهت المهمة عند هذا الحد؟.
بالتاكيد كلا، اذ ان عليها ان تواصل مشوار الثورة على مخلفات الانظمة البوليسية البائدة من اجل بناء نظام سياسي جديد يعتمد:
المشاركة السياسية، من اجل ان لا يحتكر احد، فردا كان او حزبا او عائلة، السلطة ابدا، لان الاحتكار، بكل انواعه وباية مبررات او ذرائع كانت، سيفضي الى استخدام العنف والقوة في فرض ارادة الحاكم، ما ينتهي بالبلاد مرة اخرى الى الاستبداد والديكتاتورية والنظام الشمولي.
وليس المقصود بالمشاركة السياسية هو ان يكون كل المجتمع في السلطة، ابدا، وانما يعني:
الف: قدرة كل مواطن مؤهل لان يكون في يوم من الايام في السلطة، وهذا يعني مبدا المساواة في الحقوق والواجبات.
باء: قدرة كل مواطن في ان يبدي رايا ما في اية قضية من القضايا العامة التي تهم المجتمع، سواء من خلال وسائل الاعلام او من خلال التجمع والتظاهر والخطاب وغير ذلك.
جيم: قدرة اي مواطن على ان يشكل مع الاخرين مجموعات ضغط للتاثير في سياسات السلطة وخياراتها، سواء من خلال تشكيل الاحزاب او منظمات المجتمع المدني من نقابات مهنية وغيرها.
ان تشريع مبدا (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) اي (المساءلة والمحاسبة) يكرس مبدا التغيير السلمي في السلطة، والذي يسمى اليوم بمبدا التداول السلمي للسلطة، فبدلا من ان يضطر الشعب الى تغيير الحاكم بالقوة وربما بالمؤامرات والانقلابات العسكرية واحيانا بالاستعانة بالقوى الاجنبية، فان المبدا سيمكنه من ممارسة التغيير بالتي هي احسن، من خلال صندوق الاقتراع مثلا او بالتظاهرات والاعتصامات السلمية او حتى من خلال الاعلام الذي سيمارس قدرته على التغيير من خلال الكلمة والتقرير والمعلومة، كما يحصل في بلدان العالم الديمقراطي.
كما ان تشريع المبدا يعني فيما يعنيه جواز عزل الحاكم اذا رات فيه الامة خيانة او فشلا، وهو على عكس ما سعى بنو امية الى تشريعه من عدم جواز الخروج على الحاكم حتى اذا كان فاسقا، والطعن بشرعية اية محاولة من قبل الامة للخروج على الحاكم الظالم، اما الاسلام، الذي نموذجه مدرسة اهل البيت عليهم السلام، فقد شرع التغيير والخروج على الحاكم اذا ظلم وتجاوز على حقوق الناس بلا مواربة، والى ذلك اشار الامام الحسين السبط عليه السلام بقوله مخاطبا الجيش الذي مع الحر بن يزيد الرياحي، معللا سبب خروجه على النظام السياسي الفاسد، النظام الاموي {ايها الناس ان رسول الله (ص) قال: من راى سلطانا جائرا، مستحلا لحرام الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله، الا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، واظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستاثروا بالفئ، واحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وانا احق من غير}.
هذا النص، الذي ينبثق عن روح الاية الكريمة {لا ينال عهدي الظالمين} يمنح الشرعية للحاكم اذا كان عادلا، بغض النظر عن اي شئ آخر، اما اذا كان ظالما، فلا شرعية له حتى اذا كان (خليفة رسول الله) ولذلك فنحن نعتقد باحقية امير المؤمنين عليه السلام في استخلاف رسول الله (ص) ليس لكونه ابن عمه وصهره وما الى ذلك من المميزات العظيمة بذاتها، وانما لانه اعدل وافقه واعلم من كانوا من الصحابة، وما يؤكد هذه الحقيقة، الى جانب ما ورد على لسان رسول الله (ص) بحقه، هو ان كل من قاتل الامام او خرج عليه او نقض بيعته او خذله في موطن او اكثر، ان كل هؤلاء لم يفعلوا ذلك بسبب ظلم وجدوه في سيرته ابدا، فالكل يشهد له بالعدل، بمن فيهم معاوية، فاحقية واهلية الامام في السلطة والحكم بعدله وليس باي شئ آخر، وهو القائل لعبد الله بن عباس عندما رآه عليه السلام يخصف نعله بذي قار، فساله الامام: ما قيمة هذا النعل؟ فاجابه ابن عباس: لا قيمة لها، فقال عليه السلام {والله لهي احب الي من امرتكم، الا ان اقيم حقا، او ادفع باطلا}.
لماذا لا ينتهي الحاكم في بلادنا الا بالقتل والسحل والاغتيال؟ ولماذا لا يشيع بالمواكب الرسمية؟ ولماذا لا تعزف خلف جنازته انغام الموسيقى الحزينة؟ ولماذا لا يبكيه الشعب عندما تنتهي صلاحيته؟ وبعبارة اخرى، لماذا يختم الحاكم عندنا حياته بموت التافهين؟ بلا كرامة وبلا حياء وبلا تقدير وبلا ذكر طيب؟.
