- الإسلام
- القرآن
- النبي وأهل بيته
- الشيعة
- الأسرة
- أسئلة وأجوبة
- الدعاء وشروط استجابته
- وقت المطالعة : 6 دقیقة
- بواسطة : امین نجف
- 0 تعليق
المبحث الخامس: قدم أو حدوث كلام الله تعالى
قال الشيخ المفيد: “إنّ كلام الله مُحدث، وبذلك جاءت الآثار عن آل محمّد(عليهم السلام)، وعليه إجماع الإمامية”.(1)(2)
أدلة حدوث كلام الله :
1- كلام الله مركّب من حروف متتالية، متعاقبة في الوجود بحيث يتقدّم بعضها على بعض، ويسبق بعضها على بعض، ويعدم بعضها ببعض، وكلّ ما هو كذلك فهو حادث، فنستنتج بأنّ كلامه تعالى حادث(3).
2- الهدف من الكلام إفادة المخاطب، ولهذا يكون وجود الكلام قبل وجود المخاطب لغواً وعبثاً.
وقد ورد في كتاب الله خطاباً للأنبياء(عليهم السلام) والعباد، منها قوله تعالى:
{ ياأيها الرسول بلّغ ما انزل إليك من ربّك } [ المائدة: 68 ]
{ياأيّها النبي اتق الله } [ الأحزاب: 2 ]
{ يا أيّها الناس اعبدوا ربكم } [ البقرة: 21 ]
{ يا أيها الذين آمنوا… } [ البقرة: 104 ]
فلو كان كلام الله تعالى قديماً لم يحسن الخطاب.
فنستنتج حدوث كلامه تعالى(4).
3 ـ ورد في كلام الله تعالى إخبار عن الماضي، من قبيل قوله تعالى:
{ إنا ارسلنا نوحاً إلى قومه } [ نوح: 1 ]
{ إنا أوحينا إلى إبراهيم } [ النساء: 162 ]
{ لقد اهلكنا القرون } [ يونس: 13 ]
{ ضربنا لكم الأمثال } [ إبراهيم: 45 ]
{قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما… } [ المجادلة: 1 ]
فلو كان الكلام الإلهي قديماً، لاستلزم الكذب عليه تعالى; لأنّ الإخبار عن شيء قبل وقوعه كلام غير مطابق للواقع(5).
النتيجة : الكلام مفهوم منتزع من العلاقة بين الله والمخاطب.
ولهذا فهو من صفات الله الفعلية.
وبما أنّ أفعال الله كلّها حادثة، فنستنتج بأنّ كلام الله أيضاً حادث.
أضف إلى ذلك : الفرق بين “صفات الله الذاتية” وبين “صفات الله الفعلية” هو: أنّ الصفات الذاتية لا يمكن اتّصاف الله بنقيضها.
فلا يُقال: الله غير عالم، أو الله غير قادر.
أمّا الصفات الفعلية فهي ممّا يمكن اتّصاف الله بها في حال واتّصافه تعالى بنقيضها في حال آخر.
فيقال: خلق الله كذا ولم يخلق كذا.
ويقال: رزق الله فلان ولم يرزق فلان.
والكلام مثل الخلق والرزق.
فيُقال: كلّم الله تعالى موسى(عليه السلام)، ولم يكلّم فرعون.
الآيات القرآنية الدالة على حدوث كلام الله :
1- { ما يأتيهم من ذكر من ربّهم محدث إلاّ استمعوه وهم يلعبون } [ الأنبياء:2]
2- { وما يأتيهم من ذكر الرحمن محدث إلاّ كانوا عنه معرضين } [ الشعراء: 5 ]
والذكر هو القرآن(6)، والمحدث بمعنى الجديد، أي: إنّ القرآن أتاهم بعد الإنجيل.
وتبيّن هاتين الآيتين بصراحة بأنّ القرآن (كلام الله تعالى) مُحدث(7).
3 ـ { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً } [ الإسراء: 86 ]
فلو كان القرآن ـ وهو كلام الله ـ قديماً، لم يصح وصفه بالإذهاب والزوال.
4 ـ { وإذ قال ربّك للملائكة… } [ البقرة: 30 ]
و “إذ” ظرف زمان، والمختص بزمان معيّن مُحدَث، فنستنتج بأنّ قول الله المذكور في هذه الآية مُحدث.
5 ـ { ومن قبله كتاب موسى } [ هود: 17 ]
وما كان قبله شيء لا يكون قديماً(8)، وهذه الآية تصرّح بأنّ كلام الله في الإنجيل قبل كلام الله في القرآن، والقبلية والبعدية من علامات الحدوث، فنستنتج بأنّ كلام الله حادث(9).
بصورة عامة: وصف الله كلامه في القرآن الكريم بالنزول(10) والتفريق(11) والجمع(12) والقراءة (13) والترتيل(14) والجعل(15) والناسخ والمنسوخ(16) و..(17).
