- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 6 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المبحث الأوّل: خصائص مسألة كلام الله تعالى
1- لا خلاف بين المسلمين في أنّ الله تعالى متكلّم، وإنّما وقع الخلاف في حقيقة كلام الله وكونه قديماً أو حادثاً.
2- طرحت مسألة قدم القرآن الكريم أو حدوثه (أي: قدم كلام الله أو حدوثه) في أوائل القرن الثالث الهجري في أوساط المسلمين، وأدّت هذه المسألة إلى إثارة فتن كبيرة دفعت المسلمين إلى نزاعات أريقت خلالها دماء كثيرة سجّلها التاريخ، وعُرفت فيما بعد بـ “محنة القرآن”(1).
المبحث الثاني: معنى الكلام والمتكلّم وأقسام الكلام
معنى الكلام : الكلام هو ما تألّف من حرفين فصاعداً من الحروف التي يمكن تهجّيها، إذا وقعت ممن يصح منه الإفادة(2).
معنى المتكلّم : المتكلّم هو كلّ من يوجد حروفاً وأصواتاً لتدل على معنى يريد الإخبار بها عنه(3).
أقسام الكلام
1 ـ الكلام اللفظي: واللفظ هو الحرف المشتمل على الصوت.
2 ـ الكلام الكتبي: والكتابة هي النقوش الحاكية عن تلك الحروف اللفظية.
3- الكلام الفعلي: وهو الفعل الذي يفيد نفس المعنى الذي يفيده الكلام اللفظي.
بيان الكلام الفعلي الإلهي :
يمكن وصف جميع أفعال الله بأنّها من جملة كلام الله من باب التوسّع; لأنّها تكشف عن دلالات ومعان تفيد نفس الأثر الذي يفيده الكلام اللفظي.
مثال ذلك: وصف الله عيسى بن مريم بـ”الكلمة”، حيث قال تعالى: { إنّما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم } [ النساء: 171 ]
وسَمّى الله المسيح بالكلمة; لأنّ المسيح فعله وأثره المعبّر والكاشف عن كمال قدرته تعالى في خلق الإنسان من دون أب.
المبحث الثالث: اتّصاف الله بصفة المتكلّم
إنّ السبيل لإثبات كونه تعالى متكلّماً هو الدليل النقلي فحسب، أمّا الدليل العقلي فلا يثبت أكثر من كونه تعالى قادراً على الكلام(4).
الآيات القرآنية المشيرة إلى اتّصافه تعالى بالمتكلّم :
1- { وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلاّ وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي باذنه ما يشاء } [ الشورى: 51 ]
2 ـ { منهم من كلّم الله } [ البقرة: 253 ]
3 ـ { وكلّم الله موسى تكليماً } [ النساء: 164 ]
4 ـ { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربُّه } [ الأعراف: 144 ]
5 ـ { ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة } [ آل عمران: 78 ]
المبحث الرابع: حقيقة كلام الله تعالى
كلام الله عبارة عن أصوات وحروف يخلقها الله ليوصل عن طريقها مقصوده إلى المخاطب، ويسمّى هذا الكلام بـ”الكلام اللفظي”(5).
مثال ذلك: قال تعالى: { وكلّم الله موسى تكليماً } [ النساء: 164 ]
أي: خلق الله الكلام في الشجرة في البقعة المباركة ليوصل بذلك مقصوده إلى موسى(عليه السلام).
قال تعالى: { فلما اتاها نودي من شاطىء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى اني أنا الله رب العالمين } [ القصص: 30 ]
قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) حول كلام الله تعالى مع موسى وقومه: “… إنّ الله عزّ وجلّ أحدثه [ أحدث الكلام ] في الشجرة، ثمّ جعله منبعثاً منها…”(6).
تنبيه : إضافة الكلام إلى الله تجري مجرى سائر الإضافات التي تقتضي الفعلية(7).
ويقال للّه “متكلّم” بعد إيجاده للكلام.
كما يقال له تعالى “رازق” بعد إيجاده للرزق.
وكما يقال له تعالى “منعم” بعد إيجاده للنعمة.
وكما يقال له تعالى “محرّك” بعد إيجاده للحركة.
ما وراء الكلام اللفظي :
وقع الخلاف بين الإمامية والأشاعرة حول الكلام اللفظي: هل هو كلام حقيقة أم يوجد وراءه حقيقة أخرى بحيث يكون الكلام اللفظي تعبيراً عن تلك الحقيقة الكامنة؟
عقيدة الإمامية : الكلام اللفظي هو الكلام حقيقة، ولا يوجد ما وراء الكلام اللفظي سوى العلم والإرادة.