لماذا ارتبط مصير البلاد بمصير الطاغية؟ فاذا ارد احد ازاحته عن السلطة وتغيير نظامه، كان عليه ان يدمر البلاد قبل ان يتحقق له ذلك؟ كما لو ان احدا اراد ان يغير مقعد مرافق بيته، اذ عليه ان يحطم المرافق كلها ليتسنى له تغيير المقعد، على حد قول احد المواطنين، اما في الغرب فان تغيير مقعد المرافق لا يستدعي اكثر من تغيير برغيين فقط لا غير من دون المساس بالمرافق.
لو شرع النظام السياسي الحاكم في بلادنا مبدا (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) لحفظ الكرامة لنفسه ولشعبه، ولكان ينهي حياته السياسية بعز وكرامة، ولكنه عندما يرفض ان يصغ الى الراي الاخر، ولا يقبل من احد نصيحة او نقد، ولا يسمع الا اصداء احاديثه التاريخية التي يخطب بها القائد الضرورة امام الملأ الذي عليه ان يسمع فقط لينفذ، ولتتحول عباراته غير المفهومة الى منهج تعليمي تسطره كتب المناهج التعليمية في المدارس والجامعات التي يحصل كثير من الطلاب على شهادات الدراسات العليا بكتابة الرسائل الجامعية في خطب السيد الرئيس وبيانات القائد الضرورة، فبالتاكيد انه سيموت بلا كرامة، وهو حال الطغاة المعاصرون من امثال صدام حسين وبن علي ومبارك واخيرا وليس آخرا القذافي، الذين ماتوا او سيموتون بذل وهوان، والقائمة تطول لتشمل قريبا طغاة آخرون من بينهم ملوك وامراء الاسر الفاسدة الحاكمة في الخليج وفي غير الخليج.
ان الديمقراطية التي من ابرز معالمها مبدا (المحاسبة والمساءلة) ضمانة اكيدة لكرامة الحاكم الذي سيعود الى منزله مع اسرته معززا مكرما بعد ان تنتهي ولايته الدستورية، حتى اذا كان قد اخطا او فشل او ارتكب جرما، فهو في هذه الحالة سيلقى معاملة كريمة امام القضاء كما هو حال الكثير من زعماء البلاد الديمقراطية من الذين يستدعيهم القضاء بعد انقضاء مدد متفاوتة على تركهم السلطة عندما يكتشف القضاء انه كان قد مارس استغلالا سيئا للسلطة عندما كان حاكما او مسؤولا.
اما في بلداننا، اليمن مثلا، فالحاكم الظالم يخشى ان يستدعيه القضاء لانه لا يقدر على دفع تهمة ولا يتمكن من الدفاع عن نفسه لكثرة ما ارتكب من ظلم وتعدي على الناس، ولذلك نرى ان طاغوت اليمن السعيد يواصل قتل شعبه حتى يضمن له عدم الاستدعاء للمثول امام القضاء والحيلولة دون اية ملاحقة قانونية، يستجديها من الولايات المتحدة او بريطانيا او من الامم المتحدة، وهو الذي كان الى الامس القريب يبيع المواقف الوطنية للراي العام عندما كان يرفض تدخل هؤلاء في الشان اليمني، معتبرا ذلك مس بسيادة البلاد، فاين السيادة اليوم يا ترى؟ وهو يطلب من العالم ان يضمنوا له الحصانة القانونية على ورق مختوم جراء ما ارتكبه من جرائم؟.
انه يعلم علم اليقين من انه لو مثل امام القضاء فسوف يلاقي مصيرا كمصير طاغوت العراق الذليل صدام حسين، الذي ارتكب ضد شعبه من الجرائم ما لم يرتكبه طاغوت، فهل من معتبر؟.
ولذلك، اعتقد ان من مصلحة (الحكام) الجدد الذين استخلفهم الله تعالى بعد هلاك طغاة بلدانهم، خاصة في العراق وتونس ومصر وليبيا، ان يشرعوا بانفسهم مبدا التداول السلمي للسلطة ليتركوها طوعا قبل ان تجبرهم شعوبهم على تركها كرها، ففي الحالة الاولى سيحفظون كرامتهم ويصونون ماء وجههم، اما في الحالة الثانية فسيخسرون كرامتهم وماء وجههم، كما سيخسرون الدنيا، السلطة، والاخرة، غضب الجبار.
ان احتكار السلطة بذرائع شتى، سيعرض الحاكم لفقدان الذاكرة، ما يفقده الموت بكرامة وعز، فماذا ستختارون ايها الحكام الجدد؟ الموت باحترام وعز وكرامة؟ ام الموت الذليل؟.
وصدق الله تعالى الذي قال في محكم كتابه الكريم {لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} فالمرء الذي يتعلم من سير اسلافه، يرحم نفسه قبل ان يرحم غيره، فتعلم العبرة يجنب المرء موت الذل، فهل من مدكر؟.