وجميع هذه الأمور من صفات الأشياء الحادثة، فنستنتج بأنّ كلام الله حادث.
أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) حول حدوث كلام الله :
1- قال الإمام علي(عليه السلام): “يقول [ تعالى ] لما أراد كونه “كن” فيكون، لا بصوت يَقرَع، ولا بنداء يُسمع، وإنّما كلامه سبحانه فعلٌ منه، أنشأه ومثّله، لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً”(18).
2- سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): لم يزل الله متكلّماً؟ فقال(عليه السلام): “إنّ الكلام صفة مُحدَثة ليست بأزلية، كان الله عزّ وجلّ ولا متكلّم”(19).
3- سئل الإمام الصادق(عليه السلام) أيضاً: لم يزل [ تعالى ] متكلّماً؟ فقال(عليه السلام): “الكلام مُحدَث، كان الله عزّ وجلّ وليس بمتكلّم، ثمّ أحدث الكلام”(20).
4- قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام) حول تكلّم الله عزّ وجلّ مع النبي موسى(عليه السلام)في طور سيناء حيث سمع قومه كلام الله تعالى:
“إنّ الله عزّ وجلّ أحدثه [ أي: أحدث كلامه تعالى ] في الشجرة، ثمّ جعله منبعثاً منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه”(21).
5- قال الإمام الكاظم(عليه السلام): “الكلام غير المتكلّم… وكلّ شيء سواه مخلوق”(22).
6- قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): “التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وكلّ كتاب أُنزل، كان كلام الله، أنزله للعالمين نوراً وهدى، وهي كلّها مُحدَثة، وهي غير الله، حيث يقول: { أو يحدث لهم ذكراً } [ طه: 113 ] وقال: { ما يأتيهم من ذكر من ربّهم محدث إلاّ استمعوه وهم يلعبون } [ الأنبياء: 2 ] والله أحدث الكتب كلّها التي أنزلها”(23).
موقف أهل البيت(عليهم السلام) من فتنة القول بقدم القرآن :
مرّ العالم الإسلامي في القرن الثالث بمحنة شديدة حول مسألة كون القرآن قديماً أو حادثاً، وبعبارة أخرى مخلوقاً أو غير مخلوق، ثمّ اتّخذت هذه المسألة طابعاً غير علمي، واستغلّها البعض لتكفير مخالفيهم وسفك دمائهم.
ولهذا نجد أنّ أئمة أهل البيت(عليهم السلام) منعوا أصحابهم في هذه الفترة من الخوض في هذه المسألة، واكتفوا في بياناتهم حول هذه المسألة بأنّ القرآن كلام الله عزّ وجلّ، ومن هذا الأحاديث:
1- سئل الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام): يابن رسول الله ما تقول في القرآن، فقد اختلف فيه من قِبَلنا، فقال قوم: إنّه مخلوق، وقال قوم: إنّه غير مخلوق؟
فقال(عليه السلام): “أمّا إنّي لا أقول في ذلك ما يقولون، ولكنّي أقول: إنّه كلام الله”(24).
2- سئل الإمام الرضا(عليه السلام) أيضاً: ما تقول في القرآن؟ فقال(عليه السلام): “كلام الله لا تتجاوزوه…”(25).
وبعد انقضاء فترة الفتنة بيّن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) موقفهم، وصرّحوا بحدوث القرآن ـ كما مرّ ذكرها ـ ونجد بوادر التصريح في الحديث الشريف التالي: كتب الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) إلى بعض شيعته ببغداد:
“… نحن نرى أنّ الجدال في القرآن بدعة… وليس الخالق إلاّ الله عزّ وجلّ وما سواه مخلوق…”(26).
أي: كلام الله غير الله تعالى، وكلّ ما هو غير الله فهو مُحدَث، فكلام الله مُحدَث.
تنبيه : الأفضل الاجتناب عن وصف القرآن بصفة “المخلوق”; لأنّ “المخلوق” يأتي بعض الأحيان في اللغة العربية بمعنى “المكذوب” و “المضاف إلى غير قائله” ويُقال: هذه قصيدة مخلوقة، أي: مكذوبة على صاحبها أو مضافة إلى غير قائلها.
ومنه قوله تعالى: { إنّ هذا إلاّ اختلاق } [ ص: 7 ] أي: كذب.
ولهذا ينبغي الامتناع من وصف القرآن بوصف “المخلوق” فيما لو كان موهماً للمعنى السلبي، ويلزم ـ في هذه الحالة ـ الاقتصار على وصف القرآن بصفة “الحدوث”(27) .
ولهذا نجد بأنّ أئمة أهل البيت(عليهم السلام) امتنعوا بعض الأحيان من وصف القرآن بصفة “المخلوق”، منها:
1- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): “القرآن كلام الله محدَث، غير مخلوق، وغير أزلي مع الله تعالى ذكره، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.