عقيدة الأشاعرة : الكلام اللفظي ليس الكلام حقيقة، وإنّما الكلام الحقيقي هو الكلام النفسي، وهو مغاير للعلم والإرادة.
وسنوضّح لاحقاً كلّ واحدة من هاتين العقيدتين.
توضيح عقيدة الإمامية حول ما وراء الكلام اللفظي :
ينقسم الكلام إلى قسمين:
1 ـ إخبار: ويتضمّن هذا الإخبار مجموعة تصوّرات وتصديقات.
الف: التصوّرات: عبارة عن “إحضار” الأمور التالية في الذهن:
أوّلاً: الموضوع
ثانياً: المحمول
ثالثاً: النسبة بين الموضوع والمحمول
ب: التصديقات: عبارة عن “الإذعان” بنفس النسبة بين الموضوع والمحمول.
2 ـ إنشاء: وهو يكون على شكل أمر أو نهي أو استفهام أو تمنّي أو ترجّي.
و “الأمر” تعبير عن “إرادة” الشيء.
و “النهي” تعبير عن “كراهة” الشيء.
والاستفهام والتمنّي والترجّي تعبير عمّا يناسبها.
النتيجة : إذا كان “الكلام” إخباراً (أي: متضمّن لمجموعة تصوّرات أو تصديقات) فهو من مقولة “العلم”.
وإذا كان “الكلام” إنشاءً (أي: متضمّن لمجموعة أوامر ونواهي وغيرها) فهو من مقولة “الإرادة والكراهة”.
فنستنتج انتفاء وجود شيء وراء الكلام اللفظي سوى “العلم” و “الإرادة والكراهة”(8).
توضيح عقيدة الأشاعرة حول ما وراء الكلام اللفظي :
ذهب الأشاعرة حول ما وراء الكلام اللفظي إلى إثبات أمر آخر مغاير للعلم والإرادة، وقاموا بتسميته بـ “الكلام النفسي”، وقالوا بأنّ “الكلام النفسي” هو الكلام حقيقة، وإنّما “الكلام اللفظي” وسيلة لإبراز “الكلام النفسي” وتسمية “الكلام اللفظي” بالكلام تسمية مجازية(9).
يرد عليه : لو كان “الكلام النفسي” هو الكلام الحقيقي، لكان الساكت متكلّم، ولكن لا يقول أحد بذلك(10)، فيثبت: أنّ الكلام الحقيقي هو الكلام اللفظي، وما يطلق عليه الأشاعرة بـ”الكلام النفسي” فهو مجرّد تصوّرات تدخل في دائرة العلم لا غير، ولا يطلق صفة “المتكلّم” حقيقة على أحد إلاّ بعد إيجاده للحروف والأصوات في الواقع الخارجي.
دليل الأشاعرة على مغايرة الكلام النفسي للعلم :
إنّ الإنسان قد يُخبر عمّا لا يعلمه أو عمّا يعلم خلافه.
فنستنتج بأنّ الإخبار عن شيء قد يكون غير العلم به(11).
يرد عليه : إنّ العلم لا يشمل التصديق فحسب، بل يشمل التصوّرات لوحدها أيضاً، وإخبار الإنسان عمّا لا يعلمه أو عمّا يعلم خلافه هو إخبار عن مجموعة تصوّرات مع وجود نسبة بينها ـ سواء كانت هذه النسبة صحيحة أو خاطئة ـ وهذه التصوّرات والنسبة بينها من مقولة العلم.
دليل الأشاعرة على مغايرة الكلام النفسي للإرادة :
الإنسان قد يأمر غيره بما لا يريد.
مثال ذلك: يأمر الأب ولده بأداء فعل معيّن، ويكون هدفه من هذا الأمر فقط اختبار ولده هل يطيعه أو لا؟
فهنا يأمر الأب ابنه بما لا يريد، وإنّما المقصود هو “اختبار الولد” لا “القيام بالفعل”.
فنستنتج بأنّ الأمر ـ وهو نوع من أنواع الكلام الإنشائي ـ قد يكون مغايراً للإرادة(12).
يرد عليه : هذا القسم من الأوامر (الأوامر الاختبارية) ينشأ من الإرادة أيضاً، ولكن “الإرادة” في هذه الأوامر لا تتعلّق بالشيء “المأمور به” وإنّما تتعلّق بـ”الاختبار”.
بعبارة أخرى: الأب الذي يأمر ولده بأداء فعل معيّن، ويكون قصده من ذلك هو اختبار الولد أيطيعه أم لا؟ فإنّ أمره هذا ناشئ من الإرادة أيضاً.
ولكن هذه “الإرادة” لم تتعلّق بأداء ذلك الفعل المعيّن.
وإنّما تعلّقت باختبار المأمور، أي: اختبار الولد.
فنستنتج بأنّ منشأ الأمر في هذه الحالة أيضاً هو “الإرادة”.
خصائص الكلام النفسي الإلهي عند الأشاعرة(13) :
1 ـ معنىً قديم قائم بذاته تعالى.
2 ـ إنّه واحد في نفسه ليس بخبر ولا أمر ولا نهي و…
3 ـ لا يدخل فيه ماض ولا حاضر ولا استقبال.
4 ـ إنّه غير العبارات، وحقيقته مغايرة لما له صلة بالأمور المادية.
5 ـ الكلام النفسي في الإنسان حادث تبعاً لحدوث ذاته.
والكلام النفسي في الله قديم تبعاً لقدم ذاته.
يرد عليه :
1- المعنى القائم بالذات لا يقال له كلام حقيقة، وما يسبق الكلام اللفظي عند الإنسان أيضاً فهو عبارة عن العلم بكيفية نظم الكلام أو العزم على الكلام، وجميع هذه الأمور من مقولة العلم والإرادة(14).
2- الكلام النفسي عند الإنسان متتابع ومتوال، وهو متكوّن من مجموعة تصوّرات، وأمّا الكلام النفسي الذي ينسبه الأشاعرة إلى الله بالأوصاف التي ذكروها، فهو أمر لا يمكن تعقّله، ولا طريق إلى إثباته، فكيف يصح نسبته إلى الله تعالى(15) ؟!
____________
1- انظر: تاريخ الأمم والملوك، الطبري: ج 8 ، سنة 128، ص 631 ـ 645.
2- انظر: تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل التوحيد، مسألة: في كونه تعالى متكلّماً، ص106.
غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج 2، الكلام في صفة التكلّم، ص 59. المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في كونه تعالى متكلّماً، ص 211.
نهج الحق وكشف الصدق، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، البحث الرابع، حقيقة الكلام، ص 549.
3- انظر: المسائل العكبرية، الشيخ المفيد: المسألة الحادية عشر، ص 44. إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، تحقيق حول إثبات التكلّم للباري تعالى، ص 208 ـ 209.
4- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: أبواب العدل، كونه تعالى متكلّماً، ص 89 .
الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد، الشيخ الطوسي: القسم الأوّل، الفصل الثاني، التكلّم، ص 60.
تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، مسألة: في كونه تعالى متكلّماً، ص 107.
المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في كونه تعالى متكلّماً، ص 212.
كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثاني، الصفات الثبوتية (7): التكلّم، ص 189.
مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الرابع، البحث العاشر: ص 179.
5- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 27.
المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الأوّل، المطلب الثالث، ص 72، الباب الحادي عشر: العلاّمة الحلّي: الفصل الثاني، الصفة السابعة، ص 43. نهج الحق وكشف الصدق، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، البحث الرابع، ص 60.
6- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 8 ، ح 24، ص 117.
7- انظر: تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، مسألة في كونه تعالى متكلّماً، ص 106.
غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج 2، باب الكلام في التوحيد، الفصل الخامس، ص 58.
8- انظر: تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، ص 290 المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول بأنّ للكلام معنىً…، ص 227.
إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، تحقيق حول إثبات التكلّم للباري تعالى، ص 212. اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثامن، المرصد الثاني، الفصل الثاني، ص 203.
9- انظر: المواقف، القاضي الايجي، بشرح: الشريف الجرجاني: ج 3، الموقف الخامس، المرصد الرابع، المقد السابع، ص 135 و 142.
شرح المقاصد، سعدالدين التفتازاني: ج 4، المقصد الخامس، الفصل الثالث، المبحث السادس، ص 144.
10- انظر: إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، تحقيق حول إثبات التكلّم للباري تعالى، ص211.
11- انظر: المواقف، القاضي الايجي: بشرح الجرجاني: ج 3، الموقف الخامس، المرصد الرابع، ص134.
12- انظر: المصدر السابق.
13- انظر: المواقف، القاضي الايجي: بشرح: الشريف الجرجاني: ج 3، الموقف الخامس، المرصد الرابع، المقصد السابع، ص 134 و 139.
شرح المقاصد، سعدالدين التفتازاني: ج 4، المقصد الخامس، الفصل الثالث، المبحث السادس، ص 144، 147، 148، 163.
14- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج 1، القول في كونه تعالى متكلّماً، ص 215.
15- انظر: غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج 2، باب الكلام في التوحيد، الفصل الخامس، الكلام في صفة التكلّم، ص 60.
كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة السادسة، ص 403.
نهج الحقّ وكشف الصدق، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، البحث الرابع، ص 60.
المصدر: التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) / الشيخ علاء الحسون