كان الله عزّ وجلّ ولا شيء غير الله معروف ولا مجهول.
كان عزّ وجلّ ولا متكلّم ولا مريد، ولا متحرّك ولا فاعل.
جلّ وعزّ ربّنا، فجميع هذه الصفات مُحدَثة، عند حدوث الفعل منه.
جلّ وعزّ ربّنا، والقرآن كلام الله غير مخلوق…”(28).
2- سُئل الإمام الرضا(عليه السلام): يابن رسول الله، أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق؟ فقال(عليه السلام): “ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله عزّ وجلّ”(29).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أوائل المقالات، الشيخ المفيد: رقم 19، القول في الصفات، ص 52.
2- ذهب المعتزلة أيضاً إلى أنّ حقيقة كلام الله تعالى هو الكلام اللفظي فقط، وأنّه مُحدث.
انظر: شرح الأصول الخمسة، القاضي عبدالجبار: الأصل الثاني، فصل: في القرآن، ص 528.
3- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 27. المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في كونه تعالى متكلّماً، ص 216. مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الرابع، البحث الحادي عشر، ص 193.
4- انظر: تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، مسألة: في كونه تعالى متكلّماً، ص 107. تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، مسألة: كلام الله، ص 308. نهج الحق وكشف الصدق، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الرابع، حدوث الكلام، ص 62. إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، الدليل على حدوث كلامه تعالى، ص 220.
5ـ انظر: تلخيص المحصل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، مسألة كلام الله، ص 308.
الرسالة السعدية، العلاّمة الحلّي: الفصل الأوّل، المسألة الرابعة، البحث الثاني،ص 46.
إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، الدليل على حدوث كلامه تعالى، ص 220.
اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثامن، المرصد الثاني، ص 203.
6- قال تعالى (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون) [الحجر 9] أي: إنّا نزّلنا القرآن.
7- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 27. شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: باب ما يجب اعتقاده في أبواب العدل، كونه تعالى متكلّماً، ص 91.
8- المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي، ج 1، القول في كونه تعالى متكلّماً، ص 216.
9- المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في كونه تعالى متكلّماً، ص 216.
10-(نزلنا عليك القرآن تنزيلاً ) [الإنسان: 23]
11-(وقرآنا فرقناه لتقرئه على الناس على مكث ) [الإسراء: 106]
12- ( 8) (إنّ علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) [القيامة: 16 ـ 18].
13- (ورتلناه ترتيلا ) [الفرقان: 32]
14- (إنا جعلناه قرآناً عربياً ) [الزخرف: 3]
15- (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) [البقرة: 106]
16- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: باب ما يجب اعتقاده في أبواب العدل، ص 91، كتاب الخلاف، الشيخ الطوسي: ج 6، كتاب الإيمان، مسألة 12، ص 122.
تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، مسألة: كلام الله قديم، ص 308. المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في كونه تعالى متكلّماً، ص 216.
17- نهج البلاغة، الشريف الرضي: خطبة 186، ص 368.
18ـ التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 11، ح 1، ص 135.
19-الأمالي، الشيخ الطوسي: المجلس السادس، ح 282 / 34، ص 168.
20-التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 8 ، ح 24، ص 118.
21- الكافي، الشيخ الكليني: كتاب التوحيد، باب النهي عن الجسم والصورة، ح 7، ص 106.
22- الاحتجاج، الشيخ الطبرسي: احتجاجات الإمام الرضا(عليه السلام)، رقم: 285، احتجاجه(عليه السلام)على أبي قرّة المحدّث، ص 374.
23- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 30: باب القرآن ما هو؟ ح 5، ص 219.
24- المصدر السابق: ح 2، ص 218.
25- المصدر السابق: ح 4، ص 218.
26- انظر: التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 30، ذيل ح 6، ص 220. شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: باب ما يجب اعتقاده في أبواب العدل، ص 91.
تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، مسألة: في كونه تعالى متكلّماً، ص 108.
كتاب الخلاف، الشيخ الطوسي: ج 6، كتاب الإيمان، مسألة 12، ص120. غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج 2، الفصل الخامس، الكلام في صفة التكلّم، ص64.
27ـ التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 30: باب القرآن ما هو؟، ح 7، ص 221.
28- المصدر السابق، ح 1، ص 218.
29- انظر: المواقف، القاضي الايجي، بشرح الشريف الجرجاني: ج 3، الموقف الخامس، المرصد الرابع، المقصد السابع، ص 135، 142. شرح المقاصد، سعدالدين التفتازاني: ج 4، المقصد الخامس، الفصل الثالث، المبحث السادس، ص 144.
المصدر: التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)/ الشيخ علاء الحسون